الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ولدني أبو بكر مرتين . . لا يصح!!

نص الشبهة: 

يروي الشيعة عن الإمام جعفر الصادق ـ مؤسس المذهب الجعفري حسب اعتقادهم ـ قوله مفتخراً (أولدني أبو بكر مرتين) (كشف الغمة ، للأربلي ، (2 / 374) . ) لأن نسبه ينتهي إلى أبي بكر من طريقين : الأول : عن طريق والدته فاطمة بنت قاسم بن أبي بكر . والثاني : عن طريق جدته لأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر التي هي أم فاطمة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر . ثم نجد الشيعة يروون عن الصادق روايات كاذبة في ذم جده أبي بكر « رضي الله عنه »! والسؤال : كيف يفتخر الصادق بجده من جهة ثم يطعن فيه من جهة أخرى ؟! إن هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل ، ولكن ليس من إمام يعتبره الشيعة أفقه وأتقى أهل عصره وزمانه . ولم يُلزمه أحد قط لا بمدحٍ ولا بقدحٍ .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :

الإمام الصادق عليه السلام لم يكن سباباً

إن الإمام الصادق « عليه السلام » لم يكن سبَّاباً ولا لعَّاناً ، ولا طعَّاناً :
ألف : لأن شر الناس المتفحش اللعَّان 1 . بل كان جده رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وكذلك آباؤه الأئمة الطاهرون أسوته وقدوته ، وكان الشرع والدين طريقته ونهجه ، فكل ما ينسب إليه مما يخرج ه عن هذا السياق ، لا بد من التوقف عنده ، ووضع علامة استفهام حول صحته .
ب : لو أغمضنا النظر عما تقدم ، فإننا نقول :
إن أهل البيت « عليهم السلام » هم الذين قالوا لنا ـ كما عن الإمام الباقر « عليه السلام » ـ : « لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم » 2 .
وعنه « عليه السلام » : « قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، فإن الله عز وجل يبغض اللعَّان السبَّاب الطعَّان على المؤمنين ، الفاحش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيي الحليم ، العفيف المتعفّف » 3 .
وعن النبي « صلى الله عليه وآله » : « ولا تسبنَّ أحداً ، وإن امرؤ سبَّك بأمر لا يعلم فيك ، فلا تسبَّه بأمر تعلمه فيه ، فيكون لك الأجر وعليه الوزر » 4 .
والأحاديث في ذلك كثيرة . .

ولدني أبو بكر

إن كلمة : ولدني أبو بكر مرتين موضع ريب لما يلي :
أولاً : لم يروها الشيعة ، بل هي من مرويات أهل السنة ، ولا يكفي هذا للإحتجاج .
ثانياً : حتى لو كان الشيعة هم الذين رووها ، فإنها لا تتضمن افتخاراً ، ولا تصويباً لأبي بكر فيما فعل ، بل هي تقرير لأمر واقع ، لا يفيد مدحاً ولا ذماً . .
فإن قولك : فلان ابن فلان ، أو عمه ، أو ابنه ، أو فلانة زوجة فلان ، أو فلان زوج فلانة لا يفيد ذماً ولا مدحاً لأي من الطرفين . .
وقد وردت الإشارة إلى أمثال هذه الأمور في القرآن الكريم ، فراجع سورة التحريم وغيرها .
ثالثاً : إن من ينتسب إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » لا يحتاج إلى الإفتخار بالإنتساب إلى أحد سواه . . لا سيما مع ما صدر من أبي بكر تجاه جدته الزهراء « عليها السلام » ، وجده علي « عليه السلام » مما لا يج هله أحد .
رابعاً : في صحة حديث : ولدني أبو بكر مرتين 5 نقاش ، وذلك لما يلي :
1 ـ ذكر القرماني : أن أم الإمام الصادق « عليه السلام » هي « أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي سمرة » 6 .
وعدم ورود القاسم بن محمد بن أبي سمرة في كتب الرجال لا يعني أنه شخصية موهومة ، إذ ما أكثر الشخصيات الحقيقية التي أهمل التاريخ ذكرها لأكثر من سبب . .
ولعل هذا هو السبب في أن الشهيد قد اكتفى بالقول : « أم فروة بنت القاسم بن محمد » 7 .
2 ـ هناك جماعة ـ ومنهم الجنابذي ـ تقول : إن أم فروة هي جدة الإمام الباقر « عليه السلام » لأمه ، وليست زوجته ، ولا هي أم الإمام الصادق « عليه السلام » 8 .
3 ـ ولعل شهرة القاسم بن محمد بن أبي بكر تجعل اسمه دون سواه يسبق إلى ذهن الرواة ، فإذا كتبوا القاسم بن محمد ، فإنهم يضيفون كلمة « ابن أبي بكر » ، جرياً على الإلفة والعادة ، أو الميل والهوى القلبي .
أضف إلى ذلك : أن القاسم بن محمد أكثر من رجل ، كما يعلم من مراجعة كتب التاريخ والتراجم . .
4 ـ إن الرواية لم يذكر لها سند يمكن البحث فيه ، كما أنها ـ كما قلنا ـ لم ترو من طرق شيعة أهل البيت « عليهم السلام » ، فكيف صح لهذا البعض أن ينسب هذا القول إلى الإمام « عليه السلام » دون أن يَتثبَّت من صحة الرواية ؟!
وكيف صح له الإحتجاج على الشيعة بما لم يرو عندهم ، بل روي عند من يحبون تسجيل نقاط عليهم .
هذا . . ولو تنزلنا وقلنا بأن الإمام الصادق « عليه السلام » قد قال هذه العبارة ، فلعله « عليه السلام » أراد بها ـ لو صح أن أبا بكر ولده مرتين ـ أن يدفع الأذى عن المستضعفين من شيعته .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 9 .

  • 1. الكافي ج 2 ص 290 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج 15 ص 341 و (ط دار الإسلامية) ج 11 ص 270 وبحار الأنوار ج 69 ص 107 ومستدرك سفينة البحار ج 5 ص 386 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج 4 ص 163 وج 12 ص 121 .
  • 2. الكافي ج 2 ص 360 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج 12 ص 297 و (ط دار الإسلامية) ج 8 ص 610 وبحار الأنوار ج 15 ص 160 و 161 وج 72 ص 163 ومستدرك سفينة البحار ج 4 ص 426 وألف حديث في المؤمن ص 203 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج 5 ص 26 وج 7 ص 106 .
  • 3. الأمالي للصدوق ص 326 وروضة الواعظين ص 370 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص 334 وبحار الأنوار ج 71 ص 161 و 340 وج 75 ص 181 وتفسير العياشي ج 1 ص 48 وتفسير مجمع البيان ج 1 ص 286 وتفسير كنز الدقائق ج 1 ص 287 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 321 .
  • 4. كنز الفوائد ص 95 وبحار الأنوار ج 73 ص 355 ومستدرك سفينة البحار ج 4 ص 427 .
  • 5. تهذيب الكـمال ج 5 ص 81 و 82 وراجـع : سير أعـلام النبـلاء ج 2 ص 259 وطبقات الحفاظ ج 1 ص 167 ونقل عن تاريخ دمشق ج 44 ص 455 وأخبار الدول وآثار الأول (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ) ج 1 ص 234 .
  • 6. أخبار الدول وآثار الأول (بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ) ج 1 ص 234 .
  • 7. راجع : بحار الأنوار ج 47 ص 1 .
  • 8. كشف الغمة (ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم) ج 2 ص 120 وناسخ التواريخ ، حياة الإمام الصادق ج 1 ص 11 وبحار الأنوار ج 46 ص 218 .
  • 9. ميزان الحق (شبهات . . و ردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، سنة 1431 هـ ـ 2010 م ، الجزء الأول ، السؤال رقم (34) .