الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

خطة المتوكل لإبادة أهل البيت (ع) وشيعتهم

كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « ٧ / ٥٦ » : « وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، في محبة علي وأهل بيته!

وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمر بن فرج الرخجي ، وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية ، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة.

وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم. ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان ، فغطت هذه السيئة جميع حسناته ، وكان من أحسن الناس سيرة ، ومنع الناس من القول بخلق القرآن ، إلى غير ذلك من المحاسن ».

وهذا وغيره يدل على أن سياسة المتوكل في بغض أهل البيت (ع) لم تكن عابرة ، بل كانت عن عمد وإصرار ، وتخطيط!

أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز!

قال أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥ : « واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي ، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البِرِّ بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ ، إلا أنهكه عقوبةً وأثقله غُرْماً! حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر!

إلى أن قتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم ، ووجه بمال فرقه فيهم ، وكان يؤثرمخالفة أبيه في جميع أحواله ، ومضادة مذهبه ».

أقول : لاحظ الإنحطاط الذي وصل اليه عمر الرخجي غلام المتوكل ، حيث حبس آل الرسول (ص) في المدينة ، ومنع من يحتاج منهم الى الطعام والشر ـ اب أن يطلب مساعدة أحد ، ثم كان يعاقب من يساعده بعقاب شديد وغرامة كبيرة!

وهو بذلك يتعمد إفقارهم وإذلالهم ليموتوا جوعاً!

وقد دفع ذلك عدداً منهم الى الثورة في هذا البلد وذاك ، لأن المسلمين يثقون بهم ولا يثقون بالعباسيين ، ومنهم من يبذل نصرته ودمه للعلويين.

ومعنى : كان القميص بين عدد من العلويات .. أنه قد يوجد مجموعة نساء في بيت ، ليس عندهن ثياب وافية للصلاة بعددهن ، فيتبادلن الثوب للصلاة فتصلي فيه واحدة بعد الأخرى ، ثم يجلسن للعمل بثيابهن غير الساترة!

قال البيومي في الإمامة وأهل البيت « ٣ / ١٩٣ » : « وهكذا شرَّع من يسمونه أمير المؤمنين المتوكل على الله ، أن تقبع العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات ، يتبادلن القميص المرقع عند الصلاة ، وأن تختال الفاجرات العاهرات بالحلي وحلل الديباج ، بين الإماء والعبيد ».

اضطهد المتوكل الشيعة في مصر

في البيان للمقريزي « ١ / ٣٩ » : « ظلت مصر ملجأً آمناَ لآل علي بن أبي طالب إلى أن جاء زمن المتوكل العباسي ، وكان يبغض العلويين ، فأمر واليه في مصر بإخراج آل علي بن أبي طالب منها ، فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام ٢٣٦ ، ثم نقلوا إلى المدينة في العام نفسه ، واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ».

وقال البلاذري في أنساب الأشراف : ٣ / ١٣٧ ، ونحوه الطبري : ٦ / ٤١٦ : « كان إدريس بن عبد الله بن حسن في وقعة فخ مع الحسين بن علي ، فهرب في خلافة الهادي إلى مصر ، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن منصور ، الذي يعرف بالمسكين ، وكان واضح يتشيع ، فحمله على البريد إلى المغرب .. ».

وفي المواعظ للمقريزي « ٤ / ١٥٩ » : « ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق ، فأخرجهم إسحاق بن يحيى الختلي أمير مصر ، وفرق فيهم الأموال ليتجملوا بها ، وأعطى كل رجل ثلاثين ديناراً ، والمرأة خمسة عشر ديناراً ، فخرجوا لعشر خلون من رجب سنة ست وثلاثين ومائتين ، وقدموا العراق فأخرجوا إلى المدينة في شوال منها ، واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ، حتى أن يزيد بن عبد الله أمير مصر ضرب رجلاً من الجند في شئ وجب عليه ، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه ، فزاده ثلاثين درة « ضربة » ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكل ، فورد الكتاب على يزيد بضرب ذلك الجندي مائة سوط ، فضربها ، وحمل بعد ذلك إلى العراق في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين!

وتتبع يزيد الروافض فحملهم إلى العراق ، ودل في شعبان على رجل يقال له محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنه بويع له ، فأحرق الموضع الذي كان به وأخذه فأقر على جمع من الناس بايعوه ، فضرب بعضهم بالسياط ، وأخرج العلوي هو وجمع من آل أبي طالب ، إلى العراق في شهر رمضان. ومات المتوكل في شوال ».

وفي النجوم الزاهرة « ٢ / ٣٠٩ » : « يزيد بن عبد الله بن دينار « والي مصرسنة ٢٤٢ » تتبع الروافض بمصر وأبادهم ، وعاقبهم ، وامتحنهم ، وقمع أكابرهم ، وحمل منهم جماعة إلى العراق على أقبح وجه. ثم التفت إلى العلويين فجرت عليهم منه شدائد من الضيق عليهم ، وأخرجهم من مصر ».

واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج

في تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٨٥ » : « وسخط على عمر بن فرج الرخجي وعلى أخيه محمد ، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك ، فوجه كتاباً في حمله ، وقبضت أموالهما ، وكان ذلك في سنة ٢٣٣ ، وكان عمر محبوساً ببغداد ، ومحمد محبوساً بسر من رأى ، فأقاما سنتين ».

وقال الطبري « ٧ / ٣٤٧ » : « فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ، فحبس عنده وكتب في قبض ضياعه وأمواله ... وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار ، وحمل من داره من المتاع ستة عشر بعيراً فرشاً ، ومن الجوهر قيمة أربعين ألف دينار ».

أقول : كان محمد بن الفرج (رحمه الله) عالماً تقياً مؤلفاً ، ويظهر أن سبب قبوله ولاية مصر أن المتوكل جعل ولايتها لابنه المنتصر فولاه عليها.

ولا بد أن يكون محمد استأذن الإمام الهادي (ع) لأنه ملتزم بطاعته ، ومكانته عنده جليلة ، وقد أرسل اليه ينبهه الى الإستعداد لغضب المتوكل!

ففي الكافي « ١ / ٥٠٠ » عن النوفلي قال : « قال لي محمد بن الفرج : إن أبا الحسن (ع) كتب إليه : يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك. قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما كتب إلي حتى ورد عليَّ رسولٌ حملني من مصر مقيداً ، وضَرَبَ على كل ما أملك « صادره »! وكنت في السجن ثمان سنين.

ثم ورد عليَّ منه (ع) في السجن كتاب فيه : يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. فقرأت الكتاب فقلت : يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن ، إن هذا لعجب! فما مكثت أن خُلِّيَ عني ، والحمد لله ».

وفي الإرشاد « ٢ / ٣٠٤ » : « وروى أحمد بن عيسى قال : أخبرني أبويعقوب قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا ، وقد استقبل أبا الحسن (ع) فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتل محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيام من علته ، فحدثني أن أبا الحسن (ع) قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه ، قال : فكُفِّنَ فيه والله ».

أقول : ترجمنا لمحمد رضي الله عنه في سيرة الجواد (ع) وكان من كبار أصحاب الأئمة (ع). وأخوه عمر من أشد النواصب ، وعلاقتهما مع ذلك جيدة!

واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر

روت مصادر التاريخ أن المتوكل أمر بإهانة قاضي قضاة مصر : أبي بكر محمد بن أبي الليث ، بحجة أنه أكل أموال الناس ، والسبب أمر آخر!

ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي « ١ / ٢٥٣ » : « وفي سنة سبع وثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر أبي بكر محمد بن أبي الليث ، وأن يضربه ويطوف به على حمار! ففعل ونعمَ ما فعل ، فإنه كان ظالماً من رؤوس الجهمية ، وولي القضاء بدله الحارث بن مسكين من أصحاب مالك وبعد تمنُّع ، وأهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد المظالم إلى أهلها ».

لكن الظاهر خلافاً للسيوطي أن سبب عزله أنه حكم لخصم وكيل أم المتوكل ، وحكم بوراثة أبناء البنات ، فنقم عليه المتوكل ، لأنه يجب أن يحكم دائماً لوكلاء الخليفة ومن يتعلق به! ويجب أن يحكم بوراثة العم والعصبة ، لأن العباسيين يعتبرون الحكم بوراثة أبناء البنات حكماً بوراثة الحسن والحسين (ع) لخلافة النبي (ص) دون عمه العباس ، ولذلك يحكمون بوراثة العشيرة!

قال ابن حجر في كتابه : رفع الإصر عن قضاة مصر « ١ / ١٢١ » : « خوصم إلى الحارث في دار من دور السيدة أم الخليفة فحكم على وكيلها ، فأخرج الدار من يده ودفعها للخصم ، فكتب بذلك الوكيل إلى العراق ، فجاء كتاب الفضل بن مروان إلى أمير مصر ينكر على الحارث ذلك ويقول في كتابه : إن الحارث لم يزل معروفاً بالإنحراف عن السلطان والمباعدة لأسبابه ، فتُكلمه أن مقام وكلاء جهة أمير المؤمنين في ضياعها ودورها ومستغلاتها بمصر ، مقامُ من يحوطها.

ويأمرُ برد الدار التي كانت في أيديهم لهم ، كما كانت قبل حكمه فيها ، وترك النظر في شئ مما في أيدي وكلائها بما يوهن أمرهم!

وتأمره بالتقدم إلى الحارث ، بعدم التعرض إلى النظر في شئ يتعلق بأمير المؤمنين وبمنعه من ذلك إن حاوله. وكتب في ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين.

ولم يزل الحارث على طريقته حتى حكم في دار الفيل ، وهي دار أبي عثيم مولى مسلمة بن مخلد ، وكان تحبيسها في سنة ثلاث وتسعين. وأصل ذلك أن جماعة من قضاة مصر منهم توبة والفضل بن فضالة والعمري وهارون الزهري أخرجوا وتاجاً مولى أبي عثيم من الحبس « الوقف » لأن صاحب الحبس لم يسمه في كتاب تحبيسه. ثم آل الاستحقاق إلى محمد بن ناصح مولى أبي عثيم ، وإلى عزة بنت عمرو بن رافع مولى ابن عثيم ، فتوفيت عزة وتركت ولدها إبراهيم بن عبد الصمد المعروف بابن السائح ، فخاصمهم فيها فأخرجهم الزهري ، وحكم بإخراج بني البنات من العقب.

فلما ولي محمد بن أبي الليث فسخ حكم الزهري ودفع نصيبها إلى بني السائح. فلما ولي الحارث بن مسكين فسخ حكم ابن أبي الليث ، وأخرج بني السائح فخرج إسحاق بن إبراهيم بن عبد الصمد بن السائح ، إلى العراق فتظلم من الحارث ورفع قصته إلى المتوكل ، فأمر بإحضار الفقهاء فحضروا ، واتفقوا على تخطئة الحارث في الحكم المذكور ، وتناولوه بألسنتهم!

وكان الفقهاء الذين نظروا في قضية الحارث على رأي الكوفيين ، وحكم الحارث إنما هوعلى رأي المدنيين ، وبلغ ذلك الحارث ما جرى هناك من ذكره ، فخشي من العزل ، فبادر بكتاب إلى العراق يستعفي ، فصادف وصول كتابه عقب أمر المتوكل بعزله ، فكتب إليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قاضي العراق : إن كتابك وصل باستعفائكم فأنهيت كتابك إلى أمير المؤمنين وأنك تستعفي مما تقلدته من القضاء ، فأمر أيده الله بإجابتك إلى ذلك وإعفائك إسعافاً لك فيما سألت ، وتفضلاً بما أدى إلى موافقة فراقك في العمل بحسب ذلك موفقاً. وكتب المتوكل إلى أمير مصر يزيد بن عبد الله بن الأغلب بالنظر في قضية ابن السائح ، فجمع أهل البلد من الفقهاء والشيوخ ، وكان ورود الكتاب عليه بالصرف في يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين ».

أقول : العجب من بعض الرواة كالذهبي والسيوطي ، حيث ذموا الحارث بن أبي الليث وجعلوه جهمياً ، ظالماً آكلاً أموال الناس ، وإنما ذنبه أنه خالف هوى المتوكل في بعض أحكامه ، فغضب عليه المتوكل ، وقلده الرواة!

قال الذهبي في سيره « ٩ / ٤٤٦ » : « وبعث المتوكل إلى نائبه بمصر فحلق لحية قاضي القضاة محمد بن أبي الليث وضربه ، وطوف به على حمار في رمضان وسجن ، وكان ظلوماً جهمياً ، ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين ، فكان يضربه كل حين عشرين سوطاً ليؤدي ما وجب عليه ، فإنا لله ».

وقال ابن حجر : « فكانوا يحضرون محمد بن أبي الليث كل يوم بين يدي الحارث ، فيضربه عشرين سوطاً ، ليخرج عما يجب عليه من الحقوق ، فأقام على ذلك أياماً ثم أشير عليه بتركه. وقيل له إنه لا ينبغي للقاضي فعل ذلك لقبحه ، فصرفه ».

وواصل المتوكل اضطهاد ابن أبي الليث ، فصادر أمواله وأموال أقاربه ، ولو كانت مهمة لذكروها. وحمله الى بغداد ومات فيها سنة ٢٥٥. « تاريخ بغداد « ٢ / ٢٩١ ».

واضطهد أحد تجار بغداد

وذكر الطبري في تاريخه قصة وجيه في بغداد ، قتله المتوكل بتهمة شتم الشيخين ، والمرجح أنه كان معارضاً للمتوكل أومحباً لأهل البيت (ع) ، فقد كانت قصته بعد غضب أهل بغداد لهدم قبر الحسين (ع) وكتابتهم شتم المتوكل على الجدران ، فيظهر أن السلطة دبرت له هذه التهمة ، وقتله الخليفة هذه القتلة!

قال الطبري « ٧ / ٣٧٥ » : « وفيها « سنة ٢٤١ » ضُرِب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم ، صاحب خان عاصم ببغداد ضرب فيما قيل ألف سوط. وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضي الشرقية عليه ، أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة ، وسبعة عشر رجلاً ، شهاداتهم فيما ذكر مختلفة من هذا النحو ، فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل ، فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط ، فإذا مات رمى به في دجلة ، ولم تدفع جيفته إلى أهله! فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أبقاك الله وحفظك ، وأتم نعمته عليك. وصل كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات ، وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنهم وإكفارهم ورميهم بالكبائر ، ونسبتهم إلى النفاق وغير ذلك ، مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وتثبتك في أمر أولئك الشهود ، وما شهدوا به ، وما صح عندك من عدالة من عُدِّل منهم ، ووضح لك من الأمر فيما شهدوا به ، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك ، فعرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك ، فأمر بالكتاب إلى أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله ، بما قد نفذ إليه مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله وإحياء سنته ، والإنتقام ممن ألحد فيه ، وأن يضرب الرجل حداً في مجمع الناس حد الشتم ، وخمس مائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها ، فإن مات ألقيَ في الماء من غير صلاة ، ليكون ذلك ناهياً لكل ملحد في الدين خارج من جماعة المسلمين ، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم هذا ، قد قال بعضهم : إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم ، لما ضُرب تُرك في الشمس حتى مات ثم رُمِيَ به في دجلة ».

أقول : آل عاصم عائلة كوفية من بني ضبة ، سكن بعضهم في بغداد ، وفيهم من أصحاب الأئمة (ع) ، وعرف منهم العاصمي وكيل الإمام المهدي (ع).

وقد يكون منهم هذا الشهيد ابن عاصم ، الذي قتله المتوكل بافتراء عليه ، فقد ترجم علماؤنا لعدة رجال من آل عاصم.

قال الشيخ في الفهرست / ٧٣ : « أحمد بن محمد بن عاصم ، أبو عبد الله ، وهو ابن أخي علي بن عاصم المحدث ، ويقال له العاصمي ، ثقة في الحديث سالم الجنبة ، أصله الكوفة سكن بغداد ، وروى عن شيوخ الكوفيين. وله كتب ».

وروى الحاكم في المستدرك « ٣ / ٣٩٤ » : « حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عاصم بن بلال الضبي الشهيد ، ثنا أحمد بن محمد بن علي بن رزين ، ثنا علي بن خشرم ، ثنا أبو مخلد عطاء بن مسلم ، ثنا الأعمش ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه .. ». لكن وصف الشهيد قد يكون لشخص في السند لا يوافق قتله زمن المتوكل. وكذا قول الحاكم في « ٣ / ٤٦٥ » :

« فحدثنيه أبو عبد الله ، محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عاصم الشهيد ، رضي الله عنه ». ولذلك نتوقف فيه.

نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « ١ / ٣٥١ » : « كان بالدينور « غرب إيران من جهة العراق » شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة ، وكان له أصحاب يجتمعون إليه ويأخذون عنه ويدرسون عنده ، يقال له : بشر الجعاب ، فرفع صاحب الخبر بالدينور الى المتوكل أن بالدينور رجلاً رافضياً يحضره جماعة من الرافضة ويتدارسون الرفض ، ويسبون الصحابة ويشتمون السلف.

فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد الله بن يحيى بالكتاب إلى عامله على الدينور بإشخاص بشر هذا ، والفرقة التي تجالسه. فكتب عبيد الله بن يحيى بذلك ، فلما وصل إلى العامل كتابه ، وكان صديقاً لبشر الجعاب حسن المصافاة له شديد الإشفاق عليه ، همَّهُ ذلك وشقَّ عليه ، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب به في أمره ، وأمر أصحابه فقال له بشر : عندي في هذا رأيٌ إن استعملته كنت غير مستبطأ فيما أُمرت به ، وكنت بمنجاة مما أنت خائف عليَّ منه.

قال : وما هو؟ قال : بالدينور شيخ خفاف إسمه بشر ، ومن الممكن المتيسر أن تجعل مكان الجعاب الخفاف ، وليس بمحفوظ عنده ما نسبت إليه من الحرفة والصناعة ، فَسُرَّ العامل بقوله وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير استواء خطها وانبساطه ، ووصل الباء بما صارت به فاء ، فكان أخبره عن بشر الخفاف أنه أبله في غاية البله والغفلة ، وأنه هزأة عند أهل بلده وضحكة! وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة ، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة ، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ما طلوه بدينه ولَوَوْهُ بحقه ، واعتلوا بأنواع الباطل عليه ، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها ، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه وابتدروا يعدونه الوفاء ، ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة ، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم إليهم ، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها ما يريدونه ، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة ، وحملوه على ما تقدم من السنة ، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم ، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته!

فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم ، والإقبال عليه بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة ، ساكناً إلى أنه من ركاكته وفهاهته بما يضحك الحاضرين ، ويحسم الإشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه الثلاثة.

فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم فأمر أن يجَلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم ، وأمر فعلق بينه وبينهم سلبية ، ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده ، ففعل ذلك.

وجلس عبيد الله واستدعى المحضرين فقُدِّموا إليه يَقْدَمُهم بشر الخفاف ، فلما جلسوا أقبل عبيد الله على بشر فقال له : أنت بشر الخفاف؟ فقال : نعم. فسكنت نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة وإتمام هذه المدالسة ، وجواز هذه المغالطة ، فقال له : إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شئ أنكره ، فأمر بالكشف عنه وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته ، فقال له بشر : نحن حاضرون فما الذي تأمرنا به؟ قال : بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع إليك قوم فيخوضون معك في الترفض وشتم الصحابة ، فقال بشر : ما أعرف من هذا شيئاً. قال : قد أمرت بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم ، فقال : ما تقول في السلف؟ فقال : لعن الله السلف. فقال له عبيد الله : ويلك أتدري ما تقول! قال : نعم ، لعن الله السلف! فخرج خادم من بين يدي المتوكل فقال لعبيد الله : يقول لك أمير المؤمنين سله الثالثة ، فإن أقام على هذا فاضرب عنقه ، فقال له : إني سائلك هذه المرة فإن لم تتب وترجع عما قلت أمرت بقتلك ، فما تقول الآن في السلف؟ فقال : لعن الله السلف قد خَرَّبَ بيتي وأبطل معيشتي ، وأتلف مالي ، وأفقرني ، وأهلك عيالي!

قال : وكيف؟ قال : أنا رجل أسلف الأَكَرة وأهل الدستان الخفاف والتمسكات على أن يوفوني الثمن مما يحصل من غلاتهم ، فأصير إليهم عند حصول الغلة في بيادرهم ، فإذا أحرزوا الغلات دفعوني عن حقي ، وامتنعوا من توفيتي مالي.

ثم يعودون عند دخول الشتاء فيعتذرون إلي ويحلفون بالله لا يعاودون مطلي وظلمي ، فإنهم يؤدون إلي المتقدم والمتأخر من مالي ، فأجيبهم إلى ما يلتمسونه وأعطيهم ما يطلبونه ، فإذا جاء وقت الغلة عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من ظلمي وكسر مالي ، فقد اختلَّت حالي ، وافتقرت عيالي!

قال : فسمع ضحك عال من وراء السبيبة ، وخرج الخادم فقال : إستحلل هؤلاء القوم وخل سبيلهم! فقالوا : يا أمير المؤمنين في حل وسعة ، فصرفهم ، فلما توسطوا صحن الدار قال بعض الحاضرين : هؤلاء قوم مجانٌّ محتالون ، وصاحب الخبر مسقط لا يكتب إلا بما يعلمه ويثق بصحته ، وينبغي أن يستقصي الفحص عن هذا والنظر فيه ، فأمر بردهم فلما أمروا بالرجوع قال بعض الجماعة التابعة لبعض : ليس هذا من ذلك الذي تقدم ، فينبغي أن نتولى الكلام نحن ونسلك طريق الجد والديانة ، فرجعوا فأمروا بالجلوس ، ثم أقبل عبيد الله على القوم فقال : إن الذي كتب في أمركم ليس ممن تقدم على الكتب بما لا يقبله علماً ويحيط به خبراً ، وقد أخذ أمير المؤمنين باستئناف امتحانكم وإنعام التفتيش عن أمركم.

فقالوا : إفعل ما أمرت به ، فقال : من خير الناس بعد رسول الله؟ قلنا : علي بن أبي طالب ، فقال الخادم بين يديه : قد سمعت ما قالوا ، فأخبر أمير المؤمنين به ، فمضى ثم عاد فقال : يقول لكم أمير المؤمنين هذا مذهبي. فقلنا : الحمد لله الذي وفق أمير المؤمنين في دينه ، ووفقنا لاتباعه وموافقته على مذهبه.

ثم قال لهم : ما تقولون في أبي بكر رضي الله عنه؟ فقالوا رحمة الله على أبي بكر نقول فيه خيراً ، قال فما تقولون في عمر؟ قلنا : رحمة الله عليه ولا نحبه. قال : ولمَ؟ قلنا : لأنه أخرج مولانا العباس من الشورى. قال فسمعنا من وراء السبيبة ضحكاً أعلى من الضحك الأول ، ثم أتى الخادم فقال لعبيد الله عن المتوكل أتبعهم صلة ، فقد لزمتهم في طريقهم مؤونة واصرفهم ، فقالوا : نحن في غنى وفي المسلمين من هوأحق بهذه الصلة وإليها أحوج. وانصرفوا ».

أقول : هذا يدل على نهاية نصب المتوكل ، بحيث إذا جاءه خبر عن شيخ له جماعة يدرسون عنده ويتبعون مذهب أهل البيت (ع) ، يبادر الى البطش بهم!

كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد!

ذكرنا في سيرة الإمام الكاظم (ع) أن مسجد براثا أسسه أمير المؤمنين (ع) في عودته من حرب الخوارج سنة ٣٨ ، وأنه كان مركزاً للشيعة قبل تأسيس بغداد ، وكانت الكرخ بلدة فيها شيعة. ثم أسس المنصور بغداد بين براثا والكرخ.

قال في معجم البلدان : ١ / ٣٦٢ : « بُرَاثا : بالثاء المثلثة والقصر : محلةٌ كانت في طرف بغداد في قِبْلة الكرخ وجنوبي باب مُحَوِّل وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة ».

وفي أمالي الطوسي / ١٩٩ ، عن الإمام الباقر (ص) قال : « إن أمير المؤمنين (ص) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس : إنها الزوراء ، فسيروا وجَنِّبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعاً من أرضها قال : ما هذه الأرض؟ قيل أرض بحرا ، فقال : أرض سباخ ، جنبوا ويَمِّنوا. فلما أتى يمنة السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له : يا راهب ، أَنْزِلُ هاهنا؟ فقال له الراهب : لا تنزل هذه الأرض بجيشك. قال : ولمَ؟ قال : لأنه لا ينزلها إلا نبي أووصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله ، هكذا نجد في كتبنا.

فقال له أمير المؤمنين : فأنا وصي سيد الأنبياء (ص) وسيدُ الأوصياء. فقال له الراهب : فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد؟ قال له أمير المؤمنين : أنا ذلك. فنزل الراهب إليه فقال : خذ عليَّ شرائع الإسلام ، إني وجدت في الإنجيل نعتك وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى (ص)! فقال أمير المؤمنين (ص) : قف ولا تخبرنا بشئ ثم أتى موضعاً فقال : إلكزوا هذه ، فلكزه برجله (ص) فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم التي انبعثت لها!

ثم قال : إكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً ، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال علي (ص) : على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا! فنصب أمير المؤمنين (ص) الصخرة وصلى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة ، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دَعْوِة « مسافة قريبة » ثم قال : أرض براثا ، هذا بيت مريم (ع) هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء (ع) »!

وفي مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٠٠ : « قال أمير المؤمنين : فاجلس يا حُبَاب ، قال : وهذه دلالةٌ أخرى ، ثم قال : فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير مسجداً ، فبنى حباب الدير مسجداً ، ولحق أمير المؤمنين (ص) إلى الكوفة ، فلم يزل بها مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين (ص) ، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا ».

ومن ذلك اليوم والى عصرنا الحاضر ، صار مسجد براثا مركزاً علمياً وعبادياً واجتماعياً للشيعة ، ومَعْلَماً من معالم بغداد.

وقد شهد في العصور المختلفة حملات وحشية من السلطة ، ومن الحنابلة المتطرفين الذين أسس حزبهم المتوكل.

وتقدم أن ابن عقدة (رحمه الله) كان يأتي من الكوفة الى بغداد ، فيملي أحاديثه على المسلمين في مسجد براثا. وأن النواصب أتباع المتوكل اعتدوا عليه وحبسوه!

وقد شهدت بغداد ومسجد براثا خاصة أنواعاً من اضطهاد السلطة للشيعة.

قال ابن طاووس في الملاحم والفتن / ٢٦٠ : « قال السليلي مصنف الكتاب : فرأيت مسجد براثا وقد هدمه الحنبليون ، وحفروا قبوراً فيه ، وأخذوا أقواماً قد حفر لهم قبور فغلبوا أهل البيت ودفنوهم فيه ، إرادةَ تعطيل المسجد وتصييره مقبرة ، وكان فيه نخل فقطع ، وأحرق جذوعه وسقوفه! وذلك في سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة , فعطل من سنته الحج ، وقد كان خرج سليمان بن الحسن يعني القرمطي في أول هذه السنة ، فقطع على الحاج وقتلهم وعطل الحاج ، ووقع الثلج ببغداد فاحترق نخلهم من البرد فهلك. فأخبرني مولاي ناقد أن أبا عمرو قاضي بغداد قال له : احترق لي بقرية على ثلاث فراسخ ببغداد يقال لها صرصر مائة ألف نخلة. قال السليلي : فأي شأن أحسن ، وأي أمر أوضح من هذا ».

أقول : ما تقدم إنما هو نماذج من ظلم المتوكل للشيعة في البلاد ، فتصور! 1 .

  • 1. الامام الهادي (عليه السلام) عمر حافل بالجهاد و المعجزات، الشيخ علي الكوراني العاملي، سنة 1434 الهجرية، الفصل الخامس .