مجموع الأصوات: 31
نشر قبل 4 سنوات
القراءات: 5203

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الغناء حرمته ومفاسده

من الواضح جداً أن للغناء تاريخاً عريقاً يمتد إلى الأزمنة البعيدة من عمر الإنسانية على هذه الأرض، فلا يكاد يخلو شعب من الشعوب أو أمّة من الأمم أو مجموعة من المجموعات من أثر ما في هذا الشأن –قلَّ أو كثر- والغناء جزء لا يتجزأ من تراث كل شعوب العالم قديماً وحديثاً.

ونظراً لهذا الارتكاز للغناء في ذاكرة الشعوب منذ القدم، فإن البحث فيه من وجهة النظر الإسلامية نعتبرها مميزة، لأن للإسلام رأياً خاصاً في الغناء لا يوجد عند أهل العقائد والفلسفات الأخرى لأسباب عديدة لا مجال للخوض فيها الآن.
ومن هنا، سنقصر الكلام في هذا المجال على موضوع الغناء من جوانب متعددة هي:

  1. الغناء بين الحلّية والحرمة.
  2. مفاسد الغناء الاجتماعية.

1- تحريم الغناء: مما لا شك فيه أن الغناء في الإسلام حرام بشكل أساسي، وحرمته ثابتة في القرآن والسنة عبر أدلة كثيرة واضحة وجلية، والتحريم انصبّ على نفس موضوع الغناء باعتبار أنه كان متعارفاً ومعمولاً به كما أوضحنا في المقدمة، وليست حرمته من باب تطبيق قاعدة ما أو أصل ما على أمر فرعي أو مسألة فرعية.

أدلة حرمة الغناء من القرآن الكريم

أ- قال تعالى ﴿ ... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 1.
حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن المراد من "قول الزور" الغناء، ثم قال عليه السلام (إن المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ما له والملاهي؟ فإن الملاهي تورث النفاق).
ب- قال تعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ... 2.
حيث روي عن الأئمة الباقر والصادق والرضاعليهم السلام أن لهو الحديث شمل كل ما يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والأغاني, وقد ورد عن ابن مسعود أيضا بأن"لهو الحديث" هو"الغناء".
3- قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ 3 حيث ورد في تفسيرها عن الإمامين الصادقين عليهما السلام بأن هؤلاء الناس المشار إليهم في الآية هم الذين لا يحضرون مجالس الغناء والباطل والفحش واللغو، وإذا مرّوا بأهل اللغو كرّموا أسماعهم عنهم، ونزّهوا ألسنتهم عن التفوّه به أيضاً، وأعرضوا عنهم ولم يجاوروهم ولم يخوضوا معهم، فهذه صفة الكرام.

أدلة حرمة الغناء من السُّنَّة

أ- عن رسول الله صلى الله عليه وآله (... وبعثني بمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية)
ب- عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال يوم فتح مكة: (إنما بُعِثْتُ لأكسر الدف والمزمار)
حيث يتضح من هذين الحديثين النبويين أن رسول الله صلى الله عليه وآله كما بُعِثَ لإتمام مكارم الأخلاق من الجهة الإيجابية، بُعِثَ أيضاً لمنع الأمور المحرمة من أن تكون متداولة بين الناس، والغناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنه بُعِثَ لمنعه لما يتضمن من المفاسد والإفتتان وخفة العقل والعبث في حياة النَّاس، ولهذه الأسباب حرَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من ربه عزوجل.
ج- عن الإمام الصادق عليه السلام (الغناء أخبث ما خلق الله، الغناء شر ماخلق الله).
وعليه فمن مجموع الآيات والروايات التي ذكرناها –وهي مجرد عدد قليل من الأدلة- نعرف أن الغناء محرم في الإسلام سواء أكان مع الّلحن والموسيقى أو لم يكن كذلك بل كان مجرد كلام ملقى بطريقة الغناء، لأن العبرة في تحريم الغناء هو الكلام المقال بطريقة مطربة بغضِّ النظر عن العوامل الإضافية التي تزيده حرمة وكراهية عند الله عزوجل، وتعريف الغناء المحرَّم عند الإمام الخامنئي"دام ظله" هو (صوت الإنسان إذا كان الترجيع يناسب مجالس اللهو والمعصية، ويحرم التغني على هذا النحو وكذا الإستماع اليه).
والمعروف في شرعنا الإسلامي أن الشيء اذا حرمه الإسلام فيرتب عليه محرمات أخرى مرتبطة به من أبرزها التكسب به والارتزاق منه إذا كان من هذا النوع، والغناء يدخل في هذا الباب، فمن حرمته نستفيد حرمة التكسب به، وقد ورد نصوص واضحة وصريحة في ذلك، منها ما ورد عن صفوان بن أمية قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاءه "عمر بن قرة" فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الله كتب عليَّ الشقوة فما أراني أُرزَق الا من دَفّي بكفّي، فَأذن لي في الغناء من غير فاحشة؟! فقال صلى الله عليه وآله: "لا آذنُ لك ولا كرامة ولا نعمة، أيْ عدو الله، لقد رزقك الله طيباً، فاخترت ما حرَّمه الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله؟ أما إنك لو قلت بعدُ هذه المقالة ضربتكَ ضرباً وجيعاً).
وكما حرم الله الغناء حرم الاستماع إليه أيضاً، وقد وردت روايات في ذلك، منها:
أ- سئل الإمام الصادق عليه السلام عن الغناء فقال (لا تدخلوا بيوتاً، الله معرضٌ عن أهلها).
ب- روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سأله بعض أصحابه فقال: (جُعِلْتُ فداك إن لي جيراناً، ولهم جوارٍ مغنيات يتغنين ويضربن بالعود، وربما دخلت بيت الخلاء فأطيل الجلوس استماعاً مني لهن؟ فقال عليه السلام: "لا تفعل"، قال الرجل: "واللهِ ما هو شيء آتيه برجلي" أي لا أسمع باختياري أو أذهب بإرادتي، إنما هو شئ أسمع بأذني؟ فقال عليه السلام: "بالله أنت ما سمعت قول الله تبارك وتعالى ﴿ ... إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا 4؟ وأروي في تفسير هذه الآية أنه يُسْأَل السمع عما سمع، والبصر عما نظر، والقلب عما عُقِدَ عليه. فقال الرجل: "كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عجمي ولا عربي، لا جرم أني قد تركتها، وأني أستغفر الله. فقال الإمام عليه السلام: "قم واغتسل وصلِّ ما بدا لك، فلقد كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو كنت متَّ على هذا، إستغفر الله واسأل الله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبيح، والقبيح دعه لأهله، فإن لكل قبيح أهلاً).
ومن توابع حرمة الغناء، حرمة التواجد والجلوس في المكان الذي تقام فيه مجالس الغناء لأنها مجالس مذمومة ومكروهة وقبيحة عند الله لأنها مرتع للشيطان وأزلامه الذين يزينون للناس المعاصي والشهوات والملذات، وقد ورد في الحديث (من جلس إلى قينة "جارية مغنية" صُبَّ في أذنيه الأفك "الرصاص" يوم القيامة) وكذلك آية ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ... 3 أي الذين لا يحضرون مجالس اللهو والعبث والباطل واللغو، والغناء من أبرز مصاديق هذه العناوين الباطلة شرعاً.

المفاسد الإجتماعية والأخلاقية للغناء

ولا بد هنا قبل الحديث عن المفاسد من توضيح أمرين:
الأول: أن المجتمع الإسلامي هو مجتمع هادف وفق نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية وكيفية التعامل معها، وقد أوضح الله عزوجل التشريعات والقوانين التي تتضمنها العقيدة الإسلامية كمنهج حياة متكامل للدنيا والآخرة، وبالتالي فإن الإسلام قد حرَّم كل ما يتعارض مع هذا الهدف النبيل مما له تأثير سلبي في توجهات الأمة وتطبيقها العملي للإسلام، والغناء داخل ضمن المحرمات التي منع الإسلام عنها لأنها تشكل مانعاً من الالتزام الدقيق نظراً للمفاسد التي سوف نذكرها لاحقاً. وقد أوضح القرآن الهدف الأسمى من خلق الحياة بقوله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ 5.
الثاني: إن الإسلام يضع منزلة المغنين والمطربين وكل العاملين في هذا المجال المحرَّم في مرتبة هابطة وساقطة بين أفراد المجتمع الإسلامي الملتزم نظراً لدورهم الانحرافي والإفسادي بين أفراد المجتمع المسلم، حتى ورد في وصفهم بأنهم من أصناف "السفلة" كما في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سُئِلَ عن السفلة فقال عليه السلام (من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور)، وعن النبي صلى الله عليه وآله (لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام)، وسُئِلَ الإمام الرضاعليه السلام عن شراء المغنية، فقال عليه السلام (قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلا ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار).
وقد تقصدت ذكر هذا الأمر الثاني عن منزلة العاملين في مجال الغناء لكي أقول إن المنزلة المرموقة التي يوضع فيها المغنون والمغنيات هذه الأيام هو خلاف نظرة الإسلام التي تطلب منا أن ننظر إليهم باحتقار ودون كرامة، لأن هؤلاء قد باعوا أنفسهم للشيطان وتجندوا له ولخدمة أغراضه الخبيثة في إفساد دين الناس وعقولهم واتزان تصرفاتهم، وتكريم المغنين عند فئات من المسلمين تدل على انحراف في سلوك هذه الفئات، وهم بذلك يتجاوزون الضوابط الشرعية في التعامل مع فئة ضالة مضلة وفاسدة ومفسدة.
وأما المفاسد الاجتماعية والأخلاقية فسوف نوضحها ضمن ما يلي:
1- الغناء يورث النفاق، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: (إياكم واستماع المعازف والغناء، فإنهما ينبتان النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل).
2- الغناء يورث قسوة القلب، فعن النبي صلى الله عليه وآله: (ثلاث يقسين القلب، إستماع اللهو .. الغناء...).
3- الغناء مضيعة للوقت، فعن الإمام الرضاعليه السلام: (قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلا ثمن كلب...). من هذه النماذج من الأحاديث يتضح أن للغناء مفاسده الأخلاقية والاجتماعية لأنه يدعو إلى الفسق والفجور والابتذال والمهانة وقلة الاحترام عند الناس العقلاء، ويكفينا أن ننظر اليوم إلى حفلات الغناء التي تقام في بلداننا والتي يحضرها الآلاف من مختلف الأعمار وخصوصاً الشباب والشابات، وما يحدث في هذه الحفلات من الافتتان والخروج عن الحالة العقلانية التي قد تكون سبباً للكثير من المفاسد الاجتماعية ولا أقل من الاختلاط الذي هو المدخل لأبواب متنوعة من المفاسد الأخلاقية والسلوكية التي أبرزها إثارة مكامن الشهوة واللذة في النفوس والاستهتار بالقيم والمبادئ الإنسانية التي تسقط في مثل تلك الحفلات الماجنة، حتى ورد في بعض الروايات أن الانسجام مع هذا الجو المغري بالشهوة قد يؤدي إلى ارتكاب محرمات كبيرة كالزنا وما هو مشابه له في الحرمة والإفساد.
ونظراً لأن الغناء من الأمور التي تفسد عقول الشباب وتحرفهم إلى ما هو خلاف المقصود من خلقهم ووظيفتهم نرى أن العديد اليوم من القنوات التلفزيونية والفضائية قد ركزت على برامج من هذا الغناء تارة بعنوان اكتشاف المواهب والنجوم وطوراً تحت اسم الواقعية التي تكشف عن حياة المؤهلين ليكونوا مغنين ومغنيات على مدار الأربع والعشرين ساعة بالكامل فتتدخل في تفاصيل حياتهم الصغيرة وحتى المبتذلة منها وتنشرها على الملأ من دون مراعاة لحرمة الإنسان وقيمته الإنسانية والمعنوية الكبيرة التي أراد الله للإنسان أن يحتفظ بها ويصونها عن الانتهاك من الآخرين.
إن هذه البرامج والكثير من القنوات المخصصة لإشاعة هذا الجو المبتذل من الغناء لا يراد منه سوى الانحراف بالشباب المسلم والأجيال المسلمة الصاعدة عن الاهتمام بقضايا الأمة الكبيرة والخطيرة. ونحن نعتبر أن هذه الأجواء الفاسدة تنشرها العقول التي باعت نفسها للشيطان وقوى الاستكبار لإلهاء القوة الأساس في الأمة وهم "الشباب" عن تحمُّل مسؤولياتهم الشرعية والأخلاقية والإنسانية تجاه قضايا مصيرية تهم شعوبهم وأمتهم، وتريد أن تجعل منهم نماذج تقلد الشباب الغربي التائه والضائع في ظلمة لا يعرف طريقاً للخروج منها.
من هنا نصل إلى النتيجة التي نريدها، وهي أن على الواعين من أبناء الأمة من علماء ومثقفين ومصلحين اجتماعيين أن ينبهوا الى الآثار الخطيرة للسير في هذا الجو المنحرف الذي يراد لأجيالنا أن تغرق فيه بحيث لا تعود قادرة على الخروج منه والتخلص من آثاره الفاسدة، وعلى الذين ذكرناهم أن يسرعوا في العمل من أجل توضيح أبعاد السير في هذا الخط الذي يحقق أهداف الأعداء الذين يطرحون اليوم مشاريع تبعية الأمة لهم في كل جوانب الحياة، وفي هذا كل الخطر على الإسلام والأمة الإسلامية التي أعزها الله بهذا الدين العظيم، ليكون سفينة نجاتها من كل الفتن والمؤامرات ومخططات الأعداء.
والحمد لله رب العالمين6.