تقيمك هو: 4. مجموع الأصوات: 14
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 4533

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

موقف اصحاب الحسين

لم يُقدَّر لأحد من أصحاب الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ما قُدِر لأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)، تلك الصفوة المخلصة التي بقيت صامدة في موقفها إلى جانب الحق، فلم تَحِدْ عنه ولم تنحرف، ورضيت بأن تُسفَكَ دماؤها أمام ناظري الإمام (عليه السلام) في كربلاء، ليكون الشاهد الأمين الصادق على وفائهم بعهدهم والتزامهم ببيعتهم في الجهاد والقتال عن الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، ومع كلّ شهيدٍ كان يسقط منهم كان يوصي إلى الآخر بالإمام (عليه السلام)، مع علمه بأنّ من يوصي إليه لاحقٌ به على الأثر.
إنّ هذا الوفاء الذي لم تعهده الثورارث، هو نتيجة عوامل إيمانية قوية وراسخة كانت تحملها قلوب أولئك المجاهدين الصابرين المحتسبين، الذين خلدوا مع الحسين (عليه السلام)، فيُذْكَرون حيث يُذْكر، ويُدعَى لهم حيث يُدعى له، ومن أجل هذا نردّد دائماً وكما أوصانا أئمة الهدى والحق (عليهم السلام): (السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين (عليه السلام)).
وقد لا نستطيع في هذه العجالة أن نتكلم عن تضحيات ومواقف كلّ واحدٍ منهم بالتفصيل، إلّا أنّنا نذكر نموذجاً واحداً لتقريب الفكرة، ولنكون أقرب إحساساً وشعوراً إلى الحالة التي كان يعيشها أولئك الأصحاب وهم متلهّفون لمواجهة القوم الظالمين الذين أبَوْا إلّا أن يقاتلوا الإمام (عليه السلام) مع علمهم بقربه الشديد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يمثله في حياة الأمة.
إنّ ذلك النموذج الحسيني الكربلائي هو "عابس بن شبيب الشاكري" الذي وقف كما يقول النص أمام الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: (ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليَّ منك، ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيءٍ أعزّ عليَّ من نفسي لفعلت، السلام عليك، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك).
هذا النص يكشف بوضوحٍ عن مدى الحب العميق الذي كان يحمله هذا العبد الصالح للإمام الحسين (عليه السلام) ولأهل البيت عموماً، ولولا اعتقاده الراسخ وإيمانه الثابت بأنّ طريق الله والوصول إليه يمرّان من خلالهم لما أقدم على تلك التضحية التي عبّر عنها بكلامه الموجَّه إلى الإمام (عليه السلام) وتحقيقه لذلك بالفعل الذي قام به عبر قتاله لأولئك القوم واستشهاده.
لهذا نجد أنّه قد ورد عن الأئمة (عليهم السلام) أكثر من نص حول زيارة الشهداء الذين سقطوا مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي هذا الفخر العظيم والخلود لأولئك الأحرار الأبرار الذين سطّروا تلك الملحمة الفدائية الرائعة التي تظهر عظمة الإنجذاب نحو الله وقوة الحب الإلهي عندما يستقرّ في القلوب استقراراً لا تزلزل فيه ولا اضطراب.
ففي أحدها نقرأ: (السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله، وأنصار نبيّه، وأنصار أمير المؤمنين وأنصار فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن الولي الناصح، السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله الحسين الشهيد المظلوم...).
ونقرأ في نصٍ آخر: (السلام عليكم أيّها الصدِّيقون، السلام عليكم أيّها الشهداء الصابرون، أشهد أنّكم جاهدتم في سبيل الله وصبرتم على الأذى في جنب الله، ونصحتم لله ورسوله حتى أتاكم اليقين، أشهد أنّكم أحياء عند ربّكم تُرزقُون، فجزاكم الله عن الإسلام وأهله أفضل جزاء المحسنين، وجمع بيننا وبينكم في محل النعيم).
فهل هناك أروع من هذه الشهادة من الإمام المعصوم لتلك الصفوة الصادقة الوفية، هذه الشهادة التي سيحملها كلّ واحدٍ منهم يوم القيامة ليفتخر على الناس أجمعين بأنّه وقف إلى جانب الحسين (عليه السلام) يدفع عنه الأذى والضيم ويحامي عن حُرَمِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته بروحه ودمه وكلّ كيانه.
كم يود الواحد منّا أن يكون له ذلك الشرف العظيم، ليضع على رأسه تاج النور، ويعلِّق على صدره وسام الخلود عند الله عزّ وجلّ، جنباً إلى جنب مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وأهل البيت والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والزهراء (عليها السلام).
ولهذا يقف اليوم مجاهد والمقاومة الإسلامية المواقف الرسالية والجهادية ليكونوا السبَّاقين إلى اللحاق بتلك القافلة النورانية الرشيدة التي يقودها ويحمل لواءها الإمام الحسين أبو الأحرار وسيد الشهداء، وليكونوا الحجّة البالغة لله على الأمة في هذا الزمن، كما كان الحسين (عليه السلام) الحجّة البالغة بشهادته على الأمة الإسلامية آنذاك. والحمد لله رب العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.