الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الخلفاء واقتحام الدار

بلغ الصراع أعلى قمة له بين أصحاب السقيفة والهاشميين ومن نادى بخلافة علي (ع) حينما تحصنوا بدار فاطمة (ع) وأعلنوا رفض الخلافة وكان لا بد للسلطة آنذاك أن تتخذ خطوات عملية أكثر تطورا حتى لا تتفاقم الأمور وتسير على غير ما يشتهون خصوصا وأن الطرف المقابل المعارض وعلى رأسه علي وفاطمة (ع) له من القدسية ما يلهب في الآخرين الحماس والتحرك لمواجهة الحكومة.

وفي مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث مقر الحكم بدأت المشاورات والتخطيط لإجبار المعارضين على البيعة وكما هو معلوم فإن بيت فاطمة يفتح مباشرة على المسجد ولا باب لهم إلا هذا كما سيأتي في حديث سد الأبواب إلا باب علي (ع).
لقد كانت فكرة أصحاب السقيفة تتلخص في ضرورة إجبار هؤلاء على البيعة حتى لو اضطرهم ذلك لقتالهم وقتلهم.

جاء في كتاب الإمامة والسياسة .. فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك يعني علي (ع) بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي عليا ، قال فذهب إلى علي فقال له ما حاجتك؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ... 1.

لقد كان الاصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل يقول ابن قتيبة « فقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل فمه قالوا : إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك! » 2.

لقد استفحل الأمر بين الجبهتين حتى أنه وكما ينقل لنا اليعقوبي لو وافى عليا أربعون من المخلصين لكان لأمر الخلافة حديث آخر ولكن لم يجد علي من يعينه ، يقول اليعقوبي « وكان خالد بن سعيد غائبا فقدم فأتى عليا فقال هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : أغدوا علي غدا محلقين الرؤوس فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر » 3.
ولم تبق وسيلة أمام السلطة إلا اقتحام الدار وإجبار من فيها حتى ولو كانت هذا الدار هي تلك الدار المقدسة التي يقطنها أهل البيت (ع) ولم يشفع أهل الدار دون أن تحرق وتنتهك حرمتها ، وهذا ما جرى عندما تفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده : لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له يا أبا حفص : إن فيها فاطمة؟ قال : وإن 4.

لقد حاولوا أن يلفتوا انتباه الخليفة الثاني الذي كان شديدا في الأخذ لبيعة أبي بكر ولكنه كان في كامل وعيه وهو ينوي الاحراق وإشعال النار في بيت بنت المصطفى ، لقد نظم الشاعر حافظ إبراهيم الحادثة قائلا :

و قولـــة لـــــعلي قالـــــــها عمــــــر           أكــرم بســــامعها أكــرم بملقيها

أحرقت دارك لا أبــقي عليك بها           إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

من كان غير أبي حفص يفوه بها           أمـام فــارس عدنان و حامــيها

لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم 5.

لم يكن أمام القوم إلا الخلافة ، فاقتحموا تلك الدار وأدخلوا فيها الرجال.

يقول اليعقوبي « وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار » 3.

لا أدري كيف طاوعتهم أنفسهم لهتك ستر هذه الدار التي كان الرسول يقبض حلقتها عند كل صلاة صائحا « الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » 6. من أين أتتهم الجرأة لكشف ذلك البيت الذي كان يخرج رسول الله في أسفاره منه ثم يكون أول محطة له عند عودته. هذا البيت الذي كان يقدسه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويأمر الناس بتقديسه .. ولكنها الخلافة .. الرئاسة ... الملك.

لقد أغلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل الأبواب التي كانت تفتح على مسجده إلا باب هذا البيت .. فكيف يكون هو نفسه هدف الهجوم من الرجال .. لقد جرى كلشيء على مرأى ومسمع الخليفة أبي بكر إذ أن

المنبر ليس ببعيد عن موقع الأحداث التي جرت في بيت فاطمة (ع) بل إن أبا بكر يعترف بأن الدار قد تم اقتحامها بأمره ويعتبرها إحدى أفعاله التي تمنى لو أنه لم يقم بها ، يقول في مرض موته : إني لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عنشيء وإن كانوا قد غلقوه على حرب 7.

في اليعقوبي « ... وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب » 8.

في هذين النصين يبرز واضحا اعتراف الخليفة الأول بأن دار فاطمة قد اقتحمت بأمره ولعل كلمتي « أكشف » « وأفتش » دلالتهما بينة خصوصا وأن الدار المقصودة معقل المعارضة ، وملتقى الهاشميين فالكشف والتفتيش أقرب المعاني المعبرة عن مراد السلطة آنذاك والكشف معناه كما في لسان العرب لابن منظور رفعك الشئ عما يواريه ويغطيه وبالتأكيد على حسب كلام أبي بكر لم يكن ذلك برضاهم وإلا لتغير التعبير لأن رفع الشئ عما يواريه وإظهاره يكون من جانب الكاشف ، والمكشوف هنا بيت العصمة والطهارة بيت فاطمة التي قالت لأبي بكر وعمر عندما التقيا بها أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعرفانه وتعملان به؟ قالا نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول رضا فاطمة من

رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ، قالا نعم ، سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأشكونكما إليه فبكى أبو بكر. حتى كادت نفسه تزهق وهي تقول: « والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها » 9.

شئ عظيم هذا الذي فعلوه مع الزهراء حتى أصبحت تدعو على الخليفة الأول في كل صلاة لقد تفننوا في إرعاب قلب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عندما جاء عمر والرجال لإحراق الدار وجمعوا الحطب كانت أول من تلقتهم خلف الباب وصرخت ونادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة » 10.

ومع ذلك اقتحموا الدار وخلف الباب فاطمة ، وذلك ما أقر به أبو بكر في قوله وليتني لم أفتش بيت فاطمة وأدخله الرجال ولا ينفع الندم لأن فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر هذا كانت قد وصلت إلى أبيها وشكت إليه لأنها ماتت وهي واجدة عليه كما مر.

لقد ظلل على الأجواء التوتر ورائحة الدم تملأ المدينة وشبح التصفية يطارد أهل البيت (ع) وفاطمة رمز المعارضة لا يبعد أن يصيبها وابل من غضب أصحاب السقيفة ، وهذا ما جرى للأسف الشديد فهم اقتحموا الدار وفيه فاطمة ، وأحرقوا الباب وخلفه فاطمة. وأنا أتابع هذه الأحداث أثناء بحثي لم يهمني إلا فاطمة .. ولضبابية الرؤية التي كانت في كتب القوم صرت أبحث بتلهف هنا وهناك وأتصيد المعلومات لأن الذين كتبوا التاريخ لا بد لهم من أن يحفظوا ماء وجه المقدسين لديهم فلا يبرزوا إلا بعض الحقائق عنهم.

وكان يهمني مصير فاطمة ، لأنها عندي كانت تعني مصير الرسالة ، ووجدت الطامة الكبرى ، واكتملت لدي الصورة عندما رجعت إلى أحفادها « أهل البيت (ع) » وعرفت ما جرى ولكن قبل أن أصل إلى هذه الحقيقة لفت انتباهي أن جمهرة من العلماء ذكرت اسم المحسن كأحد أبناء الإمام علي من فاطمة لكن بعضهم اكتفى بذكره دون إشارة إلى موته والبعض الآخر قال أنه مات صغيرا أو حين ولادته وثالث قال أنه ولد سقطا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتساءلت عن سبب هذه الضبابية والتعتيم على زمن وكيفية وفاة المحسن بعد أن ثبت كونه من جملة أولاد علي من فاطمة الزهراء (ع) ، وتبين لي مع الأسف أن كل ذلك ـ من هؤلاء المؤرخين ـ كان محاولة منهم للجمع بين حقيقة كونه من جملة أولاد الزهراء من جهة وصرف مسألة العنف الذي بسببه أسقطت الزهراء محسنا ، فكانت الضبابية ، ولكن تواتر الأحداث مضافا إليها الروايات القائلة بإسقاط الزهراء أثناء الهجوم يؤكد حقيقة واحدة وهي أن فاطمة كانت تحمل في بطنها جنينا سماه النبي محسنا وهو في بطن أمه .. هذا الجنين لم ير النور قط ، وإليك الأحاديث التي جمعناها في هذا الصدد :

* ـ قال الطبري وابن الأثير « ... وقد ذكر أنه كان له (الإمام علي) منها (فاطمة) ابن آخر يقال له محسن وأنه توفي صغيرا » 11.

* ـ قال يونس : سمعت ابن إسحاق يقول : « فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا ، فذهب محسن صغيرا ».

* وقال ابن إسحاق ، فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا 12.

* قال ابن حزم الأندلسي : تزوج فاطمة علي بن أبي طالب فولدت له الحسن والحسين ، والمحسن مات المحسن صغيرا 13.

* جاء في تاج العروس ولسان العرب : شبر وشبير ومشبر هم أولاد هارون وذكر مثل ذلك كثير من الأعلام أمثال المحب الطبري في ذخائر العقبى وابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٣٠٨ والعسقلاني في الإصابة ج ٤ ص ٤٧١ واليعقوبي في تاريخه. وبها سمى علي (رض) أولاده يعني حسنا وحسينا ومحسنا 14.

وهناك روايات تتحدث عن إسقاط المحسن قال المسعودي وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا 15.

ولد ثالث للزهراء اسمه محسن ، كما يذكر صاحب ذخائر العقبى في مودة القربى ويقول عنه أنه مات صغيرا .. واسم محسن جديد على مسامعي لم أسمع به وما ورد في الحسن والحسين غير قليل فلماذا لم يردشيء تفصيلي عن الابن الثالث لفاطمة الزهراء (ع)؟!

بعد التنقيب والبحث اكتشفت لماذا يذكر المحسن كثيرا .. إذ أن ذكره يستتبع أمورا تهد الجبال هدا .. وإليك شذرات مما وجدته وبعدها نحاول ربط الأحداث ببعضها لتتعرف على سر المحسن بن علي ثم نعرج على أهل البيت (ع) لنرسم الصورة كاملة :

جاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني : قال إبراهيم بن سيار بن هاني النظام إن عمر ضرب بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : احرقوا دارها بمن فيها 16.

وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى أبي دارم المحدث أبو بكر الكوفي ، قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته :

كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن 17.

إذا لقد أسقطت فاطمة عليها‌السلام الابن الثالث محسن وذلك يعني أنه قتل ولم يمت ..
في الواقع إن الأحداث الساخنة التي كانت آنذاك كان لا بد من أن يتخللها مثل هذه المصائب الفظيعة التي لم يذكرها المؤرخون السنة صراحة والسبب معلوم كما ذكرنا ولكن شعاع الحق يرفض إلا أن يتسلل من بين ثنايا ذكر ما جرى أو بالأحرى ذكر ما يحبون ذكره مما جرى.

لقد ذكروا كما رأينا أن عمر كان يصر على أبي بكر أن يأخذ المتخلفين عن البيعة بالقوة ثم إنه هو الذي أخذ الرجال إلى باب دار فاطمة ومعه الحطب لحرق الدار إن هم رفضوا الخروج وعند وصولهم إلى باب الدار كان أول ما تلقتهم فاطمة (ع) خلف الباب كما ذكرت آنفا وللتأكيد أورد لك هذين النصين وعليك عزيزي القارئ أن تنتقل بروحك وعقلك إلى تلك الفترة التاريخية لتتصور ما يمكن أن يجري ، قال أحمد بن يحيى البلاذري : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت : يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ قال : نعم » 18.

وعن نفس الحادثة ينقل ابن عبد ربه الأندلسي :

بعث إليهم ـ يعني المتخلفين عن البيعة ـ أبو بكر عمر ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب : أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم 19.

لقد تصدت فاطمة (ع) لعمر من خلف الباب لعل قلوب الرجال تخشع عندما تسمع صوت امرأة قال عنها الرسول أنها سيدة نساء العالمين وربما لتكون عليهم الحجة أبلغ لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آذى فاطمة فقد آذاني ولذلك صرخت كما ينقل ابن قتيبة : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك.
ومع ذلك اقتحموا الدار بشهادة أبي بكر في تأسفه على الثلاثة اللاتي ود أنه لم يفعلهن .. وقال ... وأدخله الرجال كما ، مر ، قال اليعقوبي فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار ولو لم يتم الهجوم ما كان هنالك داع لتأسف أبي بكر الذي جاء متأخرا.

لقد اقتحموا وإنشيء ت فقل هجموا على دار البتول الزهراء (ع) وكانت أول من تلقاهم خلف الباب ، والهجوم والاقتحام عادة يكون بلا استئذان ولا رحمة ومما لا شك أن كلشيء يعترض تلك الهجمة الشرسة لا بد أن يتحطم ويبعد عن الطريق .. ولكن بكل أسى ولوعة كان ذلك الشئ بضعة الرسول ووصيته فاطمة (ع) فضربت حتى أسقط جنينها ، هذه هي الحقيقة التي حاول القوم إخفاءها فتسللت من بين مجريات الأحداث وظهرت على صفحة التاريخ نقطة سوداء في جبين الأمة .. كان هذا القدر كاف لكي أجمع باقي خيوط القضية كاملة منذ وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حين موت الزهراء (ع) ، أو استشهادها .. نعم لقد انتقلت إلى جوار ربها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدى إلى إسقاط جنينها المحسن ومن ثم مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها.

بعد ذلك توجهت إلى أحفادها لكي استمع منهم تفاصيل ما جرى وهم أدرى بما جرى لجدتهم الزهراء (ع) وهناك تجلت لي الحقائق .. ولكن كانت تكمن عقدتي في أن ذلك يجعلني ألجأ إلى الروايات عن أهل البيت (ع) عن طريق الشيعة.

فسألت نفسي .. ولماذا لا آخذ بقولهم لقد عرفت من كتب السنة أن فاطمة غضبت على الخليفتين حتى ماتت ولم تأذن لأبي بكر أن يصلي عليها ثم إنها طالبت بالخلافة لعلي (ع) ، وكان بيتها مركز المعارضة .. كما علمت أن بيتها كان مستهدفا من السلطة التي قررت إجبار من في البيت على البيعة وإن أبوا فالقتل والإحراق ونفذوا ما خططوه وهجموا على الدار وكان خلف الباب الزهراء تذكرهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصاياه ومع ذلك اقتحموا الدار وفاطمة تصرخ ورأيت بين طيات نفس الكتب أن هنالك من يقول بأن فاطمة ضربت وأسقط جنينها كما مر ومهما يكن صنف القول فتسلسل الأحداث يرجح وقوع ما جرى. لكل ذلك لم أجد أن عقلي يمانع في الأخذ بقول الأئمة من أهل البيت (ع) حول ما جرى من أحداث أدت إلى وفاة فاطمة (ع) فكتب السنة ليست أولى بالأخذ منها بكتب الشيعة لأن هذا أول الكلام الذي يحتاج إلى دليل لسنا في صدده الآن.

وسأنقل لك عزيزي القارئ تمام الأحداث كما تراءت لي عند أهل البيت (ع) ، لقد تحدث أحفاد الزهراء وبينوا مفصلا ما جرى بعد أحداث السقيفة .. رواياتهم تقطر ألما وحسرة على هذه الأمة التي لم تحفظ رسول الله في أهله .. أغضبت الزهراء وأسقطت ابنها المحسن وقتلت زوجها غدرا وابنها الأكبر المجتبى الحسن سما وابنها الحسين ذبحا.
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق حفيد الزهراء سليل النبوة « ولا يوم كيوم محنتنا بكربلاء ، وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة ، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر ».

إنني لن أستعرض كل ما ذكره أئمة أهل البيت (ع) حول الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن ذلك يحتاج منا إلى مجلدات ، لقد أكثر أهل البيت في بيان ذلك حتى تتعرف الأمة على أصل المأساة التي سببت الفرقة والشتات .. وسآخذ بعضا من هذه الروايات لتكتمل الصورة أمام القارئ العزيز.
لقد جرت أحداث السقيفة وتنصيب الخليفة أبي بكر وأهل البيت مشغولون بمصابهم في وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالذات الإمام علي (ع) الذي أوصاه الرسول ألا يلي غسله غيره.

انتهى أمر الخلافة التي لم يشارك في مشاوراتها علي بن أبي طالب فكان موقفه الذي علمته وسيأتيك مزيد من التفصيل عنه ، فلقد رفض البيعة وبدأ يذكر الناس بالعهود والمواثيق ، يقول سلمان الفارسي فلما أن كان الليل حمل علي (ع) فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ، فعل ذلك مرتين وعندما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه 20. ورفض أن يبايع.

أرسلوا إليه ليبايع وبدأت من هنا المواجهة الساخنة بعد أن أمر عمر بجمع الحطب أمام بيت فاطمة مهددا بالإحراق إن لم يبايع علي ، جاؤوا ليجبروا أهل البيت على البيعة ، وقفت فاطمة خلف الباب لعل القوم يراعوا حرمتها وحريمها فلم ينفع فيهم ذلك قال الإمام الكاظم (ع) وهو موسى بن جعفر الصادق ـ وهو يصف ما جرى ـ لما حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة دعا الأنصار وقال يا معشر الأنصار لقد حان الفراق إلى أن قال : ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هتك حجاب الله. قال الراوي فبكى الإمام الكاظم « أبو الحسن (ع) طويلا وقطع بقية كلامه وقال : هتك ـ والله ـ حجاب الله هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله » 21.

كما جاء عن الإمام الباقر (ع) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو يتحدث عن الزهراء : وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين ثم رزقت زينب وأم كلثوم وحملت بمحسن فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجرى ما جرى يوم دخول القوم عليها دارها. أسقطت

ولدا تماما ـ وهو محسن ـ وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها.

وورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : لما أسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل له : إن الله يختبرك في ثلاث وصار يعددها إلى أن قال :

وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان ولا تجد ، مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب.

ويقول الإمام الصادق (ع) واصفا بعض ما جرى : وضرب سلمان الفارسي ، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها وضرب فاطمة ورفس بطنها وإسقاط محسنها.

وقوله (ع) وهو يصف ما جرى لأهل البيت في رواية طويلة أخرى يتحدث فيها عما فعله القوم .... وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب : ويحكم ما هذه الجرأة على الله ورسوله ، قال عمر : ما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إنشيء ت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا. وهجومهم على الدار وركل عمر للباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حامل لستة أشهر وإسقاطه إياه وصياح أمير المؤمنين لفظة : يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما يقبله النساء ، فقد جاء المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسنا ، وقال (ع) : فإنه لاحق بجده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيشكو له 22 23.

  • 1. تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ١ ص ١٣.
  • 2. نفس المصدر ص ١٣.
  • 3. a. b. تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٦.
  • 4. الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٢.
  • 5. تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٤.
  • 6. المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٥٨ ، مسند أحمد بن حنبل تفسير الطبري ، شواهد التنزيل وغيرها من المصادر.
  • 7. تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٩.
  • 8. تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١٥.
  • 9. الإمامة والسياسية ج ١ ص ١٣ ـ ١٤.
  • 10. المصدر السابق.
  • 11. الكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٣٩٧ ، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٥ ص ١٥٣.
  • 12. دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ١٦١.
  • 13. جمهرة أنساب العرب ص ١٦ ـ ٣٧.
  • 14. تاج العروس ج ٣ ص ٣٨٩ ، ولسان العرب ج ٤ ص ٣٩٣.
  • 15. إثبات الوصية ص ١٤٣.
  • 16. الملل والنحل ج ١ ص ٥٧ إبراهيم بن سيار أحد أقطاب المعتزلة.
  • 17. لسان الميزان ج ١ ص ٢٦٨. وأورده أيضا صلاح الصفدي في (الوافي بالوفيات) ج ٦ ص ٧ وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وينقل عن محمد بن أحمد بن حماد الكوفي بعد أن أرخ موته (كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب الخ كما نقلنا.
  • 18. أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٦.
  • 19. العقد الفريد ج ٥ ص ١٣.
  • 20. كتاب سليم بن قيس الهلالي ص ٣١.
  • 21. بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧.
  • 22. بحار الأنوار موسوعة أحاديث لأهل البيت (ع) ج ٥٣ ص ١٨ ـ ١٩. وأغلب الأحاديث التي أوردناها في هذا المجال من المصادر الحديثية لأهل البيت وكتاب مأساة الزهراء شبهات وردود للسيد جعفر مرتضى العاملي.
  • 23. المصدر: كتاب بنور فاطمة اهتديت للسيد عبد المنعم حسن السوداني حفظه الله.