حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
كيف تبلورت المسالة الثقافية في المجال الاسلامي؟
لقد تبلورت المسألة الثقافية في المجال الإسلامي الحديث والمعاصر على خلفية حاجة الأمة إلى النهضة والتقدم والتمدن، وعلى أساس أن مشكلة الأمة في جوهرها هي مشكلة حضارية، وفي إطار البحث عن إصلاح الأمة على المستوى العربي والإسلامي، وليس في نطاق الدولة القطرية أو المجتمع المحلي.
ويمثل الشيخ محمد عبده لحظة تاريخية مفصلية في تبلور وتأكيد الحاجة إلى المسألة الثقافية في المجال الإسلامي الحديث والمعاصر، خصوصاً في مرحلة ما بعد انقطاعه عن السيد جمال الدين الأفغاني، وعودته إلى مصر، وتخليه عن أولوية الإصلاح السياسي، وتبنيه إلى أولوية الإصلاح الديني والثقافي، وفي هذه المرحلة برز دور الشيخ محمد عبده، وتعاظم بصورة لافتة.
ويؤكد عظمة هذا الدور ما أشار إليه الدكتور مصطفي عبد الرازق، في رسالة بعث بها إلى تلميذه الدكتور عثمان أمين عام 1945م، بعد أن أنجز هذا الأخير، كتاباً حول الشيخ عبده، هو في الأصل رسالته للدكتوراه حصل عليها من جامعة السوربون عام 1937م، يذكر عبد الرزاق في هذه الرسالة، أن السيد رشيد رضا هو أول من لقب الشيخ محمد عبده بالأستاذ الإمام، وهذا اللقب نفسه ينبئ ـ كما يضيف عبد الرازق ـ عن الصورة التي أراد أن يرسمها السيد رشيد رضا لشيخه، وأنه إمام من أئمة الإسلام له في الدين مذهب يقوم أصحابه على روايته وتدوينه، كما هو حال أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وما لأولئك الأئمة من مذاهب.
وبهذا النهج يكون الشيخ محمد عبده قد بلور اتجاهاً له طبيعة ثقافية، يوازي أو يقابل الاتجاه الذي انتهجه أستاذه السيد جمال الدين الأفغاني وكانت له طبيعة سياسية، وهذا ما ورثه الفكر الإسلامي المعاصر.
كما أن مالك بن نبي يمثل أيضاً لحظة تاريخية أخرى، في النصف الثاني من القرن العشرين في تبلور وتأكيد الحاجة إلى المسالة الثقافية في المجال الإسلامي المعاصر، لكونه أكثر من ساهم في تعميق، ولفت النظر إلى المسالة الثقافية بصورة مميزة.
والملاحظة الأخرى المهمة في هذا المجال، أن معظم الجماعات الإسلامية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي منذ تشكيل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، هي جماعات لها طبيعة ثقافية في الأساس، وترجع في تشكيلها إلى تكوينات ثقافية، وما زال العديد من هذه الجماعات يحافظ على هذه الطبيعة الثقافية، وعلى هذا التكوين الثقافي.
أما اليوم فنرى أن هناك منطقين في النظر والتحليل لأحوال وأوضاع عالمنا العربي والإسلامي، هناك المنطق الثقافي أو منطق المسألة الثقافية، وهناك المنطق السياسي أو منطق المسألة السياسية، وما بين هذين المنطقين تختلف طبيعة المرئيات والاستشرافات، واتجاهات النظر والتحليل.
فحسب منطق المسألة الثقافية أن المشكلة أو الأزمة هي في المجتمع، وأن أولوية إصلاح المجتمع ينبغي أن تتقدم على الأولويات الأخرى.
ومن جهة ثانية، يرى أصحاب المنطق الثقافي أن الإصلاح الثقافي هو الإصلاح العميق، في حين أن الإصلاح السياسي هو إصلاح شكلي أو إصلاح ليس عميقاً، لأنه لا يتصل بالبنى النفسية والتكوينات الذهنية عند الناس.
ومن جهة ثالثة، يرى أصحاب المنطق الثقافي أن الإصلاح الثقافي يكون ناظراً دائماً إلى ما هو بعيد، وما هو عميق، وما هو باطن، وليس ما هو قريب وسطحي وظاهر كما هو حال أصحاب المنطق السياسي.
ويستند أصحاب المنطق الثقافي في تبني هذا النهج على آية التغيير في قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فأساس التغيير هو في البنية التحتية، وهو تغيير ما بالنفس، وهذا التغيير في جوهره هو تغيير ثقافي1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 11 أكتوبر 2006م، العدد 14655.