مجموع الأصوات: 11
نشر قبل سنتان
القراءات: 1972

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تأخّر إنجاز الوعد الإلهي

هناك أوجه تشابه وتماثل كثيرة ومن زوايا متعدّدة ومتنوّعة بين الظاهرة القرآنية، فيما سرده وقصَّه واستعرضه القرآن الكريم من سيرة النبيّ نوح وسُنّة الله فيه، وبين العقيدة بالإمام المهدي عليه السلام وغيبته.
ونحن بقدر جهدنا نستعرض بعض هذه الأمور: منها طول الطريق للوصول إلى فترة إنجاز الوعد الإلهي في الإصلاح، أو قد يعبَّر عنه وكما ورد في جملة من الروايات في بيان هذه الظاهرة القرآنية (إبطاء الوعد الإلهي لإنجاز الإصلاح)، هذا الإبطاء يخبرنا به القرآن الكريم: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ... 1.
فالملفت هنا أوّلاً طول مدّة إنجاز الوعد الإلهي فهي ما يقارب من عشرة قرون إلاَّ نصف قرن،وهي مدّة ممتدّة طويلة بعيدة الأمد.
فوجه المماثلة واضح بين ظاهرة النبيّ نوح عليه السلام القرآنية والعقيدة بحياة الإمام المهدي عليه السلام ، والذي سوف يختم نجاح هذا الدين القويم على أرجاء الأرض كافّة بأهل البيت عليهم السلام، فبهم الخاتمة المشرفة النيّرة الشامخة العظيمة، فكما بدأ وانتشر دين الإسلام بهم فإنَّ الله جل جلاله سيختم بهم، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، وإن اختلفوا في الاعتقاد بولادة الإمام المهدي عليه السلام .
وهذه عظة من القرآن الكريم لهذه الأمّة بأن سيقع فيها أيضاً إبطاء في إنجاز الوعد الإلهي العظيم، هذا الإنجاز وهذا الحدث الهائل الكبير الذي تستعدّ البشرية لوقوعه، وبرغم هذا الإبطاء إلاَّ أنَّه ابطاء لا يؤدّي إلى اليأس من روح الله ﴿ ... إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ 2، كيف وقد استعرض وبيَّن لنا القرآن الكريم أنَّ سُنّة الله تجري في أدوار من الإصلاح قد يمتدّ ويطول به الزمن، كي تتهيَّأ البشرية وتمرّ في حالة إعداد لوقوعه، كطوفان النبيّ نوح عليه السلام ذلك الحادث المجلجل للبشرية،كما يعبّر القرآن الكريم عنه بالقول: ﴿ ... وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ 3، هذا يعني أن الطوفان العظيم مضرب مثل واضح، لأنَّ فيه هزَّة للبشرية والكرة الأرضية بشكل عام وشامل.
وقد وردت في الأحاديث إشارة إلى مثل هذه الزاوية من الشبه بين ظاهرة الإصلاح الموعود به النبيّ نوح عليه السلام وظاهرة الإصلاح الموعود به في دين الاسلام لإنجازه على يد المهدي عليه السلام من ذرّية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، الثاني عشر من خلفاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن هذا الوجه كان على المؤمنين أن لا ييأسوا من روح الله ولا يخفق إيمانهم ولا ينقطع ولا يزول، ولا ينعدم -والعياذ بالله- عن هذه العقيدة العظيمة بالوعد الإلهي بالإصلاح في أرجاء الأرض كافّة بسبب تطاوله وتأخّره ، بل يجب أن يزيدهم ذلك وثوقا وايمانا بوقوع هذا الإصلاح، فهو نوع من الاختبار العظيم، كي يصدق الله وعده بأنه يستخلف في الأرض الذين أخلصوا التوحيد والإيمان واعتصموا بحبل ولاية الله ورسله وأوصيائه وحججه ويمكّن لهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً، ولكي تخلص العبادة له، ولكن كيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمن في المؤمنين من دون إثارة الفتن وإيقاع الحروب بين المخلصين من المؤمنين، وبين من أسرَّ منهم النفاق فيكاشفونهم بالعداوة والحرب. فلن يكون هناك صفاء في البشرية إلاَّ عندما يزداد تسليط نار المحنة ونار الامتحان، فالامر كالمعدن يفتن بالنار إلى أن يصفو، ومن الواضح أنَّ الصفاء الذي لا شوب فيه يحتاج إلى طول مدّة.
صحيفة صدى المهدي عليه السلام، العدد الأخير/ جمادى الأولى/ ١٤٣٧هـ 4.