الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

السواك

بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين

تمهيد

إن الذي يدرس ، أو يطالع التشريعات الإسلامية ، و التعاليم الإلهية يخرج بحقيقة لا تقبل الشك ، هي : أن تلك التشريعات و التعاليم منسجمة كل الانسجام مع طبيعة الإنسان ، و فطرته ، لو لم تطغ على تلك الفطرة عوامل غريبة عنها ، وافدة عليها ، لأن الإسلام قد تعهد و التزم بأن تكون كل تشريعاته ، و نظمه ، و سائر تعاليمه ملائمة للفطرة ، و منسجمة معها ، بحيث لو ثبت منافاة أي تشريع لفطرة الإنسان لأمكن رفضه ، و الحكم عليه بأنه ليس من الإسلام في شيء .. و هذا التعهد و الالتزام هو ما تشير إليه الآية الكريمة : ﴿ ... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ... 1 .
هذا .. و من الواضح : أن التشريعات الإلهية ، و التعاليم القرآنية ، و التوجيهات النبوية .. ليس الهدف منها إلا تحقيق السعادة و الهناء ـ كل السعادة و الهناء ـ لهذا الموجود الذي اسمه الإنسان .. ، و لا تتطلب إلا الكمال له ، و السلامة ، و المعافاة ، بكل ما لهذه الكلمات من معنى .. فهذا هو المنطلق لتشريعات الإسلام السامية ، و هذا هو المبدأ لها ، فإليه تنتهي ، و على أساسه تقوم ..
و بديهي .. أنه كلما كانت النظم دقيقة و شاملة كلما كانت السعادة و السلامة لهذا الإنسان أكمل و أتم .. و من هنا كانت الأنظمة و القوانين الإسلامية دقيقة و كاملة و شاملة لجميع شؤون الإنسان ، و مختلف أحواله و أوضاعه .. تكفل له ـ لو التزم بها ـ الحياة الفضلى ، و العيش الرغيد ، و تتيح له أن يكون إنساناً كاملاً و سليماً و معافى في مختلف أنحاء و جهات وجوده .. و تحقق له السعادة و الراحة و الهناء على النحو الأكمل و الأشمل ..
و لعل ذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، أو إقامة برهان ..
و لقد كان شمول تعاليم الإسلام و تشريعاته أمراً يبعث على الدهشة و الاستغراب ، حيث قد استطاع أن يستوعب كل حركة من حركات الإنسان ، و كل سكنة من سكناته .. بل و حتى خلجاته النفسية ، و أفعاله القلبية ، و لم يشذ عنه أي شأن من شؤونه ، و أي حال من أحواله ، في مختلف الظروف ، و سائر الأحوال ..
فقد جعل كل شيء محكوماً لقانون ، و يهيمن عليه نظام ، ليكون ـ كل شيء ـ في خدمة الإنسان ، و موجهاً لما فيه خيره و مصلحته ، مؤدياً إلى ما فيه هناؤه و سعادته .. و الأمثلة على ذلك كثيرة ، و كثيرة جداً .. فحتى أكل الإنسان و شربه ، و قيامه و مشيه ، و جلوسه ، بل و حتى نبرات صوته ، ـ كل ذلك ـ له قانون ، و يخضع لنظام .. بل لقد تدخل الإسلام حتى في اختيار الإنسان للبيت الذي يعيش فيه ، و الثياب التي يلبسها ، و في كيفية تصرفه بها .. إلى غير ذلك من الشؤون و الأحوال ، التي يمر بها الإنسان ، أو تمر به ، و التي غفل عنها أي تشريع آخر ، سوى تشريع السماء ، لأنه وحده الصادر عن خالق الكون و السماء . المتفرد بإدراك كل ما فيه خير الإنسان و مصلحته ، فأمره به ، و كل ما فيه ضرره و بلاؤه ، فنهاه عنه ..
و بنحو آخر أكثر وضوحاً نقول :
إننا نلاحظ مثلاً أن من الجوانب التي اهتم بها الإسلام : المظهر الخارجي للإنسان .. و الذي قد يترك آثاراً على مكانته الاجتماعية كما أنه قد يؤثر في روحه و نفسه ، بل و صحته البدنية .. و حتى على ذوقه و سجيته ، فلم يشرع أي قانون يضر بمكانة الإنسان الاجتماعية ، أو بذوقه و سجيته ، و صحته البدنية بل كانت كل تشريعاته منسجمة مع ذلك كله متلائمة معه .. و من ذلك ـ على سبيل المثال ـ تعاليمه المتعلقة بتقليم أظفاره ، و ترجيل شعره ، و أوامره له بالتنظيف و التطهر ، حتى لقد ورد : إن الله ليكره المؤمن القذر .. بل لقد حرم عليه بعض الألبسة التي تضر بمكانته الاجتماعية و توجب استهانة الناس به ، إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه و استقصاؤه ..
و لكن الشيء الذي مني به الإسلام ، هو أن المسلمين ، و أخص منهم بالذكر الفقهاء و علماء التشريع ، لم يهتموا بهذه التشريعات كثيراً ، على اعتبار أنها مستحبات أو مكروهات .. أو أمور و توجيهات أخلاقية و معيشية يمكن للناس أنفسهم أن يبحثوا عنها و يطلعوا عليها ، و من ثم يطبقونها على حياتهم العملية . و أن اللازم ـ بنظرهم معاً ـ هو البحث عن الواجبات و المحرمات أولاً ..
و لكن الحقيقة هي أنه كما أن المكروهات ـ حسبما ورد ـ سياج المحرمات .. فكذلك الحال بالنسبة للمستحبات ، فإن الإتيان بها و امتثالها هو أول درجات امتثال الواجبات .. و خصوصاً إذا كانت من ذلك النوع الذي يشعر معه الإنسان بأنه يستفيد منه ، و يلمس بنفسه أن نفعه عائد إليه لأن الإنسان بدافع من حب الذات يميل إلى ما يؤكد له ذاته ، و يخدم وجوده .. و إذا ما التزم الإنسان بحكم ، و لو من أجل الحصول على منافع دنيوية ، و هو يعلم أنه من الإسلام فإن ذلك يكون موجباً لربطه بهذا الدين ، الذي أصبح يشعر بأن بالإمكان الاستفادة منه .. و يصير من ثم من الممكن أن يلتزم بأحكام أخرى ، إذا ما اقتنع أنها إنما شرعت من أجله و لمصلحته ..
و خلاصة الأمر : أن الحال بالنسبة للمستحبات لا يختلف عنه بالنسبة للمكروهات فكما أن اجتناب المكروه يهيئ الإنسان نفسياً للاجتناب عن الحرام فكذلك امتثال المستحب يهيؤه أيضاً لامتثال الواجب ..
بل إنني أعتقد أن الأخلاقيات في الإسلام ـ و أعني بها ما يشمل المستحبات و المكروهات و الإرشاديات ـ لا تقل أهمية عن الإلزاميات ، أقصد بها الواجبات و المحرمات ، و لذا نلاحظ أن اهتمام القرآن ، و النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و الأئمة ( عليهم السلام ) ببيانها ، لا يقل عن اهتمامهم ببيان هذه .. حتى إن القرآن الذي يحتوي على ما يزيد على ستة آلاف آية ، لا تزيد آيات الأحكام فيه عن الـ ( 500 ) آية معظمها من العمومات و المطلقات .. و أما ما تبقى فهو قصص ، و توجيهات ، و عقائد ، و ما يتصل بذلك من قريب أو بعيد .. و ذلك نهج البلاغة ، أعظم كتاب بعد القرآن ، و الصحيفة السجادية ، زبور آل محمد ، لا تكاد تجد إلا القليل القليل فيهما يتعرض لبيان الأحكام الشرعية الإلزامية ..
و من أجل ذلك ، فإنني أقول : إن من الواجب إعطاء هذا الجانب من التشريعات الإسلامية حقه من العناية و الاهتمام ، بالمقدار الذي حظي به من جانب الله تعالى ، و النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و الأئمة ( عليهم السلام ) .
و لا أرى أنني أكون مجازفاً بالقول ، لو قلت : إن هناك مستحبات و مكروهات و توجيهات يكون بيانها أهم بكثير من بيان مستحبات و مكروهات الصلاة و الحج و نحوهما ..
و على هذا الأساس ، و حتى لا أكون ممن يقول ، و لا يفعل ، فقد بادرت في هذه العجالة ، و رغم مشاغلي الكثيرة .. ـ بادرت ـ إلى البحث عن واحد من تلك الأمور التي اهتم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة ( عليهم السلام ) ببيانها اهتماماً بالغاً ما كان يخطر على بال .. إلا أن فقهاءنا أيدهم الله ، قد أهملوه تقريباً ، و قل من يذكره منهم ، مع أنه مما قام إجماعهم على استحبابه .. و هذا الأمر هو :

السواك : أي غسل الأسنان

و حيث إنني لم أكن طبيباً ، و هذا الموضوع "السواك" يتصل اتصالاً مباشراًُ بسلامة الإنسان البدنية ، فقد بقيت في البحث بعض الثغرات و الفجوات ، بانتظار استكمال المعلومات الصحيحة عنها من أهل الاختصاص في هذا الموضوع فأقول : و من الله استمد العون و التوفيق . و عليه التوكل و به الاعتصام ..
لم يكن يخطر في بالي ، قبل أن أراجع كتب و مجاميع الحديث بخصوص هذا الموضوع ، أن تزيد الروايات الواردة في هذا الموضوع عن أهل بيت العصمة ، و مهبط الوحي ، و مختلف الملائكة ، عن عشرة أو خمسة عشر أو على أبعد التقادير على عشرين حديثاً .. و لكن يا لدهشتي عندما فوجئت بها و هي أضعاف ذلك ، مما جعلني أدرك إلى حد ما مدى أهمية هذا الموضوع و خطورته ، و الذي لا داعي فيه ، و لا رغبة للكذبة و الوضاعين الذين حذر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة .. منهم ..
و السؤال الذي يطرح نفسه ـ بادي ذي بدء ـ هو :

لماذا يهتم الشارع بالأسنان ؟

و الجواب عن ذلك واضح جداً.
فإن ضرورة الأسنان للإنسان لا يمكن أن ينكرها أحد ، و هي نعمة لا يشعر الإنسان ـ عادة بها ، أو بأهميتها إلا إذا فقدها ... مع أنه يستفيد منها كل يوم أكثر من مرة ، و إن أي ضرر يلحق بها يوقعه و لاشك في الضيق و الحرج ، و يؤثر عليه تأثيراً لا يكاد يخفى ، و يوجب اختلال أحواله إلى حد ما ..
و لعل من الأمور الواضحة لدى كل أحد أن الأسنان الصناعية لا تستطيع حتى في أفضل حالاتها أن تقوم بوظيفة الأسنان الطبيعية ، و لا هي من الكفاءة بحيث تستطيع أن تؤدي دور تلك دون أدنى تفاوت أو خلل ...
و من الواضح أيضاً أن الأسنان كما تساعد المعدة ، حيث تهيئ لها الطعام و تجعله في وضع يكون معه قابلاً للهضم ، أو على الأقل يجعل هضمه أسهل منه مما لو بقي على حالته الأولى .. كذلك هي تساعد الإنسان في المنطق ، و يؤثر فقدانها عليه بشكل ملحوظ .. و ما علينا من أجل إثبات ذلك إلا تذكر حالة من فقدوا أسنانهم ، و مدى الجهد الذي يبذلونه من أجل إخراج الكلمات ، بنحو تكون واضحة و مفهومة .. و كذلك مدى ما يواجهونه من أجل جعل الطعام في وضع تتمكن معه المعدة من هضمه ، و الاستفادة منه.
و عدا عن ذلك : فإن اختلال الوضع الطبيعي للأسنان ، و مرضها و موبوئيتها يؤدي في كثير من الأحيان إلى أمراض ، و مضاعفات سيئة في كثير من أجهزة الجسم .. و لسوف يتضح ذلك فيما يأتي عندما نتكلم عن الطائفة الثالثة و الرابعة من الروايات إن شاء الله تعالى ..
و من هنا .. و من أجل أمور أخرى هامة جداً أيضاً ، نرجو أن نوفق للإشارة إليها عندما نتحدث عن الطائفة الثالثة ، و الرابعة من الروايات ـ من هنا ـ كان اهتمام الإسلام بالأسنان ، و كانت دعوته الملحة ، للعناية بها و الحفاظ على سلامتها ، فأمر بكل ما يحفظها و يصونها ، و نهى عن كل ما يسيء إليها ، و يضر بسلامتها .. إيماناً منه بأن سلامة الأسنان الطبيعية يؤثر في سلامة الإنسان ، و سقمها يؤثر في سقمه فإذن من المهم للإنسان أن يحافظ عليها ليستفيد منها أكبر قدر ممكن في حياته ، و أن يحتفظ بها سليمة و معافاة ، لأن معنى ذلك هو احتفاظه ، و كثير من أجهزة جسمه بالسلامة و المعافاة ...
و من جملة ما أمر به الإسلام في نطاق اهتمامه بالأسنان مما له أثر كبير على صحتها و سلامتها كما قلنا :
"السواك" : أي غسل الأسنان : الذي أجمع الفقهاء على استحبابه مطلقاً ، و خصوصاً للوضوء ، و الصلاة .. و قد اتبع الإسلام في دعوته إلى السواك ، و الحث عليه ، طرقاً مختلفة ، و أساليب شتى.
فلقد دأب أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) ـ عملاً ـ على السواك ، و عملهم سنة لنا ، و يجب علينا الاقتداء بهم في أفعالهم و أقوالهم .. و عندما رأوا أن الناس لم يلتفتوا إلى ذلك ، حاولوا توجيه الأنظار إلى هذا الأمر فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إنه ـ أي النبي صلى الله عليه و آله و سلم ـ كان يستاك في كل مرة قام من نومه.
و عن المقنع أنه صلى الله عليه و آله : كان يستاك لكل صلاة .
و عن الباقر ( عليه السلام ) أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يكثر السواك ، و ليس بواجب .. الخ.
إلى آخر ما هنالك من الروايات التي لا مجال لنا لذكرها هنا ..
و قد بلغ التزامهم ( عليهم السلام ) بالسواك حداً أنه لو ترك أحدهم السواك كان ذلك ملفتاً للنظر و مدعاة للتساؤل ، فعن مكارم الأخلاق : أن الصادق ( عليه السلام ) ترك السواك قبل أن يقبض بسنتين ، و ذلك لأن أسنانه ( عليه السلام ) ضعفت ..
و أما أمرهم بالسواك ، و حثهم عليه بالقول .. فكثير جداً أيضاً ، و يمكن تقسيم النصوص التي وردت فيه ، و الحث عليه إلى طوائف أربع ..
الأولى : تلك الطائفة من الروايات ، التي تحث على السواك و تحذر من تركه ، من جهة عامة ، أي : من دون تعرض لبيان أية خصوصية فيه ..

الطائفة الأولى

و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
ما عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال لا تدعه في كل ثلاث ، و لو أن تمرَّه مرَّة واحدة ..
و هو تعبير صادق عن مدى اهتمامهم ( عليهم السلام ) بهذا الأمر ، كما أنه يوحي بما للسواك من عظيم الفائدة ، و جليل الأثر ، فإن إمراره مرة واحدة كل ثلاث ليال أمر مطلوب ، و مرغوب فيه ، و قد أشار الباقر ( عليه السلام ) إلى الفوائد العظيمة التي تترتب عليه حيث قال :
لو يعلم الناس ما في السواك ، لأباتوه معهم في لحاف.
فإن هذه الكلمة تعطينا أن فوائد السواك أكثر مما نتصور ، و أن مضار تركه لا تقل عن فوائد الاستمرار عليه .. إنه لمن المدهش حقاً أن يؤدي بنا معرفة فوائد السواك إلى أن نبيِّته معنا في لحاف .. مع أن أحدنا حتى لو كان مصاباً فعلاً بمرض .. فإنه لا يبيت الدواء معه في لحاف .. فكيف بالسواك الذي لا يعدو أن يكون عملية وقائية من أمراض محتملة ، فلولا أن تركه يستتبع أمراضاً خطيرة ، تهدد حتى حياة الإنسان و وجوده لم يكن معنى لقوله ( عليه السلام ) : لأباتوه معهم في لحاف ، و من يدري فلعله ( عليه السلام ) يشير بذلك إلى أن غازات الفم الكريهة قد تنفذ إلى مجرى الدم ، و تفتك من ثم بالجسم كله ، أو إلى أن موبوئية الأسنان من أسباب مرض السل ، و غيره مما ستجيء الإشارة إلى بعضه ..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " من سنن المرسلين السواك " ، و في معناه عدة أحاديث أخرى ..
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال : ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك ، حتى خفت أن أحفى و أدرد .. و في بعضها : حتى خفت أن يجعله فريضة .. و في معناه غيره ..
و عن الصادق ( عليه السلام ) : نزل جبرئيل بالسواك ، و الخلال ، و الحجامة ..
فإذا كان السواك من سنن المرسلين فهو إذن ليس أمراً عادياً يمكن إهماله ، و التغاضي عنه بسهولة .. خصوصاً و أن جبرئيل ما زال يوصي النبي صلى الله عليه و آله و سلم به ، حتى خاف أن يجعله فريضة .. فما أحرانا إذن أن نقتدي بالمرسلين ، و نهتدي بهديهم .. حيث إنهم لم يرسلوا إلا من أجلنا ، و بما فيه مصلحتنا و هذا لعله هو السر في التعبير بكلمة " المرسلين " ، بدل كلمة " الأنبياء ".
و لقد قيل لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أ ترى هذا الخلق كلهم من الناس ؟
فقال : " ألق التارك منهم للسواك " ..
و عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال : " نظفوا طريق القرآن " ..
قيل : يا رسول الله ، و ما طريق القرآن ؟
قال : " أفواهكم " ..
قيل : بماذا ؟
قال : " بالسواك " ..
و في معناه غيره ..
بل إن الشارع لم يمنع حتى الصائم من الإستياك ، رغم احتمال سبق شيء إلى جوفه ..
فعن الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألنا أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن السواك للصائم ؟ فقال : " نعم ، يستاك أي النهار شاء ".
و عن الباقر ( عليه السلام ) : " و لا بأس أن يستاك الصائم أي النهار شاء ، و لا بأس بالسواك للمحرم " الخ ..
و نكتفي من هذه الطائفة هنا بهذا القدر ، و من أراد فعليه أن يراجع مجاميع الحديث و الرواية ، كالوسائل و مستدركها ، و مكارم الأخلاق ، و غير ذلك ..

الطائفة الثانية

و هي التي تثبت استحباب السواك شرعاً .. حيث إنهم ( عليهم السلام ) لم يكتفوا بالطائفة الأولى ، رغم كثرتها ، و وضوح دلالتها ، و لم يكتفوا أيضاً بالإشارة إلى بعض فوائده و منافعه ، حسبما سيأتي بيانه .. بل لقد أخبروا أن الله تعالى قد تكرم على عباده ، بأن جعل السواك عبادة ، ينال العبد على فعلها الأجر الجزيل ، و الثواب الجميل .. و هذا و لاشك يعطي الإنسان المؤمن قوة دافعة على ممارسة هذا العمل الهام ، و الاستمرار عليه ، لما يترتب عليه من ثواب أخروي ، فضلاً عن منافعه الجدية العاجلة ..
فمن تلك الروايات :
ما عن الصادق ( عليه السلام ) من أنه : " السواك شطر الوضوء " ..
و عنه أنه قال : " صلاة ركعتين بسواك ، أفضل من أربع ركعات بغير سواك ".
و عنه ( عليه السلام ) أيضاً : ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك ..
و في بعض الروايات عن النبي : " أن صلاة بسواك خير من خمس و سبعين بدونه "..
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في وصيته لأمير المؤمنين : " يا علي ، عليك بالسواك ، و إن استطعت أن لا تقل منه فافعل ، فإن كل صلاة تصليها بالسواك ، تفضل على التي تصليها بغير سواك أربعين يوماً ".
و في حديث الإثني عشر خصلة ، قال : " و يضاعف الحسنات سبعين ضعفاً " ( و التنافي الظاهر في إثبات الأجر في هذه الروايات ، يمكن أن يفسح مجالاً للتشكيك في صحة أكثرها .. إلا أنه يمكن أن يجاب عن ذلك بأنه : لعل السواك الذي تكون المنافع الدنيوية هي المقصودة منه ، هو الذي يفضل الركعتان معه الأربع ركعات أما الذي يقصد منه الثواب الأخروي فالصلاة معه تعدل سبعين .. و التفاوت إنما هو بمقدار الإخلاص في النية على هذا الوجه ).
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي : " عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة ".
و في رواية أنه قال : " عند كل صلاة "..
و عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة "..
و الظاهر أن المراد : الأمر على نحو الوجوب ، و إلا فإن الأمر الإستحبابي ثابت.
و قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " إذا قمت بالليل فاستك ، فإن الملك يأتيك ، فيضع فاه على فيك ، فليس من حرف تتلوه ، و تنطق به ، إلا صعد به إلى السماء ، فليكن فوك طيب الريح "... و في معناه غيره ..
و قد ورد بطرق مختلفة : " أن السواك يرضي الرحمن ".
إلى آخر ما هنالك من الروايات ، التي لا يتسع المجال لذكرها .. و قد أشرنا إلى أنه قام الإجماع على استحبابه ..

الطائفة الثالثة

ما ورد في الأخبار في بيان بعض ما للسواك من المنافع ، و ما في تركه من المضار .. فإن مما يهتم الشارع المقدس له هو المحافظة على سلامة الإنسان ، و حفظ أفضل الحالات له. و إذا كان السواك مما له أثر في ذلك ، فإنه يكون مرغوباً و مطلوباً له تعالى بذاته ، حتى و لو لم يقصد به القربة ، و لا أتى به لأجل ما فيه من الأجر و الثواب ..
و إذا ما عرف الناس منافعه .. فإذا كان هناك من لا يفعله اقتداء بالمرسلين ، أو من أجل تحصيل ما فيه من الأجر و الثواب .. فإنه قد يفعله من اجل ما فيه من الفوائد و المنافع ، و ما يدفعه من المضار فإن الإنسان ـ بطبعه ـ محب لنفسه ، يهمه جداً دفع كل بلاء محتمل عنها ، و جلب كل نفع يقدر عليه لها .. و في السواك ، العديد من المنافع التي يهم الإنسان الحصول عليها ، و الوصول إليها .. سواء بالنسبة لصحته في ذاته ، أو بالنسبة ، لعلاقاته بالآخرين ..
و هذه الطائفة من الروايات ، المتكفلة ببيان منافع السواك كثيرة.
و قد تقدم في الطائفتين السابقتين ما يدل على أن السواك يطيب ريح الفم ، حيث قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " فليكن فوك طيب الريح ".. و تقدم أيضاً أنه ينظف الفم ، لقوله صلى الله عليه و آله و سلم : " نظفوا طريق القرآن " ..
و نزيد هنا على ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك " ...
و عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " لكل شيء طهور ، و طهور الفم السواك " ..
و في هذا المعنى عدة روايات أخرى ..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : " لما دخل الناس في الدين أفواجاً أتتهم الأزد ، أرقها قلوباً ، و أعذبها أفواهاً .. فقيل يا رسول الله ، هذا أرقها قلوباً عرفناه ، فلم صارت أعذبها أفواهاً ؟ .. فقال : " لانها كانت تستاك في الجاهلية " ... و في معناه غيره ..
و عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " السواك يذهب بالبلغم ، و يزيد في العقل "..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " السواك يذهب بالدمعة ، و يجلو البصر "..
و عنه ( عليه السلام ) : " هو من السنة ، و مطهرة للفم ، و مجلاة للبصر ، و يرضي الرب ، و يذهب بالغم ، و يزيد في الحفظ ، و يبيض الأسنان ، و يضاعف الحسنات ، و يذهب بالحفر و يشدُّ اللثة ، و يشهي الطعام ، و تفرح به الملائكة "..
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال : " السواك يزيد الرجل فصاحة "..
و عن الرضا ( عليه السلام ) : " السواك يجلو البصر ، و ينبت الشعر ، و يذهب بالدمعة "..
و في رواية أخرى أنه : " يذهب بغشاوة البصر "..
و في ثالثة أنه : " مجلاة للعين "..
و الروايات حول هذا المعنى كثيرة ...
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : " النشرة في عشرة أشياء ، " و عدَّ منها السواك ..
و عنه أنه قال : " ثلاثة يذهبن النسيان ، و يحدثن الذكر : قراءة القرآن ، و السواك و الصيام "...
و عنه أيضاً : " عليكم بالسواك ، فإنه يذهب و سوسة الصدر "..
و ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " أن السواك يوجب شدة الفهم ، و يمري الطعام ، و يذهب أوجاع الأضراس ، و يدفع عن الإنسان السقم " ، إلى آخر ما هنالك ، مما لا يتسع المجال لذكره ..
و على أي حال فإن المتحصل من هذه الروايات و غيرها ، أو فوائد السواك هي التالية :
1- أنه طهور و معقم للفم.
2- انه منظف له.
3- يذهب برائحة الفم الكريهة و يطيب رائحته.
4- يجعل الفم عذباًَ.
5- يذهب بالغم.
6- يذهب بالبلغم.
7- يزيد في العقل.
8- يجلو العين ، و يجلو البصر ، و يذهب بغشاوته ..
9- يذهب بالدمعة.
10- يزيد في الحفظ.
11- يبيض الأسنان.
12- يذهب بالحفر.
13- يشد اللثة.
14- و إذا كان بعود الأراك فهو أيضاً يسمنها.
15- يشهي الطعام.
16- ينبت الشعر.
17- إنه من جملة أسباب النشرة ، أو النشوة ( على ما في بعض النسخ ).
18- يزيد الرجل فصاحة.
19- يذهب بالنسيان ، و يحدث الذكر.
20- يذهب بوسوسة الصدر.
21- يوجب شدة الفهم.
22- يمري الطعام.
23- يذهب أوجاع الأضراس.
24- يدفع عن الإنسان السقم ..
و ربما يتخيل أن بعضها تكرار للبعض الآخر ، و لكن بعد إمعان النظر و التأمل يظهر خلاف ذلك .. بل قد يظهر أننا تكلفنا إدخال بعضها تحت بعض .. و على كلٍ .. فإن من المناسب أن نقف وقفة قصيرة ـ بقدر ما يسمح لنا به المجال ، و تسمح لنا به المعلومات الطبية المحدودة المتوفرة ـ نقف ـ عند هذه النبذة ، التي هي رشحة من رشحات أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) ، و خريدة من خرائدهم ، لنستوحي منها ، و نستهدي طريق الخير ، و الرشاد ، و السداد ، فنقول ، والله المستعان ، و منه نستمد الحول و القوة :
إن كثيراً مما بينته هذه الروايات قد يكون مما لا يزال العلم عاجزاً عن كشف مدى ارتباطه بالسواك ، و ارتباط السواك به بشكل دقيق ، و شامل : إلا أن مما لا شك فيه أننا نستطيع أن نلمس من ذلك كله مدى اهتمام الإسلام بمختلف شؤون هذا الإنسان و أحواله ، و مدى إحاطته و شموله لهذه الأحوال ، و تلكم الشؤون.
و نستطيع أن نتبين بوضوح اهتمام الإسلام بمظهر الإنسان ، و بشخصيته و حرصه الشديد على أن يبدو في أبهى منظر ، و أحسن حلة ، لأن جمال المظهر ـ كما قلنا ـ يؤثر في اجتذاب الآخرين إليه ، و محبتهم له ، بل و يؤثر في روحه و نفسه. و من هنا فقد ورد أن السواك يبيض الأسنان ، و ورد قوله ( عليه السلام ) : " مالكم قلحاً ؟! مالكم لا تستاكون " ؟! ، و القلح : صفرة أو خضرة في الأسنان و لاشك أن بياضها أفضل من صفرتها ، أو خضرتها و أكثر قبولاً لدى الآخرين ، لأنه هو اللون الطبيعي لها.
و من هنا أيضاً .. ورد أن السواك يطيب رائحة الفم .. و لاشك أن ذا الفم الكريه الرائحة ينفر الناس ، بل و حتى الملائكة منه ، و الإنسان يريد لنفسه ـ والله أيضاً يريد له ـ أن يكون محبباً لدى الناس ، قريباً إلى قلوبهم و نفوسهم ..
و بما أن للأسنان علاقة بجميع أجهزة الجسم الأخرى ، حتى إنها إذا ما مرضت تأثرت تلك الأجهزة بمرضها ، و إذا صحت و قويت تأثرت أيضاً بذلك ، و اكتسبت مزيداً من الصحة و القوة ، .. فإن من الطبيعي أن يكون ذلك حافزاً و دافعاً للإنسان ليحافظ على أسنانه ، و أن يهتم بصحتها ، لأنه يكون بذلك قد حافظ و اعتنى بسائر أجهزة جسمه ..
و يقول علماء الطب الحديث : إن الجراثيم و الميكروبات المتكونة في تجاويف الأسنان ، من فضلات الطعام المتخلفة فيها .. و الوافدة من الفم إلى المعدة هي السبب في عسر الهضم ، و حزة المعدة أو حموضتها ، و هي السبب أيضاً في بعض أمراض الكلى و الرئتين .. و قد تصل هذه الجراثيم أيضاً إلى اللوزتين ، و تؤثر أيضاً على الأنف ، بحيث توجب التهابات في الجيوب الأنفية .. بل إن أمراض الأسنان الناشئة من عدم تنظيفها و تعقيمها قد توجب التهابات في الأذنين. و تكون هي السبب في بعض أمراض العينين و ذلك لاتصالهما ـ الأذنين و العينين ـ بالأسنان عن طريق الأعصاب.
كما أن أمراض الفم قد تؤثر في روماتيزم المفاصل ، و تزيد من أعباء الكبد بل إن أسنان المريض هي أول ما يلفت نظر الطبيب في معالجته للمريض بالسل .. و أسقام عديدة أخرى ..
و إن غازات الفم الكريهة قد تنفذ إلى مجرى الدم ، و تفتك من ثم بالجسم كله هذه الغازات التي تنشأ ـ في الغالب ـ من تخمر فضلات الطعام ، المتبقية في تجاويف الأسنان ، حيث إنها لا تلبث أن تتعفن ، و تصبح ذات رائحة كريهة جداً ، يشعر بها كل من يحاول تنظيف أسنانه بعد إهماله لها مدة من الزمن .. ثم تتحول شيئاً فشيئاً إلى مكروبات و جراثيم تعد بالملايين ، و يتسبب عنها الكثير من أمراض الفم ، و تفد ـ كما قلنا ـ مع الطعام إلى المعدة و لتسبب للإنسان ـ من ثم ـ الكثير من المتاعب.
و إذا ما أضفنا إلى ذلك كله : أن تلك الفضلات المتبقية قد تسبب قروحاً في اللثة ، و إذا كانت المكروبات المتكونة منها حاضرة و جاهزة ، فإنها تعمد للفتك باللثة عن طريق تلك القروح ، و إذا ما أدت تلك القروح إلى كشف عنق السن ، فلسوف ينتج عن ذلك ضعف ذلك السن ، و خلخلته و ليصبح من ثم عديم الفائدة ، و مستحقاً للقلع ..
و هكذا .. فإن النتيجة بعد ذلك كله تكون ، هي : إنه لا بُدَّ للفم من منظف أولاً .. و معقم و مطهر له ثانياً .. يقتل هذه الجراثيم التي فيه ، و يزيلها ، و يمنع من حدوث جراثيم أخرى ..
و قد قرر الشارع المقدس ، أن هذا المنظف ، و المطهر و المعقم هو السواك ، الذي يكون في نفس الوقت علاجاً ، و عملية وقائية ، من كثير من الأمراض ، التي لا بُدَّ و أن يتعرض لها الإنسان ، نتيجة لموبوئية الأسنان.
و من هنا نعرف الحكمة في قولهم ( عليهم السلام ) عن السواك : إنه طهور للفم ، و إنه منظف له ، و إنه يدفع عن الإنسان السقم ، و إنه يذهب أوجاع الأضراس ، إلى غير ذلك مما تقدم ، و ستأتي الإشارة إليه ، إن شاء الله تعالى ..
هذا .. و يتكون من تخمر فضلات الطعام في الفم حامض : " الكتيك " ، الذي يؤثر في الطبقة الخارجية لتاج السن ، حيث يذيبها ، و يفقدها نعومتها ، و يجعلها خشنة الملمس ، مما يساعد على تخلف مزيد من الفضلات ، و ليتكون بعد المزيد من الجراثيم و من ثم إلى مواجهة كثير من المتاعب.
كما أن هذه الأحماض المشار إليها ، هي من أسباب تسوس الأسنان ، و من ثم فقدانها لصلاحيتها ، حيث يكون لا بُدَّ من التخلص منها.
و من الواضح : أن موبوئية الفم ، و كثرة الجراثيم فيه ، تقلل من اشتهاء الإنسان للطعام ، و ميله إليه .. بل إن من الأمور التي ثبتت الآن علمياً : أن تنظيف الأسنان يدفع الإنسان إلى الأكل ، و يزيد من الكميات التي يتناولها منه إلى حد ملفت للنظر و من هنا ورد عنهم عليهم السلام أن السواك يشهي الطعام و يمريه ..
هذا .. و لا بُدَّ من الإشارة هنا ، إلى أن وفود الجراثيم إلى الفم ، لا ينحصر في تخمر فضلات الطعام فيه ، حيث يمكن أن تصل الجراثيم إلى الفم من ملامسة أجسام أخرى غير الطعام ، بل و من الطعام الذي يكون ملوثاً بجراثيم خارجة عنه .. و أيضاً من الهواء غير النقي ، الذي لا بُدَّ أن يصل إلى الفم بل و غيره من أجهزة الجسم بواسطة التنفس .. و لهذا كانت أنواع الميكروبات في الفم مختلفة ، و كثيرة و لا يضاهيه في اختلافها أي عضو آخر من أعضاء الإنسان على الإطلاق .. و هو أكثر أعضاء الإنسان قابلية لاستقبالها ، و هو المكان الأمثل و الأصلح لنموها ، و ازديادها و بقاءها على قيد الحياة أقصى مدى ممكنة ، و ذلك لوجود اللعاب الذي يتدفق باستمرار ، و يكون مادة غذاء لها لو حرمت من الغذاء ..
و من هنا نستطيع أن نعرف أن السر في ترخيص الشارع للصائم بالإستياك ، عند كل وضوء ، أو عند كل صلاة و كذلك السر في الحث على الإستياك عند الاستيقاظ من النوم و عند قيامه بالليل ، هو أن المكروبات قد تصل إلى الفم من غير فضلات الطعام كما قلنا.
و إذا كان الإستياك يوجب عذوبة الفم ، و نقاوة اللعاب.
و إذا كان أيضاً يوجب تقوية عضلات الفم .. و غير ذلك فإن من الطبيعي أن يكون من أسباب فصاحة الإنسان ، و طلاقته ، عندما تصير عضلات الفم أكثر قدرة على الحركة ، و أكثر تحكماً بالنبرات الصوتية .. و أكثر نشاطاً و دقة في أدائها لوظيفتها ..
و أيضاً فإن مما لاشك فيه ، أن تنظيف كل عضو من أعضاء الإنسان ، و خصوصاً الفم يكون من أسباب بعث الفرح و النشوة في نفسه ، و الحيوية و النشاط في مختلف أجهزة جسمه الأخرى ـ حتى الجهاز التناسلي منها ـ ، و يكون الإنسان حينئذٍ أكثر حيوية و نشاطاً بشكل عام .. الأمر الذي يزيد ـ بطبيعة الحال ـ من نشاطه الفكري و العقلي .. و من هنا قيل : العقل السليم في الجسم السليم.
بل إننا نستطيع أن نؤكد على علاقة الأسنان بسلامة الإنسان النفسية .. و من هنا نلاحظ : أن ظهور " ضرس العقل " كثيراً ما يوجب الاختلال النفسي لدى الإنسان ، و من هنا فلا يكون من المجازفة القول بأن السواك له تأثير مباشر في الصفاء النفسي للإنسان ، و يذهب بكثير من الهواجس و الوساوس التي قد تنتابه .. بل و يؤثر في إذهاب حالات الغم و الهم ، التي قد تنتاب الإنسان ، و لا يعرف لها سبباً معقولاً .. مع أنها تكون ناشئة عن موبوئية الفم و الأسنان ، في كثير من الأحيان ، حتى إذا ما نظفت ذهبت هذه الحالة عنه ، و يحل محلها الحيوية و الفرح و النشاط ..
و إذا ما عرفنا : أن الهم و الغم من الأسباب الرئيسية للنسيان ، و عدم التمكن من الحفظ ، بسبب اختلال الحال ، و اشتغال البال ، و عدم القدرة على التركيز على نقطة معينة ، و عرفنا : أن النشوة و صفاء الفكر من أسباب سرعة الحفظ ، و زيادة قوة الحافظة إننا إذا عرفنا ذلك ندرك مدى علاقة السواك بحافظة الإنسان ، و تأثيره في إذهاب حالة النسيان من الإنسان ..
و من هذا البيان .. يتضح كيف أن السواك ـ على حد قولهم ( عليهم السلام ) ـ يذهب بالغم و يزيد في العقل ، و يزيد في الحفظ ، و يشهي الطعام ، و من أسباب النشرة ( النشرة هي انتشار العضو التناسلي ، و ذلك غير بعيد بعد أن كان السواك يبعث النشوة و القوة و النشاط في مختلف أجهزة الجسم ) أو النشوة ، و أنه يزيد الرجل فصاحة ، و يذهب بالنسيان ، و يحدث الذكر ، و يذهب بوسوسة الصدر ، و يوجب شدة الفهم ، إلى غير ذلك مما ورد في الروايات عن أهل بيت العصمة صلوات الله و سلامه عليهم .. مما اتضح مما قدمناه ..
و إذا ما أضفنا إلى ذلك كله أن للأسنان علاقة بشعر الإنسان ، و لذا يلاحظ أن بعض المبتلين بأمراض الأسنان ، يتساقط عندهم الشعر المسامت للأسنان المريضة ، حتى إذا ما عولجت ، و شفيت يعود ذلك الشعر إلى النمو من جديد .. فإننا ندرك أن السواك الذي يؤثر في سلامة الأسنان يؤثر أيضاً في إنبات الشعر ، حسب ما ورد في الرواية.
و السواك إلى جانب ذلك كله ، عامل مهم ، من عوامل تقوية اللثة و سمنها ، حيث إنه رياضة مستمرة لها ، و ينبه عضلاتها و يحركها ، كما و يحرك الدورة الدموية فيها ..
كما أنه ـ أي السواك ـ يذهب بالحفر : أي أنه يقلع الحبيبات التي تؤدي إلى جرح اللثة ، و تقيحها ، و جعلها في معرض الالتهابات و الأمراض .. كما و يمنع من وجودها من جديد ..
و أخيراً .. فإن للسواك علاقة بالعين فمرض الأسنان يؤثر في مرضها ، و قد أثبت الطب الجديد أن بعض أمراض الأسنان قد تسبب بالعمى الموقت ، حتى إذا ما عولجت الأسنان و شفيت ، عادت الرؤية إلى العين من جديد ، و لعل ذلك أصبح من الأمور المتسالم عليها .. و لذا نرى في كلماتهم ( عليهم السلام ) التأكيد على هذه العلاقة .. و ان السواك يجلو البصر ، و يذهب بغشاوة العين ، و يذهب بالدمعة ، إلى غير ذلك مما تقدم ..

الطائفة الرابعة من الروايات

تلك التي تكفلت بالإرشاد إلى كيفية ، و أوقات ، و أمكنة السواك ، و ما يتصل بذلك ، و يرتبط به ، بنحو من الارتباط و الاتصال ..
و قد تقدم ما يدل على استحباب السواك عند كل وضوء ، أو عند كل صلاة ، و عند قراءة القرآن ، و نزيد هنا :
ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، من أنه نهى أن يتخلل بالقصب ، و أن يستاك به .. و في دعائم الإسلام أنه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن السواك بالقصب و الريحان ، و الرمان ..
و ما ورد عن أبي جعفر ( عليه السلام ) من " أن الكعبة شكت إلى الله عَزَّ و جَلَّ ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى الله تعالى إليها : قرى كعبة ، فإني مبدلك بهم قوماً يتنظفون بقضبان الشجر ، فلما بعث الله محمداً ، أوحى الله إليه مع جبرئيل بالسواك و الخلال ".. و هو مروي بعدة طرق ..
و في مكارم الأخلاق ، و غيره : أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يستاك بالأراك ، أمره بذلك جبرئيل ( عليه السلام ).
و عن الرسالة الذهبية للرضا ( عليه السلام ) : " و اعلم يا أمير المؤمنين ، أن أجود ما إستكت به ليف الأراك ، فإنه يجلو الأسنان ، و يطيب النكهة و يشد اللثة ، و يسمنها ، و هو نافع من الحفر ، إذا كان باعتدال .. و الإكثار منه يرق الأسنان ، و يزعزعها ، و يضعف أصولها ..
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال : " نعم السواك الزيتون ، من الشجرة المباركة يطيب الفم ، و يذهب بالحفر و هي سواكي ، و سواك الأنبياء قبلي ".
و عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : أنه كان يستاك بماء الورد ..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب ، و لكنه لم يكن يرى بأساً بالإستياك باليابس ...
و كان الرضا ( عليه السلام ) إذا صلى الفجر جلس في مصلاه ، إلى أن تطلع الشمس ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحداً بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر فيمضغه الخ ...
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " أن الصائم يستاك أي النهار شاء " ..
و عن أبي جعفر أنه قال : " لا تدعه في كل ثلاث ، و لو أن تمره مرة "..
و عنهم ( عليهم السلام ) : " أدنى السواك أن تدلكه بإصبعك ".
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : أنه كان يستاك كل ليلة ثلاث مرات : مرة قبل نومه ، و مرة إذا قام من نومه إلى ورده ، و مرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح .
و روي أن السنة في السواك وقت السحر.
و روي أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يستاك في كل مرة قام من نومه.
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " إني لأحب للرجل إذا قام بالليل أن يستاك "..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث قال : " و إياك و السواك في الحمام ، فإنه يورث وباء الأسنان ".. و في معناه عدة روايات أخر ..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " السواك على المقعد يورث البخر "..
و عنه أيضاً في حديث : " و السواك في الخلا يورث البخر "..
و عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " من استاك فليتمضمض "..
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : " اكتحلوا وتراً ، و استاكوا عرضاً "..
و عنه صلى الله عليه و آله و سلم : " إستاكوا عرضاً ، و لا تستاكوا طولاً "..
إلى آخر ما هنالك من الروايات الكثيرة التي لا مجال لنا هنا لذكرها ..
و نستفيد من هذه الروايات عدة فوائد هامة .. بالنسبة لهذا الأمر الذي اهتم به الإسلام ـ و من حقه أن يهتم به ـ غاية الاهتمام ..
فإن مجرد إخراج الفضلات من تجاويف الأسنان ، و إن كان مفيداً .. إلا أنه إذا كان بطريقة غير صالحة قد تنشأ عنه أضرار تفوق ما سوف يجلبه من نفع .. و من هنا تبرز الحاجة إلى الطريقة الأفضل و الأصلح ، التي تؤدي المهمة المتوخاة من السواك ، على أكمل و أفضل وجه ، بحيث تتلافى معها جميع الأضرار و المضاعفات المحتملة. و هذا هو ما تكفلت به الطائفة الرابعة من الروايات ، التي قدمنا شطراً منها .. و نحن بدورنا نشير إلى بعض الملاحظات ، المتعلقة بهذه الطائفة ، مع الاعتراف بالقصور و العجز عن إدراك كل ما يشيرون و يرمون إليه ، مع روم الاختصار ، حيث قد نكون قد أطلنا على القارئ الكريم ، الذي لا بُدَّ و ان يمنحنا العذر ، بعد أن صار من الواضح له مدى تشعب هذا الموضوع ، و اختلاف مناحيه و أطرافه ، فنقول :
إن من الواضح : أن إخراج الفضلات من تجاويف الأسنان ، بواسطة آلة صلبة ـ كدبوس ، أو أي آلة معدنية أخرى ـ مما يتسبب عنه جرح الجدار الصلب ، الذي يغلف تاج السن .. كما و أنه قد يؤدي إلى جرح النسيج اللثوي ، الأمر الذي يكون من نتيجته تعرض الأسنان للنخر ، و اللثة للالتهابات ، بفعل تلك الجراثيم الموجودة في الفم ، و التي تعد بالملايين .. و من هنا نعرف أنه لا بُدَّ و أن يكون السواك و الخلال بوسيلة لا صلابة فيها ، يؤمن معها جرح الجدار لتاج السن ، و جرح النسيج اللثوي .. و قد اختار الإسلام لهذه المهمة قضبان الشجر ، و بالخصوص عود الأراك ، أو "الزيتون " حيث يؤمن معها إلى حد ما .. ذلك .. كما أننا لا نعرف لماذا منع الإسلام عن السواك ، و الخلال بالقصب و عود الرمان ، التي قد تجرح النسيج اللثوي و تؤثر في تاج السن و لعل منعه عن عود الريحان يرجع إلى وجود مواد فيه تضر باللثة و الأسنان على حد سواء .. هذا ..
و نلاحظ أن الإسلام قد أجاز السواك و لو بأن يكون الدلك بالإصبع و هو و إن لم يكن محققاً للغاية المرجوة منه ، إلا أن الميسور لا يترك بالمعسور إذ هو على الأقل مفيد في تقوية اللثة ، و تحريك عضلاتها ..
و من الأمور الملفتة للنظر هنا أن الرضا ( عليه السَّلام ) كان يستاك كل مرة بأكثر من مسواك واحد .. و أن أبا الحسن ( عليه السلام ) : كان يستاك بماء الورد ، و أما الإستياك للصائم ، فقد أشرنا فيما سبق إلى وجه الحكمة فيه ..
ثم إن لكيفية السواك مدخلاً في التنظيف الكامل و عدمه ، إذ أنه مرة يمر المسواك على الأسنان مروراً ظاهراً .. و هذا بطبيعة الحال لا يكفي في الوصول إلى الغاية التي شرع من أجلها السواك .. و مرة يصل المسواك إلى جميع تجاويف الأسنان ، و يخرج الفضلات منها .. و هذا هو الذي يرمي إليه قوله ( عليه السلام ) : استاكوا عرضاً ، و لا تستاكوا طولاً .. و المراد أن تدعك الأسنان بالمسواك صعوداً و نزولاً ، من أجل أن تدخل شعب المسواك إلى جميع التجاويف ، و الفجوات ، و الخلايا ، حتى لا يبقى فيها أي شيء من الفضلات ، يمكن أن يسبب ضرراً على الأسنان ، أو أي من أجهزة الجسم الأخرى .. و قد تنبه علماء الطب حديثاً لهذه الطريقة ، و بدؤوا ينصحون بإتباعها ..
إلا أن من الواضح : أن مجرد إجراء هذه العملية ، لا يكفي في إخراج الفضلات من الفم و تنظيفه و تطهيره ، مع أن هذا هو أحد الأهداف الهامة من السواك ، كما صرحت به الكثير من الروايات .. بل لا بُدَّ لنا من القيام بعملية أخرى لإخراج الفضلات من الفم ، و ليكون الفم من ثم نظيفاً طاهراً ، طيب الرائحة ... الخ .. و قد بين الأئمة ( عليهم السلام ) هذه الطريقة ، فأرشدونا إلى المضمضة بعد الوضوء : "فمن استاك فليتمضمض" ..
و كان أن لم يأمر الإسلام باتخاذ فرشاة ولا أرشد إلى صنع معاجين من مواد معينة ، معقمة و مطهرة للفم ، و مضادة إلى حد ما للجراثيم .. على النحو الشائع في هذه الأيام .. حيث لم يكن في ذلك الزمان معاجين ، و لا كان الناس يتخيلون ، أو يخطر في بالهم أنه لا بُدَّ في تنظيف الأسنان من الاستعانة بمواد كيماوية من نوع معين .. و لو أنه فعل صلى الله عليه و آله و سلم ذلك و قال لهم لا بُدَّ من فرشاة و معاجين مركبة من كذا و كذا .. لم يسلم أن ينسب إلى ما لا يرضى أحد أن ينسب إليه ..
إلا أنه ـ أي الإسلام ـ أمرهم عوضاً عن ذلك باتخاذ عود الأراك مسواكاً ، و ذكر له في الروايات منافع هامة ، أشرنا إليها في ما تقدم.
و إننا إذا ما أخذنا تلك المنافع و غيرها بنظر الاعتبار فإننا نحصل على القناعة التامة بأنه ليس من اللازم ، بل و لا من الراجح العدول إلى الفرشاة و لا إلى المعاجين التي يدعى أنها تساعد على التنظيف و التعقيم و التطهير .. بل لا بُدَّ من الاقتصار على عود الأراك ، حيث قد أثبتت المختبرات الحديثة أن عود الأراك ـ الذي أمر به الإسلام ـ أفضل بكثير من الفرشاة ، إذ " قد وجد أحد معامل الأدوية في ألمانيا مادة خاصة في المسواك المأخوذ من شجر الأراك ، تكسب الأسنان مناعة على النخر ، شبيهة بمادة : " الفلور" ، و قاتلة للجراثيم .. و لوحظ أن نسبة نخر الأسنان لدى الذين يستعملون المسواك ، أقل بكثير من الذين يستعملون فرشاة الأسنان. و مازال هذا المعمل يواصل بحوثه و تحرياته ، و يحاول الاستفادة من هذه المادة ، و إضافتها إلى معاجين الأسنان ".
أما الفرشاة : فليس فيها هذه المادة القاتلة للجراثيم ، و لهذا ينصح الأطباء بوضع الفرشاة في الماء و الملح ، بعد تنظيف الأسنان بها ، حتى يقضى بواسطة ذلك على الجراثيم العالقة ، أو التي ربما سوف تعلق بها ، و حتى لا تعود تلك المكروبات للفم مرة ثانية ..
أما عود الأراك فكل ما علق أو يعلق به يقضى عليه بواسطة تلك المادة التي فيه ، من دون حاجة إلى الماء و الملح .. أو غير ذلك .. هذا إذا استطاع الماء و الملح أن يقضي على جميع أنواع المكروبات ، و ذلك مما لم يثبت حتى الآن ..
و أما بالنسبة لأوقات استعمال المسواك فقد ورد بالإضافة إلى ما تقدم من السواك حتى وضوء كل صلاة أو عند كل صلاة ، أو عند قراءة القرآن ، و أنه لا بأس بالإستياك في النهار أي وقت يشاء ، و أيضاً بالإضافة إلى ما ورد من الإشارة إلى حسن الإستياك قبل النوم ، و هو ما ينصح به الأطباء اليوم ـ بالإضافة إلى ذلك ـ قد ورد التأكيد على استعمال المسواك عند الاستيقاظ من النوم ، و الحكمة في ذلك واضحة ، فإنه يقضي بذلك على الجراثيم التي تصل إلى الفم حال النوم ، نتيجة لتلوث الهواء الذي يصل إليه بواسطة التنفس أو بدونه ، و ليقضي على ما تبقى منها ، مما بقي يسرح و يمرح ، و يفتك و يقوي نفسه في خلايا الفم الليل بطوله ، بكل هدوء و راحة و اطمئنان ..
و أخيراً .. فلعل من الأمور التي لا تحتاج إلى بيان .. أن السواك في الحمام غير صحي و لا صحيح ، لأن السواك عبارة عن تنظيف الخلايا و الفجوات من الفضلات ، فإذا تعرضت لجو الحمام الذي يزدحم بالمكروبات فإنها سوف تتعرف لغزو عنيف منها ، و لسوف لا يمكن إخراجها بعد بسهولة و يسر ، لاسيما و أنه و هو في ذلك الجو كلما أخرج فوجاً ، استقر فوج آخر في مكانه و اتخذ مواقعه ، و لا يوجد هناك أي شيء يحجز هذه الميكروبات و الجراثيم عن الوصول إلى الأمكنة الحساسة ، حيث تبدأ عملها رأساً .. أما لو كان هناك لعاب ، فإنه يمنعها إلى حد ما من الوصول إلى الأمكنة الحساسة ، و ذلك بسبب تغطيته لها ، و لزوجته ، التي يحتاج اختراقها إلى بعض الوقت ، مضافاً إلى تبدله ـ أي اللعاب ـ و تغيره باستمرار ، و لو بقى شيء منها مع هذا التبدل فإن النوبة الثانية لاستعمال السواك تكون قد أزفت .. و أما أثناء السواك في الحمام فاللعاب لا يصل إلى المناطق التي عليها المسواك ، بل هي مكشوفة معرضة للعطب بأسرع ما يكون .. و من هنا نعرف سر النهي عن منعهم ( عليهم السلام ) السواك في الحمام المعلل بأنه يورث وباء الأسنان.
و نفس هذا الكلام ـ تقريباً ـ يأتي بالنسبة إلى السواك في الخلاء فإن نفس تلك الرائحة عبارة عن جراثيم .. فإذا وصلت إلى الفم و استقرت فيه ، و تناسلت ، و تكاثرت ، فإن النفس يبدأ بقذف الزائد منها إلى الخارج ، فتلتقطه حواس الشم لدى الآخرين ، مما يكون سبباً في تنفرهم و انزعاجهم .. و من هنا نهوا ( عليهم السلام ) عن السواك في الخلاء .. و هكذا .. يتضح أخيراً : أن السواك يؤثر في مظهر الإنسان و في سلامته البدنية بل و حتى النفسية و الروحية و العقلية إلى آخر ما هنالك مما تقدم .. فما أحرانا إذن أن نلتزم به ، و نستفيد منه الكثير الكثير ، مما عرفنا و مما لم نعرف بعد. و ليس ما ذكرناه بالنسبة إلى ما لم نذكره و الذي لا نعرفه إلا بمثابة غيض من فيض .. و لم يكن ما ذكرناه إلا بمثابة خطوة أولى على طريق التعرف على كافة الحقائق التي ترتبط بهذا الموضوع ، الذي هو واحد من تلك التعاليم السامية ، التي أهملناها ، و لم نعد نلتفت إليها ، و أصبحنا نستوردها ـ فيما نستورد ـ من أوربا و غيرها من مناطق العالم .. و لا يسعنا هنا إلا أن نذكر بقول الله عز وجل : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ... 2 .
جعفر مرتضى العاملي