الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سنّة الإعزاز و الإذلال‌ من سنن التطور الإجتماعي في القرآن الكريم

هذه السنّة تقترن بسنّة الاستخلاف من جهة، و سنّة الاستبدال من جهة أخرى؛ فالأمّة الّتي يختارها الله للاستخلاف، ويمكّنها في الأرض، عندما تطيع القيادة الإلهيّة، وتنصرها، يمنّ الله عليها بالعزّة والغلبة. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ 1.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ 2.

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 3.

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَىٰ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 4.

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 5.

وثواب الدنيا الّذي يناله هؤلاء المقاتلون مع النبيّ (ص)، المطيعون‌ الناصرون له، هو الانتصار على الأعداء، والغلبة عليهم، وعّزة الدنيا، والقوّة والتمكين الإلهيّ، كلّ ذلك بفضل نصرتهم للقيادة الإلهيّة، وطاعتهم لها، ووفائهم بميثاق النصرة والطاعة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

وقد ورد التأكيد في القرآن العظيم على أنّ العزّة لله وحده، ولرسوله، وللمؤمنين. والظاهر أنّ المراد «المؤمنين»: القيادة الإلهيّة من أوصياء النبيّ (ص) المعصومين المطهّرين؛ فإنّ كلمة الْمُؤْمِنِينَ‌ أو الْمُؤْمِنُونَ‌ أو الَّذِينَ آمَنُوا كلّما جاءت في القرآن الكريم معطوفاً على الله ورسوله، وشريكاً لهما في الآثار الشرعيّة، والأحكام الولائيّة، إنّما يراد بهم: أولئك المؤمنون الّذين تجب طاعتهم، ونصرتهم، والكون معهم، والوقوف إلى جانبهم، كما تجب طاعة الله ورسوله، وبذل النصرة لهما، والكون معهما. وهذا ما يؤكّده قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... 6.

﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ 7.

﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... 8.

﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... 9.

فالمؤمنون الّذين لهم العزّة مع الله ورسوله، هم هؤلاء المؤمنون الّذين تجب طاعتهم إلى جانب طاعة الله والرسول، وهم القادة الإلهيّون الّذي استخلفهم رسول الله (ص) بأمر من الله في أمّته، وجعلهم أولي الأمر الّذين تجب طاعتهم ونصرتهم، وهؤلاء هم أولئك المؤمنين الّذين أشارت إليهم الآية الكريمة:

﴿ ... مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... 10.

فالقوم الّذين سوف يأتي الله بهم ممّن وصفتهم هذه الآية، وهي الأمّة الإسلاميّة المختارة الّتي سوف يستبدل الله بها الأمّة الغابرة، ويستخلفها على الأرض بالاستخلاف الكبير، ويورثها الأرض، ويمكّنها فيها لإقامة العدل على ربوعها، هؤلاء القوم هم أولئك الّذين يطيعون الإمامة الإلهيّة، ويخضعون لقيادتها خضوعاً تامّاً:

﴿ ... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... 10.

ولا يعصونها في أمر أو نهي، وهذه الأمّة هي الّتي سوف تنال العزّة الدائمة، والغلبة الكاملة على الأعداء؛ كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 11.

فسنّة الإعزاز الإلهيّ هي السنّة الّتي بموجبها يعزّ الله عباده التابعين للقيادة الإلهيّة، والمطيعين لها؛ لأنّ العزة- حصراً- هي لله، والقيادة الإلهيّة في الأرض، المتمثّلة في الرسول وأوصيائه وخلفائه الصالحين (عليهم السلام)، فلا ينال العزَّ إلّا من أطاعهم، واتّبعهم، وانضمّ إلى زمرتهم، واصطفّ إلى جانبهم. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ 12.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ... 13.

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ... 14.

﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ ... 15 و الْمُؤْمِنِينَ‌ في هذه الآية- أيضاً- هم أولئك الّذين ذكرنا أنّهم مع الله ورسوله في الحكم سواءً، وهم الّذين تختصّ العزّة بهم وبالله وبرسوله، والمنافقون هم أولئك الّذين يؤثرون ولاية الكافرين على ولاية الله ورسوله وهؤلاء المؤمنين.

وإلى سنّة الإعزاز الإلهيّ هذه أشار الحسين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه في ما أعلنه يوم عاشوراء في ما روي عنه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه:

«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»16)

. هذا من سنّة الإعزاز الإلهيّ، وإلى جانب هذه السنّة، سنّة الإذلال الإلهيّ لأولئك الّذين آمنوا في بداية الأمر، وعاهدوا الله والرسول على الطاعة والنصرة، ثمّ نقضوا عهدهم مع الله، وولّوا ظهورهم لرسول الله وأوصيائه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهم.

وقد أشار القرآن الكريم إلى سنّة الإذلال هذه، وضرب بني إسرائيل مثلًا لهذا الإذلال، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى مشيراً إلى بداية أمر بني إسرائيل وما أكرمهم الله به من الإعزاز والغلبة على الأعداء:

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 17.

وهذه النعمة، وهذا التفضيل، إنّما أكرم الله بهما بني إسرائيل في أيّامها الأولى، أيّام طاعتها لله ورسوله، وهي الأيّام الّتي أشار إليها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ 18.

وهي الأيّام الّتي أشار إليها- أيضاً- قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ 19.

فهذه هي أيّام الإعزاز الإلهيّ لبني إسرائيل، أعقبتها أيّام أخرى، ألمحت إليها الآية الأخيرة؛ إذ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ ... وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ 20.

فقد زاغت بنو إسرائيل:

﴿ ... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ... 21.

فعصت الرسول، وانقلبت على أعقابها، حتّى آل بها الأمر إلى معاداة الله ورسله، وإلى قتل النبيّين، والفساد في الأرض، فسلبهم الله ذلك العزّ، ونزع منها الملك الإلهيّ؛ كما أشار إليه قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ... 13.

فبينما كانت أمّة بني إسرائيل، الأمّة العزيزة المفضَّلة، الحاملة لرسالة الله، المحامية عن رسله، والدّاعية إلى طاعته، والناصرة لدينه، إذ تغيّر اتجاهها، وانقلبت على أعقابها، فحلّت بها سنّة الإذلال، وألبسها الله لباس الذلّ والهوان والخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى. قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ ... وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ 22.

وسنّة الإعزاز والإذلال هذه، هي الممرّ الّذي تمرّ من خلاله سنّة الاستخلاف الأوّل، لتتبعها سنّة التداول والاستدراج، ثمّ سنّة الاختيار الإلهيّ، ثمّ سنّة الاستخلاف الأكبر الّذي يختار الله لها الأمّة الطلائعيّة الّتي تقيم العدل في مشارق الأرض ومغاربها، بقيادة القائد المنصور الّذي يملؤ الله به الأرض عدلًا، كما مُلئت ظلماً وجوراً.

ثمّ إنّ المسيرة البشريّة في تطوّرها التاريخيّ تشهد دائماً خطّين متوازيين: خطّ الذّل، وخطّ العزّ. كما تشهد دائماً مجموعتين متصارعتين: إحداهما لا تفارق خطّ العز، والأخرى لا تنفكّ عن خط الذّل. والتي كتب الله لها العزّ الدائم هي المجموعة المؤمنة الّتي منحها الله في كتابه وسام الانتماء إلى ما أسماه «حزب الله»، كما أنّ الّتي كتب الله لها الذّلّ هي المجموعة الّتي أسماها الله في كتابه «حزب الشيطان»، وهي الفئة المناهضة للنبيّين وأوصيائهم، المعادية لأوليائهم، المواجهة لحزب الله مواجهة دامية مستمرّة.

قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى مشيراً إلى حزب الله الأعزّة الغالبين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ 23 إلى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ... 24.

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 25.

وفي خطّ المواجهة مع حزب الله، يأتي دور حزب الشيطان الّذي لم يفتأ يبثّ الفساد في الأرض، ويسفك دماء الأبرياء، ويقتل النبيّين، وأتباع النبيّين، وينشر الضلال، ويصدّ عن سبيل الله. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ 26.

فالخطّ العزيز في الصراع التاريخيّ هو خطّ حزب الله، والخطّ الذليل هو خطّ حزب الشيطان، ويبقى الصراع التاريخيّ بين الخطّين مستمرّاً ضمن سنن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلى أن تنتهي سنّة التداول إلى سنّة الاختيار الّتي يختار الله فيها- بعد الابتلاء والاختبار التأهيليّ- الأمّة الّتي تتولّى خطّ حزب الله، وتتولّى أولياء الله، وتفي بالعهد مع الله ورسوله على الطاعة والنصرة. وعند ذلك، تُنفَّذ سنّة الاستخلاف الأخير الّذي أكّده القرآن الكريم في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ... 27.

ولكي يتمّ اختيار هذه الأمّة الناصرة الشاهدة، وتتهيّأ الظروف الطبيعيّة لانبعاثها وانبثاقها، تجري سنّة إلهيّة أخرى من سنن التطوّر الاجتماعيّ الّتي أشار إليها القرآن الكريم وهي «سنّة الانتظار» 28.

 

للمزيد راجع كتاب سنن التطور الإجتماعي في القرآن الكريم