الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اللواء مع علي فقط

نص الشبهة: 

ويقول البعض: إن لواء المهاجرين (في غزوة احد) كان مع علي. وقيل: مع مصعب بن عمير (مغازي الواقدي ج1 ص215، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص227، وتاريخ الخميس ج1 ص422.). ويقال: إنه اللواء الأعظم (تاريخ الخميس ج1 ص426 عن المنتقى.). وقيل: إنه «صلى الله عليه وآله» سأل عمن يحمل لواء المشركين، فقيل له: طلحة بن أبي طلحة، فأخذ اللواء من علي ودفعه إلى مصعب بن عمير، لأنه من بني عبد الدار، وهم أصحاب اللواء في الجاهلية (أنساب الاشراف ج1 ص317، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص232، والسيرة الحلبية ج2 ص220.). وكان لواء الأوس مع أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع حباب بن المنذر. وقيل: مع سعد بن عبادة، كذا يقولون.

الجواب: 

ونقول: لا يصح ما ادعوه من أن اللواء كان مع مصعب بن عمير، أو أنه أخذه من علي، وأعطاه لمصعب.
والصحيح هو: أنه كان مع علي «عليه السلام» في أحد، وبدر، وفي كل مشهد.
ويدل على ذلك:
1 ـ ما تقدم في غزوة بدر: من أن علياً «عليه السلام» كان صاحب لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بدر، وفي كل مشهد.
2 ـ عن ابن عباس، قال: لعلي بن أبي طالب «عليه السلام» أربع ما هن لأحد: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله». وهو صاحب لوائه في كل زحف، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس ؛ وفر الناس، وهو الذي أدخله قبره 1.
3 ـ عن ابن عباس: كان علي أخذ راية رسول الله يوم بدر.
قال [الحكم] الحاكم: وفي المشاهد كلها 2.
4 ـ وعن مالك بن دينار: سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
قالوا: كان حاملها علي (رض).
وفي نص آخر: أنه لما سأل مالك سعيد بن جبير عن ذلك غضب سعيد، فشكاه مالك إلى إخوانه من القراء، فعرفوه: أنه خائف من الحجاج.
فعاد وسأله، فقال: كان حاملها علي (رض).
هكذا سمعت من عبد الله بن عباس 3.
وفي نص آخر عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
قال: إنك لرخو اللبب.
فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك: كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي، فإذا كان القتال ؛ أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه 4.
5 ـ عن جابر: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟
قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة، إلا من كان يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب؟!
وفي نص آخر: عبر باللواء بدل الراية 5.
6 ـ وحينما مر سعد بن أبي وقاص برجل يشتم علياً «عليه السلام»، والناس حوله في المدينة، وقف عليه، وقال: يا هذا، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟
ألم يكن أول من أسلم؟
ألم يكن أول من صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
ألم يكن أزهد الناس؟
ألم يكن أعلم الناس؟
وذكر حتى قال: ألم يكن صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزواته؟ 6.
وظاهر كلامه هذا: أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.
7 ـ عن مقسم: أن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استعر القتال كان النبي «صلى الله عليه وآله» مما يكون تحت راية الأنصار 7.
8 ـ عن عامر: أن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وكانت في الأنصار حيثما تولوا 8.
وقد يقال: إن هذين النصين الواردين تحت رقم 7 و 8 لا يدلان على أن الراية كانت دائماً مع علي «عليه السلام» بصورة أكيدة وصريحة، وإن كان يمكن أن يقال: إن ظاهرهما هو ذلك.
9 ـ عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المواطن كلها ؛ فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب 9.
10 ـ قال ابن حمزة: وهل نقل أحد من أهل العلم: أن علياً كان في جيش إلا وهو أميره؟ 10.
11 ـ وفي حديث المناشدة: أن علياً «عليه السلام» قال: نشدتكم الله، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه، غيري؟!.
قالوا: اللهم لا 11.
وبالنسبة لخصوص واقعة أحد نقول:
1 ـ عن علي قال: كسرت يده يوم أحد، فسقط اللواء من يده ؛ فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: دعوه في يده اليسرى، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة 12.
2 ـ قد ورد، في احتجاج الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه بفضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» على معاوية، وعمرو بن العاص، والوليد الفاسق، ورد قوله: «وأنشدكم الله، ألستم تعلمون: أنه كان صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر، وأن راية المشركين كانت مع معاوية، ومع أبيه، ثم لقيكم يوم أحد، ويوم الأحزاب، ومعه راية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومعك ومع أبيك راية الشرك الخ..»؟! 13.
3 ـ قال ابن هشام: «لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله «صلى الله عليه وآله» تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي: أن قدم الراية.
فتقدم علي ؛ فقال: أنا أبو القصم. فطلب أبو سعيد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين منه البراز، فبرز إليه علي، فضربه علي فصرعه 14.
وهذا معناه: أنه «عليه السلام» كان صاحب الراية العظمى، فأمره «صلى الله عليه وآله» بالتقدم، ثم طلب منه صاحب لواء المشركين البراز، لأنه إذا قطت الراية العظمى انكسر الجيش وانهزم.
4 ـ وقال القوشجي: في غزاة أحد جمع له الرسول «صلى الله عليه وآله» بين اللواء والراية 15.
5 ـ عن أبي رافع قال: كانت راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أحد مع علي، وراية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة 16.
6 ـ ويظهر من بعض الروايات الفرق بين اللواء والراية، وقد قالوا: إن الراية كانت في يد قصي، ثم انتقلت في ولده حتى انتهت إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فأعطاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي في غزاة ودان، وهي أول غزاة حمل فيها راية مع النبي «صلى الله عليه وآله»، ثم لم تزل مع علي في المشاهد، في بدر وأحد.
وكان اللواء يومئذٍ في بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمصعب بن عمير، فاستشهد، ووقع اللواء من يده، فتشوقته القبائل ؛ فأخذه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فدفعه إلى علي، فجمع له يومئذٍ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم 17.
ويظهر أن هذا هو مراد القوشجي من كلامه الآنف.

لا فرق بين اللواء والراية

ونقول: إن هذه الروايات تنافي ما تقدم عن ابن عباس، وجابر، وقتادة، من أنه «عليه السلام» كان صاحب لوائه «صلى الله عليه وآله» في كل زحف.
وقد دلت النصوص المتقدمة على أن علياً «عليه السلام» هو صاحب لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو أيضاً صاحب راية رسول الله، لو كان ثمة فرق بينهما.
ونحن نشك في ذلك، لأن بعض أهل اللغة ينصون على عدم الفرق 18، فإن كلاً منهما عبارة عما يجعله القائد من الأقمشة في طرف رمح أو نحوه.
ونجد وصف اللواء بالأعظم تارة 19، ووصف الراية بالعظمى أيضاً 20.
إلا أن يقال: إن مصعب بن عمير كان صاحب لواء المهاجرين، فلما استشهد في أحد صار لواؤهم إلى علي، فعلي «عليه السلام» صاحب راية ولواء رسول الله، وهو أيضاً صاحب لواء المهاجرين. ولعل هذا هو الأظهر.
وقد تقدم بعض الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر أيضاً، فلا نعيد 21.

  • 1. مناقب الخوارزمي ص21 و 22، وإرشاد المفيد ص48، وتيسير المطالب ص49 وراجع: مستدرك الحاكم ج3 ص111، وتلخيصه للذهبي بهامشه.
  • 2. ذخائر العقبى ص75، والرياض النضرة المجلد الثاني، جزء 4 ص156.
  • 3. راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص137 وصححه وقال: له شاهد من حديث زنفل العرفي، وفيه طول فلم يخرجه الحاكم، ومناقب الخوارزمي ص258 و 259، وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب.
  • 4. الطبقات الكبرى لابن سعد ط ليدن ج3 قسم 1 ص15.
  • 5. هامش ص180 من احتجاج الطبرسي، والرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص172 عن نظام الملك في أماليه، وكفاية الطالب ص336 وقال: ذكره محدث الشام ـ أي ابن عساكر ـ في ترجمة علي «عليه السلام» من كتابه بطرق شتى عن جابر، وعن أنس، وكنز العمال ج15 ص119، وراجع ص135 عن الطبراني، ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200، وعمدة القاري ج16 ص216، ومناقب الخوارزمي ص358.
  • 6. مستدرك الحاكم ج3 ص500، وصححه على شرط الشيخين هو والذهبي في تلخيص المستدرك، وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515. وأظن أن القضية كانت مع سعد بن مالك أبي سعيد الخدري، لأن سعد بن أبي وقاص كان منحرفا عن أمير المؤمنين. ويشير إلى ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج3 ص499 من أن أبا سعيد قد دعا على من كان ينتقص علياً فاستجاب الله له.
  • 7. المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288، وراجع: فتح الباري ج6 ص89 عن أحمد عن ابن عباس بإسناد قوي.
  • 8. المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288.
  • 9. أسد الغابة ج4 ص20، وأنساب الاشراف ج2 ص106 لكن فيه: ميسرة العبسي بدل سعد بن عبادة.
  • 10. الشافي لابن حمزة ج4 ص164.
  • 11. المسترشد في إمامة علي «عليه السلام» ص57.
  • 12. تاريخ الخميس ج1 ص434، والرياض النضرة المجلد الثاني ج4 ص156 عن ابن الحضرمي، وذخائر العقبى ص75 بلفظ (ضعوه).
  • 13. كفاية الطالب ص336، وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص289، والغدير ج10 ص168 عنه.
  • 14. السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص78، وتاريخ الخميس ج1 ص427..
  • 15. شرح التجرية للقوشجي ض 486.
  • 16. اللآلي المصنوعة ج1 ص365.
  • 17. الإرشاد للشيخ المفيد ص48.
  • 18. السيرة الحلبية ج2 ص147.
  • 19. راجع حياة الصحابة ج1 ص431، وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي «عليه السلام» بتحقيق المحمودي ج1 ص110 والمنتقى.
  • 20. كما في قول ابن أبي الحديد عن هزيمة الشيخين في خيبر:
    وللراية العظمى وقد ذهبا بها *** ملابس ذل فوقها وجلابيب
  • 21. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.