الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كيف يمكن التقريب عمليا بين المسلمين بمختلف مذاهبهم ؟

نص الشبهة: 

كيف يمكن التقريب عملياً بين المسلمين بمختلف مذاهبهم ؟

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين . وبعد . .
إن التقريب العملي ، متوقف على الناحية النظرية ، فلا يمكن أن تكون هناك ممارسة عملية صادقة ومخلصة ، ومضمونة النتائج ، إذا لم تكن هناك قناعات بمقتضياتها وبمناشئها ، ومرتكزاتها . .
وإذا كان التقريب ينطلق من مرتكز إيماني فإنه سيكون أشد رسوخاً ، وأعظم تأثيراً وحيوية وثباتاً ، أمام العواصف العاتية التي تواجهه في مجال العمل . .
تلك العواصف التي يثيرها في مختلف الاتجاهات دعاة الفتنة ، والتشكيكيون ، والذين لا يفكرون إلا بالوصول إلى مطامعهم ، ونيل مآربهم .
وأولى هذه القناعات التي أراد الله تعالى ترسيخها في وجدان الإنسان المسلم ، تنطلق من حقيقة : أن الله يريد للإسلام أن يحكم العالم بأسره ، ويهيمن على مسيرته بهديه ، وتعاليمه المعمقة للإيمان ، والمثمرة للعمل الصالح .
فالأمة بنظر الإسلام واحدة ، لها هدف واحد ، ومصير واحد .
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 1 ، وفي آية أخرى : ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ 2 .
ولهذه الوحدة أساس فكري ينظر إلى البشرية كلها على أنها أسرة واحدة ، لها مدبر ومرب واحد ، هو الرسول صلى الله عليه وآله فهو الهادي ، والمربي ، والمزكي ، والمرشد ، والمدبر ، والمعصوم ، وأما العلاقة والرابطة فيما بين أفراد هذه الأسرة أنفسهم ، فهي علقة ورابطة الأخوة ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... ﴾ 3 .
ثم بين جل وعلا أن هذه الأخوة واعية ومسؤولة في مجال العمل فقال : ﴿ ... فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... ﴾ 3 .
وأما مرتكزات هذه الأخوة ، فهي أمران : أولهما : الحق . الثاني : المواساة .
فالحق هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات ، وتعتمد عليه المعاملات ، وتبنى عليه المواقف ، وهو الفيصل والمرجع ، حين تختلف المصالح والأهواء ، وهو الضمانة التي تضفي على العلاقة جو الثقة والطمأنينة ، وتحيطها بجو من الدفء ، والرضا ، والتفاهم ، بل والمحبة والعطف الأخويين . فليس للمصالح الشخصية والقبلية ، والفئوية والحزبية, و . . ولا للميول والأهواء الشخصية ، ولا للانفعالات العاطفية ، ولا للاندفاعات الغريزية ، وغيرها أي دور في ذلك .
وإذا جاء هذا الحق عن طريق الإحساس بالمسؤولية الشرعية ، والدافع الإيماني والإنساني ، وعن طريق الأخوة ، والمحبة والحنان ، فإن ذلك سيكون أضمن لبقائه ، فإن الإنسان بطبيعته يخضع للحق عن هذا الطريق .
أما إذا جاء الحق عن طريق القهر والجبرية والغلبة ، وبقوة السيف أو العصا ، فإن علينا أن نودع الحق بمجرد غياب هاتيك القوة ، وفقدان تلك العصا ، وذلك السيف .
وبهذا الحق الرضي ، والحنون ، يتفاهم الأخوة لمعرفة الصواب من الخطأ ، ولمعرفة الدخيل من الأصيل ، والحقيقة من الخرافة . . وتتوحد الفكرة ، والنظرة ، وتتحدد المسؤولية ، ويكون الموقف ، وهذا هو حقيقة التقريب ، ومداه ، وهذه هي آفاقه ، وهذا هو محتواه .
وأما المواساة : وهي مرتبة أعلى من العدل لأنها تعني التخلي عن الكثير مما احتفظ به الإنسان لنفسه عن طريق العدل لصالح الآخرين .
نعم ، إن هذه المواساة تهيء للأمة المؤمنة القدرة على مواجهة الظروف الطارئة ، والأزمات الخانقة ، وتلافي سلبياتها إلى حد كبير ، ثم هي تعطي القدرة على مواجهة الضغوط التي يفرضها عليها أعداؤها ، مهما كانت قوية وقاسية . .
وهذان الركنان : الحق والمواساة ، هما اللذان أقام رسول الله صلى الله عليه وآله ، عليهما بناء الأخوة الإسلامية حينما آخى بين المسلمين . .
ولأجل ذلك نقول : إنه إذا كان لابد من تقريب عملي وحقيقي بين المسلمين ، فلابد من وضع آلية قادرة على تجسيد هذا التصور الفكري ، المرتكز إلى الحقيقة الإيمانية . غير أنه بانتظار حصول ذلك فإن من الضروري أن يكون هناك تعامل وحدوي ، بمعنى إيجاد درجة من التعاون والتعاضد ضد العدو المشترك ، ومن أجل صيانة الكيان العام وتقويته ، وتهيئة الأجواء له ، ليصبح جاهزاً للقيام بالخطوات التالية ، على طريق إنجاز مهمة التقريب بصورة واقعية ، وعملية ، قوية وصحيحة . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 4 . .