الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

معنى الوقف

على الصعيد اللغوي، يعرف الوقف بالحبس، يقال وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها.

أما على الصعيد الاصطلاحي، فقد تعددت التعريفات لمفهوم الوقف، بتعدد المذاهب الفقهية، مع تسالمهم واشتراكهم في أغلب شروط وأركان الوقف.

فقد عرف الشيعة الإمامية الوقف بأنه «عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة» 1.

أما الحنفية فيعرفون الوقف بأنه «حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنافع على الفقراء مع بقاء العين» 2.

أما المالكية فيعرفونه «إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً» 3.

ويعرفه الحنابلة بأنه «حبس مالك أصل ماله المنتفع به مع بقائه زماناً على بر» 4.

ويعرفه الشافعية بأنه «حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته، وتصرف منافعه إلى البر تقرباً إلى الله تعالى» 5.

ويتضح من خلال هذه التعريفات أن الإمامية والشافعية والحنابلة، "لا يصح الوقف لديهم إلا فيما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، فيصح وقف جميع العقارات والمنقولات لا ما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه. وعلى هذا فلا يصح وقف الدنانير والدراهم.

ويقول المالكية، وزفر والأنصاري من الحنفية، وأحمد في رواية وابن تيمية من الحنابلة إن كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه أو بقاء بدله يصح وقفه، فعلى هذا يصح وقف الأثمان للقروض والبذور للزرع، كما يجوز وقف النقود بشرط استبدالها بالعين الثابتة، فلا يشترط في الأموال المثلية إمكان بقاء عينها بل يكفي فيها إمكان بقاء أمثالها وبدلها " 6.

الاستبدال

أما الاستبدال، وهو يعني أن تبدل العين الموقوفة بعقار آخر أو بمبلغ من المال لشراء عين به تكون موقوفة مكان العين التي بيعت. "ويعد الاستبدال أحد وجوه الاستثمار لأنه يصلح لأن يكون وسيلة لدوام الانتفاع بالأوقاف بالتخلص من الأوقاف المتعطلة واتخاذ أعيان صالحة بوقفها بدلها.

يرى الحنفية جواز الاستبدال «فيما عدا المسجد» في الأعيان الموقوفة، بشرط الواقف أو للضرورة، أما لمجرد المصلحة ففيه خلاف.

ويجيز المالكية الاستبدال إذا شرطه الواقف، وفي غير ذلك لا يجوز وإن خرب الموقوف إلا لمصلحة عامة «كتوسيع المسجد والطرقات» ولكنهم يجيزون بيع المنقولات واستبدالها إذا اقتضت المصلحة، ويجعل ثمنها في أمثالها.

أما المذهب الحنبلي فيرى الاستبدال إذا خرب الوقف وتعطلت منافعه، أو إذا ضعف وقل ريعه ووجد بدل آخر أحسن منه، أو إذا وجدت مصلحة للاستبدال.

ويرى الشافعية عدم جواز الاستبدال مطلقا سواء أكان عقارا أم منقولا، وأجازوا للموقوف عليهم استهلاك المنقول.

أما الإمامية فيرون ذلك في الوقف الخاص إذا شرط الواقف ووقف شروطه، كما يجوز الاستبدال إذا خرب الوقف وزالت منفعته. أما الوقف العام، مثل المساجد والمدارس، فلا يجوز بيعه ولا استبداله وإن خرب أو أوشك على الضياع" 7.

وفي كتب الحديث والتاريخ هناك روايات وقصص تاريخية، توضح أن الرسول الأكرم ﷺ وأئمة أهل البيت  والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، مارسوا الوقف وأوقفوا بعض ما يملكون في سبيل الله جل وعلا. فقد روي عن جابر أنه قال: «لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ذو مقدرة إلا وقف وقفاً» 8. وروي عنه أنه قال: «ما أعلم أحداً كان له من مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس من ماله صدقة مؤبدة لا تشترى أبداً ولا توهب ولا تورث» 9.

وتعددت وتنوعت موضوعات الوقف، فمن الاهتمام بالفقراء وتزويج الأيتام إلى إنارة السبيل وإعداد موائد الإفطار للصائمين في شهر رمضان مروراً بتسديد مصاريف المستشفيات والإشراف على المساجد ودور العبادة والاهتمام بالمسجونين وإطعام الحجيج وقراءة القرآن وإصلاح الطرقات وبناء القناطر والحمامات العمومية ورعاية النساء وما أشبه ذلك.

وساهمت الأوقاف في بعض البلدان الإسلامية بحفظ التراث والمخطوطات. ”ففي المغرب الأقصى ساهمت الأحباس في حفظ مائة ألف مخطوط“ 10.

”وابن جبير يحدثنا عن انبهاره بما شاهده في القاهرة عن مدرسة الإمام الشافعي التي أوقفها وأوقف بيته عليها، وعن مقامه فيها واستفادته من أموالها الموقوفة. ويقول: بأنه لم يعرف شبيهاً لها وأنه كانت هناك حمامات موقوفة ملحقة بها لاستخدام طلبة وموظفي هذه المدرسة. وهو نفسه قد أبدى دهشته من فخامة المدارس الموقوفة التي نزل بها في الإسكندرية عند وروده إلى مصر حيث يرتادها وينام فيها الدارسون والزهاد والمسافرون والفقراء ويستفيدون مما تتيحه لهم سواء من غذاء عقلي أو طعام بدني“ 11.

ويحدثنا أيضا ابن بطوطة عن ”وروده إلى مصر والعراق وسوريا حيث وجد أنها عامرة بالمعاهد العلمية، فيحدثنا في رحلته عن مدى الرخاء الذي تتمتع به المدارس الوقفية في زمانه وكيف استفاد هو منها سواء في دمشق أو في بغداد مثل حديثه عن المدرسة النظامية فيصفها لنا ويصف جماعات الطلبة. وهو يذكر لنا أحوال عشرين مدرسة جامعة في دمشق عاشت على أموال البر والخير والوقف مما شاهده بنفسه. أما في بغداد فلا يختلف عدد المدارس وفخامتها عما هو في دمشق، فهو يحدثنا عن ثلاثين جامعة أو مدرسة، ويقول بأنه يقصر القصر البديع عنها وقد درس فيها واستمع إلى أساتذتها واستفاد من وقفها“ 12.

وفي دراسة قامت بها السيدة «ايرا لابيدوس» عن المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط نشرتها في كتابها المعنون ب «المدن الإسلامية في العصور الوسطى المتأخرة»، وجدت أنه من بين نموذج استخلصته من تجارب الرجال يمثل ستمائة تاجر في هذا العصر في بعض هذه المدن الإسلامية، وجدت أن من بين هؤلاء الستمائة تاجر مائتين وخمسة وعشرين واحداً منهم كانوا بنفس الوقف أساتذة في المدارس الجامعية وعلماء شريعة وأئمة للمساجد الجامعة أو قضاة ومحتسبين. كما وجدت أن فيهم كتاباً للعدل ونظاراً على الأوقاف الخيرية. كما وجدت أن من بينهم أربعة وثمانين تاجراً يعملون بنفس الوقف كمحدثين في المساجد والمدارس الموقوفة وخمسة عشر شخصاً آخر كانوا يتولون وظيفة قاضي، وستة آخرين عملوا في وظائف الإدارة العليا، كما أن ستة أشخاص كانوا يقوموا بوظيفة الحسبة.

ويذكر النعيمي المتوفي 927 هجرية في كتابه «الدارس في تاريخ المدارس»، أسماء للمدارس في دمشق والوقوف التي وقفت عليها ومما يذكره أنه كان هنالك اثنتان وخمسون مدرسة اختصت بتدريس الفقه الحنفي فقط، وثلاث وستون مدرسة أخرى بتدريس الفقه الشافعي، كما يورد أن للفقه الحنبلي إحدى عشرة مدرسة كل هذا في دمشق وحدها عدا المدارس التي تدرس المذاهب مجتمعة أو مدارس الطب والربط والخانقاه والجوامع التي كانت مراكز تعليمية أيضاً" 13.

وحين التأمل في واقع الأوقاف ودورها في تعزيز خيار الاستقلال والاكتفاء الذاتي نجد ”أن الوقوف على التعليم والمدارس قد عضد المهن ومد المجتمع بما يحتاج إليه من مؤهلين لكل احتياجات الإدارة من مؤهلات وظيفية مختلفة أو لما احتاجه المجتمع من مهنيين في نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية وساعدت أموال الوقف العلماء وطلبة العلم للوقوف ضد جور السلطة عندما تجور عليهم أو على عامة المسلمين. ففي مدرسة واحدة في العصور الوسطى كان هنالك مائتان من الأساتذة المدرسين اعتمدوا كليا في رواتبهم على أموال الوقف التي تراوحت في معدلها إلى ما يقرب من ستين ألف درهم في السنة علما بأن الكثير منهم لم يكن يشتغل بصفة دائمة بل كان يعمل «part time» أي في بعض الوقف“ 14 15.

  • 1. محمد بن الحسن الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، ص 595، وزين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي، الروضة البهية، ج 3، ص 163.
  • 2. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي، الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام: دراسة فقهية - تاريخية - وثائقية، مجلة العقيق، نادي المدينة المنورة الأدبي، العددان 27 - 28 لعام 2000م.
  • 3. المصدر السابق، ص 17.
  • 4. المصدر السابق، ص 7.
  • 5. المصدر السابق، ص 18.
  • 6. ندوة نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي، ص 782، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 2003م.
  • 7. المصدر السابق، ص 786.
  • 8. مجلة أوقاف، وهي مجلة فصلية محكمة تعنى بشؤون الوقف والعمل الأهلي، تصدرها الأمانة العامة للأوقاف بالكويت، العدد التجريبي، ص 44، نوفمبر 2000م.
  • 9. المصدر السابق.
  • 10. نظام الوقف والمجتمع المدني، مصدر سابق، ص 501.
  • 11. إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ص 254، جدة، المملكة العربية السعودية، 1994م.
  • 12. المصدر السابق، ص 254.
  • 13. المصدر السابق، ص 260.
  • 14. المصدر السابق، ص 258.
  • 15. المصدر: موقع جهات الاخبارية.