مجموع الأصوات: 55
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 9671

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رسالة الى حجاج بيت الله الحرام

﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ 1.
لماذا فشلت المذاهب السياسية والاجتماعية والحضارية عبر التاريخ على الرغم من تنوعها ، ورغم ما خاضت من تجارب إنسانية ضخمة ؟!
فالاشتراكية الحادة أعلنت إفلاسها وفشلها قبل حوالي ثلاثة عشر عاماً ، حيث انهار على أبواب السنين الأولى ذلك الصرح الماركسي الذي قد بُني على جرفٍ هارٍ ، أي كيان الاتحاد السوفياتي . أما الرأسمالية الغربية السائدة اليوم ؛ فهي الأخرى تحيطها نذر الإنهيار أيضاً .
ونحن من القرن الواحد والعشرين لا زلنا نسمع الأخبار ونشاهد الوقائع المليئة بنذر الحرب في منطقة الشرق الأوسط وفي جنوب شرق آسيا حيث شبه الجزيرة الكورية ، ومناطق متعددة أخرى من العالم . . ومن جانب آخر ؛ فقد أكدت آخر الإحصائيات أن ما يقرب النصف من سكان الأرض ، أي ثلاث مليارات إنسان يعيشون تحت مستوى الفقر . أما المجاعة والجفاف في القارة الأفريقية فهما يهددان حياة ما يزيد على عشرين مليون إنسان . . وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأمراض الفتاكة كالإيدز أو مرض السل الذي عاود انتشاره في العالم بقوة . أما الحروب الأهلية والخلافات والصراعات الداخلية ، فحدث عنها ولا حرج . وهكذا هو الحال فيما يخص معدلات الركود الاقتصادي في الأسواق العالمية ، حيث تستفحل الأزمات بمجرد حدوث خللٍ اقتصادي بسيط . .
إن العلمانية المنسلخة عن القيم الإنسانية ، والمنخلعة عن الدين ، قد انتهى أمرها ، واتضح أنها عاجزة عن تلبية حاجات الإنسان ، وقد اتضح مع ذلك فشل سائر الفلسفات البشرية ، وبقي الإسلام وبقيت تعاليمه وقيمه متسامية متعالية . . تزداد ـ كلما مرّ عليها الزمن ـ جلاءً وشفافية ووضوحاً وفائدةً . .
ولعل السبب في ذلك يكمن في أن الله تبارك وتعالى ، وهو خالق البشر ، وهو المحيط علماً بحاجتهم ، تماماً كعلمه الخاص بحاجة أبناء آدم إلى الغذاء . فقد كان في علم الله أن حاجة بشرية ماسة إلى ما هو أسمى من المادة ، يكمن في البعد المعنوي والاجتماعي ونظام الحياة عموماً . ولذلك بعث الله الأنبياء والرسل ، ليحملوا إلى البشرية الأنظمة المناسبة لها ، لأنه يعرف الإنسان وطبيعته ، ويعلم ما يحيط به ، وما توسوس به نفسه ، كما يعلم حاجاته . . . فجعل لها ما يلبيها .
فإذا أردنا مثلاً على الجانب المادي للإنسان ، فلنأخذ فاكهة التين وكذلك الزيتون اللذين أقسم بهما الله سبحانه وتعالى في مطلع سورة التين المباركة ، وهما الطعامان اللذان يسدان حاجة البدن الإنساني بشكل تام ، حسبما اكتشفته آخر البحوث العلمية بهذا الخصوص . وكذلك هو الشأن في التمر الذي خلقه سبحانه وجعل كمية المئتين وخمسين غراماً منه تسد حاجة الإنسان من حيث الطاقة الغذائية . . هذا مثال في المجال المادي .
أما على الصعيد المعنوي ؛ فتجد فريضة الحج ومناسكه وما فيه من شعائر ووظائف وغير ذلك . فتجد الحج يلبي ويسد كل حاجات الأمة الإسلامية من الناحية المعنوية ؛ إذ تفد في كل عام مئات الألوف من البشر ، ومن شتى بقاع الأرض إلى حيث الديار المقدسة والبقعة المباركة ليتزودوا من الروح والمعنوية . .
ونحن إذ نقترب من موسم الحج لهذا العام ؛ لابد من أن نقدم للقاصدين إلى أداء المناسك ولذوي الصلة بهم والتأثير عليهم التوصيات اللازمة ، لتتفتح بصائرهم وليعرفوا أمور جديدة عن قيمة الحج . . وذلك لأن الإنسان حينما يحج وهو ممتلك لرؤية واضحة تجاه هذه الفريضة العظمى ، فيعرف ماذا تعني ، وما هو الهدف منها ، وماذا أراد الله سبحانه وتعالى منه في الحج ، فإنه سيعود بزادٍ من التقوى عظيم ، وسيعود بذخيرةٍ إيمانية كبرى ، كما أنه سيؤوب من أرض الوحي الإلهي وهو يحمل نظرةً جديدةً إلى العالم برمّته . . ولكنه إذا حجّ جاهلاً بهدف الحج ومعناه ، فإنه من المؤكد سيعود بزادٍ لا معادلته بذلك النوع الأول .

أهداف الحج و معانيه

ترى ما هي أهداف الحج ومعانيه وبرامجه ؟
أولاً : إن الحج هو معراج النفس البشرية إلى حيث القرب من الله والانجذاب إليه ، فيكون الحاج الواعي في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر ، وقد جاء في الحديث القدسي : " أنا جليس من ذكرني " 2 . كما جاء في الدعاء والمناجاة : " يا جليس الذاكرين " 3 . فيتذكّر الحاج ربّه قولاً وعملاً ، لأنه سيكون جليسه الدائم . . أوَ رأيتَ كيف تتوق أنفس الحجاج وتتشوق قلوبهم إلى معاودة الحج مرة ثانية وثالثة و . . و . . حيث أن الله تبارك وتعالى كان قد سقاهم شراباً طهوراً ، فاستفادوا من ذلك الشراب الطهور ، وامتلأت قلوبهم بحب الله ربهم ، وتجلت نفوسهم بذكر الله .
واقتراناً بهذه الحالة الرائعة ورد ذكر خاصٌ ومستحبٌ لمن يريد الخروج من الحج ، وهو : " عائدون عائدون ، تائبون عائدون ، إلى ربنا عائدون " 4 . وهذا يعني أن الإنسان حينما يمارس فريضة الحج يعرج بنفسه في معارج الكمال . وقد وصف ربنا سبحانه وتعالى الحج الخالص لوجهه الكريم بقوله : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ 5. فالتقوى زادٌ ، وهي ـ بعينها ـ الهدية التي يحملها الحاج من مكة المكرمة إلى سائر البلاد ، وهذا هو المعراج الأول .
فيا أيها الحاج ؛ إن ذهبت إلى الحج وعدت منه ؛ فقس نفسك وحاسبها محاسبة دقيقة ، لتعرف كم هو مقدار التقوى الذي تزودت به واستفدته من هذه الرحلة الإيمانية والإلهية .
ثانياً : إن إرادتنا التي طالما تخور أمام المشاكل والفتن والشهوات ووساوس الشيطان ، لابد لها ـ الإرادة ـ من أن تأخذ مجرىً آخر لدى مسيرتها في الحياة . ولعل فريضة الحج أعظم فرصة من الممكن استغلالها لتحقيق هذا المطلب الإنساني الرفيع ، حيث نعود من الحج بمعيتنا إرادة إيمانية فولاذية تتحدى المشاكل وتنتصر على وساوس الشيطان . فالله عز وجل قد أمرنا قاطعاً بمحاربة الشيطان واتخاذه عدواً مباشراً ، والله نفسه هو الذي سمى موقع الصلاة بالمحراب ؛ أي ساحة الحرب ومنطقة المعركة التي يحارب المصلي فيها شيطانه ، فإذا عاد الإنسان من الحج ولما يزْددْ عزيمة أو تتضاعف قوة إرادته ، فإن حجه لن ينفعه بالشكل المطلوب .
وربنا العزيز الحكيم حينما يأمرنا بالحج قائلاً :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ 6 ، وهو القائل بعد ذلك : ﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ... 7. وتعظيم الحرمات ، يعني احترام الإنسان ما أوجبه الله عليه ؛ فيحترم البيت الحرام ، ويطوف به ، وهو بين هذا وذاك يجتنب الرجس من الأوثان بعزمه وإرادته . . ولا ريب أن الوثن هو الخضوع لغير الله عز وجل ، وأن كل ما لا يتصل بحبل الله فهو وثن تجب محاربته واجتنابه . فإذا عبد ابن آدم صخرة ؛ أصبحت وثناً ، وإذا عبد بقرةً تحولت وثناً ، وإذا خضع لإنسان مثله من دون الله واتخذه ولياً ، صار هذا وثناً أيضاً .
ولكن الحج كله ؛ بسكناته وحركاته ولفتاته عبادة لله الواحد الأحد ، وهو يساعد الإنسان ليكون حنيفاً لله ، فيتطهر وينقى ويصبح مبيض الوجه والقلب معاً . . وقد قال سبحانه وتعالى :﴿ ... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ... 8وهذه هي الحكمة المتعالية من سن فريضة الحج وأدائها .
إن الحج مناسبة وفرصة ذهبية للإنسان لكي يطهر قلبه من وساوس الشيطان ؛ الشيطان الذي أكبر همه زرع مجموعة من الوساوس في قلب ابن آدم ، هذه الوساوس التي تشبه إلى حدٍ كبير مجموعة النباتات السمّية التي عادةً ما تحيط بالوردة ، وإذا ما تركت ؛ انقضت على الوردة وخنقتها . . كذلك هو الشيطان الرجيم ؛ يزرع في قلب الإنسان وساوسه حتى تقضي على عقله فتمسخ فكره وعقائده . ولعل ذلك نموذج من فتن آخر الزمان التي تتفاوت مع فتن أوله ، حيث كانت ذنوباً فيها ما يدفع إلى تأنيب الضمير ، وفيها ما يستقبح . . ولكن فتن آخر الزمان تحول الذنوب إلى أشياء عادية عند الناس ، فتتحول الوساوس والفيروسات إلى القلب فتنخر العقيدة والفكر والروح نخراً والعياذ بالله .
يقول عز اسمه : ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ... 9. يعني إن أسوأ عاقبة هي عاقبة من كان مؤمناً ثم يصير كافراً في أُخريات عمره حتى يدركه الموت ، فيلقى في نار جهنم ، ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ 10. حيث يسلب الله منه القدرة ويحرمه من تجربة فرصة أخرى لامتحان إيمانه .
ولكن الحج يبقى الفرصة العظمى للقضاء على تلكم النباتات السمية التي تحيط القلب في مختلف الحالات والأوقات والأشكال ، وما على الإنسان إلاّ محاربتها باقتلاعها ، فيخلص إيمانه .
وللأسف الشديد ، نجد البعض من الناس إذا ما ذهبوا إلى الحج يفكرون في كل شيء إلاّ في هدفية الحج الحقيقية التي جاء من أجل إحرازها .
ثالثاً : إن الحج فرصة للإخاء ، لأنه من يذهب إلى أداء المناسك لا يذهب لوحده ، بل الحجاج يذهبون كلهم كمجموعة واحدة في أشهر محددة ومعلومة ، وكذلك هم يمارسون فرائضهم وسننهم هناك على شكل مجموعة واحدة أيضاً . فالحج إذاً فرصة للقاء الإنسان بالإنسان .
ولعل الحكمة في إتاحة هذه الفرصة هو ردم الفواصل ودحرها ؛ الفواصل التي تتجسد بحد الذات والأنانية والروح الفردية التي يثيرها الحمية والحسد وسوء الظن بالآخرين ، وما أشبه ذلك . وإن من جميل ما يذكر في هذا المقام ما أكده بعض الفقهاء الكرام وذهب إليه من استحباب قراءة دعاء مكارم الأخلاق في موسم الحج . وهو الدعاء ذو الفائدة العظيمة ، حيث فيه شحنات دفع قوية جداً لتزكية النفس وتصفيتها من الأخلاق السيئة ، ولتكريس الأخلاق الحسنة فيها ، حتى يعود الناس إلى بعضهم . فإذا عادوا من الحج عادوا بزاد ثمين ، وهو الطيب من الإخوان . وبذلك يوحي قوله تبارك وتعالى : ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ 11، حيث جاء بصيغة العموم وليس بصيغة الإنسان المفرد .

إذن؛ فمسألة الحج هي مسألة جمعية واجتماعية ليشهد الحجاج منافع لهم في بيت الله الحرام الذي وضع للناس كافة ، حيث كان الهدف الأسمى منه إذابة البشرية في بوتقة واحدة ، فيتحدوا ويتعاونوا فيما بينهم .
إن الحج من شعائر الله سبحانه وتعالى ، ونحن في هذا الموسم العظيم نعلن للعالم جميعاً بأننا أمة واحدة ، انطلاقاً من قول الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 12 ، حيث تزال مختلف الحواجز المصطنعة بين المسلمين ؛ فلا عربي ولا أعجمي ولا أوروبي ، ولا أبيض ولا أسود ، ولا غني ولا فقير ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا هذا ولا ذاك . . فهذه كلها فوارق مصطنعة لا ينبغي أن تذكر في الحج ، ولابد من تلاشيها وانعدامها هناك . . ودليل ذلك وآيته أن الله سبحانه وتعالى قد سنّ لجميع الحجاج ـ دون استثناء ـ مجموعة قوانين ، وأمرهم بالالتزام بها ، والتظاهر بها كلهم ، كأمرهم بإبطان النية الخالصة للتقرب بها إلى الله سبحانه .
فالزينة والتزين ، والجدال والفسوق وغير ذلك حرام على جميع الحجاج بلا استثناء ، وعلى الجميع أن يتفكروا ويعوا حقيقة هذه القوانين وجوهرها ، وأنها إنما سُنت لإزالة الفوارق ، ولدفع الذات نحو الإندكاك في حقيقة الإسلام ، وتحصيل التقوى ، فيسلموا جميعاً لله تبارك وتعالى ، لأنه إله الجميع .
إن التسليم الخالص والقاطع لله يعني أن يقف الإنسان الحاج كما يقف جميع الحجاج في عرفات أو في المشعر . . وكذلك يحرم ويطوف ويفيض ويسعى . . ليعلن لربه أمام مرأى الجميع أنه يتمحور حول إرادة الله وحده لا شريك له ، فيرفض الجبت والطاغوت والأوثان بمختلف أشكالها .
ومن يحترم شعيرة الحج العظيمة يكون حرياً بأن يدخل في رحاب التقوى التي قال عنها عز اسمه في موقع قرآني آخر : ﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ 13. التقوى التي يطلبها الله من الإنسان .

الحج مقدمة الجهاد

من يلاحظ السياق القرآني ويتدبر فيه ، يجد أن الله سبحانه وتعالى قال بعد أن بيّن فريضة الحج وما فيه من فائدة تعود بالتقوى والوحدة بين المسلمين ، وغير ذلك من الفوائد الحضارية والاجتماعية الجمّة ، قال بعد كل ذلك : ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ 14. وفي ذلك إشارة واضحة ومباشرة إلى أن من أكبر ثمرات إقامة الحج بصورته الصحيحة ، هو أن يكون الإنسان والجمع الحاضر على حدٍ سواء مؤهلاً لأداء فريضة الجهاد المقدسة ؛ الجهاد الذي يقام به فعلاً صرح الأمة الواحدة المؤمنة .
فالحجاج يعودون إلى مجتمعهم ببصيرة إيمانية وعزم إسلامي راسخ نابع من النفوس المزكّاة ، والقلوب المطهرة القادرة على خوض ساحات الجهاد ؛ جهاد النفس المتواصل ، وهو الجهاد الكبر ، وجهاد الأعداء بأشكالهم وصورهم المتعددة ، وهو الجهاد الأصغر . . فيستعدون عبر التزود بالروح العالية إلى إقامة الحق في العالم بأسره ، لأنهم ـ الحجاج ـ قد جاؤوا من بقاع العالم بأسره ، ولأن فريضة الحج أساساً . فريضة عالمية جمعية ، ويشير إلى ذلك ويؤكده بأروع صوره قول الله سبحانه فيما بعد : ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ 15. ثم يقول في آخر آية من سورة الحج المباركة :﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ... 16.
إن الأمة الإسلامية هي أمة الحج ، وهي الأمة الواحدة بالحج ، وهي الأمة المجاهدة التي تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفرض حكم الله في أرضه… مستعينةً بما تركه الحجُ فيها من تقوى واتحاد وتعاون . .
والحج هو الصفة البارزة لكل المسلمين على اختلاف أحوالهم وظروفهم وهيئاتهم ، لأن مختلف أنواع الفرائض الشرعية متوفر في الحج ، كالصوم بدل الهدي ، والصلاة في الطواف ، والإنفاق في الهدي ، وغير ذلك . ولذلك كانت أمة الحج الحقيقي أمة مسلمة واحدة معتصمة بالله ، والله يرعى هذه الأمة ، وهو القائل :﴿ ... هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ 16.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا وإياكم لرحلة الحج الإلهي ، وهو المعراج العظيم نحو ربنا سبحانه ، وأن يوفق المؤمنين جميعاً لأن يجعل حجهم حجاً مبروراً مباركاً متقبلاً منهم 17 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية: