الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من علامات الامة الناهضة

عندما يعيش الناس في وفرة من النِعم ورغد من العيش، لا يستشعرون قيمة ومقدار تلك النعم التي يرفلون بها، لكنّ ـ عادة ـ الإنسان عندما يفقد نعمة يتحسس قيمتها وأهميتها.

من النعم التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية هي وجود القيادات الناهضة بهذه الأمة، لكن ـ وللأسف ـ بعض الشعوب في أمتنا العربية والإسلامية لا يعرفون أهمية رجال الأمة إلا بعد رحيلهم، وعلى هذا يمكن تصنيف الأمم على ثلاثة اصناف:

الأمة الناهضة
الأمة النائمة
وما بينهما، أي الأمة التي هي نائمة وتحاول ان تنهض، أو الأمة التي هي ناهضة ولكنها تسير باتجاه النوم.

من علامات الامة الناهضة أن رجالها وقادتها لهم نشاط وحركة وهم أحياء، فأنت تسمع عن نشاطهم ومواقفهم وانجازاتهم ما داموا في سن النضج.

ولكن الأمة النائمة لا تسمع عن رجالها  إلا بعد موتهم، فكأن الموت هو عبارة عن اعظم انجاز يحققه رجال الامة النائمة، فلا تسمع عن أحدهم خبرا، ولا موقفا، ولا انجازا، ولكنه اذا مات سمعت عنه في كل مكان.

فالباكون له كثيرون، والمترحمون عليه أكثر، ولكن لا ترى له اتباعا في حياته، لأنه إما أنه لم يكن يمتلك في حياته موقفا ولم تكن له انجازات، أو ان الناس لا يكتشفون مواقفه وانجازاته الا بعد موته.

نعم؛ قد يعتبر الكثيرون انفسهم اتباعا له بعد موته، ولكنها تبعية لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن رجال الامة النائمة هم جزء من التاريخ وهم احياء، وبالموت يتم تحنيطهم، ثم يبدأ اتباعهم بالتباكي عليهم لفترة طويلة من الزمن.

أما الأمة الناهضة فهي تلفظ كل من لا يحركها ولا يتحرك بها، مهما كان موقعه، وإذا فشل اي شخص ـ أيا كان موقعه ـ فإن الامة تستبدل به غيره.

يقول ربنا عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ 1.

فالامة الناهضة اذا ارتد منها احد، سواء كان في موقع القيادة ام في  موقع القاعدة، فإنها ستلفظه وتستبدل به غيره.

أما الامة النائمة فإن رجالها هم كالتماثيل التي لا تجس ولا تمس، ولا يمكن نقدها وتقييمها، واذا اصبح لها قائد فهو لا يتغير ولا يتبدل، والموت وحده هو الذي يحجزه عنهم.

والمشكلة هي ان التخلف الذي تعاني منه الامة النائمة يتوارث، فهناك علاقة وثيقة بين حالة الانحطاط المتوالدة والمؤثرات البيئية والاجتماعية للأمة؛ فالامة الصالحة تنشئ أبناءً صالحين، ام الامة فسدت فهي لا تلد إلا فاسدا.

وحينما نتحدث عن الامة الناهضة او السائرة نحو النهوض فإننا نتحدث عن رجال عظماء يحملون راية النهوض والعمل في امتهم، وإلا فإن الامة بدون رجالها لا تستطيع النهوض والتقدم، وهكذا هم الرساليون في مجتمعاتهم فاعلون وعاملون، قد حملوا على عاتقهم ثقل المسؤولية، ونهضوا بأعباء الامة، وساروا بدون كلل او ملل نحو حل مشاكل الناس.

قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 2.

ولذلك فان هؤلاء الرجال هم الذين يصنعون الحضارات، وبهم تبنى الامم، وباتّباعهم تزدهر الدول .

وتاريخنتا مليء بالنماذج المشرقة من هؤلاء الرجال الذين انقذوا الامة وحافظوا على البناء الحضاري فيها، وهنا نذكر رجلين كان لهما التأثير الكبير والبالغ في الامة:

الأول هو المجدد السيد محمد حسن الشيرازي ـ قدس سره ـ المعروف بصاحب ثورة التنباك.

الثاني هو المفكر السيد جمال الدين الأفغاني 3.