الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

شرائط امام الجماعة

إنّ صحة صلاة أفراد الجماعة مشروطةٌ بصحّة صلاة إمام الجماعة الذي يصلّي النّاس بإمامته، ومن هنا نجد أنّ الإسلام اشترط في إمام الجماعة شروطاً لا بدّ من أن تكون مُتحقّقة فيه حتى تكون الجماعة صحيحةً ومُجزيةً وحتى يترتّب عليها الأجر الكبير الذي كتبه الله لمن يصلي جماعة.
والشروط عديدةٌ نعرضها بالتّتابع مع تفصيل كلّ شرطٍ فيها لكي تكون الصلاة واضحةً عند كلّ من يرغب بأداء صلاته جماعة.
الشرط الأول: العدالة، وهي تعني أن يكون إمام الجماعة مُلتزماً بأداء كلّ واجباته الدينيّة ومُلتزماً بترك كلّ ما نهى عنه الإسلام، وهذا لا يتحقّق إلاّ إذا كان عنده القدرة الإيمانيّة والروحيّة التي تعطيه القوّة على عدم إرتكاب ما يخالف أحكام الله في حقّ نفسه، ومن هنا عرّفوا العدالة بأنّها (الملكة النّفسانيّة الباعثة على الإلتزام بأحكام الله عزّ وجلّ)، وممّا يزيد في قوّة العدالة عند الإمام للجماعة إلتزامه بفعل المستحبّات وترك المكروهات، لأنّ مثل هذا الأمر يزيد من ثقة النّاس بإمامهم الذي يفتدون به ويجعلهم مُطمئنّين إلى صحّة الجماعة بنسبةٍ أكبر، ومن أنّ قبولها عند الله يكون بدرجةٍ أفضل وأحسن.
والعلامة الشّرعيّة على العدالة هي: حُسن ظاهر الإنسان في تصرّفاته وأفعاله وأقواله، بحيث لا يصدر عنه أيُّ فعلٍ أو قولٍ يُخالف المسيرة الصّالحة المُلتزمة للإنسان المؤمن المُرتبط بالله وبدينه، ولو سأَلنا النّاس عنه لقالوا: إنّنا لا نعرف منه إلاّ خيراً ولم نرَ منه أيُّ فعلٍ سيّء.
ومن هنا فعندما نريد الصلاة خلف إنسانٍ ما لا بدّ من إحراز عدالته، وهذا ممكنٌ أن يتحقّق من خلال المعرفة الشّخصيّة بالإمام أو معرفة أناسٍ ملتزمين موثوقين يصلّون خلفه، أو من خلال الشّياع بين النّاس بصلاحيّة الشّخص الذي يصلّي النّاس خلفه، ولهذا لا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال الذي لا نتمكّن من معرفة عدالته لعدم حصول الإطمئنان بصحّة الصلاة في مثل هذه الحالة.
الشرط الثاني: صحة قراءة الإمام، أي أن يكون إمام الجماعة صحيح اللسان قادراً على أداء الحروف من مخارجها فلا يتغيّر الحرف عن نطقه ولا تتغيّر الكلمة عند لفظها كما هو عند بعض الناس الذين يلفظون الراء (غاء)، أو السين (ثين)، أو الصاد (ضاد)، وما شابه ذلك، ويتّضح هذا الأمر أكثر عند غير العارفين باللغة العربية، وعليه فإذا كان إمام الجماعة كذلك، فالصلاة خلفه فيها إشكال من الناحية الشرعيّة، لأنّ الإمام في الصلاة يتحمّل عن المأموم القراءة في الركعتين الأولتين أي الفاتحة والسورة بعدها، فإذا كان هناك إشكالٌ في قراءة الإمام فهذا الإشكال يسري إلى صحّة صلاة المأمومين أيضاً، لأنّ صحّة صلاتهم من صحّة صلاته.
ومن توابع هذا الشّرط أنّه لا تصحّ إمامة الإنسان الأبكم للقادر على النّطق، لأنّ الأبكم غير قادرٍ على النّطق أصلاً، فصلاته بنفسه لنفسه صحيحة، أمّا أن يكون إماماً للغير فهذا لا يصح.
الشرط الثالث: القيام، بمعنى القدرة على الصلاة واقفاً، فلو فرضنا أنّ الإمام كان لديه عذرٌ عن الوقوف كمرضٍ أو شللٍ أو كسرٍ لا يتمكّن معه من الوقوف، لا يصحّ أن يكون إمام جماعةٍ للقادرين على الصلاة وهم واقفون، نعم لو فرضنا أنّ الإمام كان قادراً على الصلاة من قعود، وكان المأمومون على شاكلته فيجوز لهم الصلاة خلفه لأنّهم متساوون معه في حالة العجز عن القيام، وهذا الحكم ينطبق أيضاً على المتضجّع على أحد جانبيه إذا أراد أن يكون إمام جماعةٍ للقادرين فلا تصحّ إمامته لهم، نعم لو كانوا مثله في حالة اضطجاع فتصحّ إمامته لهم، لأنّ المعذور عن الصلاة من قيام تصحّ صلاته لنفسه عن قعود لكن إمامته للقادر على الوقوف مُشكل، كذلك القادر على الصلاة من اضطجاع فصلاته لنفسه صحيحة أمّا إمامته للقاعد فهو مشكلٌ ايضاً.
الشرط الرابع: تماميّة أعضاء سجود إمام الجماعة، بمعنى أن يكون إمام الجماعة سليماً من العاهات الكبيرة كأن يكون مقطوع اليد أو الرجل أو بعضهما، فإمامة مثل هذا الإنسان لشخصٍ آخر كامل الأعضاء لا تصحّ، وإن كانت صلاة الإمام لنفسه صحيحةً لأنّه معذور، لكنّ عذره لا يسري إلى المأمومين لتكون صلاتهم خلفه صحيحة.
الشرط الخامس: طهارة المولد، أي أن يكون إمام الجماعة مُتولّداً من أبويه بطريقةٍ شرعيّة أي عن علاقةٍ شرعيّةٍ بين أبيه وأمّه، فلو فرضنا أنّ إمام الجماعة كان (إبن زنا) والعياذ بالله، فلا تصحّ إمامته للنّاس، وإن كانت صلاته لنفسه صحيحة، كما يجوز الإقتداء بشخصٍ إذا كان مُتولّداً عن شبهةٍ بمعنى (أن إنساناً قد تزوّج بإمرأةٍ ثمّ تبيّن أنّ العقد لم يكن صحيحاً، لكنّ هذا التبيّن كان بعد حصول الحمل أو الولادة، فهذا المولود ولدٌ شرعيّ ولا يمكن إعتباره في المقام (ولد زنا)لأنّ أبويه لم يقصدا فعل الحرام، بل قصدا الزواج المُحلّل لكن تبيّن أنّ العقد كان باطلاً لسببٍ أو لآخر)، فمثل هذا الشخص إذا مارس إمامة الجماعة فصلاة الناس خلفه صحيحة ولا إشكال فيها.
الشرط السادس: أن يكون الإمام إثني عشريّاً، وهذا يعني أن يكون الإمام مُعتقداً بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم جميعاً أفضل الصلوات، فلو كان لديه شكّ في واحدٍ منهم كانت الصلاة خلفه باطلة، ولذا لا يجوز الصلاة خلف الإسماعيليّ الذي يؤمن بإمامة إسماعيل إبن الإمام الصادق (عليه السلام) ولا يؤمن بالإمام الكاظم ومن بعده، ولا تجوز الصلاة خلف الزيديّ، وهو الذي يؤمن بزيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، ولا يؤمن بإمامة الإمام الباقر(عليه السلام) ومن بعده، فضلاً عن الصلاة خلف أئمة الجماعة من المذاهب الإسلاميّة الأخرى، هذا حسب الأصل.
نعم هناك حالاتٌ عديدةٌ تجوز فيها الصلاة خلف أئمّة المذاهب الأربعة الإسلامية_ غير الإسماعيلية والزيدية_ من باب التقيّة (أي الخوف على النّفس أو العرض أو المال)، والصلاة هنا مقبولةٌ ومُجزيةٌ وصحيحة، وكذلك تجوز الصلاة خلفهم من باب المداراة (أي الحفاظ على وحدة الصّفّ الإسلاميّ العام في مواجهة الكافرين وأعداء الإسلام)، ومن هنا يُفتي فقهائنا ومنهم سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) بحُرمة صلاة الجماعة للشيعة في مكّة والمدينة في موسم الحج، حتى يُصلّوا جماعةً مع بقيّة إخوتهم من مسلمي العالم بإمامة المنصوبين للصلاة في المسجد الحرام أو في المسجد النبويّ أو سواهما من مساجد مكّة والمدينة.
ويُضاف إلى هذه الشروط الخاصّة شرط البلوغ، فلو كان إمام الجماعة غير بالغٍ لا تصحّ الصلاة خلفه لمن كان بالغاً، لأنّ غير البالغ ليس مُكلّفاً وإن كانت صلاته صحيحة لأنّ الإسلام يشجّع الولد على الإلتزام بالصلاة قبل البلوغ ليعتاد عليها ولا تصعب عليه بعد بلوغه سنّ التكليف، وكذلك من شرائط إمام الجماعة أن يكون عاقلاً بمعنى أنّه غير مجنون لأنّه غير مكلّفٍ شرعاً في الأصل، ومن لواحق العقل أيضاً أن يكون الإمام ضابطاً لصلاته فلا ينسى كثيراً أو يسهو كثيراً ممّا يؤدّي إلى بطلان صلاته وصلاة المأمومين خلفه، إلاّ أن يكون المأمومون خلفه أو أحدهم يعينه على الضّبط حتّى لا ينسى عدد الركعات أو يسهو في الأفعال.
ولاستكمال هذا البحث لابأس بذكر بعض إستفتاءات السيّد القائد حول هذا الموضوع المهمّ المتعلّق بصحّة صلاة المأمومين حتى لا يقعوا في الخطاً أو الإشتباه نتيجة عدم الإطّلاع على الأحكام المتعلّقة بشرائط إمام الجماعة.
س 598 _ البعض من أئمة الجماعة قراءتهم غير صحيحةٍ من ناحية مخارج الحروف، فهل يتمكّن من الإقتداء بهم من كان يؤدي الحروف من مخارجها بشكلٍ صحيح؟ والبعض يقول أنّه يجب أن تصلّي جماعةً وبعد ذلك تعيد صلاتك ولكنّني ليس لديَّ مجالٌ للإعادة، فما هي وظيفتي؟ وهل يمكنني المشاركة في الجماعة ولكنني أقرأ الحمد والسورة بإخفات؟
الجواب: إذا كانت قراءة الإمام غير صحيحةٍ في نظر المأموم فاقتداؤه وجماعته باطلان، وإذا لم يتمكّن من إعادة الصلاة فلا مانع من ترك الإقتداء، لكنّ الإخفات في قراءة الصلاة الجهريّة بحجّة إظهار الإقتداء بإمام الجماعة ليس صحيحاً وليس مجزياً.
س 596 _ التيمّم بدلاً عن الغسل بالنسبة لإمام الجماعة وبسبب كونه معذوراً، هل يكفي لإقامة الجماعة أم لا؟
الجواب: إذا كان معذوراً شرعاً فيمكنه الإمامة بالتيمّم بدلاً عن غسل الجنابة، ولا إشكال في الإقتداء به.
س 568 _ هل يجوز الإقتداء بإمام الجماعة من دون معرفة واقعية به؟
الجواب: إذا أحرزت عدالته عند المأموم بأيّ طريقٍ كان جاز الإقتداء به والصلاة صحيحة.
س 564 _ عندما تنعقد صلاة الجماعة في المسجد يقوم شخصٌ أو أشخاصٌ بالصلاة فرادى بنية تضعيف أو تفسيق إمام الجماعة، فما هو حكم هذا الفعل؟
الجواب: فيه إشكال، إذ لا يجوز إضعاف صلاة الجماعة، ولا إهانة ولا هتك إمام جماعةٍ يعتقد الناس بعدالته.
س 603 _ أنا طالب علوم دينيّة فقدت يدي اليمنى على أثر عمليّة جراحية، وأخيراً عرفت أن الإمام الخميني (قده) لا يُجيز إمامة النّاقص للكامل، لذا أرجو منكم التفضُّل ببيان حكم صلاة المأمومين الذين صليّت بهم إماماً الى الآن؟
الجواب: صلاة المأمومين الماضية، والذين اقتدوا بك مع عدم إطّلاعهم على الحكم الشرعيّ محكومةٌ بالصحّة ولا تجب عليهم الإعادة ولا القضاء.
س 609 _ هل تجوز الصلاة خلف السنّة جماعة؟
الجواب: تجوز الصلاة خلفهم جماعة إذا كانت للحفاظ على الوحدة الإسلاميّة.
س 9 _ كتاب مناسك الحج طبعة – 2001 – ص 146 _ ورد في بعض الإستفتاءات أنّكم لا تجيزون إقامة الجماعات في الفنادق في مكّة المكرمة، فهل تجيزون إقامة الجماعة في المنازل والمساكن التي تنزل فيها الحملات عادة، علماً أنّ هذه الحملات تستقلّ بالمنزل، وإقامة الجماعة لا يشكّل عند الحجّاج ذريعةً لترك الصلاة في المسجد الحرام؟
الجواب: لا نجيز إقامة الجماعة في المنازل والمساكن أيضاً.
والحمد لله رب العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.