الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من هم حملة العرش ؟

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

نرجو من سماحتكم أن تذكروا لنا رأيكم الشريف، وبعض آراء المفسرين المعتبرين لديكم، بخصوص الآية التالية: ﴿ ... وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ .. الواردة ضمن الآيات التالية: ﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ . ولكم الأجر والثواب.

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ..
فهناك آيتان كريمتان ذكرتا حمل العرش .. ولم تصرحا بحقيقة الحامل له ..
الأولى قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ 1.
وهذه الآية ظاهرة إلى حد الصراحة في أن الكلام عن حمل العرش فيها إنما هو في يوم القيامة ..
الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ 2.
وليس في هذه الآيات ما يدل على حقيقة هؤلاء الذين يحملون العرش، هل هم من الملائكة؟ أم من غيرهم؟
كما أنه ليس هذا الأمر مما تناله العقول. ولا هو مما تدركه الألباب، فلا بد من الرجوع إلى أهل بيت العصمة عليهم السلام فيه ..
وبالرجوع إلى الروايات، نجد: أن هناك روايات تقول: إن حملة العرش في آية سورة غافر هم رسول الله صلى الله عليه وآله، والأوصياء من بعده، يحملون علم الله 3.
وهناك روايات تقول: إن حملة العرش الثمانية هم أربعة من الأولين، وهم: موسى، وعيسى، وإبراهيم، ونوح، وأربعة من الآخرين، وهم: النبي محمد صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، والحسنان صلوات الله وسلامه عليهما 4.
لكن في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ... 5، يعني محمداً، وعلياً، والحسن، والحسين، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، صلوات الله عليهم أجمعين 6.
أضاف في تفسير البرهان: في ذيل الرواية قوله: يعني حملة العرش 7 ، والظاهر أنها تفسير من الراوي.
وبعد، فإن هناك روايات تصرح: بأن عدد الثمانية مختص بيوم القيامة، وأما في الدنيا فحملة العرش أربعة 8.
وصرحت روايات أخرى، بأن المقصود بالعرش: العلم 9 وفي رواية الإمام الرضا عليه السلام: العرش اسم عِلْمٍ وقدرة 10.
ولعل المقصود العلمُ الذي يكون به التدبير للملك، وتكون الهيمنة عليه والتصرف فيه، على أساس العلم والقدرة.
والملائكة المحيطون بالعرش، وكذلك أولئك الحملة ينزهون ربهم عن الشريك، وعن كل عجز، أو نقص، أو جهل، أو .. أو ..
قال الطباطبائي رحمه الله:
«وفي قوله: ﴿ ... وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ ... 11 الآية. هو العلم، وهما جميعاً واحد، وهو المقام الذي يظهر به جميع الأشياء، ويتمركز فيه إجمال جميع التدابير التفصيلية الجارية في نظام الوجود، فهو مقام الملك الذي يصدر منه التدابير، ومقام العلم الذي يظهر به الأشياء» 12.
وفي بعض الروايات: أن حملة العرش ثمانية، لكل واحد ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا 13 .
وروى الكليني عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حمَّلهم الله علمه ، وليس يخرج من هذه الأربعة شيء خُلق في ملكوته ، وهو الملكوت الذي أراه أصفياءه ، وأراه خليله : ﴿ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ 14 . . 15.
وروى الكليني أيضاً: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه قال لأبي قرة: العرش ليس هو الله، والعرش اسم عِلْم وقدرة، والعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره: خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحملة عرشه، وحملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه، وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده ..
واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى كما قال ..
والعرش ومن يحمله، ومن حول العرش، والله الحامل لهم، الحافظ لهم، الممسك القائم على كل نفس، وفوق كل شيء، وعلى كل شيء، ولا يقال: محمول، ولا أسفل، قولاً مفرداً ، لا يوصل بشيء، فيفسد اللفظ والمعنى.
قال أبو قرة: فتكذب بالرواية التي جاءت: أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه: أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف، ورجعوا إلى مواقفهم؟!
فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى، فقد لعن إبليس إلى يومك هذا، وهو غضبان عليه، فمتى رضي؟ وهو في صفتك لم يزل غضباناً .. الخ .. 16.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 17.

  • 1. القران الكريم: سورة الحاقة (69)، الآيات: 13 - 18، الصفحة: 567.
  • 2. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 467.
  • 3. البرهان ج 4 ص 92 و93 وتفسير القمي ج 2 ص 255 والبحار ج 24 ص 89 وج 31 ص 603 وج 65 ص 78 .
  • 4. تفسير القمي ج 2 ص 384 وتفسير البرهان ج 4 ص 377 وتفسير الميزان ج 8 ص 171 وج 19 ص 401 والإعتقادات للمفيد ص 46 والبحار ج 7 ص 292 وج 55 ص 7 و27 وج 97 ص 123 وج 24 ص 91 و90 عن كنز الفوائد ص 351 وعن اعتقادات الصدوق ص 82 .
  • 5. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 7، الصفحة: 467.
  • 6. البحار ج 24 ص 90 عن كنز الفوائد وج 55 ص 35 عن تأويل الآيات الظاهرات والبرهان ج 4 ص 377 .
  • 7. البرهان ج 4 ص 377 و91 .
  • 8. الدر المنثور ج 5 ص 346 عن ابن جرير .
  • 9. البرهان (تفسير) ج 4 ص 377 عن الكليني والبحار ج 24 ص 91 عن اعتقادات الصدوق ص 82 وعن غيره وج 55 ص 14 ، وتفسير القمي ج 2 ص 384 .
  • 10. البرهان ج 4 ص 91 .
  • 11. القران الكريم: سورة الحاقة (69)، الآية: 17، الصفحة: 567.
  • 12. تفسير الميزان للطباطبائي ج 8 ص 163 .
  • 13. البرهان ج 4 ص 377 عن القمي ، وعن ابن بابويه وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 406 وتفسير الصافي ج 5 ص 219 والبحار ج 55 ص 27 ..
  • 14. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 75، الصفحة: 137.
  • 15. البرهان ج 4 ص 90 وتفسير نور الثقلين ج 1 ص 733 وج 5 ص 405 عن أصول الكافي وتفسير الميزان ج 8 ص 163 والبحار ج 30 ص 71 وج 55 ص 10.
  • 16. البرهان ج 4 ص 91 والبحار ج 55 ص 15 والإحتجاج ج 2 ص 189 .
  • 17. مختصر مفيد .. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثامنة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (435).