الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الاثنا عشرية و اهل البيت عليهم السلام

الاثنَا عشريَّة

الاثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعيّنهم بأسمائهم .
تمهيد : واجه الإسلام ما واجهته سائر الأديان من التقسيم إلى فرق ، ثم تقسيم كل فرقة ، على مرّ الّزمن ، إلى فرق . . . و في التاريخ العديد من الشواهد على ذلك ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 1 و لا يقف هذا الاختلاف على الطوائف و أهل الأديان بعضها مع بعض . بل يتعداها إلى اتباع الدين الواحد . و لا نعرف أهل دين أجمعوا على عقيدة واحدة من جميع جهاتها ، دون أن يتفرّقوا شيَعاً و أحزاباً . و رغم هذا الشتات و النزاع ـ و ربما الحرب و الصراع ـ فإن بين الفرق من كل طائفة قاسماً مشتركاً يجمع شملها .
و يربطها بالدّين الأصيل ، و إلا لم تكن فرقاً لدين واحد ، فلا بد لكل فرقة أن تأخذ بنصيب من دينها ، أمّا مقدار هذا النصيب ، و أيّ الفرق أكثر ملاءمة للأصل و المصدر فلا يعرف من كثرة الأتباع و قوّتهم ، و سلطانهم .

الفرق الإسلامية

و الذي نراه و نرجّحه أن أسباب الإختلاف و التعدّد في الفرق الإسلامية ، على ما بينها من رابط قويّ أو ضعيف ، هي واحدة تتّحد مفهوماً ، و تختلف مصداقاً . و من هذه الأسباب أن الذين انتموا إلى الدّين ، عند بدايته ، منهم من انتمى إليه حقاً و صدقاً ، و منهم من انتمى إليه شكلاً و ظاهراً ابتغاء ما يجنيه من وراء هذا الانتماء ، تماماً كما ينتمي كثيرون إلى حزب من الأحزاب لمنافع شخصية .
و منها أن التعاليم التي أتى بها النبيّ لم تطبق بكاملها في عهده و حياته . و لمّا جاء دور تطبيقها و العمل بها ، نظر إليها كلّ من زاويته الخاصّة ، و واقع بيئته ، و منطق عقله . هذا و إنّ كثيراً من التعاليم المنسوبة إلى النبيّ لم ينطق بها صراحة ، و إنّما استنبطها الأتباع من إيماءة أو تصرّف ، أو من شيء لا يمتّ إليه بسبب . بل اختلفوا في الأحكام التي طبقها النبي ، و عمل بها . فلقد توضأ مئات المرات أمام ألوف من المسلمين ، و مع هذا اختلف السنّة و الشيعة في صورة الوضوء ، و ادعت كل فرقة أنها هي التي تتوضأ بوضوئه دون غيرها .
و منها أن فئة من الأتباع قد تثق برجل ثقة عمياء ، و تواليه ولاء دين و عقيدة و أخرى تتّهمه و تهاجمه .

الخلافة

لهذه الأسباب و لغيرها افترق المسلمون إلى فرق و شيع . و قامت بينهم حدود و حواجز ، و أهمّها مسألة الخلافة و ما يتّصل بها ، بخاصة الطريق الذي يعين الخليفة بعد الرسول ، و هل هو النصّ من الرسول ، أو اختيار الوجهاء و الأعيان ؟ قال الشيعة بالأول ، و قال السنة بالثاني . و آمن كل بما رأى ، و أصبح إيمانه هذا جزءاً من عقيدته و نظامها . و هذا ـ كما ترى ـ اختلاف في المنهج و الطريق المثبت للخلافة ، لا في أصل الخلافة : فالقول بأنها من عقيدة الشيعة خطأ . ما دام الكلّ متفقين على أصل الفكرة ، و أنها تستند إلى الدين باعتبارها رئاسة عامة في الدين و الدنيا نيابة عن الرسول باتفاق الجميع ، إذن ليست الخلافة ، من حيث الفكرة ، شيعيّة فقط ، أو سنّية فقط و إنما هي عقيدة لجميع المسلمين .
أجل ، إن فكرة النص من النبي على الخليفة شيعية لأن السنّة لا يقولون بها ، كما أن فكرة الانتخاب سنّية لأن الشيعة لا يقولون بها .
و بعد أن أناط السنّة تعيين الخليفة بانتخاب الوجهاء خاصة ، و هم الذين عبّروا عنهم « بأهل الحلّ و العقد » قالوا مبرّرين رأيهم هذا إن الجماعة ـ أي الوجهاء ـ منزّهون و معصومون عن الخطأ ، و إن اللّه يهديهم إلى الحقّ و الصواب ، لحديث « لا تجتمع أمتي على ضلالة » و لما رواه البخاري في «صحيحه» 2 من أن النبيّ قال : « من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنّه ما أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية » .
و ردّ الشيعة هذا الحديث ، و كلّ حديث يتضمّن عصمة الجماعة ، لأنَّها قد تخطئ بل جاء في الآية 187 من «الأعراف» ﴿ ... وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 3 فبالأولى القلّة و إن كانوا « أهل الحلّ و العقد » .
هذا ، إلى أن السنّة و الشيعة متفقون قولاً واحداً على أن أيّ حديث يأتي من الرّسول يجب أن يعرض أولاً على « كتاب اللّه » فإن تناقض معنى أحدهما مع معنى الآخر ، وجب طرح الحديث و إهماله . و ليس من شك أنّ بين قوله ﴿ ... وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 3 و بين حديث عصمة الجماعة تناقضاً ظاهراً ، فيجب طرحه و إهماله .
و أيضاً : بعد أن أناط الشِّيعة تعيين الخليفة بنصّ النبيّ عليه اسماً و عيناً قالوا مستدلين على ذلك : « إن محمداً نصّ على علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) باسمه و عينه و نسبه ، و عقد له الخلافة على المسلمين من بعده ، و أمرهم بالسمع و الطاعة له ، و أعلمهم أن طاعته طاعة اللّه و رسوله » و نقل الشيعة عن جلد 1 من « مسند » الإمام أحمد بن حنبل و جلد 2 من « تاريخ» الطبري ، و جلد 2 من « تاريخ » ابن الأثير ، و جلد 3 من « مستدرك الصحيحين » للنيسابوري و من « السيرة الحلبية » نقلوا عن هذه الكتب و غيرها .
إن محمداً ( صلى الله عليه و آله ) حين نزلت عليه هذه الآية : ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 4 ، جمع عشيرته في بيته . و بعد أن أكلوا من مائدته ، قال لهم مشيراً إلى علي ( عليه السلام ) : هذا أخي و وصيّي و خليفّتي فيكم ، فاسمعوا له ، و أطيعوا . و علّق الأستاذ محمد عبد اللّه عنان المصري ، في كتابه على ذلك « تاريخ الجمعيّات السريّة » : فقال : من الخطأ أن يقال إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرّة عند انشقاق الخوارج ، بل كان بدء الشيعة و ظهورهم في عصر الرّسول ، حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية : ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 4 ثم ساق الحديث إلى نهايته .
و وضع علماء الشيعة الاثني عشرية العديد من الكتب في النصّ على علي عليه السَّلام ، و جمعوا فيها الآيات و الأحاديث من طرق السنة و الشيعة .
من هذه الكتب « الشافي » للمرتضى ، « و نهج الحق » للعلامة الحلّي ، و الجزء الثاني « من دلائل الصدق » للمظفّر ، « ونقض الوشيعة » و الجزء الأول من « أعيان الشيعة » للسيّد الأمين ، و « المراجعات » لشرف الدّين ، « و الغدير » للأميني .

و ممّا قدّمناه نستخلص

أولاً ـ إن فكرة العصمة لم يقل بها الشيعة وحدهم ، فإن السنّة يقولون بها أيضاً ، و الاختلاف بينهم في التطبيق فقط . فالسنّة يجعلونها للجماعة ، و الشيعة للإمام المنصوص عليه ، فنسبة الفكرة من حيث هي إلى الشيعة دون السنّة خطأ و اشتباه ، تماماً كما هي الحال في فكرة الخلافة من حيث هي ، و نسبتها إلى الشيعة دون غيرهم .
ثانياً ـ إنّ فكرة النصّ على علي عليه السَّلام بالذات هي فكرة دينية إسلامية تستند إلى الكتاب و السنة ، و ليست فكرة سياسية ـ كما قيل ـ ترتكز على حق الوراثة في الحكم ، و لا فكرة عاطفية صرف ، لا مصدر لها إلا قرابة النسب و السبب بين محمد صلى اللّه عليه و آله .
ثالثاً ـ إن مبدأ النص على علي عليه السلام بالخلافة فارق أساسي ، و حاجز منيع بين السنة و الشيعة . و قد كان له المقام الأول في الإيمان و العقيدة ، و تعدد الفرق الإسلامية ، و التأثير البالغ في السياسة ، و الفلسفة ، و علم الكلام ، و في الفقه ، و في التفسير و الحديث ، و التصوف ، و الأدب الإسلامي في جميع مراحله ، بل والأساطير التي يبرأ منها الكتاب و الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و علي وأبناؤه عليهم السلام ، و المحقون من شيعتهم . قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « ما شيعتنا إلا من يقول علينا حقّاً » .

بدء التشيع

قال الشيعة : إن رسول اللّه هو الذي غرس بذرة التشيع لعلي عليه السلام بالنص عليه ، و بالمدح و الثناء بما لم يثن به على غيره من الأصحاب .
كقوله : « يا علي ، لا يحبّك إلا مؤمن ، و لا يبغضك إلا منافق » و قوله : « علي مع الحق ، و الحق مع علي » بل هو الذي أطلق على أتباع علي عليه السلام لفظ الشيعة ، و أسماهم بهذا الاسم ، حيث قال له : « يا أبا الحسن أنت و شيعتك في الجنة » و قال : « تأتي أنت و شيعتك راضين مرضيين » نقل الشيعة هذا الحديث عن كتاب « الصواعق المحرقة » لابن حجر الشافعي .
و ظهرت هذه البذرة أوّل ما ظهرت حين توفي النبي صلى اللّه عليه و آله ، و بويع أبو بكر بالخلافة ، حيث امتنع علي عليه السلام ، و معه شيعته و أنصاره ، و استمرّوا ممتنعين عن البيعة ستة أشهر كاملة . ذكر هذا المؤرخون و الكتّاب القدامى و الجدد .
و آخرهم الكاتب المصري أحمد عباس صالح ، فقد نشر مقالاً متسلسلاً بعنوان « اليمين و الثورة » في مجلة الكاتب القاهرية . و ممّا قاله 5 : إنّ غالبية المسلمين حين توفي النبي صلى اللّه عليه و آله ، كانوا مع الاتجاه الذي يمثله علي بن أبي طالب عليه السلام و أصحابه . لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله كان زعيم هذا الاتجاه ، و واضع مبادئه الأساسية و قال 6 : « كان حزب كبير من أحزاب المسلمين يعتقدون أن علياً عليه السلام كان أولى بالخلافة من أبي بكر و عمر » .
و أخذت بذرة التشيع تنمو و تعلو ، و تواصل نموها و علوها مع الزمن ، و الحركات الاجتماعية الإصلاحية في الإسلام ، حتى أصبحت عقيدة الأصحاب و الرواد الأول ، و الصالحين و المخلصين . ذلك أن علياً كان يسير على الطريق التي رسمها الرسول . قال المسعودي في مروج الذهب : كان مع علي في صفين تسعون ألفاً ، فيهم ألفان و ثمانمائة من أصحاب الرسول صلى اللّه عليه و آله .

الخلفاء الاثنا عشر

روى السنة و الشيعة عن رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) أنه قال : إن الخلافة في قريش و إن عدد الخلفاء اثنا عشر خليفة ، فقد جاء في صحيح البخاري 7 ما نصه بالحرف : « قال رسول اللّه : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان . . . و يكون اثنا عشر أميراً » . و قال ابن حجر العسقلاني ، و هو يشرح هذا الحديث 8 : « كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال : اثنا عشر ، كعدة نقباء بني إسرائيل » .
و لم يخالف في ذلك إلا الخوارج ، فإنهم قالوا : ليست الخلافة في قريش ، بل الناس فيها سواء .
و بعد أن اتفق السنة و الشيعة على أن الخلافة لا تكون إلا في قريش ، قال الشيعة و أفضل قريش بنو هاشم ، لما رواه مسلم 9 أن النبي قال : « إن اللّه اصطفى كنانة من إسماعيل ، و اصطفى قريشاً من كنانة ، و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم » . و أيضاً روى مسلم في الكتاب المذكور بعنوان فضائل علي بن أبي طالب أن النبي « قال : أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي ، فأجيب ، و أنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب اللّه ، فيه الهدى و النور ، فخذوا بكتاب اللّه ، و استمسكوا به ، و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي » كررها ثلاثاً .
و قال الشيعة : فإذا جمعنا بين الأحاديث الثلاثة ، في قريش ، « و الاصطفاء ، و الثقلين» و عطفنا بعضها على بعض جاءت النتيجة أن الخلافة في أهل بيت رسول اللّه ، و هم علي و بنوه .
فالسنة يتفقون مع الشيعة في أن الخلافة لا بد منها ، و أنها في قريش دون غيرهم و أن عدد الأئمة اثنا عشر إماماً و يختلفون معهم في أمرين :
الأول : في حصر الخلافة بالهاشميين ، و بصورة أخص بعلي و بنيه .
الثاني : في تعيين الأئمة الاثني عشر بأسمائهم و أنسابهم ، يختلفون في هذين ، أما أصل فكرة الاثني عشرية فمحل وفاق بين السنة و الشيعة الاثني عشرية ، و على هذا تكون فكرة إسلامية تعم الطرفين ، لا سنية فقط ، و لا شيعية فقط ، تماماً كفكرة العصمة و فكرة الخلافة من حيث المبدأ و القاعدة .
أما السبب لتسمية هذه الفرقة من الشيعة بالاثني عشرية دون غيرها ، مع العلم بأن السنة يؤمنون بالأئمة الأثنى عشر فهو أن هذه الفرقة قد أجمعت على تعيين الأثنى عشر بأسمائهم و أعيانهم ، و اختلف السنة في ذلك . . فمنهم من قال : إن الأثنى عشر لم يخلقوا بعد ، و سيخلقون ، و يملكون بعد ظهور المهدي المنتظر و وفاته ، و منهم من قال : « إن المراد بالأثنى عشر غير أصحاب الرسول لأن حكم أصحابه يرتبط بحكمه . . إذن ، كل الأئمة الاثني عشر من بني أمية ما عدا عثمان و مروان ، لأنهما صحابيان . . و عليه يكون أول الأئمة الذين عناهم النبي يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية ، ثم عبد الملك ، و أولاده الأربعة : الوليد ، و سليمان ، و يزيد ، و هشام و عمر بن عبد العزيز ، و الوليد بن يزيد ، و يزيد بن الوليد ، و أخوه إبراهيم ، و مروان الحمار . . و منهم من قال : هم أبو بكر ، و عمر ، و عثمان ، و علي ، و معاوية ، و ولده يزيد ، و عبد الملك ، و أولاده الأربعة ، و عمر بن عبد العزيز . . و منهم من قال : المراد وجود إثنى عشر إماماً في مدة الإسلام ، حتى يوم القيامة ، و إن لم تتوال أيامهم إلى غير ذلك 10 .

الفرقة الاثنا عشرية

قدمنا أن بذرة التشيع غرست في عهد الرسول ، و ظهرت حين بويع أبو بكر ، و نمت و علت يوم صفين ، ففرقة علي هي أولى الفرق الإسلامية على الإطلاق ، تكونت في حياته ، و بقيت ثابتة على ولائه إلى أن قتل ، فافترقت بعده إلى فرق ، و باد أكثر هذه الفرق ، و ذهب مع الزمن ، و منها ما هي ثابتة قائمة ، حتى اليوم ، و ستبقى إلى آخر يوم ، رغم الحملات و المحاولات لمحوها و إبادتها و هكذا جميع الفرق ، أية فرق تنطبق عليها قاعدة تنازع البقاء ، و بقاء الأصلح ، تماماً كأغصان الشجرة ، تتفرع عن أصل واحد ، فينمو ، و يمتد في النمو ، و يحمل من الأزهار و الثمار ما يصلح للبقاء و الاستمرار ، و الذي لا يصلح لها يذبل و يجف و ينتهي إلى السقوط و الضياع .
و من فرق الشيعة البائدة فرقة قالت : إن علياً لم يقتل و لا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً .
و فرقة قالت بإمامة ولده محمد بن الحنفية من بعده و هم المعروفون بالكيسانية .
و من الفرق الباقية حتى اليوم " الاثنا عشرية " التي لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه ، لأن النبي نص عليه ، و على أخيه الحسين بقوله : « ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا » و بهذا النص انتقلت الإمامة بعد الحسن إلى أخيه الحسين ، ثم اوصى بها الحسين إلى ولده علي زين العابدين ، و أوصى هو إلى ولده محمد الباقر ، و أوصى الباقر إلى ولده جعفر الصادق ، ثم أوصى الصادق إلى ولده موسى الكاظم ، ثم أوصى الكاظم إلى ولده علي الرضا ، ثم أوصى الرضا إلى ولده محمد الجواد ، ثم أوصى الجواد إلي ولده علي الهادي ، هو أوصى إلى ولده الحسن العسكري و منه انتقلت الإمامة بالوصية إلى ولده محمد بن الحسن ، و هو المهدي المنتظر الذي اختفى بعد موت أبيه ، و كان ذلك سنة 256 هجري .
و قد وضعت كتاباً مستقلاً ، اسمه « المهدي المنتظر و العقل » و قربت الفكرة من وجهة عقلية ، و ذكرت جملة من مؤلفات السنة و الشيعة في المهدي ، ثم أدرجت كتاب المهدي في كتاب « الإسلام و العقل » .
و هذا التسلسل في الوصية من إمام إلى إمام هو من صلب عقيدة الاثني عشرية ، لأن الإمام عندهم لا يكون إلا بنص النبي عليه مباشرة ، أو بواسطة إمام منصوص عليه ، و من هنا كانت الإمامة منصباً إلهيّاً ، يأتي في الدرجة الثانية من النبوة ، فالنبي يبلغ عن اللّه ، و الإمام يبلغ عن النبي .
هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر للفرقة الاثني عشرية التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام ، رغم ما لاقته من الظلم و الاضطهاد .

عقيدتهم

يستطيع أي إنسان يحسن القراءة أن يعطي صورة واضحة الملامح عن عقيدة الاثني عشرية ، يستخلصها من أوثق المصادر ، و أصفى المراجع . . ذلك أن علماءهم قديماً و حديثاً قد وضعوا العديد من الكتب في هذا الموضوع ، منها ـ على سبيل المثال ـ اعتقادات الصدوق و شرحها للشيخ المفيد ، و أوائل المقالات للشيخ المفيد أيضاً ، و قواعد العقائد للخواجة نصير الطوسي ، و شرحها للعلامة الحلي ، و شرح الباب الحادي عشر للمقداد ، و نقض الوشيعة للسيد محسن الأمين و أصل الشيعة و أصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، و عقيدة الشيعة الإمامية للسيد هاشم معروف ، و عقائد الإمامية للشيخ المظفر ، و الشيعة و التشيع و مع الشيعة الإمامية للكاتب .
و لست أدري كيف يقطع في الخطأ و الالتباس من يعرض عقيدة هذه الفرقة ، مع كثرة المصادر ، و انتشارها . . . و مهما يكن ، فإن الاثني عشرية يعتقدون : بالتوحيد ، و العدل ، و النبوة ، و المعاد ، و بوجوب الصوم و الصلاة ، و الحج ، و الخمس و الزكاة ، و بكل ما جاء في القرآن الكريم ، و ثبت عن الرسول العظيم بالتواتر أو بنقل الثقات . و يعتقدون بوجوب تأويل النقل بما يتفق مع العقل ، و بأن القرآن هو هذا الذي بين أيدي الناس لا زيادة فيه ، و لا نقصان ، و يعتقدون بفتح باب الاجتهاد ، لأهل المعرفة و الكفاءة ، و بتقليد الجاهل للعالم في الأمور الشرعية الفرعية ، و بوجوب طلب العلم على كل إنسان كفاية لا عيناً ، و بعصمة جميع الأنبياء ، و أئمتهم الاثني عشر ، و بالتقية ، مع خوف الضرر ، و قد ذكرنا العصمة و التقية بصورة مفصلة في كتاب الشيعة و التشيع ، و يعتقدون بأن الإمامة أصل من أصول المذهب ، لا من أصول الإسلام ، و أن من أنكرها فهو مسلم ، له ما للمسلمين ، و عليه ما عليهم ، إذا اعتقد بالتوحيد و النبوة و المعاد ، و لكنه ليس إمامياً .
و يعتقدون بأن الغلو بأي إنسان فهو كفر سواء أكان من أهل البيت ، أم من غيرهم ، لقول الإمام علي : « سيهلك فيّ صنفان : محب مفرط ، يذهب به الحب إلى غير الحق ، و مبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، و خير الناس في هذا النمط الأوسط فالزموه » .
و روى الاثنا عشرية عن إمامهم الخامس محمد الباقر أنه قال: واللّه ما شيعتنا إلا من اتقى اللّه . . . ليس بين اللّه و بين أحد قرابة . . و لسنا نتقرب إلى اللّه إلا بالطاعة ، فمن كان للّه مطيعاً فهو ولينا ، و من كان للّه عاصياً فهو عدونا ، و لا تنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع .
و رووا عن إمامهم السادس جعفر الصادق أنه قال : لا تقولوا علينا إلا الحق .
و قال: إنما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه ، و اشتد جهاده ، و عمل بخالقه ، و رجا ثوابه و خاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فهم شيعة جعفر .
و قال بعض شعرائهم يصف الصادقين في إيمانهم و عقيدتهم من هذه الفرقة :
إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا *** أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا
أو يظلموا صفحوا أو يوزنوا رجحوا *** أو يسألوا سمحوا أو يحكموا عدلوا

المهدي المنتظر

أما المهدي المنتظر فإنه فكرة إسلامية يعتنقها السنة و الشيعة ، فلقد روى السنة أخباره عن النبي ، و دونوها في الصحاح من كتب الحديث ، و بلغت لكثرتها حد التواتر منها ما جاء في سنن ابن ماجة 11 أن رسول اللّه قال : يكون في أمتي المهدي ، تنعم به أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط . و في حديث آخر أنه يملؤها قسطاً و عدلاً ، كما ملئت جوراً . و منها ما في سنن أبي داود السجستاني 12 و صحيح الترمذي 13 أن رسول اللّه قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول اللّه ذلك اليوم ، حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، كما ملئت ظلماً و جوراً » . و نقل صاحب أعيان الشيعة في الجزء الرابع عن فوائد السمطين لمحمد بن إبراهيم الحموي الشافعي أن النبي قال : من نكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد .
و وضع علماء السنة كتباً خاصة بالمهدي نذكر منها على سبيل المثال : كتاب صفة المهدي ، لأبي نعيم الأصفهاني و البيان في أخبار صاحب الزمان ، للكنجي الشافعي ، و البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ، لملا علي المتقي ، و أخبار المهدي ، لعباد الرواجني ، و العرف الوردي في أخبار المهدي ، للسيوطي ، و القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، لابن حجر ، و عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر ، لجلال الدين يوسف الدمشقي 14 .
أما علماء السنة الذين أفردوا لأخبار المهدي باباً خاصاً في مؤلفاتهم فلا يبلغهم الإحصاء ، و قد جرأت هذه الأحاديث و المقالات و الكتب الكثيرين من أهل السنة أن ينتحلوا المهدوية و يدعوها لأنفسهم ، و هذا يثبت ما قلناه من أن فكرة المهدي المنتظر يقول بها السنة و الشيعة على السواء ، تماماً كفكرة الخلافة و الاثني عشرية ، من حيث المبدأ ، و لا اختلاف إلا في اتجاه الفهم و تطبيقه .
و كما اتفق الطرفان على فكرة المهدي المنتظر فقد اتفقوا أيضاً على اسمه و نسبه ، و كنيته و لقبه ، و أنه يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، و أما الجهة التي اختلفوا فيها فهي : هل ولد المهدي أو لم يولد حتى الآن .

أهم الفروق بين الشيعة و السنة

و بالإضافة إلى ما تقدم فإن الشيعة الاثني عشرية تختلف مع السنة في أشياء . بعضها يرجع إلى العقيدة ، و بعضها يرجع إلى الأحكام ، نلخص أهمها فيما يلي :

معرفة اللّه

قال السنة : تجب معرفة اللّه بالسمع لا بالعقل ، أي أن اللّه وحده هو الذي أوجب على الناس أن يعرفوه . 15
و قال الشيعة : إن معرفة اللّه تجب بالعقل لا بالسمع ، أي أن العقل هو الذي أوجب على الإنسان أن يعرف خالقه ، لأن معرفة الإيجاب تتوقف على معرفة الموجب ، فلا بد أن نعرف اللّه أولاً بطريق العقل ، ثم ننظر فيما أوجب ، و ما لم يُوجب و محال أن نعرف أحكامه دون أن نعرف شيئاً عنه ، . . أما ما جاء في السمع من هذا الباب كقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... 16 فهو بيان و تأكيد و تقرير لحكم العقل ، و ليس تأسيساً جديداً من الشارع .
و قال السنة : اللّه يصح أن يرى 17
و قال الشيعة : ان رؤية اللّه محالة و غير ممكنة في الدنيا و الآخرة : و أولوا الآيات الدالة بظاهرها على إمكان الرؤية ، أولوها بالعقل و البصيرة لا بالعين و البصر .
و قال السنة : إن صفات اللّه زائدة على ذاته .
و قال الشيعة بل هي عينها ، و إلا لزم تعدد القديم .

كلام اللّه

هل هناك شيء آخر وراء ألفاظ التوراة و الإنجيل ، الأصليّين و القرآن يسمى كلام اللّه ، أو أن كلامه تعالى هو هذا اللفظ الموجود في الكتب السماوية ؟
قال السنة : إن الكلام الموجود في الكتب السماوية ليس بكلام اللّه حقيقة ، بل إن كلامه قديم قائم بذاته ، تماماً كالعلم و القدرة و الإرادة ، و هذه الكلمات المسطورة التي نتلفظ بها ، و ننسبها إليه سبحانه تعبر عن كلامه القائم بذاته .
كما يعبر قولنا « علْم اللّه و إرادة اللّه » عن علمه و إرادته القائمين بذاته .
و قال الشيعة : إن كل من يوجد كلاماً فكلامه يدل على معنى ما نطق به . و على هذا يكون كلام اللّه هو الكلمات نفسها الموجودة في التوراة ، و الإنجيل ، و القرآن . و هي حادثة ، و مخلوقة . و لا يلزم من القول بحدوثها أن يكون اللّه محلاً للحوادث ، لأنه سبحانه يخلق الكلام ، كما يخلق سائر الكائنات .

أفعال اللّه

قال السنة : لا يجوز تعليل أفعال اللّه بشيء من الأغراض و العلل الغائية ، لأنه لا يجب عليه شيء ، و لا يقبح منه شيء 18 . و في كتاب « المذاهب الإسلامية » للشيخ أبي زهرة 19 ما نصّه بالحرف « قال الأشاعرة أي السنة : إن اللّه سبحانه و تعالى خلق الأشياء لا لعلة و لا لباعث لأن ذلك يقيّد إرادة اللّه » .
و قال الشيعة : إن جميع أفعاله عزّ وجل معلّلة بمصالح تعود على الناس ، أو تتعلق بنظام الكون ، كما هو شأن العليم الحكيم .

الأمر و الإرادة

قال السنة : لا تلازم بين ما يأمر به اللّه و ما يريد ، و لا بين ما ينهى عنه و ما يكره ، فقد يأمر بما يكره ، و ينهى عما يحب 20 .
و قال الشيعة : إن أمر اللّه بالشيء يدل على إرادته له ، و إن نهيه عنه يدل على كرهه له ، و محال أن يأمر بما يكره ، و ينهى عما يحب .

عقاب الطائع و ثواب العاصي

قال السنة : إن العقل يجيز على اللّه أن يعاقب الطائع ، و يثيب العاصي ، لأن المطيع لا يستحق ثواباً بطاعته ، و العاصي لا يستحق عقاباً بمعصيته ، و أيضاً يجيز العقل على اللّه أن يخلف وعده 21 .
و قال الشيعة: إن العقل لا يجيز على الله أن يعاقب المطيع ، و يجيز عليه أن يتفضّل على العاصي ، تماماً كما لك أن تتفضّل على من أساء إليك ، و لا يجوز أن تسيء إلى من أحسن .

الجبر و الاختيار

قال السنة : أفعال العباد كلها خيرها و شرها ، من اللّه ، و ليس لقدرتهم تأثير فيها ، و إن التكليف بما لا يطاق جائز على اللّه ، لأنه خالق كل شيء ، و لا يجب عليه شيء ، و لا يقبح منه شيء 22 .
و قال الشيعة : إن الإنسان مخير لا مسير و إن اللّه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، و إن أفعال العباد خيرها من اللّه ، لأنه أرادها و أمر بها و من العبد أيضاً لأنها صدرت منه باختياره و إرادته .
أما شرها فمن العبد فقط ، لأنه فاعلها بمشيئته ، و ليست من اللّه لأنه نهي عنها .

الحسن و القبح

قال السنة : إن العقل لا يدرك حسناً و لا قبحاً ، و إنما الحسن ما أمر به الشرع ، و القبيح ما نهى عنه . و لو أمر بما نهى عنه ، لصار حسناً بعد أن كان قبيحاً أو نهى عما أمر به لصار قبيحاً بعد أن كان حسناً . و يقولون هذا حسن لأن اللّه أمر به ، و هذا قبيح لأن اللّه نهى عنه 23 .
قال الشيعة : العقل يدرك الحسن و القبح مستقلاً عن الشرع و يقولون إن اللّه أمر بهذا لأنه حسن ، و نهى عن ذلك لأنه قبيح .

الأسباب و المسببات

قال السنة : إن المسببات لا تجري على أسبابها ، و إن جميع الممكنات مستندة إليه تعالى بلا واسطة و لا علاقة بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء العادة بخلق بعضها عقب بعض ، كالإحراق عقب مماسة النار و الري بعد شرب الماء فكل من الإحراق و الري يستند إلى اللّه مباشرة ، و لا مدخل إطلاقاً للمماسة و الشرب 24 .
و قال الشيعة إن جميع المسببات ترتبط بأسبابها ، فالماء هو الذي يروي و النار هي التي تحرق .
و قال السنة : لا يجب على اللّه أن يبعث أنبياء يبينون للناس موارد الخير و الشر ، ويجوز أن يتركهم بلا هادٍ و لا مرشد ، لأنه لا يجب عليه شيء ، و لا يقبح منه شيء .
و قال الشيعة : بل تجب بعثة الأنبياء من باب اللطف الذي يقرب الناس من الطاعة و يبتعد بهم عن المعصية .

عصمة الأنبياء

قال السنة: تجوز الذنوب على الأنبياء الكبائر منها و الصغائر قبل البعثة ، أما بعد البعثة ، فتجوز الصغائر عمداً و سهواً و الكبائر سهواً ، لا عمداً .
و قال الشيعة : الأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها و صغيرها ، قبل البعثة و بعد البعثة و لا يصدر عنهم ما يشين لا عمداً و لا سهواً كما أنهم منزهون عن دناءة الآباء ، و عهر الأمهات و أن اللّه سبحانه نقلهم من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة منذ آدم إلى حين ولادتهم .

الصحابة

قال أكثر السنة : إن أصحاب رسول اللّه جميعهم عدول لا تطلب تزكيتهم 25 .
و قال الشيعة : إن الصحابة كغيرهم ، فيهم الطيب ، و الخبيث ، و العادل ، و الفاسق ، و استدلوا بالآية 101 من سورة التوبة : ﴿ ... وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ... 26 .
و قالوا : بل أنزل اللّه على نبيه سورة خاصة بالمنافقين افتتحها بقوله : ﴿ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 27 .

الاجتهاد

للاجتهاد معنيان : الأول أن يستخرج الفقيه الحكم الشرعي فما يرتئيه هو و يستحسنه ، دون أن يعتمد على آية قرآنية ، أو سنة نبوية ، أو إجماع قائم ، أو مبدأ ثبت بحكم العقل و البديهة ، و تسالم على صحته جميع العقلاء . . و هذا النوع من الاجتهاد يعبر عنه بالرأي ، و هو جائز عند السنة .
أما عند الشيعة فمحرم ، و يستدلون على تحريمه بأنه يعتمد على مجرد الظن و الترجيحات الشخصية .
المعنى الثاني : ان يجتهد الفقيه في سند الحديث من حيث الصحة و الضعف ، و في تفسير النص كتاباً و سنّة ، و في استخراج الحكم من أقوال المجمعين ، و مبدأ العقل الثابت بالبديهة كمبدأ قبح العقاب بلا بيان ، و مبدأ المشروط عدم عند عدم شرطه ، و ما إلى ذلك من أحكام العقل التي لاتقبل الشك ، و لا يختلف فيها اثنان . . . و قد أجاز الشيعة هذا الاجتهاد لكل فقيه يجمع الشروط المقررة للمجتهد ، ولم يقيدوا اجتهاده بقول إمام من أئمة السلف أو الخلف .
و حرم السنة هذا النوع من الاجتهاد واقفلوا بابه منذ القرن الرابع الهجري ، و حجروا على الفقيه أن يصحح أو يضعف حديثاً من أحاديث الآحاد أو يعمل بما يفهمه من النص ، أو يستخرج حكماً من مبادئ العقل . إلا إذا وافق رأيه قول إمام من أئمة السلف .

التعصيب

قال السنة : إذا كان للميت بنت و أخ ، و ليس له ابن و لا أب فتركته مناصفة بين الأخ و البنت ، و إذا كان له بنتان فأكثر فلأخيه الثلث ، و الباقي للبنتين أو البنات . . . و هذي إحدى مسائل التعصيب الذي عقد الفقهاء له فصلاً خاصاً في باب الميراث .
و قال الشيعة : التعصيب باطل من الأساس بشتى فروعه و مسائله ، و إن التركة بكاملها للبنت أو البنات ، وليس للأخ شيء لأن الولد ذكراً كان أو أنثى يأتي في الدرجة الأولى نسباً و الأخ في الدرجة الثانية ، و العم في الدرجة الثالثة .

العول

القاعدة في الإرث أن فرض الزوجة من ميراث زوجها الثُّمن إن كان له ولد ذكراً كان أو أنثى ، و للأبوين معاً الثلث و للبنتين الثلثان إذا لم يكن للميت ابن فإذا افترض أن كان للميت زوجة و أبوان و بنتان ، و لا ابن له اجتمع على تركته من له الثمن ، و من له الثلث ، و من له الثلثان و بديهة أن التركة لا تتسع للثلث و الثلثين و الثمن ، فإذا أخذ الأبوان الثلث ، و البنتان الثلثين ، لم يبق للزوجة شيء . و إذا أخذت الزوجة الثمن ، دخل النقص على الأبوين أو البنتين ، فماذا نصنع . و هذي إحدى مسائل العول الذي أطال الفقهاء الكلام عنه في باب الميراث ، و معنى العول هنا زيادة السهام على التركة .
قال السنة : يدخل النقص على كل واحد بقدر سهمه ، تماماً كأرباب الديون إذا ضاق مال المديون عن دينهم .
و قال الشيعة : يدخل النقص على البنتين فقط .

المتعة

من معاني المتعة الزواج إلى أجل ، و قد اتفق المسلمون قولاً واحداً السنة منهم و الشيعة على أن الإسلام شرعها ، و رسول اللّه أباحها ، و استدلوا بالآية 24 من سورة النساء : ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ... 28 .
و جاء في « صحيح البخاري » 29 : إن رسول اللّه قال لأصحابه في بعض حروبه: « قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا . . إيما رجل أو امرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليالٍ ، فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تركا » .
و في « صحيح مسلم » 30 عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنه قال : « استمتعنا على عهد رسول اللّه ، و أبي بَكر ، و عمر » و في الصفحة نفسها حديث عن جابر ، قال فيه : « ثم نهانا عنه عمر » .
و بعد أن اتفق المسلمون على شرعيتها و إباحتها في عهد رسول اللّه ، اختلفوا في نسخها : و هل صارت حراماً بعد أن أحلها اللّه ؟
ذهب السنة إلى أنها نسخت ، و حرمت بعد الإذن بها قال ابن حجر العسقلاني 31 « وردت عدة أحاديث صحيحة و صريحة بالنهي عن المتعة بعد الإذن بها » و جاء في الجزء السادس من كتاب « المغني » لابن قدامة 32 ، ما نصه بالحرف : قال الشافعي: « لا أعلم شيئاً أحله اللّه ، ثم حرمه ، ثم أحله ثم حرمه ، إلا المتعة » .
و قال الشيعة : أجمع المسلمون على إباحة المتعة ، و اختلفوا في نسخها . و ما ثبت باليقين لا يزول بمجرد الشك و الظن . و أيضاً استدلوا على عدم النسخ بأن الإمام الصادق سئل : « هل نسخ آية المتعة شيء قال : لا ولولا ما نهى عنها عمر ، ما زنى إلا شقي » و أن كثيراً من الناس يحسبون المتعة ضرباً من الزنا و الفجور ، جهلاً بحقيقتها ، و يعتقدون أن ابن المتعة ، عند الشيعة ، لا نصيب له من ميراث أبيه ، و أن المتمتع بها لا عدة لها و أنها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت . . و من أجل هذا استقبحوا المتعة ، و استنكروها و شنعوا على من أباحها .
و الواقع أن المتعة عند الشيعة الاثني عشرية كالزواج الدائم ، لا تتمُ إلا بالعقد الدال على قصد الزواج صراحة ، و أن المتمتع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع ، و أن ولدها كالولد من الدائمة في وجوب التوارث ، و الإنفاق و سائر الحقوق المادية و الأدبية و أن عليها أن تعتد بعد انتهاء الأجل مع الدخول بها ، و إذا مات زوجها و هي في عصمته ، اعتدت كالدائمة من غير تفاوت إلى غير ذلك من الآثار و الأحكام .
و قال الشيعة : تجب الصلاة على النبي و آله في الصلاة و من لا يصلي عليه و عليهم فيها فلا صلاة له ، و استدلوا بالآية 56 من سورة الأحزاب : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 33 معطوفاً عليها الحديث الذي رواه البخاري 34 و هذا نصه بالحرف : « كيف نصلي عليك ـ يا رسول اللّه ـ فقال : قولوا : « اللهم صل على محمد و على آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد » .
و قال السنة : لا تجب الصلاة على آل محمد في الصلاة و بالأولى في غيرها . أما الصلاة على محمد دون آله فهي فرض عند الشافعية و الحنابلة ، و تبطل الصلاة بتركها ، و هي سنة راجحة عند الحنفية و المالكية ، و تصح الصلاة بتركها 35 .

تاريخهم السياسي

إن الارتباط وثيق جداً بين تاريخهم السياسي ، و بين ملوك بني بويه ، و الأمراء الحمدانيين ، و ملوك إيران من عهد الصفويين إلى اليوم ، و ذكرنا ما يتصل بذلك في كتاب « الشيعة و التشيع » أما الفاطميون فقد كانوا من الإسماعيلية لا من الاثني عشرية .
و لا بد للمؤرخ لهذه الفرقة أن يدخل في حسابه الإمارات المستقلة ـ غير أمراء الأقطاع ـ كإمارة بني عمار الذين حكموا طرابلس الشام من أواسط القرن الخامس الهجري إلى سنة 502 حين أخذها منهم الصليبيون .
و أيضاً عليه أن ينظر إلى من تولى الوزارة من هذه الفرقة لدول غير شيعية ، كالعلقمي وزير المستعصم العباسي ، و ابن الفرات وزير المقتدر .
و أيضاً ينبغي أن يقف طويلاً عند الحوادث و الحركات الثورية التي قام بها الشيعة الاثنا عشرية ، للانتفاض على السلطة الحاكمة طلباً للحرية و العدالة ، كثورة العراقيين ضد الإنكليز سنة 1920 ميلادي و موقف علمائهم من حكام الجور .

تاريخهم الثقافي

أما آثارهم الثقافية فيستطيع الباحث أن يعرفها بالحس و اليقين ، لا بالحدس و التخمين ، فهذه المكتبة الإسلامية العربية منها ، و غير العربية تغص في مؤلفاتهم من كل فن ، و قد ذكرنا طرفاً منها في كلمتنا عن آل البيت ، أما منهجهم في البحث و التأليف فهو الاجتهاد و منطق العقل ، قال الدكتور توفيق الطويل المصري في كتاب « أسس الفلسفة » 36 : و رأي كارادي فو « أن التشيع رد فعل لفكر حر طليق كان يقاوم جموداً عقلياً بدا في مذهب أهل السنة » و ايضاً 37 : « كان للشيعة فضل ملحوظ في إغناء المضمون الروحي للإسلام ، فبمثل حركاتهم الجامعة تأمن الأديان التحجر في قوالب جامدة » .
و قال الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر في كتاب تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية 38 : «إن النزوع إلى تدوين الفقه كان أسرع إلى الشيعة من سائر المسلمين» وقدمنا أن الذهن يتجه عند سماع لفظة الشيعة إلى الاثني عشرية .
و قال الأديب أحمد أمين المصري في كتاب « يوم الإسلام » 39 : « و كان الطوسي ـ أي الخواجا نصير ـ أسبق من أينشتين في فهم الزمنية » .
و في مجلة المجلة المصرية عدد تشرين الثاني سنة 1964 مقال بعنوان « نظرة جديدة في الفلسفة الإسلامية » جاء فيه « صدر في هذه السنة الجزء الأول من تاريخ الفلسفة الإسلامية تأليف « هنري كوربان » الأستاذ بالمدرسة العلمية للدراسات العليا في كلية الآداب بالسوربون ، و قد أعطى للمؤلف الشيعة نصيب الأسد في تطور الفلسفة الإسلامية ، و الكثير من آرائها و اتجاهاتها . . و كذلك أعطى أهمية كبرى لميرداماد ، و ملا محسن الفيض ، و عبد الرزاق لاهيجي ، و قاضي سعيد القمي ، و صدر الدين الشيرازي ، و سيد حيدر آملي ، و الجلال الرواني ، و ابن كمونه ، و محمود شبستري » .

بلدانهم و عددهم

إن إحصاء البلدان و النفوس من الموضوعات العلمية التي تعتمد على الاستقراء و المشاهدات ، و لا نعرف أحداً أحصى بلدان هذه الفرقة و عددهم على هذا الأساس لنعتمد عليه ، و ننقل عنه و لكن الذي لا شك فيه أنهم من الفرق الكبرى في الإسلام ، و يأتون بعد السنة من حيث العدد بلا فصل ، و أن العراق و إيران و البحرين و الأحساء و القطيف أكثرهم منهم .
و هم في لبنان من الطوائف الأولى ، و يشعيشون فيه بحريتهم و كرامتهم ، لأن لبنان من حيث هو بلد الحرية و الكرامة ، و لهم في هذا البلد تاريخ مجيد ، و يعيش العدد الكبير من الاثني عشرية في أكثر البلاد الإسلامية كسورية و الحجاز ، و اليمن ، و قطر ، و مسقط ، و عمان ، و الكويت و منهم نواب في المجلس بتركيا ، و منهم الآن نائبان و يذهب إليهم بين الحين و الحين بعض علماء النجف و إيران للهداية و الإرشاد .
و لا يخلو مكان منهم في أفغانستان ، و بعثات الأفغانيين الدينية إلى النجف الأشرف مستمرة منذ القديم . و قال لي أديب أندنوسي اثنا عشري ، و عالم من علماء النجف أقام أمداً غير قصير في أندنوسيا ، قالا : إن عدد الاثني عشرية هناك يبلغ نحواً من خمسة ملايين .
و يوجد منهم عدد غير قليل في البانيا ، أما الصين فقال الشيخ المظفر في تاريخ الشيعة : إن فيها 11 مليوناً ، و في روسيا 10 ملايين ، و قال صاحب أعيان الشيعة : إنهم في الهند 30 مليونا . و في الجزء الأول من دائرة المعارف الإسلامية الشيعية التي يصدرها الأستاذ الكبير السيد حسن الأمين ـ باللغة الإنكليزية ـ إن عدد الشيعة اليوم يبلغ حوالي مائة و خمسين مليوناً يقيمون في شرق الأرض و غربها .
و قال الشيخ محمد أبو زهرة المصري في آخر كتاب الإمام جعفر الصادق : لقد نما المذهب الجعفري ، و انتشر لأسباب :
1 ـ إن باب الإجتهاد مفتوح عند أهله 40 .
2 ـ إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات ، حيث أوروبا و ما حولها ، و تفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم و تفكيرهم و بيئاتهم الطبيعية و الاقتصادية و الاجتّماعية و النفسية . إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان يحمل في سيره ألوانها و أشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته .
3 ـ كثرة علماء المذهب الذين يتصدون للبحث و الدراسة و علاج المشاكل المختلفة ، و قد آتى اللّه ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عدداً وفيراً عكفوا على دراسته ، و علاج المشاكل على مقتضاه .

  • 1. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 118 ، الصفحة : 235 .
  • 2. صحيح البخاري : 9 / كتاب الأحكام
  • 3. a. b. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 187 ، الصفحة : 174 .
  • 4. a. b. القران الكريم : سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 214 ، الصفحة : 376 .
  • 5. مجلة الكاتب القاهرية : عدد يناير ( كانون الثاني ) 1965
  • 6. المصدر : عدد فبراير «شباط» 1965
  • 7. صحيح البخاري : 9 كتاب الأحكام
  • 8. فتح الباري : 13 / 183 طبعة 1301 هجري
  • 9. صحيح مسلم : 2 بعنوان كتاب الفضائل
  • 10. فتح الباري للعسقلاني : 13 / 183 و ما بعدها طبعة سنة 1301 هجري
  • 11. سنن ابن ماجه : 2 الحديث رقم 4083
  • 12. سنن أبي داود : 2 / 422 طبعة سنة 1952
  • 13. صحيح الترمذي : 9 / 74 طبعة سنة 1934
  • 14. نقلاً عن منتخب الأثر للطف اللّه الصافي
  • 15. المواقف للأيجي: ( المتوفى 756 هجري ـ 1355 ) 1 : 251 ، مطبعة السعادة بمصر سنة 1325 هجري .
  • 16. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 508 .
  • 17. المواقف للأيجي 8: 115 .
  • 18. المواقف: 8 / 202 .
  • 19. فصل وحدانية التكوين : فقرة تعليل الأفعال
  • 20. المواقف : 8 / 176 .
  • 21. المواقف : 8 / المقصد الخامس و السادس من المرصد الثاني في المعاد ، و المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ، فصل بعنوان « منهاجه و آراؤه » رقم 104 .
  • 22. المواقف : 8 / المقصد الأول و الثاني ، و السابع من المرصد السادس في أفعاله تعالى .
  • 23. المواقف : 8 / المقصد الخامس في الحسن و القبح من المرصد السادس في أفعاله تعالى .
  • 24. المواقف : 8 / 148و203 ـ 204 .
  • 25. كتاب مسلم : الثبوت و شرحه ، وكتاب « أصول الفقه » للخضري .
  • 26. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 203 .
  • 27. القران الكريم : سورة المنافقون ( 63 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 554 .
  • 28. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 82 .
  • 29. صحيح البخاري : 7 / كتاب النكاح
  • 30. صحيح مسلم : 2 / باب نكاح المتعة / 623 ـ طبعة 1348 هجري .
  • 31. فتح الباري بشرح صحيح البخاري : 11 / 70 طبعة 1959
  • 32. المغني : 645 ، طبعة ثالثة .
  • 33. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 56 ، الصفحة : 426 .
  • 34. صحيح البخاري : 8 ، كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي
  • 35. ميزان الشعراني جلد 1 باب صفة الصلاة . و المغني لابن قدامى ، جلد 1 مسألة التشهد .
  • 36. أسس الفلسفة : 390 طبعة 1955
  • 37. المصدر : 391 .
  • 38. تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية : 202 طبعة 1959 .
  • 39. يوم الاسلام : 89 طبعة 1958 .
  • 40. تكلمنا مفصلاً عن الاجتهاد في المجلد السابع من دائرة المعارف ، و آخر الجزء السادس من فقه الإمام الصادق .

تعليق واحد