نشر قبل 6 سنوات
تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 42
القراءات: 6573

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

في قول سيدنا محمد: سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر

نص الشبهة: 

فإن قيل: فما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: "سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته" وهذا خبر مشهور لا يمكن تضعيفه ونسبته إلى الشذوذ؟

الجواب: 

قلنا: أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه، فإن راويه قيس بن أبي حازم، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره على رواية الاخبار. وهذا قدح لا شبهة فيه لان كل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون مردودا، لأنه لا يؤمن أن يكون مما سمع منه في حال الاختلال. وهذه طريقة في قبول الاخبار وردها ينبغي أن يكون أصلا ومعتبرا فيمن علم منه الخروج ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.
على أن قيسا لو سلم من هذا القدح كان مطعونا فيه من وجه آخر، وهو أن قيس بن أبي حازم كان مشهورا بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والانحراف عنه، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب (ع) على منبر الكوفة يقول: انفروا إلى بقية الأحزاب، فأبغضته حتى اليوم في قلبي. إلى غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شك في عدالته. على ان للخبر وجها صحيحا يجوز أن يكون محمولا عليه إذا صح، لان الرؤية قد تكون بمعنى العلم، وهذا ظاهر في اللغة ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ 1، وقوله: ﴿ ... أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ 2. وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ ... 3.
وقال الشاعر: رأيت الله إذ سمى نزارا *** وأسكنهم بمكة قاطنينا
فيجوز أن يكون معنى الخبر على هذا "انكم تعلمون ربكم علما ضروريا كما تعلمون القمر ليلة البدر من غير مشقة ولا كد" نظر.
وليس لأحد أن يقول ان الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تعدت إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على احدهما على مذهب أهل اللسان، والرؤية بالبصر تتعدى إلى مفعول واحد، فيجب أن يحمل الخبر مع فقد المفعول الثاني على الرؤية بالبصر، وذلك أن العلم عند أهل اللغة على ضربين: علم يقين ومعرفة. والضرب الآخر يكون بمعنى الظن والحسبان. والذي هو بمعنى البصر لا يتعدى إلى اكثر من مفعول واحد. ولهذا يقولون علمت زيدا بمعنى عرفته وتيقنته، ولا يأتون بمفعول ثان وإذا كان بمعنى الظن احتاج إلى المفعول الثاني، وقد قيل ليس يمتنع ان يكون المفعول الثاني في الخبر محذوفا يدل الكلام عليه، وإن لم يكن مصرحا به.
فان قيل: يجب على تأويلكم هذا ان يساوى أهل النار اهل الجنة في هذا الحكم الذي هو المعرقة الضرورية بالله تعالى، لان معارف جميع أهل الآخرة عندكم لا تكون الا اضطرارا. فإذا ثبت ان الخبر بشارة للمؤمنين دون الكافرين بطل تأويلكم.
قلنا: البشارة في هذا الخبر تخص المؤمنين على الحقيقة، لان الخبر بزوال اليسير من الاذى لمن نعيمه خالص صاف يعد بشارة. ومثل ذلك لا يعد بشارة لمن هو في غاية المكروه ونهاية الالم والعذاب وأيضا فإن علم أهل الجنة بالله ضرورة يزيد في نعيمهم وسرورهم لانهم يعلمون بذلك انه تعالى يقصد بما يفعله لهم من النعيم التعظيم والتبجيل، وأنه يديم ذلك ولا يقطعه. وأهل النار إذا علموه تعالى ضرورة علموا قصده إلى اهانتهم والاستخفاف بهم وادامة مكروهم وعذابهم.
فاختلف العلمان في باب البشارة وان اتفقا في انهما ضروريان 4.