حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
رد اباطيل عثمان الخميس حول استشهاده باية بيعة الرضوان على عـدالة الصـحابة جميعا
نص الشبهة:
قال عثمان الخميس: (عدالة الصحابة أمر متقرر عند أهل السنة والجماعة، وسيأتي ذكر أقوال أهل العلم من أهل السنة والجماعة في عدالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ ، بين الله تبارك وتعالى أنّه قد رضي عمن؟ عن المؤمنين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وماذا قال الله تبارك وتعالى؟ قال: ﴿ ... فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ... ﴾ ، أي الإيمان والصدق، فأنزل السكينة عليهم، أي في ذلك الوقت، فهذه شهادة من الله تبارك وتعالى عن صدق إيمان أولئك القوم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بيعة الرضوان. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة إلاّ صاحب الجمل الأحمر. وكان هذا من المنافقين الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واسمه الجد بن قيس، وكان عدد الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفاً وأربعمائة، وقيل ألف وخمسمائة شهد الله لهم بالإيمان، وأثبت أن قلوبهم توافق ظاهرهم، وأنّه ليس فيهم منافق إلاّ رجلاً واحداً أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم ولكن لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم) (حقبة من التاريخ صفحة 144 ـ 145.).
الجواب:
أقول:
أولاً: هذه الآية لا تدل على عدالة جميع الصحابة، وذلك لأنّ أهل بيعة الرضوان كان عددهم حسب أعلى رقم ذكره المؤرخون (1800) صحابي 1، وعدد الصحابة المدّعى عدالتهم 124 ألف صحابي، فالاستشهاد بهذه الآية على عدالة جميع هؤلاء باطل وغير صحيح.
ثانياً: إنّ استمرارية رضا الله عزّ وجل عن المؤمنين من أهل بيعة الرضوان مشروط بعدم نكث هذه البيعة، بالثبات على قتال العدو وعدم الفرار، وهذا ما أكده قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 2، وبالاستقامة على جادة الشريعة، أي بعدم ممارسة ما هو موجب لغضب الله عزّ وجل من الأفعال والأقوال، فلو نكث المبايع تحت الشجرة بيعته ولم يثبت في سوح القتال، أو لم يستقم على جادة الشريعة فمارس من الأفعال والأقوال ما يفضي إلى غضب الله عزّ وجل كالقتل والزنى وشرب الخمر، وما شاكل ذلك من كبائر الذنوب وأعاظمها، فإن رضا الله يزول عنه ويكون مورداً لغضبه سبحانه.
فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: (لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبى لك، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثناه بعده) 3.
وهناك حديث آخر مروي في موطأ مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنّه بلغه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، فبكى أبو بكر ثم بكى، ثم قال: إنّا لكائنون بعدك؟) 4.
وذلك يفيد أنّ رضا الله عزّ وجل عن عبده ـ صحابياً كان أو غيره ـ مشروطٌ بتقيّد العبد بطاعة الله، وأما إذا ما انحرف عن الطاعة وسلك غير جادة الحق فإن رضا الله يزول عنه، ويحل محلّه غضبه سبحانه، فلذلك نجد النبي صلى الله عليه وآله يشهد لشهداء أحد لعلمه بحالهم، بينما لا يشهد لغيرهم من الصحابة، لأنه لا يعلم ما يحدثون بعده، فلو كان رضا الله عزّ وجل للصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من سائر الصحابة مطلقاً وغير مقيد بالاستمرار في طاعة الله لما كان هناك مانع لرسول الله صلى الله عليه وآله من أن يشهد لجميعهم.
إن جماعة ممن بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الشجرة نكثوا بيعتهم هذه يوم حنين عندما انهزموا من ساحة المعركة وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله طعمة لذؤبان العرب ومشركيها.
لقد كان عدد المسلمين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله في معركة حنين ما يقارب إثني عشر ألف صحابي 5 انهزم جميعهم باستثناء نفر قليل من أقرباء النبي صلى الله عليه وآله لا يلوون على شيء تاركين رسول الله صلى الله عليه وآله هدفاً سهلاً للكافرين، فأمر النبي صلى الله عليه وآله العبّاس أن ينادي من انهزم من المسلمين، ويستغيث بهم وبالخصوص بالمبايعين تحت الشجرة 6، فرجع منهم مائة 7، ولم يرجع الباقون إلاّ بعد أن انتصر المسلمون يقول جابر بن عبد الله الأنصاري: (... فوالله ما رجعت راجعة النّاس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله) 8.
فلو فرضنا أنّ هذه المائة كلهم من أهل بيعة الرضوان، فيبقى أنّ هناك جماعة منهم ظلّوا هاربين إلى نهاية المعركة.
فهل يكون الله عزّ وجل راضياً عن هؤلاء الفارّين من أهل بيعة الرضوان؟
الجواب: لا قطعاً، لأن الله عزّ وجل يقول في كتابه المجيد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ 9.
وعليه فكما أنّ الاستدلال بقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ 10 على عدالة جميع الصحابة باطل، فكذلك لا نستطيع أن نحكم بموجب هذه الآية بعدالة من بايع تحت الشجرة، وذلك لأن استمرارية الرضا لهم من الله مشروطة بعدم نكثهم لهذه البيعة، وبالاستقامة على جادة الحق، وقد دلّت الأدلة على أنّ بعضهم قد نكث هذه البيعة يوم حنين، وما دام لا تعرف أشخاص من نكث من غيرهم فنحتاج إلى دليل آخر يثبت لنا عدالة جميع من بايع تحت الشجرة غير الآية، نعم لو ثبت لنا أن هناك أشخاصاً بأعيانهم لم ينكثوا البيعة ولم يمارسوا من الذنوب والمعاصي ما يؤدي إلى غضب الله من يوم بيعتهم وإلى يوم رحيلهم من الدنيا فإن الآية ـ بلا شك ـ تكون دليلاً على عدالتهم.
ثالثاً: لقد زعم عثمان الخميس أنّه لم يكن أحد من المنافقين مع النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية غير منافق واحد، وهو الجد بن قيس، وأنّه الوحيد الذي لم يبايعه من بين أولئك الذين كانوا معه صلوات الله وسلامه عليه، إلاّ أننا نجد في رواياتهم أنّ هناك منافقين غير الجد بن قيس كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية، وفي مقدمتهم رأس المنافقين عبد الله بن أبي، فإنهم ينقلون أن الناس لما أن شكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله قلّت الماء في الحديبية، أخرج صلوات الله وسلامه عليه سهماً من كنانته فدفعه إلى ناجية ابن الأعجم مع دلو ماء كان النبي صلى الله عليه وآله قد تمضض منه ومجّ الماء فيه، يقول ناجية:
(ثم قال انزل بالدلو، فصبها في البئر وانزح ماءها بالسهم، ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني ففارت كما يفور القدر، حتى طمت واستوى بشفيرها يغترفون من جانبيها حتى نهلوا من آخرهم، وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين ينظرون إلى الماء، والذي يجيش بالرواء، فقال أوس بن خولي لعبد الله بن أبي ويحك يا أبا الحباب أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء، وردنا بئراً نتبرض ماءها تبرضاً لم يخرج في القعب جرعة ماء، فتوضأ في الدلو ومضمض فيه ثم أفرغه فيها فحثحثها وجاشت بالرواء.
فقال ابن أبي قد رأينا مثل هذا، فقال أوس: قبحك الله وقبح رأيك.
وأقبل ابن أبي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين ما رأيت اليوم؟ قال: ما رأيت مثله قط، قال: فلم قلت ما قلت؟ استغفر الله، فقال ابنه: يا رسول الله استغفر له فاستغفر له)! 11.
وينقلون أن قريشاً: (أرسلت إلى عبد الله بن أبي إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل، وابنه جالس عنده فقال له ابنه: يا أبت، أذكرك الله أن تفضحنا في كل موطن ؛ تطوف بالبيت ولم يطف رسول الله؟ فأبى ابن أبي وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ذلك فسر به) 12.
وفي هذا دليل على أن ابن أبي رأس المنافقين كان موجوداً مع النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية فعلى زعم عثمان الخميس أنّ كل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله قد بايعوه تحت الشجرة وأنّه لا يدخل النار أحد منهم باستثناء صاحب الجمل الأحمر، وهو الجد بن قيس، يحكم بصحة إيمان عبد الله بن أبي وأنّه من المؤمنين الذين رضي الله عنهم وأنّه من أهل الجنة ولن تمسه النار.
إننا نقول أن الأدلة قائمة على أن المنافقين كانوا من جملة من كان مع النبي صلى الله عليه وآله، وقد يكونون بايعوه كما بايعه المؤمنون، فلم يرض الله عزّ وجل إلاّ عن بيعة المؤمنين فصرّح سبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ 10 فلم يطلق سبحانه وتعالى الرضا عن جميع المبايعين بل خصه بالمؤمنين، وعليه، فإذا كان من بين من بايع النبي صلى الله عليه وآله مؤمنون ومنافقون وأن الرضا خاص بالمؤمنين فلا يصح أن نجعل الآية دليلاً على عدالة أحد ممن بايع تحت الشجرة ما لم يثبت إيمانه بدليل آخر ليخرج من جملة المنافقين، ومع وجود هذا الدليل بالنسبة لفرد أو جماعة منهم فلا بد من النظر في سيرته أيضاً وهل أنّه استقام على جادة الحق في مستقبل حياته من يوم بيعته أم لا، وهل نقض البيعة أم لا، لنحكم عليه حينئذٍ أنّه عادل أم لا 13.
- 1. وفي قول: 1400 صحابي، وفي آخر 1500صحابي، وهناك أقوال أخرى.
- 2. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 10، الصفحة: 512.
- 3. صحيح البخاري 4 / 1529 رواية رقم: 3937.
- 4. موطأ مالك 2 / 461، قال ابن عبد البر في التمهيد 21 / 228: هذا الحديث مرسل هكذا منقطع عند جميع الرواة للموطأ ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثير.
- 5. المستدرك على الصحيحين 2 / 132 رواية رقم: 2562، المعجم الكبير 17 / 368 رواية رقم 1010، التاريخ الكبير 7 / 19 ترجمة الصحابي عياض، الطبقات الكبرى 2 / 155.
- 6. صحيح مسلم 3 / 1398 رواية رقم: 1775، صحيح ابن حبّان 15 / 524 رواية رقم: 7049.
- 7. سيرة ابن هشام 5 / 113، زاد المعاد 3 / 471، تاريخ الطبري 2 / 168.
- 8. مسند أحمد بن حنبل 3 / 376 رواية رقم: 15069، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: (إسناده حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي إسحاق فهو صدوق حسن الحديث)، دلائل النبوّة للبيهقي 5 / 128، زاد المعاد 3 / 469، سيرة ابن هشام 5 / 114، البداية والنهاية 4 / 326، تاريخ الطبري 2 / 168.
- 9. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 15 و 16، الصفحة: 178.
- 10. a. b. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 18، الصفحة: 513.
- 11. المغازي للواقدي 2 / 81، الخصائص الكبرى للسيوطي 1 / 406، سبل الهدى والرشاد 5 / 41.
- 12. المغازي للواقدي 2 / 93، السيرة الحلبية 2 / 703، تخريج الأحاديث والآثار 2 / 94.
- 13. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، و قد قام سماحة الشيخ حسن عبد الله العجمي بالرد عليها، و هذا الرد هو أحد تلك الردود، هذا و قد نُشرت مجموع هذه الردود في الموقع الرسمي لسماحته.