تقيمك هو: 2. مجموع الأصوات: 31
نشر قبل 4 سنوات
القراءات: 4809

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حرمة تولي الكافرين

قال الله تعالى: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا 1.
في الكثير من الحالات قد يتظاهر البعض من الأفراد أو الأنظمة بأنّها تعمل جاهدة من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وذلك من أجل خلق جوٍّ من التأييد لما تتّخذه من خطواتٍ أو مواقف، أو من أجل إشاعة جوٍّ من الطمأنينة يجعل المقصودين من ذلك يخلدون إلى السكون والدعة، بينما يكون الواقع الذي يعمل فيه أولئك بعيداً عن كلّ ما يتظاهرون به أمام الآخرين.
من هنا توضح الآية الكريمة أنّ الميزان للتمييز بين الذين يطلقون الشعارات والدعاوى هو نوعية العلاقات القائمة في واقع تحرّكاتهم أو تحالفاتهم التي يعقدونها أو من خلال القوى التي يركنون ويستندون إليها، فهذه الأمور هي المحكّ الذي نحاكم على أساسه كلّ مطلقي الشعارات الكبيرة منها والصغيرة على حدٍّ سواء.
والوصف الذي يطلقه القرآن وهو "المنافقون" ليس المقصود منه الذين لم تؤمن قلوبهم فقط، وإنّما تشمل الذين يملكون بعضاً من الإيمان، لكنّهم يعملون للوصول إلى ما يحقّق شعاراتهم ودعاويهم بالإستناد إلى الكافرين الذين لا يعرفون الإيمان، وقد يكونون في الموقع المحارب والمقاتل للمؤمنين أيضاً، فضلاً عن معارضته وعدم الإعتراف به.
والسبب في النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء وبالتالي التهديد بالعذاب والخزي الإلهيين هو أنّ ذلك العمل لن يكون إلاّ على حساب الحقّ والعدل، وسيؤدّي بالتالي إلى إضعاف المؤمنين الصادقين الساعين بإخلاصٍ من أجل قضاياهم بنحوٍ لا يجعلهم مرتهنين للكافرين أو واقعين تحت نفوذهم وتأثيرهم وسيطرتهم.
ثمّ تنتقل الآية نحو الإستفهام الإستنكاري لتلك الطريقة المخالفة لسيرة المؤمنين الإلهيين "أيبتغون عندهم العزّة؟" فهل أنّ ذلك الإتّخاذ هو لتحقيق العزّة أو للوصول إليها؟ وهل أنّ العزّة هبة تُعطى لمن يريد التوصّل إلى حقّه بهذا الأسلوب غير المحبوب إسلامياً؟ أم أنّها تنال عن طريق الجهاد والشرف والتضحية من موقع الإرادة الحرّة المستقلّة التي تقاتل عن حقّها بالوسائل التي تحفظ الكرامة وتصون الحرية والعزّة معاً؟
وبالتالي تبيّن الآية أنّ العزة لا يمكن التوصّل إليها بذلك الأسلوب الخاطئ والمنحرف، لأنّ العزّة الحقيقية هي لله ومنه لعباده المؤمنين الصالحين والصادقين معه في حركاتهم ومواقفهم الرسالية والجهادية، والذين لا يتخلّون عن مبادئهم في سبيل الوصول إلى مطلب حقٍّ بسلوك طريق خاطئ.
فالعزّة الحقيقية هي للمسلم ولو كان في مقام المحكوم، والكافر في موقع الذلّ ولو كان في مقام الحاكم وفق مقاييس القوّة والضعف الماديين في الدنيا، إلاّ أنّ ذلك لا ينبغي أن يبرّر اللجوء إلى الأقوى من أجل تحقيق أمرٍ كان يمكن الوصول إليه بطريقةٍ تحفظ المبادئ والأصول الإنسانية والإسلامية.
والذي يمكن أن نستوحيه في المحصّلة من هذا الجو القرآني أنّ من يريد أن يتّخذ الكافر وليّاً له للحصول على حقٍّ أو للحفاظ على موقع من أجل الوصول إلى العزّة التي يتصوّر أو يتوهّم أنّه يمكن أن ينالها عبر سلوك هذا الطريق، فإنّ هذه النتيجة لن يحصل عليها أبداً، لأنّ الإتخاذ من الكافرين أولياء ستجعله عبداً مأجوراً لإرادتهم وسوف تسخّره من أجل أهدافها وغاياتها، بل وقد تدفع به إلى تدمير كلّ ما كان يسعى إليه عندما يرضى بأن يرهن شعبه وأمّته لإرادة أولئك الكافرين.
وهذا ما ينطبق على واقع الأمّة الإسلامية في هذا الزمن، حيث نرى أنّ الفلسطينيين من خلال قيادتهم المنحرفة المنافقة تلجأ إلى الشيطان الأكبر "أمريكا" للوصول إلى تحقيق بعضٍ قليل جدا ًمن الأهداف والشعارات التي رفعوها، أو الأنظمة الخليجية أو الجزائر وغيرها من دول المغرب العربي التي تلجأ إلى الدول الغربية ومنها "فرنسا" لكي تساعدها على تقليص نفوذ الإسلاميين المجاهدين الذين لا يريدون رهن أمّتهم وشعوبهم لإرادة تلك القوى الكافرة.
والنتيجة التي نريد الوصول إليها أنّ كلّ هذه الأساليب لن تستطيع أن تمنع من صنع القوة الإسلامية البديلة التي قد يتأخر نهوضها الشمولي عبر هذا التحالف غير المقدّس بين هؤلاء المتظاهرين بالإسلام والإيمان مع القوى الإستكبارية وعلى رأسها أمريكا من جهة، أو فرنسا من الجهة الأخرى، إلاّ أنّ هذا التحالف لن يتمكّن من تجميدها أو إلغائها، وستبقى تسير في خطّ العزّة والحرية والإستقلال إلى حين تحقيق الأهداف مع الحفاظ على المبادئ والقيم، وساعتئذٍ سوف يكون مصير هؤلاء المنافقين مصيراً شديداً في الدنيا على يد المؤمنين المجاهدين وفي الآخرة عند المليك المقتدر.
والحمد لله ربّ العالمين2.

  • 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 138 و 139، الصفحة: 100.
  • 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.