مجموع الأصوات: 12
نشر قبل شهر واحد
القراءات: 423

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حكمة الشرور والآلام

1 ـ تثبت البراهين القاطعة بأنّ اللّه تعالى حكيم ومنزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، ولهذا يلزم حمل الشرور على ما لا ينافي هذه البراهين القاطعة .

2 ـ عدم معرفة حكمة الشرور والآلام لا يعني عدم وجود حكمة فيها، بل غاية الأمر قصور الفهم وعدم العلم بحكمتها، وقد ورد في النصوص الدينية :

قال تعالى:﴿ ... وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 1

قال تعالى:﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... 2

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الدنيا لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد ، أو ما شاء مما لا تعلم ، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك"3.

3 ـ إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وازدهار المواهب وتنشيط المساعي والاندفاع نحو الحركة المثمرة والمحاولة المقتدرة والسعي المتواصل والتحرّر من الكسل .

بعبارة أُخرى :

يكمن كمال الإنسان في المسارعة نحو الكمال ، ولا يكون ذلك إلاّ في ظل الطموح ، ولا يتحقّق الطموح إلاّ في ظل الحرمان .

4 ـ إنّ أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل والمصاعب تدفع الإنسان الذي يحسن الاستفادة منها إلى غرس الصمود والصلابة في نفسه ، وتزيده قوّة لحلّ المشاكل ورفع الموانع وتحطيم العقبات ومواجهة التيارات المعاكسة التي يجدها خلال مسيرته نحو الكمال .

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الشجرة البريّة 4 أصلب عوداً، والرواتع الخضرة 5 أرق جلوداً"6.

5 ـ إنّ اللذائذ والشهوات ـ بصورة عامة ـ توجب غفلة الإنسان ، وتؤدّي إلى ابتعاده عن القيم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وإنّ البلايا والمصائب والمحن تكون بمنزلة المنبّهات التي توقظ الإنسان وتخفّف من غفلته وطغيانه ، ولهذا قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ 7

﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ 8

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ 9

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ 10

﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ 11

6 ـ إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوّه وعصيانه ، وهي أدعى لأهل السوء إلى ترك العناد، وأشدّ زجراً لنفوسهم عن الميل إلى الهوى وحبّ الفساد، وهي تتضمّن التحذير لهم ، وتحثّهم على إصلاح نفوسهم.

قال تعالى:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ 12

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد 13 بعبد خيراً فأذنب ذنباً، أتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار"14.

7 ـ إنّ كون البلاء نعمة أو نقمة يرتبط بنوع ردّ فعل الإنسان ، لأنّ الموضوع الواحد قد يختلف وصفه بالنسبة إلى شخصين .

توضيح :

إنّ البلايا والمصائب وسيلة لاختبار الإنسان .

فإذا كان موقف الإنسان منها موقف المؤمن الصالح، فسيكون البلاء له خيراً، وسبيلا لوصوله إلى الكمال .

وإن كان موقف الإنسان منها موقف المعاند للحق ، فسيكون البلاء له شراً، وسبيلا لإيصاله إلى النقصان .

مثال :

إنّ الفقر بصورة عامة شرّ ، ولكنه إذا كان سبباً في تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى فهو خير .

وإنّ الغنى بصورة عامة خير، ولكنه إذا كان سبباً في ابتعاد الإنسان عن اللّه تعالى فهو شر 15.

وقد قال تعالى:﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ 16 17

النتيجة :

يُنزّل اللّه تعالى ـ بحكمته ـ وحسب ما تقتضيه المصلحة النعمة والبلاء على الناس .

فمن شكر إزاء النعم وصبر إزاء البلاء فهو من أهل السعادة.

ومن كفر إزاء النعم ولم يصبر إزاء البلاء فهو من أهل الشقاء .

8 ـ إنّ الحكمة من بعض البلايا هو اختبار العباد وتشخيص مستوى استعانتهم بالصبر ، وقد ورد في النصوص الدينية :

قال تعالى:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ 18

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ العبد ليكون له عند اللّه الدرجة لا يبلغها بعمله ، فيبتليه اللّه في جسده ، أو يصاب بماله ، أو يصاب في ولده ، فإن هو صبر بلّغه اللّه إيّاها"19.

9 ـ إنّ بعض الشرور قد تكون لمعاقبة العصاة والمذنبين ، وهي مصائب بما كسبت أيدي الناس ، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات القرآنية، منها :

﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ 20

﴿ ... وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ 21

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ... 22

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ... 23 (من الأمم التي أنزلنا عليها العذاب) ﴿ ... وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 23

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ 24

تنبيه :

إنّ العذاب الذي أباد اللّه تعالى به بعض الأُمم السابقة بما كسبت أيديهم أهلك الظالمين لظلمهم، وأهلك غيرهم لعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .

ولهذا ورد في القرآن والسنة :

قال تعالى:﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ... 25

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمّنكم عذاب اللّه"26.

10 ـ إنّ اللّه سبحانه وتعالى يبتلي بعض عباده بالمصائب ليطهّرهم من الأدران والشوائب التي علقت بهم خلال ارتكابهم للذنوب، فيكون ذلك سبيلا لتكفير خطاياهم .

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا أذى ولا حزن ولا همّ .. إلاّ كفّر اللّه به خطاياه"27.

11 ـ إنّ الحكمة من نزول البلايا والمصائب على الأنبياء والأولياء والمخلصين هو تركهم الأولى أو رفع شأنهم ، وقد ورد في الأحاديث الشريفة:

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة"28.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب"29.

تنبيهان :

1 ـ إنّ بعض مصاديق الخير والشر واضحة عند الإنسان ، والبعض الآخر مبهمة بحيث لا يستطيع الإنسان التمييز بين كونها خيراً أو شراً له ، من قبيل الأُمور المرتبطة بعالم الغيب، وهنا ينبغي للإنسان الرجوع إلى الدين والشريعة الحقّة ليعرف ما هو خير له وما هو شر له .

2 ـ إنّ الإنسان قد ينطلق في تقييمه للشرور والبلاء من رؤية غير شمولية، فيجعل المصالح الآنية مقياساً للتقييم ، وهو غافل عن مصلحته الكلية.

ولهذا قال تعالى:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 30 31.