إنه يجب علينا كمسلمين أن نقف دائماً و خاصة في هذا الشهر الفضيل جنباً إلى جنب مع إخواننا و أخواتنا و أطفالنا و الجرحى و عوائل الشهداء و جميع سكان غزة الذين يعانون من الفقر و الجوع و المرض و يتحملون أنواع الشدائد و شتى أشكال الحرمان ، فعلينا أن نبذل قصارى جهدنا لنصرتهم بكل ما نملك من القوة ، و أن ندعمهم و ندعم قضيتهم بكل الوسائل و السبل الممكنة و المتاحة سياسياً و إقتصادياً و طبياً و إعلامياً .
لو رصّ المسلمون صفوفهم، لما بلغ الحال بفلسطين ما بلغه اليوم، حيث تشهد فلسطين في الظرف الراهن أوضاعاً مريرة؛ غزة بطريقة، والضفة الغربية بطريقة أخرى. والشعب الفلسطيني يتحمّل اليوم ضغوطاً يومية قاسية.
في ما يرتبط بقضيّة غزّة الدوليّة والإسلاميّة، فقد مرّ شهران ونصف على بدء حادثة غزّة. هذه الحادثة ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث للعالم الإسلامي، ونحن لا نجد في التاريخ الحديث – ربّما في هذا القرن الأخير – شبيهاً لهذه الحادثة. إنّها استثنائيّة ومنقطعة النّظير. كيف تكون منقطعة النّظير؟ هذه الحادثة منقطعة النظير من ناحيتين.
على الأمة الإسلامية أن تعرف ماهية القضية، وأن تشخّص الميدان. ليس الميدان ميدان غزّة و«إسرائيل»، إنّه ميدان الحقّ والباطل. الميدان ميدانُ الاستكبار والإيمان: في جانبٍ قوّة الإيمان وفي الطرف الآخر قوّة الاستكبار. طبعاً تبرز قوّة الاستكبار بالضغوط العسكريّة والقصف وارتكاب الجرائم والفجائع، [لكن] قوّة الإيمان ستتفوّق على هذه كلّها، بتوفيق من الله.
ان الجيمع يعلم بالوضع المؤسف الذى تعانى منه البلاد الاسلامية، فالاُمةُ الاسلاميةُ الكبرى و الواحدة تمزّقت، و تحولّت الى بلادٍ و دويلاتٍ صغيرةٍ و ضعيفةٍ. و فى كل بلد من هذه البلاد طواغيت من الذين باعوا أنفسهم للاجانب، و هم لا يعتقدون بالاسلام، يحكمون الناس. لقد تركوا الأحكام و القوانين و المناهج الاسلامية الحيوية، و هم يحكمون الناس بالقوانين و المناهج الطاغوتية، المخالفة للاسلام و المستوردة من طواغيت الشرق او الغرب.
إلى جانب هذه المظلوميّة هناك نقطتان مهمّتان أيضاً: إحداهما صبر هؤلاء الناس وتوكّلهم. هؤلاء النّاس صبروا للحق والإنصاف، وعُرض بعض المشاهد من ذلك عبر وسائل الإعلام في العالم وبلادنا: يُستشهد ابنه فيَحمدُ الله، يُستشهد ابنه فيقول: فداء لفلسطين، والفتى الجريح يشكر الله ويتلو آيات من القرآن. صبر هؤلاء النّاس مهمٌّ للغاية. أراد العدو أن يُجبر هؤلاء على الاستسلام وأن رفعوا أيديهم، لكنهم لم يرفعوا ولم يستسلموا. هذه نقطة مهمة للغاية؛ هذا الصّبر والتوكّل سيغيثانهم وسيؤدّيان إلى أن ينتصروا، وفي نهاية المطاف، سيكونون المنتصرين في الميدان.
أنها فتنة عامة تشمل كل أمور المسلمين الأمنية والثقافية والاقتصادية حيث تستحل فيها المحارم كلها ، وتدخل كل بيت وتصك بضربتها شخصية كل مسلم ، وتموج بمجتمع المسلمين موجاً شديداً كمور السفينة في البحر المضطرب ، ولا يجد أحد ملجأ من خطرها على دينه ودين أسرته ، ولا ملجأ من ظلم الحكام ومن وراءهم . أطلقت إحدى الروايات الشريفة عليها اسم ( فتنة فلسطين ) التي يتركز موجها على أهل بلاد الشام أكثر من غيرهم .
بعد قصف الجيش الاسرائيلي الغاشم على مستشفى المعمداني المكتظ بالجرحى من النساء و الأطفال في غزة، دموعنا تجري و قلوبنا تتصدع و أيدينا مرفوعة نحو السماء و آهاتنا تدوي و رسائل الشجب و الاستنكار تملأ الصحف و المجلات و وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي ، و المظاهرات و التنديدات مستمرة و تتسع دائرتها كماً و كيفاً آناً بعد آن ، و كل هذه الأمور جيدة و لا بُدَّ أن تستمر على أوسع نطاق ، لكنها لا تكفي ، و لو إكتفينا بهذا الحد فإننا لم نقم بما يجب علينا وفقاً لما تحتمها علينا النصوص و التعاليم الدينية .
إن قوة الردع لدى الكيان الصهيوني قد انتهت اليوم. ذلك الأمر نفسه الذي حذّر منه [ديفيد] بن غوريون هذا - أحد مؤسسي الكيان الصهيوني و[أول] رئيس وزراء لهذا الكيان - قبل عقود، ربما منذ نحو ستين سنة من الآن، عندما قال: حين تنتهي قوتنا الرادعة، سوف نضمحل.
تجمع بين قضية الإمام الحسين الشهيد عليه السلام وقضية القدس وفلسطين عوامل كثيرة، في مقدمتها المظلومية والإيمانية، فهو الإمام المسلم المظلوم، و فلسطين هي أكبر قصة مظلومية للمسلمين والمستضعفين في عصرنا، وسارت فلسطين على خطى الإمام الحسين حيث تصنع ملحمة انتصار الدم على السيف والإيمان على الظلم رغم الاختلال الكبير في موازين القوى.
لماذا تعاني الشعوب الإسلامية إلى هذا الحد من الناحية الاقتصادية والضغوط السياسية والحروب، والحروب الداخلية، والهيمنة والسيطرة، والاستعمار، والاستعمار الجديد، وأمثالها؟
أكثر ما يجب أن نركّز عليه اليوم هو القضية المذهبية، موضوع الشيعة والسنة. يجب ألا ندع الاختلافات في العقيدة والاختلافات المذهبية أن تؤدي إلى التنازع، وينبغي ألا نسمح بذلك. هناك أشياء تسبب النزاع فيجب أن نمنعها، يجب أن نمنعها بجدية. التفتوا! الآن قد دخل السياسيون الأمريكيون والبريطانيون في محافلهم الخاصة إلى نقاش الشيعة والسنة، وهذا أمر خطير للغاية. إنّه خطير جدّاً. هؤلاء الذين هم ضد الإسلام، ولا يضمرون الخير لا للشيعة ولا للسنّة، قد دخلوا نقاش [الشيعة والسنة].
حاول البعض أن يزهِدَنا بالشهيد والشهادة، وأن يعطي صورة ثقافية قاتمة لمسار الجهاد والشهادة، فنَعَتَ الشهادة بالموت، والاستسلام بالحياة، واعتبر أن عطاءات الدم لا يمكن أن تثمرَ أو أن تغيِّر المعادلة، فجاء الشهداء ليثبتوا بالعمل والعطاء بأنهم الحياة، وأنَّهم أعطونا الحياة، لأننا قبل الشهداء كنا متخاذلين مستسلمين، وبعد الشهداء رفعنا رؤوسنا عالياً أمام العالم، لا يقهرنا شرقٌ ولا غربٌ، بل نثبت في الأرض بكل قوة وعزة، ببركة دماء الشهداء، وحياة الشهداء وعزتهم.
كانت إسرائيل تراهن على أن ينسى الفلسطينيون قضيتهم، وشجعوا على قبولهم في مختلف البلدان وتقديم الإغراءات بترتيب أوضاعهم في الدول المتقدمة، لكنهم رفضوا كل ذلك، ولم ينس الفلسطينيون وطنهم يوماً بل أورثوا أولادهم حب وطنهم.
إن وعي وصمود شعوب المنطقة كفيل بوضع حد لما وصفها بالعجرفة الإسرائيلية التي تكابد للحفاظ على هيمنتها على المنطقة. فلقد تغير الزمن كما تغيرت الأوضاع.. وإسرائيل لن تعود القوة التي لا تقهر.
يوماً بعد آخر يكتشف الإسلاميون في مصر وتونس، وغيرها من البلاد التي مرّ عليها ما عرف بالربيع العربي، أن إدارة الدولة أصعب بكثير من مواجهة الدكتاتور الذي كان متربعاً على عرشها.
لا شك أن الهدف من تنظيم مثل هذه المسيرة المباركة إنما هو توحيد الصفوف في مواجهة عدو الشعب الفلسطيني المسلم بل و عدو العالم الإسلامي بل ألد أعداء الإنسانية من جهة ، و التعاطف مع الشارع الفلسطيني و رفع معنوياته ، بل رفع معنويات الأمة الإسلامية من جهة أخرى ، و لا شك أن هذه الأهداف هي أهداف سامية و نبيلة .
تأتي قضية السلام بين العرب و ( إسرائيل ) في طليعة السياسة الراهنة ، و بخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة في شخصية الرئيس كلنتون قد ألقت بكل ثقلها السياسي في البين لفرض السلام على العرب و المسلمين فرضاً من دون أن يترك لهم الخيار في اختيار ما يرونه مصلحة للمبدأ و الأمة و الوطن في ضوء التعليم الشرعي الإسلامي ، و الموقف الأمريكي من الجمهورية الإسلامية في إيران لأنها ترفض السلام لعدم مشروعيته ـ هنا ـ إسلامياً أقوى شاهد لاستلاب الخيار المشار إليه من العرب و المسلمين .