الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرأي الفقهي في الصلح مع اسرائيل

الرأي الفقهي في الصلح مع إسرائيل

تأتي قضية السلام بين العرب و ( إسرائيل ) في طليعة السياسة الراهنة ، و بخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة في شخصية الرئيس كلنتون قد ألقت بكل ثقلها السياسي في البين لفرض السلام على العرب و المسلمين فرضاً من دون أن يترك لهم الخيار في اختيار ما يرونه مصلحة للمبدأ و الأمة و الوطن في ضوء التعليم الشرعي الإسلامي ، و الموقف الأمريكي من الجمهورية الإسلامية في إيران لأنها ترفض السلام لعدم مشروعيته ـ هنا ـ إسلامياً أقوى شاهد لاستلاب الخيار المشار إليه من العرب و المسلمين .
و بغية أن نتعرف الرأي الفقهي الإسلامي في موضوع السلام و التطبيع بين المسلمين و اليهود في ( دويلة إسرائيل ) المزعومة علينا أن نمهد لذلك ببيان نوعية ملكية أرض فلسطين وفقاً لأحكام التشريع الإسلامي ، ذلك أن الحكم سلباً أو إيجابًا يتوقف على معرفة طبيعة علاقة المسلمين بأرض فلسطين لأنها موضوع الحكم الشرعي الذي نحاول التماسه في الرأي الفقهي للقضية ، لأننا متى فهمنا حقيقة الموضوع اتضح أمامنا واقع الحكم .
فمما لا خلاف فيه ـ تأريخياً ـ أن فلسطين كانت قبل الفتح الإسلامي تحت حكم الروم .
و مما لا خلاف فيه أن فتح المسلمين لها كان عنوة ـ كما يعبر عنه فقهياً ـ ، أي أنه كان فتحاً عسكرياً .
و في الفقه الإسلامي تُعرّف الأرض المفتوحة عنوة بتلك الأرض المفتوحة من قبل الجيش الإسلامي بعد حرب عسكرية بينه و بين أصحابها .
و من الثابت تاريخياً أن فلسطين ـ كما أشرت ـ فتحت عن طريق دخول الجيش الإسلامي إليها بقيادة عمرو بن العاص و في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) و بعد حرب عسكرية بين الجيش الإسلامي و الجيش البيزنطي .
و يبحث في حكم هذه الأرض فقهياً في موضوع ( ملكية الأرض ) و موضوع ( الخراج ) ، و ربما في غيرهما .
و في هذين الموضوعين يقسم الفقهاء المسلمون الأرض باعتبار فرض ضريبة الخراج عليها و طبيعة ملكية أهلها لها إلى قسمين :
* الأرض المفتوحة صلحاً .
* الأرض المفتوحة عنوة .
و لأننا هنا نريد أن نعرف نوعية ملكية الأرض شرعا أُشيرُ لهذا ثم أذكر ما يوثقه من المصادر الفقهية الموثقة .
ففي أرض الصلح يقر الإسلام أصحابها على ملكيتها ، و يقر لهم التصرف فيها تصرف المالك في ملكه فلهم بيعها و إجارتها و هبتها و ما إلى ذلك من تصرفات مشروعة .

رأي المذهب السني

و يتلخص في أن للإمام الخيار بين أن يقسمها بين الغانمين أو يوقفها على المسلمين عامة .
و إذا لم يقسمها الإمام بين الغانمين تعين الحكم الثاني و هو وقفيتها للمسلمين .
و هو الرأي المعروف ، و سأشير في ما بعد إلى الخلاف في المسألة .

رأي المذهب الشيعي الإمامي

و هو و من غير خلاف بين فقهاء المذهب ـ لا يجوز تقسيمها بين الغانمين و يجب أن توقف لصالح المسلمين .
يقول الشيخ المنتظري في كتابه ( دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية : 3/182 ط 1 سنة 1412 هـ ـ 1991م ) : " الأراضي المفتوحة عنوة و قهراً التي هي قسم من غنائم الحرب ، لا إشكال عندنا في عدم تقسيمها بين المقاتلين ، بل يجب أن تبقى وقفاً على مصالح المسلمين ، و قد تطابقت على ذلك فتاوى أصحابنا و رواياتهم " .
و الفقه الإمامي يستند في هذا الرأي إلى الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت : و منها :
1 . ما رواه الكليني عن أبيه عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الكاظم ( عليه السلام ) : " وَ الْأَرَضُونَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً بِخَيْلٍ وَ رِجَالٍ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ مَتْرُوكَةٌ فِي يَدِ مَنْ يَعْمُرُهَا وَ يُحْيِيهَا وَ يَقُومُ عَلَيْهَا عَلَى مَا يُصَالِحُهُمُ الْوَالِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنَ الْحَقِّ : النِّصْفِ أَوِ الثُّلُثِ أَوِ الثُّلُثَيْنِ ، وَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكُونُ لَهُمْ صَلَاحاً وَ لَا يَضُرُّهُمْ " 1 .
2 . ما رواه الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن محمد الحلبي قال : سئل أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) عن السواد ما منزلته ؟
قال : " هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، و لمن لم يخلق بعد " .
3 . ما رواه الطوسي ـ أيضًا ـ عن الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : " لا يشتري من أرض السواد شيئاً إلاَّ من كانت له ذمة ، فإنما هو فيء للمسلمين " .
4 . ما رواه الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن علي بن الحارث بكار بن أبى بكر عن محمد بن شريح قال : سألت أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه ، و قال : " إنّما أرض الخراج للمسلمين " .
فقالوا له : فإنه يشتريه الرجل و عليه خراجها .
فقال : " لا بأس ، إلا أن يستحيي من عيب ذلك " .
و كما وعدت أنتقلُ إلى استعراض الخلاف الفقهي السني في المسألة ، و سأقتصر على مصدرين هما : ( الموسوعة الفقهية ) الكويتية ، و كتاب ( المغني ) لابن قدامة المقدسي ، لأن فيهما عرضاً وافياً للمسألة :
ذكر في الموسوعة الآراء التالية :
1 . رأي الإمام مالك ، و هو أيضاً رواية عن أحمد بن حنبل : " لا تقسم الأرض ، و تكون وقفاً على المسلمين ، يصرف خراجها في مصالحهم من أرزاق المقاتلة و بناء القناطر و المساجد و غير ذلك من سبل الخير .
و هذا إذا لم يرَ الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فله أن يقسمها على المقاتلين .
و الدليل عليه اتفاق الصحابة على ذلك ، حينما امتنع عمر عن تقسيم أرض السواد عندما طلب منه ذلك بلال و سلمان " .
2 . رأي الإمام أبي حنيفة و الثوري ، و هو رواية ثانية عن الإمام أحمد بن جنبل ، و هو : " الإمام مخير بين أن يقسمها على المسلمين المقاتلين أو يضرب على أهلها الخراج و يقرها بأيديهم " .
و ذلك لأن كلا الأمرين قد ثبت عن رسول الله ( ص ) فقد ظهر على مكة عنوة و فيها أموال فلم يقسمها ، و ظهر على قريضة و النضير و غيرهما فلم يقسم شيئاً منها ، و قسم نصف خيبر على المسلمين و وقف النصف لنوائبه و حاجاته ، كما في حديث سهل بن أبي حثمة قال : " قسم رسول الله ( ص ) خيبر نصفين : نصفاً لنوائبه و حوائجه ، و نصفاً بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً ، رواه أبو داود و سكت عنه " .
3 . رأي الإمام الشافعي و هو رواية عن الإمام أحمد أيضاً : " أن الأرض تقسم بين المقاتلين كما يقسم المنقول إلا أن يتركوا حقهم منها بعوض كما فعل عمر مع جرير البجلي إذ إنه عوضه سهمه في أرض السواد أو بغير عوض ، و ذلك لقوله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ... 2 فإنها عامة في المنقول و الأرض " .
أما إذا لم تقسم الأرض و تركت بأيدي أهلها ينتفع المسلمون بخراجها فهناك رأيان في التصرف فيها تذكرهما الموسوعة و هما :
1 . رأي جمهور الصحابة و الفقهاء : " إنها أرض موقوفة ، لا يجوز بيعها و لا شراؤها و لا هبتها و لا تورث عمن وضع يده عليها من الكفار " .
و ذلك لما روى الأوزاعي : أن عمر و الصحابة ( رض ) لما ظهروا على الشام أقروا أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم ، يعمرونها و يؤدون خراجها للمسلمين ، و كانوا يرون أنه لا يصح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأراضي طوعاً أو كرهاً " .
2 . رأي الإمام أبي حنيفة و صاحبيه أبي يوسف و الشيباني " إنها ملك لهم ، لهم التصرف فيها بالبيع و الشراء و الهبة ، و يتوارثها عنهم أقاربهم ، و ذلك لما روى عبد الرحمن بن زيد أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضاً على أن يكفيه خراجها " .
و في ( معجم المغني في الفقه الحنبلي ) ط1 سنة 1405 هـ ـ 1985 م ج 11 ص 297 ـ : " حكم ما فتح عنوة : ما فتحه المسلمون عنوة ففيه ثلاث روايات :
* إحداهن : أن الإمام مخير بين قسمتها على الغانمين ، و بين وقفها على جميع المسلمين .
* الثانية : أنها تصير وقفاً بنفس الاستيلاء عليها ، و على ذلك اتفاق الصحابة .
* الثالثة : أن الواجب قسمتها " .
" و معنى وقفها : أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها و يصرف في مصالحهم و لا يختص أحد بملك شئ منها " .
هذا على مستوى النظرية ، أعني أننا نستفيد من هذا الاختلاف في الرأي الفقهي لو قامت الجيوش الإسلامية بفتح شيء من البلدان غير الإسلامية ، فلولي الأمر العمل في ضوء هذه النظريات في المسألة تقليداً أو اجتهاداً .
أما على مستوى التطبيق ـ حالياً ـ بالنسبة إلى أرض فلسطين حيث هي قضية تاريخية حدث فتحها و حسم الأمر فيها في حينه ، ينظر ما الذي طبقه الإمام في حقها و يسار عليه .
و من هنا لا بدّ من معرفة موقف الخليفة عمر بن الخطاب منها بعد فتحها : هل قسمها على الغانمين أو أنه أبقاها وقفاً على المسلمين ؟
و بالنسبة إلى كل واحدة من الحالتين ما هو موقفنا نحن المسلمين ـ الآن ـ من ناحية شرعية ؟
جاء في ( المغني 2/307 ) ما نصه : " و لم نعلم أن شيئاً مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر ، فإن رسول الله ( ص ) قسم نصفها فصار ذلك لأهله ، لا خراج عليه .
و سائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب ( رض ) و من بعده ، كأرض الشام و العراق و مصر و غيرها لم يقسم منه شيء .
فروى أبو عبيد في ( الأموال ) : أن عمر ( رض ) قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين فقال له معاذ : و الله إذاً ليكونن ما تكره ، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد و المرأة ثم يأتي بعدهم قوم آخرون يسدون من الإسلام مسداً و هم لا يجدون شيئاً فانظر أمراً يسع أولهم و آخرهم ، فصار عمر إلى قول معاذ " .
و للمزيد و التأكيد تراجع الصفحات 54 ، 55 ، 56 من الجزء 19 من الموسوعة الفقهية الكويتية .
و هذا يعني ـ و بوضوح ـ أن كلمة الفقهاء المسلمين متفقة على أن أرض فلسطين وقف للمسلمين عامة ، من كان موجوداً منهم عند الفتح الإسلامي لها ، و من سيوجد حتّى تقوم الساعة .
و أن الرأي الفقهي في المسألة واحدٌ لا خلاف فيه . و عليه :

ما هو الموقف الشرعي للمسلمين منها بعد أن اغتصبها اليهود؟

هذا ما سنحاول أن نتبينه في ما بعد .
و قبل الإجابة عن السؤال لا بدّ من إلقاء الضوء الكاشف على طبيعة و هوية الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين لما له من مدخلية مباشرة في تحديد الجواب .
و لن أثقل البحث ـ أو المقال بالأحرى ـ بالإكثار من ذكر المصادر التي تعرضت لبيان طبيعة و هوية الاحتلال الإسرائيلي ، أذكر النتائج المهمة التي توصل إليها الأستاذ رفيق شاكر النتشة في دراسته الموضوعية الموثقة ، و التي أسماها :
( الاستعمار و فلسطين ـ إسرائيل مشروع استعماري ) .
قال في ( التمهيد ) ـ ص 11 من ط 2 ـ : " لقد أردت أن أؤكد في هذا البحث بالأدلة التي تمكنت من الحصول عليها أن هذا المشروع هو مشروع استعماري في الأساس ، و أن أفكاره و تنظيمه و تخطيطه لم يكن في البداية يهودياً إذ سبق الصهاينة غير اليهود ، الصهاينة اليهود في طرحه و العمل له و وضعه موضع التنفيذ ، و لم يأت الصهاينة اليهود إلا متأخرين بدورهم كعملاء و أجراء للدول الاستعمارية صاحبة هذا المشروع " .
و الدول الاستعمارية صاحبة المشروع التي يشير إليها ـ كما يوضح هذا مفصلاً في عدة فصول من الكتاب ـ هي : فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و بريطانيا و أمريكا .
" و عندما نجحت الدول الاستعمارية نتيجة للجهود المتواصلة التي قامت بها بريطانيا و أمريكا بإقامة ( دولة إسرائيل ) كثمرة للمشروع الصهيوني كان من الطبيعي أن تكون هذه الدولة قاعدة عسكرية للاستعمار الغربي و رأس جسر لعبورها إلى العالمين العربي و الإسلامي؛ لان هذه الدولة لم تكن إلا مشروعاً تجارياً استعمارياً من مشاريع الاستعمار في هذا العام " ـ ص14 .
و اختيار فلسطين بالذات لتكون على أرضها هذه الدولة المشروع الاستعماري يرجع إلى أهمية موقع فلسطين من ناحية استراتيجية و اقتصادية؛ لأنها " تتوسط القارات آسيا و أوروبا و أفريقيا ، و هي تتصل عبر البحر الأبيض المتوسط بأوربا ، كما تتصل بالطرق البرية إلى الشرق الأقصى و عبر خليج العقبة تتصل بأفريقيا " ـ ص 18 .
" و أهمية الشرق الأوسط للعالم الحر بالغة إلى حد لا يحتمل المغالاة من الناحيتين العسكرية و الاقتصادية " ـ ص 19 .
و كان الجنرال أيزنهاور قد كشف عن وعيه لمركز المنطقة الفريد عندما صرح قائلاً : " و إذا نظرنا إلى مجرد القيمة الإقليمية لم نجد منطقة في العالم تفوق الشرق الأوسط من حيث الأهمية الاستراتيجية " ـ ص 19 .
" و يقول الفريد ليلنتال الكاتب الأمريكي اليهودي : ففي عام 1838 كان 25% فقط من حاجات أوربا الغربية إلى البترول للأغراض العسكرية و الصناعية يستورد من الشرق الأوسط .
أما اليوم فإن حقول الزيت العربية تزود أوربا الغربية بأكثر من 90 % من هذه الحاجات ، و إذا ما وصدت أبواب البلاد العربية في وجه الغرب تصبح منطقة الدفاع عن العالم الغربي المعروفة باسم ناتو أو حلف الأطلسي الشمالي عاجزة إلى حد يدعو للرثاء " ـ ص20 .
" و لذلك سعت الدول الاستعمارية إلى اتباع سياسة التفرقة في المنطقة و ذلك باستغلال القوميات و الطوائف و العصبيات من أجل كسر وحدة العالم العربي لتتمكن من السيطرة عليه و على العالم الإسلامي بعد ذلك " ـ ص 21 .
و في ضوء هذا و باختصار تكون الإجابة :
يجب على المسلمين العمل من أجل استرجاع أرض فلسطين بكاملها كما لا يجوز التعامل مع هذه الدولة التي تمثل القاعدة الاستعمارية للدول الغربية .
و موقف إيران من رفض السلام نابع من هذه الشرعية ، ذلك أن ( إسرائيل ) مغتصبة لأرض إسلامية هي للمسلمين عامة و بإجماع فقهاء المسلمين كافة .
و هنا لا بد من الكشف عن مفارقة مهمة وقع فيها غير واحد ممن برَّر قضية السلام مع ( إسرائيل ) شرعياً ، و هي الاستدلال بآية السلام ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 3 .
ذلك أن الاستدلال بهذه الآية لا يأتي في موضوعنا هذا ـ و هو قضية فلسطين ـ ، لأمرين هما :
1 . أن موضوع قضيتنا يختلف عن مصاديق هذه الآية الكريمة؛ ذلك أن قضية فلسطين أرض إسلامية استلبت ، فالحكم الشرعي يفرض استردادها و إعادتها إلى أصحابها الشرعيين و هم المسلمون .
و ما تصدق عليه الآية الكريمة هو الكفار المحاربون الذين هم في ديارهم و أوطانهم لا في دار للمسلمين اغتصبوها من المسلمين ، و سياق الآية في القرآن الكريم واضح كقرينة على ذلك .
2 . أن الحكم في آية السلم مرحلي انتهى بنزول سورة براءة .
و قد أوضح هذا المرحوم سيد قطب في تفسير ( في ظلال القرآن ـ دار الشروق ط 9 سنة 1400 هـ ـ 1980 م مج 3 ج 10 ص 1546 ) قال : " و على أية حال فالذي ننتهي إليه ، أن قول الله تعالى : ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 3 ، لا يتضمن حكماً مطلقاً نهائياً في الباب ، و أن الأحكام النهائية نزلت في ما بعد في سورة براءة .
إنّما أمر الله رسوله أن يقبل مسالمة و موادعة ذلك الفريق الذي اعتزله فلم يقاتله ، سواء كانوا قد تعاهدوا أو لم يتعاهدوا معه حتّى ذلك الحين .
و أنه ظل يقبل السلم من الكفار و أهل الكتاب حتّى نزلت أحكام سورة براءة ، فلم يعد يقبل إلاّ الإسلام أو الجزية ـ و هذه هي حالة المسالمة التي تقبل ما استقام أصحابها على عهدهم ـ أو هو القتال ما استطاع المسلمون هذا ، ليكون الدين كله لله " .
ثم يقول :
" و لقد استطردت بعض الشيء في هذا البيان ، و ذلك لجلاء الشبهة الناشئة من الهزيمة الروحية و العقلية التي يعانيها الكثيرون ممن يكتبون عن ( الجهاد في الإسلام ) فيثقل ضغط الواقع الحاضر على أرواحهم و عقولهم ، و يستكثرون على دينهم ـ الذي لا يدركون حقيقته ـ أن يكون منهجه الثابت هو مواجهة البشرية كلها بواحدة من ثلاث : الإسلام ، أو الجزية ، أو القتال ، و هم يرون القوى الجاهلية كلها تحارب الإسلام و تناهضه ، و أهله ـ الذين ينتسبون إليه و هم لا يدركون حقيقته و لا يشعرون بها شعوراً جدياً ـ ضعاف أمام جحافل أتباع الديانات و المذاهب الأخرى ، كما يرون طلائع العصبة المسلمة الحقة قلة ، بل ندرة ، و لا حول لهم في الأرض و لا قوة ، و عندئذ يعمد أولئك الكتّاب إلى ليّ أعناق النصوص ليؤولوها تأويلاً يتمشى مع ضغط الواقع و ثقله ، و يستكثرون على دينهم أن يكون هذا منهجه و خطته .
إنهم يعمدون إلى النصوص المرحلية ، فيجعلون منها نصوصاً نهائية ، و إلى النصوص المقيدة بحالات خاصة فيجعلون منها نصوصاً مطلقة الدلالة ، حتّى إذا وصلوا إلى النصوص النهائية المطلقة أوّلوها وفق النصوص المقيدة المرحلية ، و ذلك كله كي يصلوا إلى أن الجهاد في الإسلام هو مجرد عملية دفاع عن أشخاص المسلمين ، و عن دار الإسلام عندما تهاجم ، و أن الإسلام يتهالك على أي عرض للمسألة ، و المسألة معناها مجرد الكف عن مهاجمة دار الإسلام ، إن الإسلام ـ في حسهم ـ يتقوقع ، أو يجب أن يتقوقع داخل حدوده ـ في كل وقت ـ و ليس له الحق أن يطالب الآخرين باعتناقه ، و لا بالخضوع لمنهج الله ، اللهم إلا بكلمة أو نشرة أو بيان ، أما القوة المادية ـ الممثلة في سلطان الجاهلية على الناس ـ فليس للإسلام أن يهاجمها إلا أن تهاجمه فيتحرك حينئذ للدفاع " .
إنهم وعاظ السلاطين ، و من غير شك سيتعرون ثم ينهزمون أمام وعي الشعوب المسلمة المتنامي .
﴿ ... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 4

تعليقتان

صورة جلال

اسرائيل

لماذا يجب على الشيعة العمل من أجل استرجاع أرض فلسطين بكاملها اليست هي ارضا سنية ولماذا نموت نحن من اجل الاخرين ؟
لماذا لم يفت كبار المجتهدين في العراق بهذا الامر واقتصر الامر على بعض فقهاء ايران وهذا يعني انه ليس كل الفقهاء يؤيدون فكرة ان اسرائيل هي عدوة المسلمين

صورة نعيم محمدي أمجد (amjad)

في أسباب نصرة فلسطين

سلام عليكم ورحمة الله

1-أراد منا الإسلام الدفاع عن المظلوم وإن كان لا يدين بدين الإسلام، ناهيك بأخيك السني المسلم.
2-إن لم تستأصل إسرائيل كجرثومة سرطانية، فسيعم شرها المنطقة بأسرها. فهي قد دخلت لبنان أيضا وأرادت احتلاله، لكن دحرها شباب المقاومة، وتحلم بالحكم من النيل إلى الفرات، وتخطط لاغتيال القادة والعلماء وزرع الفتنة بين الشيعة والسنة والسيطرة على عقول السياسيين ونهب خيرات الأمة، وتنفذ ذلك.
3-موقف المراجع العظام في العراق وغيره واضح في التصدي لهيمنة إسرائيل بشتى الطرق. وقد صدرت بيانات في مناسبات عدة وفتاوى في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، رد مكتب آيت اللّه العظمى السيد السيستاني على استفتاء بخصوص الشراء من المحلات التي تخصص بعضا من أرباحها لدعم إسرائيل بما نصه: «لاترخيص في التعامل بالمنتوجات الإسرائيلية، ومنتوجات الشركات التي يثبت بصورة مؤكدة أنها تدعم إسرائيل دعماً مؤثراً». فلا يمكن اتهام المراجع بخذلان فلسطين. نعم، قد يكون صوت المراجع في إيران أعلى باعتبارها دولة مستقلة وقوية، والولي الفقية فيها هو أكبر داعم للقضية الفلسطينية.

 

وللمزيد يمكنك قراءة:

ما هو الحكم الشرعي لمسيرة يوم القدس؟

 

على أمل الوحدة ضد أعداء الإسلام