الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الإسلام والحداثة.. وأنماط الكتابات

ظهر الاهتمام بثنائية الإسلام والحداثة في المجال العربي، أواخر ثمانينات القرن العشرين، وارتفعت وتيرة الحديث عنها في التسعينات، ولعل أول من حرك الاهتمام بهذه الثنائية، بعض الأكاديميين المشتغلين بالدراسات الإسلامية، والمتابعين لفكرة الحداثة.
ففي سنة 1989م نظمت مكتبة دار الساقي ومجلة مواقف ندوة بلندن حملت عنوان (الإسلام والحداثة)، حضرها جمع بارز من مفكري تيار الحداثة في العالم العربي. وفي سنة 1990م أصدر الدكتور عبد المجيد الشرفي كتاباً في تونس بعنوان (الإسلام والحداثة)، ومن ثم توالت الكتابات والمؤلفات والإشتغالات الأخرى حول هذه الثنائية، وما زالت متوالية بدون توقف أو انقطاع.
وقد تنوعت في هذه الكتابات وتباينت طرائق الفهم، واتجاهات النظر، ومنهجيات التحليل والتفسير لهذه القضية، وعند النظر في هذه الكتابات يمكن الكشف عن الاتجاهات التالية:
أولاً: الكتابات التي قاربت بين هذه الثنائية، على خلفية أن الحداثة هي ابتكار أوروبي وتشير إلى المجتمعات المتقدمة، وتعبر عن النمط الحضاري الذي تمثله المجتمعات الأوروبية اليوم، وبالتالي فإن الحداثة ترمز إلى الغرب، وإلى التقدم المدني في الغرب.
وفي هذا السياق جاء كتاب الدكتور عبد المجيد الشرفي (الإسلام والحداثة)، الذي حدد فيه الحداثة على أنها مفهوم مستعمل للدلالة على المميزات المشتركة بين البلدان الأكثر تقدماً في مجال النمو التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه الحداثة في نظر الدكتور الشرفي لم تتحقق إلا منذ القرن السابع عشر الميلادي، الأمر الذي جعل التحديث يكون مرادفاً للمحاولات الرامية إلى تحقيق تلك النماذج الغربية أساساً.
ويتصل بهذا السياق أيضاً، المقالة التي نشرها الدكتور فهمي جدعان سنة 1996م، بعنوان (الإسلام وتحولات الحداثة)، والمضمنة في كتابه (الماضي في الحاضر) الصادر سنة 1997م.
ثانياً: الكتابات التي قاربت بين هذه الثنائية، على خلفية أن الإسلام له حداثته التي تتفق مع حداثة الغرب في جوانب، وتختلف معه في جوانب أخرى.
وفي هذا السياق جاء كتاب الباحث الجزائري الدكتور مصطفي الشريف (الإسلام والحداثة.. هل يكون غداً عالم عربي؟) الصادر سنة 1999م، الذي استعمل فيه وبكثافة تسمية الحداثة الأصيلة، وتمسك بهذه التسمية، لتأكيد المفارقة والاختلاف مع الحداثة الغربية.
ثالثاً: الكتابات التي قاربت بين هذه الثنائية، على خلفية أن الإسلام هو أرقى من الحداثة ويتجاوزها، ويتجاوز ما بعد الحداثة أيضاً.
وفي هذا السياق جاء كتاب الباحث الليبي سالم القمودي (الإسلام كمجاوز للحداثة ولما بعد الحداثة) الصادر سنة 2008م، الذي أكد فيه أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام، وفي أي موقف من المواقف، وفي أي مجتمع من المجتمعات عائقاً أمام أي نهوض أو تقدم أو تحديث في المجتمعات الإسلامية، بل كان دائماً هو الدافع لأي تقدم ونهضة وتحديث مهما اختلف الزمان والمكان. كما يرى المؤلف أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام ضد الحداثة أو معادياً للحداثة في جانبها العلمي والتطبيقي ولأن الإسلام بوصفه يمثل الدين الحق لذلك فهو متعال على الحداثة وما بعد الحداثة على مستوى الحقيقة، ومجاوز للحداثة وما بعد الحداثة على مستوى التأسيس والتأصيل للحياة العامة في مختلف مجالاتها.
رابعاً: الكتابات التي قاربت بين هذه الثنائية، على خلفية أن روح الحداثة كانت وما زالت متأصلة إنسانياً وتاريخياً، والأمم الحضارية كلها تستوي في الانتساب إلى هذه الروح، وما الحداثة الغربية إلا واحدة من التطبيقات الممكنة لهذه الروح، وكما أن هناك حداثة غير إسلامية، فكذلك ينبغي أن تكون هناك حداثة إسلامية.
وفي هذا السياق جاء كتاب الدكتور طه عبد الرحمن (روح الحداثة.. المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية) الصادر سنة 2006م.
هذه لعلها أبرز أنماط الكتابات التي تناولت في المجال العربي المقاربة بين ثنائية الإسلام والحداثة، منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15615.