الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الخطوط العامة للفقه السياسي للامام الخميني(قده)

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإمام الخميني (قده) قد نهض بالإسلام نهضةً قوية جداً، وأثبت من خلالها قدرة هذا الدين العظيم على اختراق العصور والنفاذ إليها ليأخذ مكانه الريادي في حياة الأمّة بشكلٍ عام وفي حياتها السياسية المرتبطة بإدارة شؤونها بشكلٍ خاص، وليلعب هذا الدين دوراً في المجال السياسي العالمي في مواجهة الأيديولوجيات والفلسفات الأخرى التي تنبثق عنها الأنظمة السياسية الحاكمة في الساحة الدولية.


وقد أبرز الإسلام في هذا المجال بالخصوص عن طريق الإمام الخميني (قده) الفقه السياسي المتكامل من حيث النظرية والتطبيق الواعي المتناسب مع الواقع المعاصر ويصبح محوراً من المحاور الأساسية التي تلتفّ حولها الشعوب وتنطلق منها.

وبالرجوع إلى الخطوط العامة للفقه السياسي عند الإمام (قده) نجد ما يلي:

أولاً - تحديد المرجعية السياسية للأمة

وهذا الخط هو الذي عبّر عنه الإمام (قده) بـ (ولاية الفقيه) التي تعني أنّ مجال الولاية لا يختصّ بالعبادات، أو بإضافة القضاء والأمور الحسبية فقط، بل إنّ ولايته تمتد نظرياً لتطال كلّ الشؤون المرتبطة بحياة المجتمع ككل، وخاصة في السياسة والإقتصاد، كما هي مرتبطة بالشؤون الفردية، وينبغي أن يتوسّع مجال الولاية تطبيقياً ليكون شاملاً.

وهذه الشمولية التي نادى بها الإمام (قده) هي التي جعلت من كلّ الحركات الإسلامية الثورية المنتشرة في عالمنا وحدة متكاملة يدعم بعضها بعضاً، كبديلٍ عن التفرقة التي كانت تعيشها قبل إظهار الإمام (قده) لنظرية القيادة والمرجعية السياسية الموحّدة للأمة.

وهذه الولاية قد تجذّرت في حياة الأمة بفضل ذلك الإنسان العظيم،وهذا ما نشهده من التسليم لقيادة خلفه آية الله العظمى السيد القائد الخامنئي حفظه المولى، الذي يقود الأمة حالياً من موقع الولاية المفروضة الطاعة على الأمة.

ويمكننا أن نعتبر أنّ خطّ ولاية الفقيه هو (النقطة المحورية) التي ينطلق منها الفقه السياسي عند الإمام (قده) ويدور حولها.

ولهذا يعتبر الإمام (قده) أنّ التمسّك بخطّ ولاية الفقيه هو الذي يمكن أن يضمن للأمة توفّر القدرة على التوحّد وعلى الوقوف في مواجهة القوى الإستكبارية العالمية وعلى رأسها الشيطان الأكبر(أمريكا).

ثانياً - (رفض التبعية)

وهذا الخطّ يعتبره الإمام (قده) من الأسس التي ينبغي على المسلمين أنظمة وشعوباً أن يعملوا على رفضها في حياتهم، لأنّ التبعية هي عبارة عن الإقتناع بالعجز والإحباط في مواجهة الآخرين، مُضافاً إلى ما في التبعية من التنكّر للأصالة ومحاولة اللحوق بالغير ومحاكاته وتقليده في كلّ شيء، وهذا ممّا يعني أن تفقد الأمة حريّتها واستقلالها وترهن بالتالي قرارها لإدارة المستكبرين العالميين لأنّ التبعية تتضمّن بنظر الإمام (قده) إقراراً صريحاً بالعجز عن القدرة الذاتية على إدارة أمور الشعوب التي تتبنى الأنظمة السياسية والإقتصاديةالمخالفة لذاتها وأصالتها.

وقد ركّز الإمام (قده) كثيراً في هذا المجال، حيث كان يدعو إلى اكتشاف القدرات الفكرية والمعنوية والروحيه الضخمة الموجودة في الإسلام، والقادرة على توفير أفضل الفرص أمام الأمة لبناء شخصيّتها المستقلة واستغلال مواردها الوافرة جداً،من هنا رفع الإمام (قده) شعار (لا شرقية ولا غربية) ليشير إلى إمكانية التحرّر الموجودة عند الأمة، إلّا أنّها غافلة عنها.

ثالثاً - وحدة الأمة الإسلامية

وهذا الخطّ هو أيضاً من الأسس العامّة للفقه السياسي عند الإمام (قده) لأنّه كان ينظر إلى الإسلام ممّا هو في مواجهة القوى الأخرى، وأنّ هذا الإسلام لا يمكن أن يحكم وأن تتحرّر الأمّة المؤمنة به إذا بقيت على حالاتها المذهبية وتعصّباتها التاريخية التي كان لها الدور السيّء على صعيد الوضع الداخلي للأمة، أو على صعيد المواجهة مع قوى الإستعمار والإستكبار، حيث أشغلت تلك القوى هذه الحالة المذهبية لتمزيق المسلمين أكثر ولاستفرادهم في المواجهة ممّا يسهّل عليها ابتلاع الأمة كلّها ويجعلها رهينة الخوف الدائم من هذه الصراعات الجانبية.

وقد دافع الإمام (قده) بقوّة عن هذا الخط ووصم بالخيانة كلّ من تسوّل له نفسه الدعوة إلى التعصّب المذهبي لتفريق الأمة، خاصة إذا كانت هجمات الأعداء موجّهة إلى الإسلام كما هو واقع المعركة التي نخوض ضدّ القوى الإستكبارية، ولهذا نجد أنّ الإمام (قده) قد وقف إلى جانب كلّ قضايا الشعوب الإسلامية وفي مختلف المجالات. لكي يعطي القدوة من أهمية هذا الخط الوحدوي وتأثيره الإيجابي الفعّال.

لهذا رأى الإمام (قده) أنّ عدم وحدة الأمة سبب رئيسي من أسباب ضعف القدرة عندها على المواجهة بسبب تشتّت عناصر القوة إلى أجزاء لايقوى كلّ جزءٍ بمفرده على المواجهة والصمود.

رابعاً - تبنّي الطرح الإسلامي للحكم

وهذا الخط هو الذي كان الإمام (قده) يدعو إليه، وكان يحثّ المسلمين على الإلتزام به، وأن يقفوا في مواجهة كلّ الذين يروّجون لمناهج الحكم الأخرى غير الإسلامية، وهو (قده) كان يعتبر أن الطرح السياسي في الإسلام لا ينفصل في المسار الفكري والعلمي عن الطرح العبادي لأنّ (سياستنا عين عبادتنا، وعبادتنا عين سياستنا).

من هذا الخط حارب الإمام (قده) فكرة فصل الدين عن الدولة التي شاعت في أوساط الأمة عموماً، وعند المثقّفين والمفكرين خصوصاً، وكان يرى في هذه الفكرة الخطر الشديد على الإسلام وحاضر الأمة ومستقبلها السياسي والعبادي معاً.

وتبني الطرح الإسلامي الذي نادى به الإمام (قده) كان على قاعدة التغيير من جانب الشعوب التي ينبغي أن تحمل هذا الإسلام وتثور به، لا على قاعدة الإنقلابات العسكرية التي لا تستند إلى الشرعية الشعبية والإلهية وهي الضمانة لبقاء الإنتصار بعد الوصول إليه.

من هنا، كان (قده) يركّز دائماً على أنّ الشعب الإيراني هو خير مثال يُحتذى في هذا المجال، حيث توافرت له المرجعية القيادية سياسياً، وكانت وحدة الشعب الإيراني بمختلف مذاهبه وقومياته متجلية، وكان الخيار الإسلامي هو الطرح الذي حمله الشعب وسار به خلف قيادته، وتحقق الإنتصار الكبير الذي هزّ العالم كلّه وما زالت آثاره تمتد وتتوسّع إلى كلّ مكانٍ في العالم الإسلامي.

هذا بشكلٍ مختصر ما يمكن استنباطه من الخطوط العامة للفقه السياسي عند الإمام (قده) التي يمكن إرجاع كلّ تفاصيل الحركة السياسية للإمام (قده) إليها.

والحمد لله ربّ العالمين1.

  • 1. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد التوفيق المقداد (حفظه الله).