الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رد أباطيل عثمان الخميس حول المنافقين و ارتداد الصحابة

نص الشبهة: 

قال عثمان الخميس: (أولاً: إن المراد بالصحابة هنا هم المنافقون، الذين كانوا يظهرون الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تبارك وتعالى: ﴿ ... إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ وأولئك من المنافقين الذين لم يكن يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال جل وعلا: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ، فهؤلاء من المنافقين الذين كان يظن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من الصحابة ولم يكونوا كذلك) (حقبة من التاريخ صفحة 151.).

الجواب: 

أقول: هذا الوجه في تأويل روايات الارتداد باطل، وذلك لأن الروايات تقول أن النبي صلى الله عليه وآله عندما يستفهم عن سبب طردهم عن حوضه والأمر بهم إلى النار يجاب بالقول: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)!، (إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)!، (إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)!، (إنهم قد بدلوا بعدك)!، (وما يدريك ما عملوا بعدك، ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم)!، وبعض هذه الروايات يقول أن هؤلاء الصحابة عندما يأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله يطلبون منه الشفاعة ويعرّفونه بأنفسهم وأنسابهم يقول لهم: (ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى).
وكل ذلك يفيد أن هؤلاء الصحابة كانوا على دين الإسلام في حياته صلى الله عليه وآله ولم يكونوا من المنافقين، لأن المنافقين لم يسلموا قط وإنما أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك والكفر، فلا يصح وصفهم بالمرتدين وبأنهم رجعوا على أعقابهم، وإنما الذي يصح وصفه بذلك هو من آمن بالإسلام واعتقد به ثم كفر به وارتد عنه، أو من آمن برسالة الإسلام والتزم بتعاليمها في بداية الأمر ثم ارتد عن العمل بهذه التعاليم، وارتكب الكبائر من الذنوب وفعل العظيم من المخالفات الشرعية، فتوجيه عثمان الخميس لهذه الروايات على أنها تعني المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وآله لا يعلم نفاقهم فاسد وغير صحيح لما ذكرنا.
قال عثمان الخميس: (ثانياً: المراد بهم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتد أكثر العرب، حتى لم يبق على الإسلام إلاّ أهل مكة وأهل المدينة وأهل الطائف، وقيل أهل البحرين، أما بقية العرب فقـد ارتدوا على أدبارهم فأولئك الذيـن كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أصحابي: فيقال له: إنك لا تـدري ما أحدثوا بعـدك، وإنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم) 1.
أقول:
أولاً: هذا تخصيص بلا مخصص، فلم يأت الخميس بدليل يؤيد به هذا التخصيص.
ثانياً: الذي يظهر من هذه الروايات أن الرّدة فيها ليست عن الإسلام والخروج عنه إلى الكفر والشرك والإلحاد أو إلى إحدى الديانات المنسوخة أو الفاسدة، بدليل أن بعض الروايات تقول بأنه لا يسلم من هؤلاء إلاّ مثل همل النعم « أي القليل » والمرتدون عن الإسلام الخارجون منه الكافرون به لا يمكن أن يسلم منهم أحد بل مصيرهم جميعاً إلى النار.
قال عثمان الخميس: (ثالثاً: المراد المعنى العام أي كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يتابعه فلا يدخلون تحت المعنى الإصطلاحي لكلمة صحابي، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال عبد الله بن أبي بن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن منها الأعز الأذل، وعبد الله بن أبي بن سلول كان رأس المنافقين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نقل لعمر هذا الكلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أضرب عنقه؟ فقـال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه» رواه البخاري.
فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه ولكن هذا على المعنى اللغوي لا على المعنى الإصطلاحي لأن عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وكان ممن فضحه الله تبارك وتعالى وكان ممن أظهر نفاقه جهرة) 2.
أقول: وهذا الوجه كالوجه الأول واضح البطلان والفساد، لأن المنافق أو غير المسلم لا يوصف بالارتداد عن الإسلام أو الدين لأنه لم يدخل فيه ولم يؤمن به.
قال عثمان الخميس: (رابعاً: قد يراد بكلمة أصحابي كل من صحب النبـي صلى الله عليه وسلم على الطريق ولو لم يـره ويدل على هذه رواية « أمتي، أمتي » أو « إنهم أمتي ».
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم أعرفهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه يعرف هذه الأمة، فقيل يا رسول الله كيف تعرفهم ولم ترهم؟ فيقول: «إني أعرفهم من آثار الوضوء») 3.
أقول: وهذا التوجيه يبطله ما ورد في بعض الروايات من قول النبي صلى الله عليه وآله:
(يرد عليّ قوم ممن كانوا معي...)
(يرد عليّ الحوض رجال ممن صحبني ورآني...)
(ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني...).
وهذا واضح في أن أولئك الذين يذادون عن الحوض ويساقون إلى النار، هم ممن أسلم وصاحب النبي ممن يعرفهم النبي ويعرفونه ورآهم ورأوه، ومات النبي وهم على دين الإسلام إلاّ أنهم بعد رحيله صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى غيّروا وبدّلوا وأحدثوا في الدين ما ليس منه، ورجعوا على أدبارهم القهقرى.
يؤكد إمكانية حصول ذلك بالنسبة للصحابة قوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 4.
بل أكد حصوله الصحابي البراء بن عازب ففي الخبر الذي أخرجه البخاري فـي صحيحه بسنده عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قـال: (لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة، فقال: يابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده) 5.
فهذا أحد الصحابة يقر ويشهد على أنهم أحدثوا بعد النبي صلى الله عليه وآله.
وإذا كان في الصحابة منافقون لا يعرفهم حتى النبي صلى الله عليه وآله.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله يخبر بأن من الصحابة من سيرتد.
وإذا كان الصحابة أنفسهم يخبرون بأنهم أحدثوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فهل يصح بعد هذا أن يقال بأنهم كلهم عدول، لا يحتاج أن نبحث في عدالتهم؟!.
إن عدالة الصحابة التي يزعمها أهل السنة وأنهم لا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله هي من مبتدعاتهم، فالصحابة لم يدّعوا ذلك لأنفسهم، ولم يكن لها وجود في زمن النبي صلى الله عليه وآله وإلى فترة من بعد وفاته إلى أن أخترعت هذه المزعومة بعد ذلك لدوافع سياسية غير خافية على المتتبع البصير للأحداث التي أعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وما حصل بين الصحابة من حروب واقتتال وإعتداء بعضهم على بعض، والأدلة على ذلك عديدة منها على سبيل المثال ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: (... وأعطاني ـ أي رسول الله صلى الله عليه وآله ـ نعليه، قال اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً وركبني عمر، فإذا هو على أثري فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لأستي، قال ارجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم.
قال: فلا تفعل! فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون، قال رسول الله: فخلهم)! 6.
فهذا عمر بن الخطاب عندما أخبره أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله طلب منه أن يبشر من لقيه أنّه يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بالجنة لم يصدقه! بل اعتدى عليه وضربه حتى وقع على أسته، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يبكي من شدة الألم الذي سببه له اعتداء عمر عليه، بل نجد في الرواية أن عمر بن الخطاب استفهم من النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك بقوله: (أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقيه يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟)! فلو كان معلوماً لدى الصحابة أن الصحابي لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت هذه الحقيقة ثابتة لدى الصحابة لما شك عمر فيما أخبره به أبو هريرة، ولما كان هناك داع لأن يستفهم من رسول الله صلى الله عليه وآله 7.

  • 1. حقبة من التاريخ صفحة 151.
  • 2. حقبة من التاريخ صفحة 151ـ 152.
  • 3. حقبة من التاريخ صفحة 152.
  • 4. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 144، الصفحة: 68.
  • 5. صحيح البخاري 4 / 1529 برقم: 3937.
  • 6. صحيح مسلم 1 / 44.
  • 7. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، و قد قام سماحة الشيخ حسن عبد الله العجمي بالرد عليها، و هذا الرد هو أحد تلك الردود، هذا و قد نُشرت مجموع هذه الردود في الموقع الرسمي لسماحته.