نشر قبل 19 سنة
مجموع الأصوات: 44
القراءات: 9427

السائل: 

أياد حسين

العمر: 

33

المستوى الدراسي: 

الدولة: 

المدينة: 

ذي قار

ما هو موقف الامام جعفر الصادق من الخلافه العباسية ... ؟

السوال: 

ما هو موقف الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) من الخلافه العباسية ، و ما سبب رفضه لها لما عرضه ابو سلمة و موافقة عبدالله بن الحسن على هذا العرض ؟

الجواب: 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و بعد : موقف الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من الخلافة العباسية لم يكن موقفاً مؤيداً و لا موافقاً لها ، و لم يصدر منه تأييداً لبني العباس على الإطلاق ، بل كانت مواقفه ( عليه السَّلام ) موقف المعارض و المخالف ، كل ذلك لمعرفته بأهداف بني العباس و نواياهم السلطوية و الدنيوية . لكنه ( عليه السَّلام ) لم يكن مُحارباً لهم أيضاً ـ أي أنه لم يعلن حرباً ضدهم ـ و ذلك لأنه كان يرى في المواجهة السياسية و العسكربة خطئاً كبيراً و خسارة عظيمة ، حيث أن الإمام ( عليه السَّلام ) كان ينظر إلى المستقبل السياسي بكل وضوح و شفافية ، و لذلك فقد رفض التعاون مع أبو سلمة الخلال 1 عندما عرض عليه قيادة المعارضة لأنه ( عليه السَّلام ) كان يعلم بأن أبو سلمة لم يعرض هذا الأمر عليه إلا لتعزيز قوته و لإضفاء الشرعية على حركته السياسية لضمان الوصول إلى السلطة تحت مظلة الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، حيث أن أبو سلمة لم يكن يريد إقامة دولة إسلامية تُطبِّق حكم الله كما يراه الإمام ( عليه السَّلام ) ، و الدليل على ذلك موقف الإمام ( عليه السَّلام ) من كتاب أبي سلمة و قوله : " مالي ولأبي سلمة و هو شيعة لغيري " ! و لم يكن ولاء أبي سلمة خالصاً و لا مطلقاً للإمام ( عليه السَّلام ) ، و يشهد على ذلك ما كتبه إلى كل من الإمام ( عليه السَّلام ) و عبد الله المحض ، و عمر الأشرف ، و تعليماته المصحوبة بها و التي أصدرها للرسوله الذي كلَّفه بتسليم الكتب بترتيب خاص . نعم الحقيقة هي أنه لمّا سبر أبو سلمة الخلال أحوال بني العباس و عرف نواياهم عزم على العدول عنهم إلى بني عليّ ، فكتب إلى ثلاثة من أعيانهم و شخصياتهم و رموزهم الدينية و السياسية و هم : 1. الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) . 2. عبد اللّه المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن طالب ( عليه السَّلام ) . 3. عمر الأشرف بن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السَّلام ) . و أرسل الكتب مع رجل من مواليهم و قال له : اقصد أولاً جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، فإن أجاب فأبطِل الكتابين الآخرين ، وإن لم يجب فالقِ عبد اللّه المحض ، فإن أجاب فأبطل كتاب عمر ، و إن لم يجب فالقِ عمر . فذهب الرسول إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أولاً ، و دفع إليه كتاب أبي سلمة . فقال الإمام ( عليه السَّلام ) : " مالي و لأبي سلمة و هو شيعة لغيري " ! فقال له الرسول : اقرأ الكتاب . فقال الصادق ( عليه السَّلام ) لخادمه : " أدن السراج " ، فأدناه ، فوضع الكتاب على النار حتى احترق . فقال الرسول : ألا تجيبه ؟ قال ( عليه السَّلام ) : " قد رأيت الجواب " . ثم مضى الرسول إلى عبد اللّه المحض ، و دفع إليه الكتاب ، فقرأه و قَبِلَهُ و ركب في الحال إلى الصادق ( عليه السَّلام ) و قال : هذا كتاب أبي سلمة يدعوني فيه إلى الخلافة ، قد وصل إليّ على يد بعض شيعتنا من أهل خراسان . فقال الصادق ( عليه السَّلام ) : " و متى صار أهل خراسان شيعتك ؟ أ أنت وجهت إليه أبا مسلم ؟ هل تعرف أحداً منهم باسمه ؟ فكيف يكونون شيعتك و أنت لا تعرفهم و هم لا يعرفونك " ؟! فقال عبد اللّه : كان هذا الكلام منك لشيء . فقال الصادق ( عليه السَّلام ) : " قد علم اللّه أني اُوجب النُصح على نفسي لكلّ مسلم ، فكيف أدخره عنك ! فلا تُمَنِّ نفسك بالأباطيل ، فإنّ هذه الدولة ستتم لهؤلاء ـ يعني بني العباس ـ و قد جاءني مثل الكتاب الذي جاءك " 2 . فالإمام الصادق ( عليه السَّلام ) لعلمه بنوايا العباسيين السلطوية و كذلك لمعرفته التامة بشخصية أبي سلمة الخلال و نواياه و مقاصده و لمعرفته بما تؤول إليه الأمور سياسياً معرفة تامة تجنَّب المواجهة السياسية و العسكرية مع بني العباس ، و أمر الخواص بإلتزام المنازل حفاظاً عليهم ، و حتى يتمكن من القيام بالدور المناسب الذي أولاه الله عَزَّ و جَلَّ ، و الذي يتطلَّبه منه موقعه الحساس كإمام يرعى المصالح الاستراتيجية للدين الإسلامي و الأمة الإسلامية من جميع الجوانب على المدى الطويل ، و هو ما حصل و كانت النتيجة تماماً كما رآه الإمام ( عليه السَّلام ) . هذا و يظهر من بعض الأحاديث أن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) لم يجد الآلية المناسبة لمواجهة بني العباس . فقد رُوِيَ عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ أنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) ـ أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ـ فَقُلْتُ لَهُ : وَ اللَّهِ مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ . فَقَالَ : " وَ لِمَ يَا سَدِيرُ " . قُلْتُ : لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وَ شِيعَتِكَ وَ أَنْصَارِكَ ، وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) مَا لَكَ مِنَ الشِّيعَةِ وَ الْأَنْصَارِ وَ الْمَوَالِي مَا طَمِعَ فِيهِ تَيْمٌ وَ لَا عَدِيٌّ . فَقَالَ : " يَا سَدِيرُ وَ كَمْ عَسَى أَنْ يَكُونُوا " ؟ قُلْتُ : مِائَةَ أَلْفٍ . قَالَ : " مِائَةَ أَلْفٍ " ! قُلْتُ : نَعَمْ ، وَ مِائَتَيْ أَلْفٍ . قَالَ : " مِائَتَيْ أَلْفٍ " ! قُلْتُ : نَعَمْ ، وَ نِصْفَ الدُّنْيَا . قَالَ : فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ : " يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ " . قُلْتُ : نَعَمْ . فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وَ بَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا ، فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ . فَقَالَ : " يَا سَدِيرُ ، أَ تَرَى أَنْ تُؤْثِرَنِي بِالْحِمَارِ " . قُلْتُ : الْبَغْلُ أَزْيَنُ وَ أَنْبَلُ . قَالَ : " الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِي " . فَنَزَلْتُ فَرَكِبَ الْحِمَارَ وَ رَكِبْتُ الْبَغْلَ ، فَمَضَيْنَا فَحَانَتِ الصَّلَاةُ . فَقَالَ : " يَا سَدِيرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّ " . ثُمَّ قَالَ : " هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا " . فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ ، وَ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يَرْعَى جِدَاءً 3 . فَقَالَ : " وَ اللَّهِ يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ " . وَ نَزَلْنَا وَ صَلَّيْنَا ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ عَلَى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ " 4 .

  • 1. أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان الهمداني الكوفي ، أوَّل وزير لأول خليفة عباسي ، استوزره السفّاح و فوَّض جميع الأمور إليه لفضله و كفاءته ، و لُقبّ بـ " وزير آل محمَّد " ثمَّ قتله السفّاح حين أحسَّ منه بالتشيُّع لآل علي ( عليهم السلام ) .
  • 2. الآداب السلطانية لابن الطقطقي : 111 .
  • 3. الجدي : من أولاد المعز ، و هو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة ، و الجمع جداء و أجد . ( مجمع البحرين : 1 / 81 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
  • 4. الكافي : 2 / 243 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .