الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كربلاء "ثورة الاسلام الاصيل"

تشكِّل واقعة كربلاء في ذاكرة المسلمين ووعيهم أروع صورة من صور التفاني في التضحية والبذل والإيثار والعطاء على امتداد التاريخ الإلهي العام، والإسلامي منه بشكلٍ خاص، وتشكِّل من ناحية أخرى نموذجاً راقياً بين العبودية لله عزّ وجلّ، وبين أحد أهم مظاهرها وتجلّياتها في الحياة الدنيا وهي "الشهادة" الحاصلة عن الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ.
فقد اختصرت معركة كربلاء بشخصياتها الرسالية المسفوحة الدم على أرض تلك الصحراء اللاهبة قضية الإنسانية المعذَّبة كلّها، الباحثة عن الأمن والسلام والسعادة في مواجهة الظلم والطغيان المتمثل بالحكام الظالمين ذوي السمعة السيئة والصيت القبيح الذين لم يعرفوا الإيمان بالله حقّ معرفته ولم يدركوا معانيه وقيمه وأبعاده في الحياة الإنسانية، لأنّ الحاكم الظالم لا يستطيع التعايش أو الإنسجام مع النماذج البشرية ذات المواصفات الرسالية المشبعة بالقيم والمبادىء الإلهية السامية والتي بمقدورها أن تلعب أدواراً إيجابية جداً في حياة المجتمعات، وإنقاذها من سطوة وسيطرة الحكام المتجبّرين والطواغيت الذين فتكوا بالإنسان وبكلّ ما يعنيه من قيم ومبادىء ومعاني إنسانية نبيلة وشريفة، وجعلوا من حياة البشر جحيماً لا يُطاق، وناراً لا تخبو لكثرة ما ارتكبوا من الجرائم البشعة التي سوَّدت صفحات التاريخ.
إنّ معركة "عاشوراء" هي واحدة من تلك الجرائم الدموية التي لطّخت التاريخ الإسلامي ودمغته بدمغة سوداء لم تُمْحَ ولن تُمحى من ذاكرة التاريخ الإسلامي، لأنّها كانت جريمة بشعة بكلّ الأبعاد والمقاييس، لأنّ الطرفين في تلك المعركة كانا ممّن لا يمكن أن يتعايشا معاً، لأنّ أحدهما وهو "الإمام الحسين (عليه السلام)" هو القمة في الإيمان والطهارة والصدق والإلتزام بالإسلام قولاً وعملاً ونهجاً للحياة ومدرسة للآخرة، ولأنّ الآخر هو "يزيد بن معاوية" الفاسق الفاجر المنحرف الشارب للخمر علناً والقاتل للنفس المحترمة والخالي من أيّة صفة حميدة تجعله مؤهّلاً لقيادة المسلمين وإدارة شؤونهم وأوضاعهم.
وإذا كان طرفا المعركة على هذا النحو فلا بدّ من أن يلغي أحدهما الآخر، وخصوصاً من جانب الطرف الذي يمسك بالسلطة والقوة ومقدرات الدولة آنذاك وهو "الخليفة يزيد"، بينما الإمام الحسين (عليه السلام) كان يملك الإرث الإلهي العام الذي وصله عن طريق أبيه "علي" وجده "رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"، ذلك الإرث الذي يحتوي على كلّ تعاليم الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشرية وتصحيح مسيرتها من الضلال إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان.
ولذا كانت المواجهة بين المبادىء الإسلامية الإلهية التي يجسّدها الحسين (عليه السلام) ومن كان معه على قلّتهم من أهل بيته وأصحابه، وبين "يزيد" وعصابات القتل والإجرام التي باعت دينها للحاكم الظالم المنحرف طمعاً في حطام الدنيا ومتاعها الزائل والفاني.
وبما أنّ الحاكم إذا كان ظالماً ومنحرفاً فإنّه يخاف على حكمه من أيّ شخص أو جهة تملك رصيداً معنوياً وإيمانياً عند عامة الناس، فإنّه سوف يسعى جاهداً للقضاء عليه والخلاص منه، لأنّه يرى فيه الخطر الداهم والدائم على ملكه وسلطانه، ولا يمكن للحاكم الظالم أن يقرّ له قرار طالما أنّ أشخاصاً كهؤلاء موجودين بين الناس.
لذا نجد أنّ "يزيد بن معاوية" وبمجرد أن استلم الخلافة بعد أبيه "معاوية" كان أول ما قام به أن طلب من واليه على "المدينة" أن يأخذ له البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام) وقال له في رسالته: (أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فعجِّل عليَّ بجوابه، وبيِّن لي في كتابك كلّ من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي (عليه السلام)).
وبما أنّ "يزيد" كان يعرف أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لن يبايعه ولن يعطيه الشرعية لخلافته على المسلمين، فكان أن طالب واليه على المدينة بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وإرسال رأسه إليه لكي يطمئن بأنّ ما يخاف منه على خلافته قد مات وانتهى فعلاً.
وهذا ما حدث، حيث طلب والي المدينة البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام) في جوف الليل حتى إذا رفض الإمام (عليه السلام) قام بقتله، إلّا أنّ الإمام كان قد احتسب للأمر، وأحضر معه جماعة من أصحابه وقال لهم: "إذا علا الصراخ فأدخلوا علينا" ورفض الحسين (عليه السلام) إعطاء البيعة ليزيد وقال (عليه السلام): (إنَّا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة و"مثلي لا يبايع مثله").
وخرج الإمام الحسين (عليه السلام) من دار والي المدينة، ومن تلك اللحظة أدرك أنه لن يُتْرَك ليعيش، وأنّ ثورته صارت قدراً محتوماً لا بدّ من القيام بها، لأنّ يزيد لن يتخلّى عن قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ولو لم يقم بأيّة حركة اعتراضية، لذا فمن الأفضل أن يقوم بالثورة من أجل إصلاح الأمور فيما لو استطاع إلى ذلك سبيلاً، أو أن يسقط مضرجاً بدمه شهيداً في سبيل دين الله الذي أخرج به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس من الجاهلية إلى الإسلام والإيمان.
إذن الذنب الوحيد الذي ارتكبه الإمام الحسين (عليه السلام) في نظر يزيد والذي اعتبره سبباً لقتل الإمام (عليه السلام) هو رفض الحسين (عليه السلام) مبايعة يزيد وإقرار ملكه وخلافته على المسلمين مع ما هو عليه من الصفات الذميمة والمنحرفة التي لا تليق بالمسلم العادي فكيف بمن يريد أن يكون حاكماً ووالياً على إدارة شؤون الأمة الإسلامية بكاملها؟ وتحت يده مقدرات البلاد والعباد والقوة والسلطة، فهذه الأمور إذا اجتمعت في يد الحاكم الظالم فسوف يستعملها في تقوية حكمه وسلطانه بالترهيب والترغيب، ولن يستعملها لصالح الأمة والحفاظ على منافعها أو إبعاد المفاسد منها لأنّ "فاقد الشيء لا يعطيه" ويزيد الفاقد لصفات الحاكم الصالح لن يستطيع أن يحكم كما حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الخلفاء الراشدون من بعده الذين كانوا يخافون الله في أنفسهم وفي رعيتهم وأتباعهم.
ولقد أكّد الإمام الحسين (عليه السلام) في عدة نصوص وردت عنه سبب رفض إعطاء البيعة ليزيد ونذكر منها النص الأهم وهو: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيِّر عليه بقولٍ ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم – يزيد وجلاوزته – قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وإنّي أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))، وقال في حديثٍ آخر له: (وعلى الإسلام السلام إذا ابتُليت الأمة براعٍ مثل يزيد) نظراً لصفاته السيئة والقبيحة.
ولذا نجد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) في مواجهة "يزيد" رفع شعار "الإصلاح" لثورته وقال عندما خرج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة إيذاناً ببدء تحرّكه: (ألا وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي "رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليَّ أصبر حتى يحكم الله لي وهو خير الحاكمين).
فالمعركة كانت إذن بين حاكمٍ يريد أن يتلاعب بمقدرات الأمة ومصيرها ويدمّرها بسبب شهواته ونزواته وعبثه وطيشه وتهوّره، وبين إنسانٍ مؤتمن على الدين والأمة ويريد لهما كلّ الخير من خلال إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وإصلاح الإنحراف الذي حصل في مسار الأمة، ولو على حساب سفك دمه ودماء أهل بيته وأصحابه وسبي نسائه ونساء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
من هنا نقول إنّ ثورة الحسين (عليه السلام) هي ثورة من أجل الإسلام وفي سبيله، وليست ثورة فئوية أو مذهبية كما يحاول البعض أن يصوّر الأمر كذلك، فالحسين قام بثورته في أواخر عام ستين وأوائل أيام سنة واحد وستين للهجرة، ويومها لم يكن هناك مذاهب مختلفة في الإسلام، بل لم تكن المذاهب قد ظهرت أصلاً، لأنّ نشوء المذاهب بدأ منذ النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة النبوية.
ولهذا فمن الخطأ اعتبار الثورة الحسينية هي ثورة شيعية الميول والهوى، بل هي ثورة إسلامية كاملة وبكلّ ما لكلمة الإسلام من معنى، ويزيد لم يكن حاكماً سنياً بالمعنى المذهبي أيضاً لعدم وجود مذاهب آنذاك، ولذا ينبغي أن نتعامل مع تلك الثورة ونتعاطى معها على أنّها ثورة إسلامية، انطلقت من منطلقات وأسباب إسلامية عامة تهمّ كلّ المسلمين على اختلاف مشاربهم وميولهم الفكرية والعقائدية والفقهية، وكانت أهدافها أهدافاً إسلامية عامة تهم كلّ أتباع المذاهب التي نشأت بعدها بما يقرب من قرنٍ كامل.
فضلاً عن أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ليس إماماً للشيعة فقط، بل هو إمام للمسلمين عامة بنص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، فإذا كانت إمامة الحسين (عليه السلام) منصوصاً عليها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نبي المسلمين جميعاً على اختلاف مذاهبهم، فالحسين (عليه السلام) هو إمام المسلمين كلّهم كذلك، لأنّ قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حجّة على كلّ المسلمين وعلى امتداد العصور اللاحقة، لأنّ كلامه لا يختص بزمانٍ معين أو جيلٍ معين كذلك.
من هنا نقول إنّ حشر الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته الإصلاحية في الخانة المذهبية فيها ظلمٌ كبير وجورٌ عظيم لإنسانٍ عظيم أعطى كلّ ما عنده لله ولم يبخل عليه بشيء في سبيل الدفاع عن الإسلام وأشياعه ومريديه، لأنّ الحسين (عليه السلام) ليس لفئةٍ من المسلمين دون الأخرى، بل هو لهم جميعاً، وثار من أجلهم جميعاً كذلك، ولهذا عندما نراجع تاريخ تلك الثورة وما جرى فيها لا نجد أيّ شيءٍ يدلّ على مذهبيتها أو فئويتها أو ضيق مداها وأهدافها، ولذا فالحسين (عليه السلام) هو شهيد الإسلام وشهيد الأمة الإسلامية كلّها.
من ذلك كلّه نقول إنّ إحياء مراسم ذكرى عاشوراء مع بداية كلّ عام هجري جديد ليس إحياءً لفئةٍ معينة من المسلمين، وإنّما هو إحياءٌ لثورةٍ قامت من أجل الإسلام وفي سبيل إنقاذ الأمة الإسلامية من واقعها الأليم الذي كانت تتخبّط فيه، والهدف من إحيائها هو ما يلي:
أولاً: إنّ إحياء عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدروس العملية والتطبيق لآيات كتاب الله التي تأمر المسلمين بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع كونه مسلماً بالاسم من دون الإلتزام عقائدياً وسلوكياً بتعاليم الدين الحنيف، فمجرّد أن يحمل الحاكم عنوان "المسلم" لا يعطيه الحصانة من الثورة عليه عندما ينحرف من أجل تصحيح المسار والعودة بالأمة إلى جادة الإستقامة والهداية والحق والاصلاح، ولذلك نجد أنّ القرآن الكريم يصرّح بوضوح بأنّ كلّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وفاسق وظالم، ولذا فالإمام الحسين (عليه السلام) أراد أن يسنّ سنة حسنة في الإسلام من أجل أن يقتدي به المسلمون في العصور اللاحقة عندما يعيشون أوضاعاً كالتي كانت موجودة في زمنه وعصره حيث انتشر الظلم وعمّ الفساد الأمة الإسلامية بسبب فساد الحاكم وانحرافه، وكلّ خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وكلماته التي قالها على امتداد أشهر الثورة تشير إلى هذا المعنى وإلى هذا المسار، ولو لم يثر الحسين (عليه السلام) لما تجرّأ أحد من بعده للثورة على الحاكم الظالم المستهتر بأحكام الإسلام ومبادئه ومفاهيمه.
ثانياً: إنّ الذين يقيمون مجالس عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) لا يدَّعون احتكار الذكرى لهم وحدهم، بل يرون أنّ هذه الذكرى هي ملك للأمة جمعاء وليست لفئةٍ خاصة، وهم لا يمانعون على الإطلاق، بل يتمنّون ويشجّعون على أن يلتزم أتباع المذاهب الإسلامية كلّها بإحياء تلك الذكرى والإستفادة من دروسها نظراً لما تنشره من الوعي بالتاريخ وبالواقع المعاش، لأنّ عاشوراء مدرسة إسلامية كاملة يتعلّم الداخل إليها الكثير ممّا يحتاجه من مفاهيم وقواعد وأنماط سلوك، وتشحن نفسه وروحه بالقوة المعنوية الكافية لمواجهة الحالات الصعبة في أيّ واقعٍ يعيش أو يتواجد فيه، ومن خلالها يصبح المسلم مستعداً للجهاد والتضحية والدفاع عن الإسلام ومبادئه في مواجهة أيّ قوة مهما كبرت وعظُمت.
ثالثاً: إنّ إقامة عاشوراء لا تحمل أيّ عنصر إدانة لأحد من المسلمين في هذا الزمن، ولا في الأزمنة السابقة، إذ كيف يحق أو يجوز لأحد أن يدين فئة أو شخصاً أو مذهباً بجريمةٍ اقترفها حاكم ظالم أو فئة أخرى لا ارتباط لها بالمسلمين لا اليوم ولا في السابق من الأجيال والعصور؟ ألا تكون مثل هذه الإدانة غير المبرّرة وغير الواقعية مصداقاً لقوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى}، نعم إنّ إحياء عاشوراء يحمل الإدانة الكاملة لمن ارتكب الجريمة في ذلك العصر وهو "يزيد" وأتباعه وأعوانه ممّن باعوا دينهم وإسلامهم للحفاظ على حياة الذلّ والعار، وللطمع في مناصب ومغانم دنيوية من جهةٍ أخرى، وكيف يدين أحدٌ أيّ مسلم في الوقت الذي يدعو فيه من يحيون الذكرى إلى وحدة الأمة ورصّ صفوفها وإلى تعاون دولها وشعوبها من أجل حفظ حقوقهم واستقلالية قرارهم وتوجّهاتهم، وتحرير ثرواتهم من النهب المنظَّم الذي تمارسه القوى الإستكبارية من خلال سيطرتها على مواردنا ومصادرنا الغنية في الثروة والطاقة؟
رابعاً: إنّ الدموع التي يذرفها محبو الحسين (عليه السلام) والمحيون لذكراه لم تحجب ولن تحجب عنّا في يومٍ من الأيام رؤية وفهم مبادىء وأصول العلم السياسي الذي أرسته عاشوراء في مسيرة الأمة الإسلامية، لأنّ مبادىء الإسلام السياسي في الحكم والإدارة قائمة على أساس موازين الحق والعدل الإلهيين الواضحين جداً في كتاب الله وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يحتاج المسلم إلى الكثير من الجهد والعناء لاستنباط تلك المبادىء التي أوضحها الإمام الحسين (عليه السلام) في العديد من خطبه أثناء ثورته والتي أثبتتها كتب السيرة والتاريخ الإسلاميين والتي يمكن اعتبارها الترجمة الحية والواقعية للآيات الكريمة ولسنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
من هنا نقول إنّ عاشوراء الحسين (عليه السلام) هي ثورة إسلامية كاملة وليست ملكاً لجماعةٍ معينة أو أتباع مذهبٍ معين، فهي ثورةٌ انطلقت بشعار "الإصلاح في مسيرة الأمة" عندما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) الإنحراف الذي وصلته الأمة بحيث سمح ذلك بوصول رجلٍ فاسق فاجر شارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة أن يحكم المسلمين باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وثورة الحسين (عليه السلام) هي التي وضعت الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، وهي التي علّمت المسلمين ولا تزال حتى اليوم تعلّمهم معاني التضحية والفداء والإيثار عن دين الله والأمة، وهي التي تشحن نفوس المسلمين بكلّ معاني القوة والقدرة على الوقوف في مواجهة الظلم والإستكبار العالمي اليوم بقيادة الشيطان الأكبر "أمريكا"، وعلى محاربة الكيان الغاصب لفلسطين والقدس والمزروع في قلب عالمينا "العربي والإسلامي".
إنّ كربلاء تنادي اليوم المسلمين جميعاً لكي يحيوا شعائرها بغض النظر عن المذهب والتوجّه، وإحياؤها ليس حكراً على فئةٍ دون أخرى، ولا يحمل إحياؤها إدانة لأحدٍ من المسلمين لا في الحاضر ولا في الماضي ولا أيضاً في المستقبل، وإحياء عاشوراء هو التعبير العملي عن استعداد جماهير الأمة للدفاع عن دينهم وإسلامهم في مواجهة المستكبرين والحكام الظالمين ولكلّ من يريد مصادرة قرار الأمة ويذهب به في غير الوجهة الصحيحة التي تحفظ مصالح المسلمين وتبعد عنهم المفاسد والإنحرافات.
وأخيراً لا يجوز أن نحمِّل إحياء هذه الذكرى مسؤولية الإنقسامات الحاصلة بين المسلمين والتي لها أسباب أخرى، بينما عاشوراء بشعاراتها وأهدافها هي دعوة صريحة ومفتوحة لتوحيد الأمة الإسلامية في مواجهة أعدائها في الخارج والداخل لأنّها تتجاوز المذاهب إلى الإسلام كلّه بما هو دين الجميع ودين كلّ من قال: (لا إله إلّا الله، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله). والحمد لله ربّ العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.