الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رأي الرسول في الصحابة

1 - حديث الحوض

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
" بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال ، هلم ، فقلت إلى أين ؟ فقال : إلى النار و الله ، قلت ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم " 1.
و قال ( صلى الله عليه و آله ) :
" إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب و من شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم و يعرفونني ثم يحال بيني و بينهم فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي " 1.
فالمتمعِّن في هذه الأحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم و مسانيدهم ، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا و غيروا بل ارتدوا على أدبارهم بعده ( صلى الله عليه و آله ) إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الأحاديث على القسم الثالث و هم المنافقون ، لان النص يقول : فأقول أصحابي .
و لان المنافقين لم يبدلوا بعد النبي و إلا لأصبح المنافق بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله ) مؤمنا .
كما أن هذه الأحاديث هي مصداق و تفسير لما سجلناه سابقا من الآيات الكريمة التي تحدثت عن انقلابهم و ارتدادهم و توعدهم بالعذاب الأليم .

2 - حديث إتباع اليهود و النصارى

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) :
" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا يا رسول الله اليهود و النصارى ؟ قال فمن " 2.
و للباحث أن يتسأل عندما يقرأ هذا الحديث المجمع على صحته ، ماذا فعل الصحابة المقصودون بهذا الحديث من فعل اليهود و النصارى حتى وصفهم رسول الله بأنهم يتبعونهم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوا مدخلهم .
و من المعلوم من القرآن الكريم و من التاريخ الصحيح أن اليهود تمردوا على موسى رسول الله إليهم و عصوا أمره و آذوه ، و عبدوا العجل في غيابه و تآمروا على أخيه هارون و كادوا يقتلونه ، و ضربت عليهم الذلة و المسكنة و باؤوا بغضب من الله جزاء بما كانوا يفعلون ، و قد ارتدوا بعد إيمانهم و تآمروا على أنبياء الله و كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ففريقا كذبوا و فريقا يقتلون ، و وصل بهم الأمر أن تآمروا على سيدنا عيسى و بهتوا أمه الطاهرة و لم يهدؤوا حتى قتلوه و صلبوه بزعمهم 3 و اختلفوا بعد ذلك و تفرقوا فيه فمن قائل بأنه دجال كذاب ، و من مغال أنزله منزلة الإله فقال هو ابن الله .
و لمصداق هذا الحديث فمن حقي أن أتصور بأن الصحابة أيضا عصوا أمر رسول الله في أمور كثيرة منها منعهم أن يكتب لهم الكتاب الذي يصونهم من الضلالة ، و منها طعنهم في تأميره أسامة و رفضهم أن يخرجوا معه حتى بعد وفاة الرسول و قد لعن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) المتخلف عنه ممن عبأهم ، و منها تفرقهم و اختلافهم في سقيفة بني ساعدة لاستخلاف الخليفة ، و لم يقبلوا بمن نص عليه رسول الله في غدير خم و هو علي بن أبي طالب حسبما يدعيه الشيعة و لهم شواهد لا تقبل التأويل في صحاح السنة و تواريخهم ، و هددوا إبنته فاطمة الزهراء سيدة النساء بحرق دارها إذا لم يخرج المتخلفون للبيعة قهرا ، و من المعقول جدا أن يقبل الباحث المنصف النص الصريح على علي بن أبي طالب ، لأنه ليس من المعقول أن يموت رسول الله و لا يعين أحدا ، و هو الذي لم يخرج من المدينة إلى غزوة أو سفر إلا و استخلف عليهم أحدا ، و من المعقول أيضا أن يقبل الباحث المنصف بقول الإمام شرف الدين في كتابه " المراجعات " حيث قال لشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري :
- سلمتم ـ سلمكم الله تعالى ـ بتأخرهم في سرية أسامة ، على السير ، و تثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا من الإسراع و التعجيل و سلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه و رأوه من النصوص قولا و فعلا على تأميره و سلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من طعنهم في إمارته ، و خروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا ، و تنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم إنها كانت من الوقائع التاريخية و قد أعلن فيه كون أسامة أهلا لتلك الإمارة .
و سلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و حل اللواء الذي عقده بيده الشريفة ، مع ما رأوه من اهتمامه في إنفاذه و عنايته التامة في تعجيل إرساله ، و نصوصه المتوالية في وجوب ذلك .
و سلمتم بتخلف بعض من عبأهم ( صلى الله عليه و آله ) و سلم ، في ذلك الجيش و أمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة .
و سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار ، و اجتمعت عليه كلمة المحدثين و حفظة الآثار ، و قلتم إنهم كانوا معذورين في ذلك ، و حاصل ما ذكرتموه من عذرهم أنهم إنّما آثروا في هذه الأمور مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية و نحن ما ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا .
و بعبارة أخرى فإن تساؤلنا يدور حول ما يلي : هل كانوا في تعبدهم وفق النصوص جميعها أم بعضها ؟ لقد اخترتم الأول ، و نحن اخترنا الثاني ، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه ، و كونهم معذورين أو غير معذورين خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى ، و حيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما أوجبته تلك النصوص ، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير و أمثالها .
إعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم إنما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول و شيوخ ، و قلتم إن نفوس الكهول و الشيوخ تأبى بجبلتها و طبعها أن تنقاد إلى الأحداث ، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي و هو شاب على كهول الصحابة و شيوخهم ، لأنهم بحكم الضرورة من أخبارهم ، قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاَّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عليهم في تلك السن و شتان ما بين الخلافة و إمارة السرية ، فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة ، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية و الأخروية ، على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ و الكهول تنفر بطبعها من الانقياد للأحداث ممنوع ، إن كان مرداكم الإطلاق في هذا الحكم ، لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله و رسوله في الانقياد للأحداث ، و لا في غيره من سائر الأشياء ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 4 ،﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... 5 إنتهى كلامه نقلناه من كتاب المراجعات " المراجعة رقم 92 " .

3 - حديث البطانتين

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) :
" ما بعث الله من نبي و لا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف و تحضه عليه و بطانة تأمره بالشر و تحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله " 6.
و هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الصحابة كانوا قسمين بطانة تأمر الرسول بالمعروف و تحضه عليه و بطانة تأمره بالشر و تحضه عليه ، و إذا أردنا التوسع في هذا الموضوع لازددنا يقينا بأن بعض الصحابة كانوا يشيرون على رسول الله بغير المعروف .
و مثال ذلك ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد من جزئه الأول و حكم ابن جرير بصحته ، قال :
جاء إلى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم  ) أناس من قريش فقالوا : يا محمد إنا جيرانك و حلفاؤك و إن أناسا من غلماننا قد أتوك ليس بهم رغبة في الإسلام و لا رغبة في الفقه إنما فروا من ضياعنا ، فقال النبي لأبي بكر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك و حلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به ثم قال لعمر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك و حلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به هو الآخر عليه 7.
و هذه القصة هي مصداق لحديث البطانتين و الذي أشار به أبو بكر و عمر لم يكن من الخير و لا من المعروف و إلا لما تغير وجه النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم  ) .
كما أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده و مسلم في صحيحه قال سمعت عمر يقول : قسم رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم  ) قسمة فقلت يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم ، أهل الصفة ، قال : فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : إنكم تسألوني بالفحش ، و تبخلوني و لست بباخل 8.
و هذه القصة هي الأخرى صريحة في أن عمر بن الخطاب ليس من البطانة التي تأمر بالمعروف و تحضّ عليه بل هو من الذين يسألون بالفحش و يأمرون بالبخل على ما جاء في حديث الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .

4 - حديث التنافس على الدنيا

قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) :
" إني فرط لكم و أنا شهيد عليكم و إني و الله لأنظر إلى حوضي الآن و إني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ( أو مفاتيح الأرض ) و إني و الله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي و لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " 9.
صدق رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، فقد تنافسوا على الدنيا حتى سلت سيوفهم و تحاربوا و كفر بعضهم بعضا ، و قد كان بعض هؤلاء الصحابة المشهورين يكنز الذهب و الفضة في حين يموت بعض المسلمين جوعا و يحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب و الطبري و غيرهم أن ثروة الزبير وحده بلغت خمسين ألف دينار و ألف فرس و ألف عبد و ضياعا كثيرة في البصرة و في الكوفة و في مصر و غيرها 10، كما بلغت غلة طلحة من العراق وحده كل يوم ألف دينار ، و قيل أكثر من ذلك 10.
و كان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، و له ألف بعير و عشرة آلاف شاة ، و بلغ ربع ثمن ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة و ثمانين ألفا 10.
و ترك عثمان بن عفان يوم مات مائة و خمسين ألف دينار عدا المواشي و الأراضي و الضياع مما لا يحصى و ترك زيد بن ثابت من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى مجلت أيدي الناس ، ما عدا الأموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار  10.
هذه بعض الأمثلة البسيطة و في التاريخ شواهد كثيرة لا نريد الدخول في بحثها الآن و نكتفي بهذا القدر للدلالة على صدق الحديث و أنهم حليت الدنيا في أعينهم و راقهم زبرجها ، فكدسوا الأموال على حساب المستضعفين من المسلمين 11..

 

 

 

  • 1. a. b. صحيح البخاري ج 4 ص 94 إلى 99 و ص 156 و ج 3 ص 32 ، صحيح مسلم ج 7 ص 66 حديث الحوض .
  • 2. أخرج هذا الحديث كل من البخاري في صحيحه ج 4 ص 187 و مسلم في صحيحه ج 8 ص 57 و الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 84 و 94 .
  • 3. يصادف تاريخ كتابة هذه السطور : أن البابا يوحنا بولس الثاني زار بالأمس كنيسة اليهود في محاولة تقريب اليهود من النصارى على حساب تبرئة اليهود من قتل المسيح و نسيان الماضي و التحالف لضرب الإسلام و المسلمين .
  • 4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 65، الصفحة: 88.
  • 5. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 7، الصفحة: 546.
  • 6. الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ج 4 ص 173 مسند الإمام أحمد ج 3 ص 39 .
  • 7. تاريخ بغداد ج 1 ص 133 .
  • 8. صحيح مسلم ج 2 ص 730 مسند الإمام أحمد بن حنبل .
  • 9. صحيح البخاري ج 4 ص 100 - 101 .
  • 10. a. b. c. d. مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 341 .
  • 11. المصدر:كتاب ثم إهتديت، للشيخ محمد التيجاني.