الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الامام العسكري

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) هو الإمام الحادي عشر من سلسلة الأئمة الأطهار (عليه السلام)، أطل على الدنيا سنة 231، عاش القسم الأكبر من حياته في ظل أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) إلى أن استقل بالإمامة بعده وذلك سنة 254، واستمر بها إلى حين وفاته سهنة 260 هـ.
من ألقابه "الخالص" و"التقي" و"النقي" وأشهرها "العسكري" نسبة إلى "سامراء" حيث كانت تسمى بـ "عسكر" أيضاً.
تميز عصره بضعف موقع الخلافة العباسية بشكل عام بسبب تسلط الموالي والأتراك على الخلفاء، إلا أن هذا الضعف لم يخفف من الضغوطات وأعمال المراقبة على الإمام (عليه السلام)، وكان مجبراً كأبيه من قبل على البقاء في "سامراء" تحت نظر السلطة التي كان لها موقف ثابت من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وقد عاصر في فترة إمامته القصيرة نسبياً عدداً من خلفاء بني العباس كان أولهم المعز، ثم المهتدي، ثم المعتمد.
والمسار العلمي الذي اتبعه الإمام (عليه السلام) مع الخلفاء كان يقوم على الحذر من هؤلاء، بحيث لم يسمح لهم بأن يصنفوه في خانة الولاء لهم، وحافظ بذلك على استقلالية خط الإمامة عن خط السلطة، وهذا أكسب الإمام (عليه السلام) احتراماً وتقديراً عند رجالات بني العباس مع ما هم عليه من الحقد والكره لأهل البيت (عليهم السلام)، حتى أن وزيراً للعباسيين قال لولده في حوار حول شخصية الإمام (عليه السلام): (يا بني لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه).
وقد تميزت إمامة العسكري (عليه السلام) بأمرين مهمين:
الأول: أنه والد الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" وهذه مفخرة عظيمة للإمام العسكري (عليه السلام)، حيث خرج من صلبه الإمام الذي أوكلت إليه مهمة تصحيح المسيرة الإنسانية نحو الله عز وجل طبقاً لمضمون الأحاديث الكثيرة جداً التي تنص على هذا (ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
وهذا الأمر استدعى من الإمام (عليه السلام) الحذر التام في قضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حيث أخفى الله حمل والدته له فلم يظهر عليها شيء من أمارات الحمل، كما أخفى الإمام أمر ولادته فلم يعلن ذلك إلا أمام أخته التي أشرفت على الولادة ولبعض الثقاة المخلصين من أتباعه، ولعله ليكونوا الحجة والبرهان على ولادته "عجل الله تعالى فرجه".
الثاني: "تمهيد الأجواء للغيبة" وذلك لأن الشيعة اعتادت بعد وفاة كل إمام أن تعود إلى الإمام الذي يليه لترتبط به عقائدياً وفقهياً، إلا أن خلو الساحة من الإمام العسكري (عليه السلام) لن تكون مستعدة لإمام حاضر بعده، فكان لا بد من التمهيد لعصر الغيبة ولنوع آخر من الارتباط بالإمامة الحقة، ولهذا اعتمد الإمام (عليه السلام) أسلوباً معيناً للتواصل مع قواعده وأتباعه مع كونه موجوداً وهو "التوكيل"، حيث كان هؤلاء الوكلاء ينقلون المكاتيب والمراسلات إلى الإمام (عليه السلام) فيجيب عنها ويردها إلى الأتباع من خلالهم أيضاً.
ولا شك أن الأحاديث المتواترة عن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تدل على تحقق ذلك الأمر، إلا أنه يحتاج إلى تمهيد حتى تتقبل الناس فكرة غياب الإمام بشكل مباشر، وأن التواصل معه سيكون بطرق أخرى غير التي اعتاد عليها.
وهكذا غرس الإمام (عليه السلام) هذه الفكرة في التواصل معه ليكون كل هذا الجو ممهداً لغيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من دون أن يحدث هناك أي خلل أو اضطراب في العلاقة.
ومع كل هذه العناية من الإمام (عليه السلام) بتحقيق هذا الأمر، نرى أن هناك محاولة جرت من جانب أخ للإمام (عليه السلام) يدعى "جعفر" وكان معروفاً بفسقه وفجوره وقد أراد أن ينسب الإمامة إلى نفسه وطلب مساعدة العباسيين لتحقيق ذلك، إلا أن الإمام (عليه السلام) الذي كان قد أشبع هذه القضية عناية ورعاية أفشل مسعى جعفر ومن يدعمونه، خاصة وأن مواصفاته لا تتطابق مع ما ينبغي أن يكون عليه الإمام الحق الذي لا يحتاج زائداً عن الصفات الإيمانية إلى شهادة تزكية من أحد خصوصاً السلطة العباسية الظالمة.
فالسلام على الإمام العسكري (عليه السلام) يوم ولد، ويوم رحل، ويوم يبعث حياً، ونسأل الله العلي القدير أن يديمنا على ولايتهم وأن يرزقنا شفاعتهم وشفاعة جدهم الأكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة. والحمد لله رب العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.