الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كيف تغيرت الامور في مصر من تأييد الثورة الاسلامية في ايران الى الكفر بها؟

إن القوى المتربصة بالإسلام و قد أفجعها ما حدث في إيران ركزت أبصارها على مصر واعتبرتها الدولة التالية المؤهلة للحاق بإيران على طريق الإسلام فمن ثم سعت إلى تنفيذ مخططها الخبيث الذي يرمي إلى عزل مصر عن إيران والقضاء على تأثير الثورة الإسلامية على الحركة الإسلامية فيها. و قد اعتمدت في تنفيذ مخططها هذا على ثلاثة ركائز:

الأولى: استغلال الخط الوهابي الذي تشبعت به الحركة الإسلامية والذي يكن عداءا شديدا للشيعة واستغلال قلة الوعي السياسي والخبرة لدى التيارات العاملة في محيط الحركة.

الثانية: تفجير الخلافات القديمة بين السنة و الشيعة ونشر الشائعات التي تهدم عقائد الشيعة وتشكك المسلمين فيها و في الثورة الإسلامية.

الثالثة: تحريض الحكم على إيران ودفعه إلى دعم التيارات المعادية لها في مصر إعلاميا وسياسيا وفتح الباب إمام المد المسعودي الوهابي ليشكل سدا منيعا يحول بين المسلمين و بين التأثر بالشيعة و إيران 1.

والحق إن هذا المخطط قد تم تنفيذه بدقة ونجح في تحقيق أغراضه في الوقيعة بين الحركة الإسلامية والثورة الإسلامية. ودفع بالحركة إلى الصف المعادي لها.
وأستطيع أن أجزم أن هذا المخطط لم يكن لينجح لو كانت الحركة الإسلامية متسلحة بالوعي السياسي والخبرة اللازمة ومتحررة من الأطر السلفية العمياء التي فرضها عليها الخط الوهابي فهذه هي نقطة الضعف في جسم الحركة التي تمكن أعداء الإسلام من اختراقها واستغلالها في إضفاء المشروعية على موقفها المعادي للثورة.
لقد طوقت الساحة الإسلامية في مصر بحرب إعلامية عاتية شرسة حيث صبت حمم غضبها على الشيعة وإيران واستخدمت فيها كل الوسائل الاعلامية من مقابل وكتاب وخطب ومؤتمرات و تم شراء الكثير من الكتاب والصحفيين والدعاة والرموز الإسلامية البارزة في الوسط الإسلامي ودور النشر والصحف الإسلامية.
و لم ينج من هذه الفتنة سوى عدد قليل من الدعاة أصحاب البصيرة أما البقية فقد غرقوا في موجات النفي المتتابعة و التي كانت تتدفق على الساحة الإسلامية من السعودية والعراق اللتان كانتا تذكيان نار الفتنة وتأججان نارها.
و كانت سفارة السعودية وسفارة العراق في القاهرة تنفقان بغير حساب من أجل تشوية الشيعة وإيران و الإمام الخميني. و كانت الحكومة ترقب هذا الوضع وتعمل على دعمه.

قادة المواجهة

كان الدور الأجنبي واضح في حملة العداء ضد الشيعة بينما كانت الأدوات المصرية التي تقود المواجهة لها دوافعها الذاتية التي لا تخرج عن دوافع أربعة:

الأول: الدافع العقائدي وهو محرك التيار السلفي الوهابي الذي يواجه الشيعة من خلال موقف عدائي نابع من قناعته بضلالها و أنحرافها. ونابع من إيمانه بضرورة جهادها والحيلولة دون انتشار عقائدها (الفاسدة) بين المسلمين.
وهو بهذه الصورة يصبح لديه القابلية للصدام مع الشيعة بصورة تلقائية بوصفها عدوا يشكل خطرا على معتقداته. من هنا وبمجرد إعلان الحرب على الشيعة في مصر تزعم هذا التيار هذه الحرب على الفور و كان له الدور الأكبر في تحريض الاسلاميين عليها ودفعهم إلى الكفر بها.
وهذا التيار بمثل أغلب اتجاهات المكتبات ودور النشر المصرية التي أسهمت في نشر معظم الكتب المعادية للشيعة طوال فترة الثمانينات 2.

الثاني: الدافع المصلحي وهو محرك تيار الإخوان الذي كان من المتعاطفين مع الثورة في بدايتها ثم انقلب على الشيعة وإيران بسبب ضغوط سعودية وبسبب ضغوط من الحكومة المصرية وتيار الإخوان الدولي الذي كان يثير الشبهات حول علاقة إيران بسوريا التي اضطهدت جماعة الإخوان. وحتى لا تسخر الجماعة السعودية وحتى لا تصطدم بالحكومة المصرية أو تصطدم الحكومة بها وحسما للخلافات التي وقعت بين تيارات الإخوان حول الموقف من إيران انحاز تيار الإخوان المصري إلى الجبهة المعادية للشيعة وإيران لصالح الجماعة و من أجل الحافظ على وجودها ومستقبلها 3.

الثالث: الدافع الشخصي وهو محرك الأقلام والكتاب والصحفيين من شتى الاتجاهات إسلامية وعلمانية والذين شنوا حربهم على الشيعة وإيران على سبيل الاسترزاق.

الرابع: الدافع السياسي وهو محرك الحكومة التي تحالفت مع السعودية ومع العراق ضد إيران وحفاظا على ولائها الامريكي الصهيوني. وهو أيضا محرك الأزهر الذي يسير في ركاب الحكومة ويتبع سياستها حتى و لو كانت تخالف مبادئ الإسلام الذي يدعي تمثيله 4.
والمراقب للحرب التي شنت على الشيعة في مصر يبهره حجمها وأدواتها والامكانيات التي سخرت لها و التيارات المختلفة التي أسهمت فيها مما يدفع إلى التساؤل:
هل حجم الشيعة في مصر بهذا القدر الذي يتطلب مثل هذه الحرب؟
والجواب إن هذه الحرب لم تكن موجهة ضد الشيعة كمذهب أو الشيعة كأفراد بقدر ما كانت موجهة ضد إيران وثورتها فهي حرب سياسية في المقام الأول هدفها القضاء على تأثير الثورة على شعوب المنطقة العربية خاصة مصر و قد اتخذت الشيعة ستارا لها لجذب الإسلاميين إلى صفها. وإذا كنا سوف نعتبر هذه الحرب حريا مذهبية بين السنة الذين يريدون الحافظ على وجودهم وعلى عقيدتهم و بين الشيعة الزاحفين عليهم من إيران كما كان يتصور بعض السذج والجهلاء في الوسط الإسلامي، فيجب أن نعتبر صدام حسين زعيم السنة فهو الذي كان يقود الحرب ضد الشيعة وإيران 5.

  • 1. أنظر كتابنا الحركة الإسلامية واقع الثمانينات فصل الشيعة.
  • 2. أنظر كتابنا عن الحركة الإسلامية. ويذكر أن التصور السلفي الوهابي قد سيطر على التيارات الإسلامية في مصر. و قد أصدرت التيارات السلفية منشورات تحرض المسلمين على الشيعة وتشكك في عقائدهم.
  • 3. جاء سعيد حوى وهو من كبار قيادات الإخوان السوريين إلى مصر بجواز سفر عراقي للقيام بحملة دعائية ضد الشيعة وإيران وأصدر كتابا فيها تحت عنو أن (الفتنة الخمينية).؟
  • 4. أصدر شيخ الأزهر الحالي الكثير من البيانات ضد إيران وكتب كتابا يهاجم الشيعة وإيران بعد أحداث الحرم المكي عام 87. أين هذا من تصريح شيخ الأزهر عام 79 لجريدة " الشرق الأوسط ": الإمام الخميني أخ في الإسلام ومسلم صادق. إن المسلمين باختلاف مذاهبهم إخوة في الإسلام.

    والخميني يقف تحت لواء الإسلام كما أقف أنا.

  • 5. المصدر: كتاب الشيعة في مصر للكاتب المصري صالح الورداني.