الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كربلاء بين الإعلام الثابت والمتغير

كربلاء وواقعتها مصداق جليّ لحقيقة قرآنية ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 1.

لست - هنا - بصدد متابعة جميع تجليات كربلاء، وإنّما أريد أن أشير لبعد من أبعاد تلك الحقيقة، وهو المدلول عليه بقوله تعالى: ﴿ ... أَصْلُهَا ثَابِتٌ ... 2 بما يمثله من عمق في امتداد الأرض قوة وثباتاً، بحيث لا يمكن لأية عاصفة أن تقتلعها، مهما كانت قوتها. وليس لعطائها وقت محدود، بل أودع الله فيها من عناصر النموّ الذاتية، والقدرة على الاستمرار في التفاعل مع كل العوامل الخارجية المحيطة بها.

ويمكن تحليل العناصر التي تُكوِّن المدوَّنة الحسينيّة «الملحمة العاشورائيّة»، كما تتجلّى في الممارسة الإحيائيّة عبر التاريخ، إلى ما يلي:

1 - التأسيسُ للنياحة على المصيبة وإظهار الحزن وعواطف الأسى على ما حدث.

2 - التدارسُ حول موقع الشهادة من الخروج الحسيني، وهل هي محصّلة مطلوبة سلفاً أم أنها إرادة من السماء برزت من غير وضوح الاعتبارات الموضوعيّة لها، أم أنها واقع غير مطلوب انتهت إليه النهضة بفعل اختلال الموازين في اللحظات الحرجة.

3 - البحثُ في مجريات السيرة الحسينيّة وحركة النهوض ومسارها ومحطاتها والخطابات التي قيلت في كلٍّ منها، والتحقيق فيما هو ثابت أو ضعيف أو موضوع منها.

4 - التفكير والتجريب في أشكال إحياء النهضة الحسينية، تبعاً لاختلاف الزمان والمكان، والتداول حول معيار كلّ شكل إحيائي ومرجعية قبوله أو رفضه.

هذه العناصر كانت، ولا زالت محوراً لمختلف النقاشات والتساؤلات والإشكالات التي تُطرح في هذا الصّدد.

ومن الملاحظ أنّ كلّ هذه الإثارات تبقى مفتوحة، ولا تنتهي مع أيّ توضيح، أو إجابة تُقدّم، والسبب في ذلك أنّ المتغيرات الطارئة على محيط الناس يجعل من الحدث العاشورائي طرياً على الدوام، ويستصحب معه شتى الملفات الصعبة والمحيّرة.. إنّ جوهر خلود النهضة الحسينية وتعبيراتها؛ هو هذه الحيوية غير النهائية في الاستيعاب للمصاديق، وهو أمر لا يتوجب الحد منه أو التشنيع فيه لمجرد الاختلاف معه اجتهاداً 3