مجموع الأصوات: 58
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 7220

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

نحو قراءة جديدة للحج

﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ 1.
من يقرأ كتاب الله المجيد يلاحظ أن مناسك الحج قد ذكرت في أكثر من مناسبة وفي أكثر من سورة ، رغم تفاوت الحديث في هذه السورة أو تلك ، فلماذا هذا التقسيم والتوزيع لبحث واحد عبر سور مختلفة ؟
لعل الحكمة في ذلك أن هذه المناسك ذات دلائل متنوعة وأبعاد متفاوتة ، تتفق كل دلالة منها وسياق السورة القرآنية التي يشار إليها فيها . فإذا تحدث القرآن عن قضية الوحدة ـ مثلاً ـ واعتصام الأمة بحبل الله ، ذكرت الكعبة كرمز أصيل لهذه الوحدة . وإذا ذكر القرآن الكريم في سورة البقرة ميزات الأمة الإسلامية وكيف أصبحت الأمة الإسلامية المؤمنة شاهدة على الأمم الأخرى ، ذكر الحج وذكرت مناسكه باعتبارها دعامة أساسية من دعائم الأمة الإسلامية الواحدة . وإذا ذكرت قصة النبي إبراهيم عليه السلام وكيف ضحى بنفسه وبأهله وبذريته في سبيل الله ، ذكر الله تبارك وتعالى عندئذٍ قصة هذا النبي العظيم ونقله لبعض ذريته إلى أرضٍ لا ماء فيها ولا كلأ عند بيت الله الحرام ليقيموا الصلاة . .
وهكذا انقسمت الآيات القرآنية عن الحج ، وتوزعت على السور المختلفة في كتاب ربنا العزيز الحميد . ولكن ؛ هناك سورة قرآنية كاملة سمّاها الله بسورة الحج ، فأي منسك من مناسك الحج قد ذكر في هذه السورة بالذات .
أقول : لعلنا إذا تأملنا في الإطار العام لهذه السورة المباركة وهي سورة الحج وأهدافها سنعلم أن المقصود الأول من الحج يتناسب والحكمة الأولى التي ذكرت في هذه السورة . فالقرآن الكريم في آخر حديثه عن الحج هنا يذكرنا بقضية المناسك ؛ المناسك الخاصة بمنى ؛ أي الرمي والذبح والتقصير أو الحلق . ولكن القرآن يركّز في جانب من هذه المناسك على فريضة الذبح والتضحية ، حيث يقول ربنا تعالى اسمه : ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ... 2. فهذا منسك ومحطة ووقت للعبادة والعطاء الذي ينبغي للحاج أن يقوم به ، وبعد ذلك يحدثنا ربنا عن البدن ثم التقوى باعتبارها الهدف الرئيسي من تشريع فريضة الحج ، ثم يحدثنا عن القتال في سبيل الله وأن الله يدافع عن المؤمنين وأن لله سنن ثابتة وقوانين أكيدة حاكمة على خلقه .
فما هي العلاقة بين الحديث عن اللحوم والتضحية بها في الحج وبين الدفاع عن قيم الأمة ومراكز العبادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والتمكن في الأرض ؟!
لابد أن تكون ثمة علاقة ، وسورة الحج نهايتها خلاصة لمجمل أفكارها ، حيث يقول سبحانه وتعالى هناك : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ 3.
فهذا الحديث هو حديث عن الأمة الحية ذات العمق الحضاري والشهادة على الناس ؛ أي الأمة ذات الأهداف التي لا يحدها الإقليم أو العنصر أو الدولة ، بل هي ذات هدف تكدح من أجله إلى الله .
وهذا الحديث لم نجد له تطبيقاً متكاملاً عبر التاريخ ، لأن الدول الإسلامية التي قامت هنا وهناك أشبه ما كانت بفرص تاريخية ، أو مجرد قراءات لكتاب ربنا ، وكانت محدودة بوقتها ، وعليه فإن الحديث القرآني المشار إليه بمثابة البشرى أو التبشير بما سيأتي في المستقبل ، حيث تقاوم دولة الحق في الدنيا قبل الآخرة . إن هذه أهداف أو محتويات أو سياق عام لسورة الحج المباركة ، ومن هنا ينبغي التيقن بأن للحج هدفاً سامياً لابد من تتبّعه والبحث عن تطبيقات له في حياتنا كأفرادٍ وكأمةٍ واحدة بإذن الله عز وجل .
لقد دُعي الحجيج إلى ضيافة الرحمن ومائدته المباركة الواسعة ، وإلى يوم عرفة ، حيث تنبسط عند موقفها العظيم رحمة الله اللامتناهية ، فتنال كل واحدٍ من الحجاج رحمةٌ ؛ بقدره ، أي بمستوى استيعابه وتطلعه وهمته وقابليته على الأخذ ؛ تماماً كماء المطر النازل من السماء يسيل في الوديان على قدرها ، أو كأشعة الشمس ونورها البازغ على الجميع فيستفيد من يستفيد على حجم قابليته واحتياجاته . . فعلى الحجاج أن يهيئوا أنفسهم وينموا فيها قدرة استيعاب الرحمة الإلهية ما وسعهم . . وقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : " إن هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها " 4 . أي أن كل قلب يستطيع الاستيعاب أكثر ، كان أكثر قرباً إلى خالقه تبارك اسمه . فالله يريد لعبده أن يأخذ منه الكثير الكثير ، لأنه ليس بالرب البخيل ، وليس تُنقص خزائنه كثرة العطاء ، والإنسان من ناحيته يلفه الجهل بأساليب استيعاب الكرم الإلهي ، فجعل له الله فرصة الحج كوسيلة من وسائل الاستيعاب . فإذا كان العبد قد قدم على وادي عرفات وهو لا يزال يجهل أو يتجاهل هذه الفرصة العظيمة ، فحقه أن يعود خائباً ، لأنه لم يطلب من ربه الغني الكريم سوى توافه المطالب ، ولم يدعه إلا بأضعف الإيمان والتصديق .
أقول : لا بأس أن يدعو المرء ربه بما بدا له من الدعاء ، ولكن الأحرى به أن يرفع من همته ويضاعف من إيمانه ، فيدعو بما يهمه ويهم أمته كترجمة لمستوى إيمانه بربه وتوكّله عليه ، فيتضاعف زاده من التقوى التي أمره سبحانه وتعالى باقتباسها من مناسك فريضة الحج وحكمته وما ورائياته . إن زاد التقوى هذا له أبعاد وصور متعددة :
منها : تغيير الذات تغييراً إيجابياً وحقيقياً .
ومنها : معرفة إن كل ذنب يرتكبه الإنسان يعود إلى حالة نفسية لابد من معالجتها . فالكذب مظهر لانحراف الشخصية والتوائها ، والتكبر وريث لعقدة الحقارة في النفس ، والحسد سببه قلّة الإيمان بالله عز وجل ، والحقد يعود إلى قصر نظر الإنسان وعجزه عن تجاوز ذاته . .
وكل هذه الصفات الرذيلة نتيجة لصفات سيئة تنطوي عليها النفس ، فإذا وقف الإنسان في عرفة عليه أن لا يقتصر بطلب محو الذنوب من ربه ، بل ليذهب أبعد من ذلك فيطلب إليه أن يوفقه إلى تطهير نفسه وتزكيته من عيوبها التي هي السبب الأكبر في ارتكابه للذنوب ، حتى تنمو في داخله ملكة التقوى ، فيزداد علماً ومعرفة بربه .
إن الذين لا يستفيدون من محتوى الحج ـ وهو محتوى صياغة وصناعة الشخصية الإنسانية على أساس التقوى ، وإيجاد أرضية قوية قادرة على حملهم ودعمهم في الدفاع عن قيمهم ومصالحهم ـ الذين لا يفهمون هذه القراءة للحج سوف يعودون إلى بلدانهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً . . لأنهم مكلفون بالتعرف إلى ثمرة الإحرام ولماذا هذه الهيئة بالذات ، وإلى ثمرة الطواف ولماذا أمر الله باتخاذ بيته محوراً ، وإلى ثمرة الوقوف بعرفة ولماذا يتحمل الحاج هذه المشقة ، وإلى غير ذلك من ثمرات الحج الأخرى .
إن سورة الحج التي حملت اسم هذه الفريضة الإلهية المقدسة تعني فيما تعني أن سياقها العام ومفاهيمها العامة تتناسب وأهداف الحج الذي تستطيع الأمة بسبب التقوى ومعرفة الله أن تحدث في داخل كيانها التحول الجذري المطلوب فتتقرب به إلى الله عز وجل ، فتكون أكثر قدرة على مقاومة التحديات وتجاوزها .
وبكلمة أخرى : إن توحيد الجهود مقابل التحديات العالمية والمؤامرات المحاكة ضد أجيالنا ، سواء ما كان منها ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً ؛ هذا التوحيد لابد له من أرض صلبة ينطلق منها ويواصل مسيرته عليها ، وهذه الأرض الصلبة ليست إلاّ التقوى التي نحصل عليها من خلال استيعاب مفاهيم الحج .

إضاءات في رحاب الحج

حينما يستضيف الله سبحانه وتعالى عبداً من عبيده ويوفقه لرحلة الحج الإيمانية الإلهية ، فإنه يكون قد قدّر له فواضل وآلاء ورحمات ونفحات . فإذا كان العبد هذا عاقلاً عارفاً ذكيّاً استفاد منها ، أما إذا فاته شيء من هذه الآلاء الرحمانية ، فلا له أن يعرف أن لذلك سبباً في نفسه ، كما لابد له أن يبحث عنه ليعالجه معالجة قطعياً .
ولكي يستجيب العبد المؤمن لنداء الرحمن استجابة تامة ، وينهل من المائدة الإلهية التي دعي إليها ، عليه أن يكشف السر الذي من أجله قد استضافه الله رب العالمين .
لقد جئنا لنحج ، والحج بحد ذاته لابد أن يكون له هدف وغاية ، فما هو الهدف ؟ وكيف نحققه ؟ وكيف نتأكد من أننا قد حققناه في أنفسنا ؟
إنها أسئلة ثلاثة ، ونحن في بداية هذه الرحلة الإيمانية لا نزال في مبدأ ومنطلق هذا الطريق ، لابد أن نبحث بجدٍ بالغ عن إجابة صحيحة لها .
قد يعتقد البعض أنه قد حقق الغاية من الحج ، ولكنه ـ في واقع الأمر ـ لم يحقق منه إلا النزر اليسير ، أو قد لم يحقق منه شيئاً أبداً . . فيعود إلى أهله مسروراً ، بينما في الوقت ذاته يعود صاحبه الذي كان يلازمه في المناسك بزاد عظيم .
إن الأمر برمته قد لا يختلف عن ذاك الذي يأكل الطعام ليرفع جوعه ويملأ معدته فقط ، أو يأكل الطعام ليستلذ به ، ولكن العاقل فقط من يتناول الطعام لينمّي قوته ؛ أي ليسعى نحو تحقيق الأهداف التي من أجلها يقبل على الطعام . . وكذلك أمر الحج الذي له هدف كبير جداً ، رغم أننا قد نحرز أداءه من الوجهة الشرعية ، ولكننا من الوجهة العرفانية لما نحقق مقصده بعد .
يقول تبارك اسمه : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ 5، أقول : لعل هذه الآية هي الآية المحورية في موضوع الحج ، لأنها في الوقت الذي تبين أحكام الحج وتروكه ومدته ، تحدد أيضاً الهدف الأسمى منه .
لقد جئنا إلى الحج لأننا نعرف أن أمامنا طريق طويل . . طويل و وعر . . فالمشاكل تعترضنا ، والفتن تحيط بنا ، والعقبات أمامنا ، ولسنا على يقين من أننا سنبقى متمسكين ، أم أن الفتن ، ولا سيما فتن آخر الزمان ستسلبنا إيماننا ـ والعياذ بالله ـ ، لا نعرف هل أننا سنتحدى الظروف الصعبة التي ستخوضها ، أم أننا سننهار في مقابلها .
ربما يبقى الإنسان سنين طويلة مع الحق ، ولكنه قد يخسر كل ما ضحى من أجله في لحظة حاسمة واحدة . وربما يحدث العكس تماماً ، حيث يعيش المرء مع الباطل سنين طويلة وعمراً مديداً ، ولكنه قد يربح الدنيا والآخرة في لحظة إشراق واحدة . وهذه هي السعادة الحقيقية التي خلق ابن آدم من أجل الإحساس بها .
وإنما جئنا إلى الحج لنضمن أكبر نسبة ممكنة من احتمالات السعادة ، وذلك عبر التزود بالتقوى ؛ التي هي زادنا الأوحد في الدنيا لمواجهة الفتن ، وزادنا عند الموت لمواجهة سكراته القطيعة ، كما هي زادنا الأوحد لعبور أهوال يوم القيامة والتخلص من عذاب جهنم ثم الدخول إلى جنان الخلد والحصول على رضوان الله الأبدي .
وعلى هذا الأساس ؛ ليكن في حسباننا أنّ كل عمل نقوم به ، وكل مبلغ نبذله ، وكل خطوة نخطوها لدى فريضة الحج ، سيسجل من ضمن حسناتنا إن نحن نوينا ذلك واعتبرناه من جملة القربات إلى الله سبحانه وتعالى .
إن التقوى التي جئنا نحج من أجل التزود بها ، هي عبارة عن الإرادة وتفعيل هذه الإرادة باتجاه الامتناع عن ارتكاب المحرمات ، كما هي السعي الحثيث نحو التلمس القلبي والعقلي لحقيقة الإيمان والعقدية لحلّ مشاكل الحياة وكبح النفس عن اتباع الشيطان . فكان الحجّ خير ساحة لتحقيق ذلك ، بعد استيعاب أسرار الفرائض المقررة له من قبل الشارع المقدس ، وعبر التجرد عن الاهتمامات الصغيرة والتافهة والتوجه نحو العبادة الحقّة واختزال معاني الأدعية المأثورة عن النبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام .
ولعل أول خطوة على طريق التزود بالتقوى أثناء الحج ، هي الالتزام بمستحبات الحج التي هي عبارة عن التمهيد المناسب للدخول في عالم أداء الفرائض ، والنظر إليها بالنظرة القدسية التي تستحقها .
ومن الممكن القول بأن الخطوة الثانية على هذا الطريق ، هي حضور مجالس العلماء والاستماع إلى أحاديثهم بإمعان وتوجه ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن لمواقع الحج تأثيرها الكبير على استيعاب المفاهيم بشكل مؤثر .
ثم علينا أن نسعى بكل جهدنا وقدرتنا إلى التوسل بالله سبحانه وتعالى ، لا سيما إذا وضعنا أمام أعيننا وقدمنا بين أيدينا ما اقترفناه من ذنوب وموبقات ، وما قد اسودت وجوهنا من ارتكابه ، وخير وسيلة نتقرب بها إلى الله تعالى ، النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ، الذين بلغوا الكمال والقرب منه سبحانه وتعالى .
وليعرف كل واحد منا أننا إذا لازمتنا حالة ما قبل الحج إلى منتهاه ، ليعرف أنه لم يحقق هدف الحج الذي فرضه الله سبحانه . وهذه علامة سؤال كبيرة تُرفع أمام ما أديناه في إطار قبول الحج أو عدم قبوله ، وفي إطار تزودنا بالتقوى أو عدم تزودنا ، . أما إذا حصلت لدينا حالة الانزجار من الذنوب التي كنا نقترفها قبل الحج ، فهي آية دخولنا في رحاب الإيمان والتقوى ، حيث نندم ونعاهد الله على هجر الذنوب .
نسأل الله أن يجعل عاقبتنا الحسنى ، وأن يتقبل منا ما عملناه ، وأن يحفظ أعمالنا عنده ، وهو الذي تضع عنده الودائع ، إنه ولي التوفيق 6 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية: