الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تحديد الإسلام بكلمة واحدة

قرأت في جريدة الجمهورية المصرية تاريخ 21 نيسان سنة 1967 كلمة قال كاتبها ضياء الريس : انه قرأ مقالا في مجلة أدبية لكاتب عربي شهير ، قال فيه : انه ـ أي الكاتب ـ حين كان عضوا في البعثة العلمية بالنكلترا اشتبك في نقاش حاد مع انكليزية مثقفة حول الإسلام و المسيحية ، فقالت الانكليزية ـ متحدية جميع المسلمين بشخص الكاتب المسلم ـ اني ألخص مبادئ المسيحية كلها بكلمة واحدة ، و هي المحبة ، فهل تستطيع أنت ـ أيها المسلم ـ ان تأتي بكلمة تجمع مبادئ الإسلام ؟ فأجابها الكاتب المسلم : أجل ، انها كلمة التوحيد .
و بعد ان نقل الريس هذا الحوار قال : لم يكن الجواب موفقا ، و ذكر أسبابا وجيهة و صحيحة تدعم حكمه على الكاتب بعدم التوفيق ، و بعد ان انتهى الريس من حكمه و أسبابه الموجبة قال : لو وجه الي هذا السؤال لأجبت بأن هذه الكلمة هي الرحمة ، و استدل على صحة جوابه هذا بالعديد من الآيات و الروايات مبتدئا بـ ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1 .. الى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ 2 .. الخ و صدق الريس في قوله : ان الكاتب لم يكن موفقا في جوابه .. و لكن الريس أيضا لم يكن موفقا في اختياره كلمة الرحمة ، لأنه لم يزد شيئا على ما قالته الانكليزية ، حيث أخذ كلمة المحبة منها ، و ترجمها الى كلمة الرحمة ، و على هذا لا يكون للإسلام أية ميزة على المسيحية .
و لو كنت حاضرا مع البعثة العلمية بانكلترا لأجبت بكلمة « الاستقامة » فإنها الكلمة الجامعة المانعة الشاملة للاستقامة في العقيدة بما فيها التوحيد و التنزيه عن الشبيه ، و أيضا تشمل الاستقامة في الأعمال و الأخلاق و الأحكام و جميع التعاليم بما فيها الرحمة و المحبة و التعاون . ان الرحمة من مبادئ الإسلام ، و ليست الإسلام بكامله ، كما ان التوحيد أصل من أصوله ، لا أصوله بأجمعها .
و بما ان الاستقامة تجمع المحبة و الرحمة و التوحيد ، و سائر الأصول الحقة ، و الأعمال الخيرية ، و الأخلاق الكريمة المستقيمة ، و بما انها المقياس الصحيح للفضيلة و الكمال الذي يبلغ بالإنسان الى سعادة الدنيا و الآخرة .. لذلك كله أمرنا أن نكرر في صلاتنا صباح مساء : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ 3 .. و قال عز من قائل مخاطبا نبيه الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) : ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4 . و قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 5 .
و لا شي‏ء أدل على ان الاستقامة هي الكل في الكل من قول إبليس اللعين : ﴿ ... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 6 .
و جاء في الحديث الشريف : « قال سفيان الثقفي: يا رسول اللّه قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا بعدك . قال رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) : قل: آمنت باللّه ، ثم استقم » .
و اختصارا ان معنى الاستقامة أن نقف عند حدود اللّه ، و لا ننحرف عن الحق الى الباطل ، و عن الهداية الى الضلال ، و ان نسير بعقيدتنا و عاطفتنا ، و جميع أقوالنا و أفعالنا على الصراط المستقيم ، ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ 7 8 .