مجموع الأصوات: 17
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1812

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

دور سلمان الفارسي في حفر الخندق

أسلم روزبه في السنة الأولى من الهجرة النبوية إلى يثرب ، وقد سماها " المدينة المنورة " وهو لا يزال في رق العبودية وبعد إسلامه سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " سلمان " لم يحضر بدرا ولا أحدا لرقه ، وقد أعتق وتحرر في السنة الرابعة ، وفي رواية في بداية السنة الخامسة للهجرة ، واشترك في واقعة الأحزاب ، وهو الذي أشار على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحفر الخندق وقال : " كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا " وكانت إشارة موفقة ، سارع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتنفيذها ، فخط الخندق وأمر بحفره من أجم الشيخين طرف بني حارثة ، فقطع لكل عشرة رجال أربعين ذراعا ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) كأحدهم يحفر بيده وينقل التراب مواساة وتشجيعا لهم ، وكان المسلمون يعملون وينشدون الأشعار والأهازيج لحماسهم ، أما سلمان فكان أنشطهم وأخلصهم ، وهو صامت لا نشيد له يلهب حماسة ، فأحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسمع صوته ، فدعا الله وقال اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر ، فأطلق الله لسانه فأنشأ يقول :

مالي لسان فأقول شعرا * أسأل ربي قوة ونصرا على عدوي وعدو الطهرا * محمد المختار حاز الفخرا حتى أنال في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا بينما كان سلمان مع التسعة من أصحابه يحفرون الخندق المحدد لهم ، اعترضتهم صخرة صماء بيضاء عجزت معاولهم أن تصنع فيها شيئا فقالوا لسلمان إذهب إلى رسول الله وأخبره بذلك ، فلعله يأمرنا بالعدول عنها فإنا لا نريد أن نتخطى أمره ، أقبل ( صلى الله عليه وآله ) مع سلمان ونزل بنفسه إلى الخندق ، وأخذ المعول من سلمان وضرب الصخرة ضربة صدعتها وخرج منها بريق أضاء ما بين لابتيها حتى كأنها مصباح في بيت مظلم ، فكبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكبر المسلمون بتكبيره ، ثم ضربها مرة أخرى فتصدعت وخرج منها نور وبريق أشد من بريق الأول ، وفي الضربة الثالثة لمع منها بريق وتصدعت وتكسرت وظهر لها بريق أضاء ما وراء المدينة فكبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التكبيرة الثالثة وكبر المسلمون معه ، وأشرقت نفسه الزكية وتأكد من النصر المؤزر . ثم أخذ بيد سلمان وصعدا خارج الخندق .

قال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيته قط ؟ فالتفت ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسلمين وقال : هل رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا لقد رأيناك تضرب بالمعول فيخرج البرق من الصخرة كالموج ، وسمعناك تكبر الله فكبرنا معك ولم نر غير ذلك .

قال ( صلى الله عليه وآله ) صدقتم : لقد أضاءت لي البرقة الأولى وأرتني قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأخبرني جبرئيل بأن أمتي ظاهرة عليها .
أما الضربة الثانية ، فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم فشاهدتها وأخبرني جبرئيل بأن أمتي ظاهرة عليها ، وفي الضربة الثالثة أضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبرئيل بأن أمتي ظاهرة عليها .
فاستبشر المسلمون بذلك واشتد حماسهم ، وقالوا : موعود صادق بار ، وعدنا النصر بعد الحصر والفتح .
فقال المنافقون : حينما سمعوا ذلك ألا تعجبون من محمد يحدثكم ويمنيكم ويخبركم بأنه يبصر من يثرب قصور كسرى في المدائن والحيرة وقصور الروم ، وقصور اليمن بصنعاء ، وأنتم تحفرون خندقا ليحول بينكم وبين أعدائكم وأحدنا اليوم لا يأمن أن يذهب لقضاء حاجته ؟

نشط المسلمون بحفر الخندق ، وكان سلمان الفارسي من أنشطهم وأخلصهم في واجبه وعمله رغم شيخوخته ، ولما اشتد التنافس فيما بينهم ، قال المهاجرون : سلمان منا ، وقال الأنصار : سلمان منا ، فتدخل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفصل هذه المنافسة وقال : " بل سلمان منا أهل البيت " 1 . فقد ميز ( صلى الله عليه وآله ) سلمان عن المهاجرين والأنصار ، ورفعه مكانا عليا ، وخصه دون سائر الصحابة بمنزلة سامية ، حيث جعله في مصاف أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وجعله بدرجة العصمة ، لطهارة ذاته وما يتمتع به من عمق العبودية لله والاخلاص لرسوله الكريم ودينه الحنيف الإسلام .
ولما وصل المشركون موقع المعركة ، وشاهدوا الخندق تعجبوا . قال أبو سفيان : ما كانت العرب تعرف هذه المكيدة قبل هذا ، وإنما هي من مكيدة الفارسي الذي معه .

وعلق الشيخ محي الدين بن العربي في الفتوحات على هذا الحديث وقال : فلا يضاف إليهم إلا مطهر ، فلا بد أن يكون كذلك ، فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم ، فلا يضيفون لأنفسهم إلا من حكم له بالطهارة والتقديس .
وهذه شهادة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة ، حيث قال ( صلى الله عليه وآله ) : " سلمان منا أهل البيت " لم يكن هذا منهم نسبا أو سببا ، إلا بأسبابه المقررة وإنما هو منهم بحكم التنزيل لتشابه تلك الصفات المميزة أو بعضها بصفاته ، تلك الصفات التي يمكن أن تجعله من الملهمين ومن أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) .
وشهد الله تعالى لهم بالتطهير ، وذهاب الرجس عنهم ، بقوله تعالى في آية التطهر ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 2 ، وإذا كان لا يضاف إليهم إلا طاهر مطهر مقدس ، فقد حصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة ، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم المطهرة فهم المطهرون بل عين الطهارة ، وهم المطهرون بالنص ، فسلمان منهم بلا شك . . . فكان من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق ، ولأنفسهم ، والخلع عليهم من الحقوق وأقواهم على أدائها ، وفيه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو كان الإيمان بالثريا لناله رجل من فارس . وأشار إلى سلمان 3.

 

  • 1. طبقات ابن سعد ج 4 ص 75 ، أسد الغابة ج 2 ص 328 ، تهذيب التهذيب ، وتهذيب تاريخ دمشق ج 6 ص 190.
  • 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
  • 3. المصدر: كتاب الأعلام من الصحابة والتابعين، تأليف الحاج حسين الشاكري رحمه الله.