سنذكر في هذه المقالة النصوص التي تركها لنا الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تتضمّن الأسباب للنهضة التي قادها ضدّ الحكم الأموي، وهي نصوص صالحة لكلّ زمانٍ ومكان كونها الترجمة العملية لمفاهيم الإسلام حول الحاكم ودوره وطريقته في الحكم على مستوى قضايا الأمة الإسلامية دينياً ودنيوياً.
أخذ معاوية قبل موته البيعة من أكثرية المسلمين لولده يزيد ليكون الخليفة بعده على الأمة، تلك البيعة التي كانت بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وذلك لكي يضمن انتقالاً هادئاً للسلطة، ولم يبقَ ممّن لم يبايع الا عدد قليل جداً من أهل الحل والعقد، وكان من أهمهم وعلى رأسهم الإمام الحسين (عليه السلام) الذي لم يبادر معاوية لأخذ بيعته لعلمه بأنّه لن يقبل أن يتنازل عمّا هو حق له بمقتضى اتفاق الصلح المعقود سابقاً.
تميّزت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في تاريخنا الإسلامي الطويل أنّها وضعت الحدود والضوابط بين الحق والباطل حتّى لا تختلط الأمور ويشتبه الفهم أو يحصل الإلتباس والإرتباك عند الناس، وتلك الضوابط هي الترجمة العملية الصحيحة لآيات كتاب الله ونصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الحكم والحاكم وكيف ينبغي أن يكونا في الإسلام.
على مسئولية يزيد عن دم الحسين (ع) -ونستعرض في هذا الدليل النصوص التي تدلُّ على انّ قتل الحسين (ع) كان بايعازٍ من يزيد بن معاوية بقطع النظر عن انَّ الأمر بالقتل كان منوطاً بعدم البيعة فحسب أو منوطاً بعدم البيعة بالإضافة إلى الدخول مع بني امية في مواجة.
أنَّ منشأ تنصيب يزيد لعبيد الله بن زياد على الكوفة إنَّما هو قضيَّة الحسين (ع)، ولولاها لما كان يزيد لينصِّب ابن زياد على الكوفة بعد أنْ كان واجداً عليه وبعد أن همَّ بعزله، وذلك يوضح أنَّ غرض يزيد بن معاوية هو أنْ يتصدَّى ابنُ زياد لهذه المشكلة الخطيرة.
قبل الحديث عن تولّي يزيد للحكم وموقف الإمام الحسين (عليه السّلام) من ذلك لا بدّ وأن نعرف مَنْ هو يزيد في منظار الإسلام والمسلمين، وما هو رأي الإسلام في البيت الاُموي بصورة عامّة.
عبيد الله بن زياد وإن كان شخصا فاتكا لا يعرف للدين وأهله إلاّ ولا ذمة ، ولذا اختاره يزيد لهذه المهمة وجمع له الكوفة إضافة إلى البصرة ، إلا أنه لم يكن سوى آلة ,وأداة تنفذ ما يطلب منها ، بل إنه لو تأخر عن تلك المهمة لما حصل إلا على العقوبة ...
اتفق المحدثون والمؤرخون على أن يزيد بن معاوية أرسل إلى عامله على المدينة أن يأخذ له البيعة جبراً من الحسين عليه السلام فإن أبى فليقتله ! ثم لما تخلص الإمام الحسين عليه السلام من حاكم المدينة ، وذهب إلى مكة ، أرسل إليه يزيد من يغتاله ولو عند الكعبة ! وعندما توجه الحسين عليه السلام إلى العراق بعث يزيد زياداً بن أبيه والياً على العراق ، وأمره أن يرسل جيشاً إلى الحسين ، ولا يقبل منه إلا أن يبايع ليزيد أو ينزل على حكمه فيه ! وأمره إن أبى أن يقتله ويوطئ الخيل صدره وظهره ، ويبعث إليه برأسه ! وفي هذه المدة التي امتدت أكثر من خمسة أشهر ، من نصف رجب حيث هلك معاوية ، إلى العاشر من شهر محرم ، كانت المراسلات بين يزيد وعماله في الحجاز والعراق متواصلة في قضية الحسين عليه السلام . فالذي يدعي أن ابن زياد تصرف من نفسه بدون أمر يزيد ، هو جاهل أو مكابر !
بعد ما رفض الإمام الحسين (عليه السَّلام) البيعة ليزيد بن معاوية رفضاً قاطعاً خرج (عليه السَّلام) من المدينة المنورة قاصداً مكة ليلة الأحد لليلتين بقيتا من
قال ابن حجر في الصواعق المحرقة: ومات ـ يعني يزيد بن معاوية ـ سنة أربع و ستّين لكن عن ولد شاب صالح عهد إليه فاستمرّ مريضاً إلى أن مات، و لم يخرج إلى الناس و لا صلّى بهم و لا أدخل نفسه في شيء من الاُمور، و كانت مدّة خلافته أربعين يوماً، و قيل: شهرين، و قيل: ثلاثة أشهر، و مات عن إحدى و عشرين سنة، و قيل: عشرين.
ينمي مؤرخة الغرب معارضة بني أميه لبني علي ( عليه السلام ) إلى زمن أبعد مدىً مما اشتهر ، و إلى قطيعة حدثت بين هاشم و شقيقه عبد شمس ولدي عبد مناف القرشي . و كانت المعارضة إذ ذاك بينهما فقط ، ثم تفشت بعد مائة عام بين حزبين قويين : حزب التوحيد و عميده المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، و حزب الشرك و أقطابه أبو سفيان و أبو جهل و الحكم و الوليد و خمسة عشر آخرون . و بقيت نار الجدال و القتال مستمرة بين الحزبين 19 عاماً حتى اذا جاء نصر الله و الفتح و دخل الناس في دين الله أفواجاً و دخل معهم هؤلاء طوعاً أو كرهاً ، فخمدت تلك النار الموقدة إلاّ في الأفئدة بضعاً و ثلاثين سنة حتى استثارها مروان في إمارة عثمان و أثار مع الحفائظ نيران الفتن و الإحن .
إن من أهم الأسباب التي دعت الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) أن يُحلَّ إحرام حجه بإبداله الى عمرة مفردة و يخرج من مكة و يتوجه إلى العراق بسرعة و على عجل في يوم التروية
و بلا شك فان الإمام أبا محمد الحسن لم يكن يتهيب الشهادة لو كانت تخدم المصلحة العامة و تعدُّ المجتمع الإسلامي إعداداً سليما للثورة و التضحية بكل شيء في سبيل المبدأ و العقيدة كما فعلت ثورة الحسين في حينها التي قدمت للإنسان المسلم نمطاً جديداً من الثوار لا يستسلم للضغوط مهما بلغ حجمها و لا يسام على انسانيته و دينه و مبدأه مهماً كانت التضحيات ، و لم يكن الحسين أقل إدراكاً لواقع المجتمع العراقي من أخيه الحسن ، فقد رأى من خيانته و تخاذله و استسلامه للضغوط مثل ما رأى اخوه و أبوه من قبله لذلك كله.
لمعرفة المنتصر أو المهزوم في أية قضية لا بُدَّ و أن يكون التقييم وفقاً لمعايير خاصة ، و من أحد أهم تلك المعايير معرفة أهداف كل من طرفي النزاع ، حيث أن المنتصر هو من تمكن من تحقيق أهدافه بصورة كاملة و دقيقة من خلال برنامج مدروس و خطة متقنة .