ما هي حقيقة العبودية لله؟

حقيقة العبودية لله هي الطاعة و الالتزام بأمر الله و نهيه، و العبودية الحقيقية إنما تتحقق بترك المحرمات و العمل بالفرائض و الواجبات، و حتى لو لم يأت بأي مستحب و لم يُتعب نفسه بالنوافل و الادعية فهو من أعبد الناس، فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ الإمامِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام أنهُ قَالَ: "مَنْ عَمِلَ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ‏" 1 . و الامر سهل لمن أراد ذلك.

و لقد سأل عُنْوَانُ البَصري 2 الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن حقيقة العبودية قائلاً:

مَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ؟

فقَالَ عليه السَّلام: "ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، أَنْ لَا يَرَى الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ مِلْكاً، لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ، يَرَوْنَ الْمَالَ مَالَ اللَّهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَ لَا يُدَبِّرُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَرَ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِلْكاً هَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ، وَ إِذَا فَوَّضَ الْعَبْدُ تَدْبِيرَ نَفْسِهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ هَانَ عَلَيْهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَ إِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ نَهَاهُ لَا يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إِلَى الْمِرَاءِ وَ الْمُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَا أَكْرَمَ اللَّهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَانَ‏ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَ إِبْلِيسُ وَ الْخَلْقُ، وَ لَا يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً وَ تَفَاخُراً، وَ لَا يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزّاً وَ عُلُوّاً، وَ لَا يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلًا، فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 3 " 4 .

  • 1. الكافي: 2/84، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، تحقيق: علي اكبر غفاري و محمد آخوندي، الطبعة الرابعة، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1407 هجرية/قمرية، طهران/إيران.
  • 2. شيخ بصري قَدِمَ المدينة المنورة لطلب العلم و كان شيخاً كبِيراً قَدْ أَتَى عَلَيْهِ أَرْبَعٌ وَ تِسْعُونَ سَنَةً.
  • 3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 83، الصفحة: 395.
  • 4. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 1 / 224 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .