الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الإنفاق تحصين للمجتمع

قال الله تعالى:﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ 1.
تتعرض هذه الآية لقضية الإنفاق من المال الذي يجمعه الإنسان، وتشير أيضاً الى أن هذا المال ليس ملكاً مطلقاً لمن جمعه، وإنما هو خليفة الله فيه، وعلى من هو تحت يده أن يتصرف بالطريقة التي يريدها الله عز وجل.
وهذا يعني أن الإسلام ينظر الى المال على أنه وسيلة من وسائل تحقيق العيش الكريم لجامعه أولاً، ثم لبقية الناس ثانياً، حتى يتحقق التكافل الإجتماعي الذي يرفع عن المحتاجين العَوَز والفقر، ويعم بذلك الأمن والهدوء حياة الجميع.

وقد ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله: (لم نُبعَث لجمع المال...) وذلك لأن جمع المال وتكديسه في أيدي الموسرين فقط والأغنياء من دون تدوير وجعله أداة للإنتاج والتوزيع على الجميع سوف يؤدي في نهاية المطاف الى أن يصبح المال كله في يد حفنة قليلة من الناس تحتكر ثروة الشعب، مما يعني إيجاد الأسباب والمبررات لكثير من ألوان الفساد والإنحراف في المجتمع.

من هنا يعتبر الإسلام أن المال كالإنسان هو ملك لله، وليس حقاً لمن تحت يده فقط، حتى يملك الحرية المطلقة في التصرف فيه بالنحو الذي يتعارض مع حق المجتمع منه، كما نرى ذلك اليوم في بعض المجتمعات الغربية التي يتصرف الأغنياء فيها بالأموال المجموعة عندهم في أمور تافهة لا تمت الى روحية التواصل مع المعوزين بصلة، كما في شراء لوحات أشهر الفنانين أو شراء السيارات والبيوت الفاخرة جداً، أو في الوصية بصرفه على الحيوانات كالقطط والكلاب كما نسمع ذلك أحياناً.

ولهذا نرى الآية الكريمة تربط ما بين الإيمان من جهة، والمال المجموع من الجهة الأخرى، وتعتبر أن إنفاق المال حسب طرقه المشروعة من الأعمال الجليلة الممدوحة من الله سبحانه والمحققة للأجر والثواب اللذين يحصل عليهما من كان المال تحت يده.

ولا تعني الآية بالإنفاق الوارد فيها نمطاً محدداً كالصدقة أو إخراج حق الله والناس منه، وإنما تعني التصرف بالمال بكل وسيلة مباحة ولو بالتجارة أو إنشاء المصانع أو إستغلاله في أنواع المضاربة وما شابه، لأن المقصود بالإنفاق هنا ما كان في مقابل جمع المال وعدم تحريكه مما يؤدي الى حرمان قسم كبير من أبناء المجتمع الفوائد العائدة إليهم فيما لو تم تحريك ذلك المال.

من كل ما سبق يمكن القول إن الإنفاق يؤمن للمجتمع الخدمات التالية:

أولاً : سد حاجة المعوزين المفتقرين الى المال لتأمين وسائل العيش الكريم.

ثانياً : تحقيق نوع من التكافل الإجتماعي وتوفير الحد الأدنى للجميع.

ثالثاً : عدم التبذير والإسراف للمال في الأمور غير المفيدة للمبذر والمجتمع على السواء.

رابعاً : الثواب والأجر العظيمان اللذان يحصل عليهما منفق المال من منظور الإسلام.

خامساً : رفع الأسباب والمبررات لتغلغل الفساد الأخلاقي في المجتمع.

وهذا يعني أن حالة المجتمع كلما كانت متدنية في مستواها الإجتماعي من خلال العجز عن تأمين وسائل العيش الكريم، كلما صار الإنفاق أمراً ضرورياً ولازماً على الموسرين القادرين على إنفاق المال بالطريقة التي تعيد التوازن وتتحقق نوعاً ما من التكافل المطلوب ليعيش الجميع في حالة من الأمن والسلام.

من هنا، نوجه الدعوة الى كل الموسرين من أبناء هذا الشعب وهذه الأمة إلى أن يطبقوا مضمون هذه الآية القرآنية، خاصة وأن الأمة تتعرض هذه الأيام لمحنة قاسية من جانب الأعداء، وعمدة وسائلهم التي يعتمدونها وهي الحرية الإقتصادية التي نشهد آثارها عندنا في لبنان كمثل نتعايش معه يومياً ونشكل جزءاً من المعاناة العامة التي تعيشها الأمة بشكل عام، وهو خطوة على طريق التحرر من التبعية للأنظمة والمستكبر على حد سواء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.2

  • 1. القران الكريم: سورة الحديد (57)، الآية: 7، الصفحة: 538.
  • 2. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ:السبت, 15 شباط/فبراير 2014.