تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 41
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 9892

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مجالي العدل الالهي

ما أسعدني أيها الأحباء ! . . أقف بينكم لأحدثكم ببعض أحاديث الإسلام ، وأحييكم بتحية السلام وشعار الإسلام : ( السلام عليكم ) .
ما أسعدني ! . . أقف بينكم لأذكر بعض محاسن دين الله العظيم ، أشير إلى بعض أسراره . .

﴿ ... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ... 1.
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2.
بلى ـ أيها الأحبة ـ ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3.
ومحاسن دين الله ( تعالى ) أسمى من ان يستوفيها حاسب ، أو يحّددها كاتب ، وأسرار شريعة الله ـ سبحانه ـ أدقّ من أن يستبطنها عقل ، أو يستنفذها مفكّر ، ولكنها النور المشع ، تقتبس الأفكار منه ، كلٌ حسب طاقته . والغيث الصيّب تنتهل الأحياء منه ، كلٌ بمقدار حاجته ، وتأخذ الأواني منه كلٌ بمقدار سعته .

إنها السعادة أو الشقاوة

ما أسعدنا ـ أيها الأحباء ـ !! ، وما أكرمنا على الله !! . . يَصطفي بحكمته وبلطفه لنا دينه العظيم ، ويضمن لنا السعادة والفوز والفلاح ، إذا نحن اتّبعنا مناهجه ، وسرنا على هداه ، وبلغنا إلى غاياته . .
. .إنها سعادة ليس فوقها منتهى ، وإنها كرامة ليس وراءها منزلة ، وإنها رفعة ليس بعدها مطمح . . أن يكون الله ـ سبحانه ـ هو الذي يختار لنا بحكمته ما يريد ، وأن يكون رسوله الأعظم ( ص ) هو المرشد لنا إلى هذه الغاية ، وأن يكون كتابه الأكبر هو الدليل لنا إلى السبيل :
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 4.
ثم انها الشقاوة التي ليس دونها درك ، والمهانة التي ليس بعدها ضعة ، والخزي الذي ليس منه منجى . . أن نجتنب هداية الله ـ سبحانه ـ ونتنكب سبيله ، بعد أن بلّغ المرشد ، وأوضح الدليل . . ان نتخوّن هداية الله ، و نستجهل حكمته ، ونستصغر مقته ، فنستبدل بدين الله ديناً ، وبمبدأ الله مبدأ ، وبنظام الله نظماً :
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ 5.
وإنها الشقاوة والمهانة ، والخزي الكبير ، والبوار العظيم ، ان نوزّع شريعة الله حسب أهوائنا ومشتهاتنا التي لا تقّر على حال . فنأخذ من أحكام الله ( عز وجل ) ما نريد ، ونترك منها ما لا نريد . . كمن يتعّرض للسلع المعروضة في السوق ، فلا يبتاع منها الا ما يوافق هوى نفسه ، أو رغبة ذويه ، ثم لا يبتاع منها الا ما يخفّ عليه في السوم :
﴿ ... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ 6.

أيها السادة!

ما أوضح حقائق الإسلام !! وما أرسى قواعده !! وما أجلى حكمته وما أسماها عن الحدود !! وما أبْين دلائله وما أباها عن الحصر !! . . إنها ملء الكون ، وملء الأزمان ، وبعدد ما في الأكوان والأزمان من ذرّة وجسيمات ذرة ، وطاقة ووحدات طاقة ، وقانون وتجلّيات قانون .
ما أوضح حقائق الإسلام ، وما أجلى حكمته ، وما أبين دلائله !! ، وما أجهلنا ـ نحن المسلمين ـ بهذه الحقائق ، وما أبعدنا عنها ، وما أشد استغرابنا إياها حين تذكر لنا ، كأنها لم تمتزج بعقولنا ونفوسنا ، بل وبعواطفنا ومشاعرنا ولحومنا ودمائنا !! .

حديث مع مهندس كبير

تحدثت في ليلة من لياليّ في القطار الى مهندس كبير كان يزاملني في المقصورة . .
تحدثت الى هذا الزميل عن عدل الله العظيم ، الذي يظهر في كل منحى من مناحي هذا الكون ، وفي كل موجود من موجوداته ، والذي لا يزال العلم الحديث يكشف في كل يوم منه جوانب ، ويترصّد إلى جوانب أخرى لا تزال خفية ، ثم هو يعترف أنّ ما كشفه من هذه الجوانب لا يزيد على مقدار قطرة صغيرة من محيط عظيم .
نعم لقد اعترف العلم التجريبي الحديث بكل ذلك ، وسبّح بحمد ربه ، وأحنى رأسه للقدرة القاهرة ، وللحكمة الباهرة ، وللتدبير الحكيم ، والعدل العظيم .
. . تحدّثت إليه عن مظاهر هذا العدل الكوني العظيم ، ثم قلت له ـ في مجرى الحديث ـ :
والعدل في الإسلام ـ أيها الأخ ـ امتداد للعدل الأعظم في الكون ، لأن الإسلام نظام من أنظمة الحياة ، وواضع هذا النظام هو واضع أنظمة الكون . . وأخذت أشرح له أبعاد هذه الكلمة ، وأبيّن بعض الشواهد الدالة عليها ، ولست ادري كم طال الحديث ، فقد كنت راغباً في القول ، وكان راغباً في الاستماع .
فقال متعجبا ـ بعد نهاية الحديث ـ : ما أغرب هذه الحقائق عنا ! ، وما اشد بلاهتنا إذا كانت صحيحة لا يتطرّقها ريب ! .
فقلت له : يا صاحبي ليست هذه الحقائق هي الغريبة ، ولكنّكم انتم الغرباء .
فوجم من قولي ، ثم أطرق طويلاً ، واسترشدني بعد صمته الى بعض المصادر ، واستوضح مني بعض المفاهيم ، ولم أعلم بحاله بعد تلك الليلة .

العدل الإلهي في مجالَي التكوين و التشريع

نعم ـ أيها السادة ـ ، العدل في مجال التكوين ، والعدل في مجال التشريع . . كلاهما مظهر من مظاهر العدل الإلهي الأعلى؛ الذي أوجبته الحكمة المطلقة ، والكمال المطلق ، والغنى المطلق ، والتنزّه المطلق عن الحاجة ، والتقدّس المطلق عن النقص .
وإذا قلت : الحكمة المطلقة ، أو الكمال المطلق ، أو أحد المفاهيم المتقدمة الأخرى ، فأعني بها صفات الكمال الذاتية له ( تعالى ) ، الأزلية ، الأبدية ، التي لا بداية لوجودها ولا نهاية ، ولا حدّ تقف عنده ، ولا علّة تؤثر فيها . .
وقد جعل ـ سبحانه ـ في كتابه هذه الصفة ( صفة العدل ) متمّمة لعقيدة التوحيد ، اذ قال ( عز من قائل ) :
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ 7.
على هذه الركيزة يقوم الإسلام في عقيدته ، وعليها يقوم في بناء مفاهيمه ، وعليها يقوم في تأسيس شريعته وشمول نظرته .

العدل في التكوين 

فلا يؤتي أي ذرّة من أي عنصر الاّ مقدار ما تفتقر إليه من الجُسيمات ، ولا يودعها الا قدر ما تحتمله من الطاقة ، ولا يضع لها إلاّ ما يدّبرها من النظام ، ولا ينقصها شيئاً مما تحتاج إليه في حال الإنفراد ، أو في حال التركّب . .
وهكذا في كلّ مركّب وفي كلّ بسيط ، وفي كلّ حي ، وفي كل جامد ، وفي كل صغير ، وفي كل كبير . . وما عسى أن يعدّ القائل من ذلك ؟ . وما عسى أن يذكر من الشواهد ؟ ، وقد اعترف العلم ان هذه هي الظاهرة المحسوسة الملموسة في جميع محتويات هذا الكون الرّحب ، ما استطاع كشفه منها وما لم يستطع .
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ 8.
﴿ ... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا 9.

و العدل في التشريع 

فلا يضع الحكم إلا وفق ما تقتضيه النظرة المستوعبة في الركائز العميقة في الفرد ، والركائز الأصيلة للمجتمع ، والموازنة الدقيقة بين جميع المقتضيات والمؤثّرات والبواعث والموانع والطاقات والضرورات والحقوق والواجبات ، والملاحظة الشاملة للأفراد والأمم والأجيال والأزمان . فلا يؤتي ناحبة من نواحي الفرد ، ولا من نواحي المجتمع أكثر مما تستحق ولا يُنقصها شيئاً مما تستوجب .
على هذه السمة ، وعلى هذه الركيزة تأسس الإسلام ، وقامت جميع تشريعاته :
﴿ ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 10.
بل وعلى هذه الركيزة ، ومن اجل تحقيق هذه الغاية أرسل الله ( تعالى ) الرسل السابقين ( ع ) ، و زوّدهم بالوحي :
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... 11.
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ 12.
وما أكثر الآيات التي ذكرت هذا الشأن ، ووصفت دين الله بهذا الوصف ، وحفّزت الناس الى هذه الغاية ، ودعتهم الى هذه السعادة !! .
هذا هو العدل الذي أرسل به محمد ( ص ) وأنزل به كتابه وأقيم به نظامه ، وهذا هو العدل الذي أراده الله ( تعالى ) للمجتمع المسلم الذي أقام صلاته على الحب في الله ( تعالى ) ، والتآخي في دينه ، والتناصر في سبيله .

العدل الإسلامي في الحكم

أما الحكم في الإسلام ـ أيها السادة ـ فإنه مشتق من هذا النظام ، وقائمٌ على هذه الركيزة ، ومستمد من هذه الأسس .
الحكم في الإسلام قوامة عامة على المجتمع المسلم ، وعلى التطبيق الكامل لعدل الإسلام ، والرعاية اليقظة لكتاب الإسلام ، والسعي الدائب لأهداف الإسلام .
وتمشّياً مع هذه النتائج ، فلابدّ وأن يكون الحاكم الأعلى مثالاً شاخصاً للعدل الأعلى في الإسلام . .
وهذه نتيجة لا يشكّ في صدقها من عرف أنظمة الإسلام ، وتبيّن أهدافه ، وعلم صفات مجتمعه . .
وتطبيقاً لهذه النتيجة وجب أن يكون الحاكم الأول للمجتمع المسلم هو الرسول العظيم ( ص ) .
نعم ـ أيها الإخوة ـ و اما قولة الرسول ( ص ) التي رواها المسلمون على السواء : ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) 13 .
أو قولته الأخرى : ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار ) 14 . .
. . ما هاتان الكلمتان وأخواتهما إلاّ شهادات نبويّة باستحقاق علي ( ع ) لهذا المقام الكريم بعد الرسول ( ص ) . وما شهادة القرآن لأهل البيت بالعصمة 15 ، وما النصوص التي توارثت عن الرسول ( ص ) في حقهّم الا وهي واردة في هذا الشأن .
اما أولياء هذه الزعامة بعد انتهاء أدوار المعصومين فهم تلاميذهم الأطهار الذين يَرِثون مقامهم بالعلم ، ويمثّلون عدلهم الأعلى في العمل 16 .