الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بذور للتفكر في نظرية عدالة الصحابة

ابن عباس يصف الصحابة لمعاوية

سأل معاوية ابن عباس عن عدة أمور ، ثم سأله عن الصحابة فقال ابن عباس :
يا معاوية إن الله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه خص نبيه محمدا بصحابة آثروه على الأنفس و الأموال ، و بذلوا النفوس دونه في كل حال ، و وصفهم الله في كتابه فقال :
﴿ ... رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 1.
قاموا بمعالم الدين و ناصحوا الاجتهاد للمسلمين ، حتى تهذبت طرقه ، و قويت أسبابه ، و ظهرت آلاء الله ، و استقر دينه ، و وضحت أعلامه ، و أذل بهم الشرك ، و أزال رؤوسه ، و محا معالمه ، و صارت كلمة الله هي العليا ، و كلمة الذين كفروا السفلى .


فصلوات الله و رحمته و بركاته على تلك النفوس الزكية ، و الأرواح الطاهرة العالية فقد كانوا في الحياة أولياء و كانوا بعد الموت أحياء ، و كانوا لعباد الله نصحاء رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها ، و خرجوا من الدنيا و هم بعد فيها .
فقطع عليه معاوية الكلام و قال : يا ابن عباس حدثنا في غير هذا 2 .

شهادة و وصية الصحابي حذيفة بن اليمان

كان حذيفة عليلا بالكوفة سنة 36 ه‍ ، فبلغه قتل عثمان و بيعة الناس لعلي فقال : أخرجوني و ادعوا الصلاة جامعة . فوضع على المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله ثم قال : " أيها الناس إن الناس قد بايعوا عليا ، فعليكم بتقوى الله و انصروا عليا و آزروه ، فو الله إنه لعلى الحق آخرا و أولا ، و إنه لخير من مضى بعد نبيكم و من بقي إلى يوم القيامة . ثم أطبق بيمينه على يساره ثم قال : اللهم اشهد أني قد بايعت عليا " .
قال لابنيه صفوان و سعد : احملاني و كونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا أن تستشهدا معه فإنه والله على الحق و من خالفه على الباطل ، و مات حذيفة رضي الله عنه بعد هذا اليوم بسبعة أيام و قيل بأربعين يوما ، و نفذ الولدان الباران وصية أبيهما و استشهدا يوم صفين و هما يقاتلان إلى جانب علي ( عليه السلام ) 2 .

الزبير و حسن الخاتمة

خرج علي بنفسه حاسرا على بغلة رسول الله لا سلاح معه ، فنادى : يا زبير أخرج علي ، فخرج إليه الزبير شاكا في سلاحه ، فقيل ذلك لعائشة فقالت : واثكلك يا أسماء ، فقيل لها : إن عليا حاسر فاطمأنت و اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال علي : ويحك يا زبير ما الذي أخرجك ، قال : دم عثمان ، قال علي : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أتذكر يوم لقيت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في بني بياضة و هو راكب حماره فضحك إلي رسول الله و ضحكت إليه و أنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ما يدع علي زهوه ، فقال لك : ليس به زهو أتحبه يا زبير ؟ فقلت : إني والله لأحبه فقال لك : إنك والله ستقاتله و أنت ظالم له ، فقال الزبير : أستغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت ، فقال له : يا زبير ارجع ، فقال الزبير : كيف أرجع الآن و قد التقت حلقتا البطان ؟ هذا والله العار الذي لا يقبل . فقال علي : يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار و النار ، فرجع الزبير و هو يقول :
أخذت عارا على نار مؤججة *** ما إن يقوم لها خلق من الطـين
نادى علي بأمر لست أجهله *** عار لعمرك في الدنيا و في الدين 3
و الخلاصة أنه انسحب من التجمع الآثم ولقيه عمرو بن جرموز فقتله .

طلحة و حسن الخاتمة

نادى علي طلحة حين رجع الزبير ، و قال له : يا أبا محمد ، ما الذي أخرجك ؟ فقال : الطلب بدم عثمان ، قال علي : قتل الله أولانا بدم عثمان ، يا طلحة أما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول : " اللهم وال من والاه و عاد من عاداه " ، و أنت أول من بايعني ثم نكثت و قد قال الله عز و جل :
﴿ ... فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ... ﴾ 4 فقال طلحة : ( أستغفر الله ثم رجع ) .

الحليف يقتل حليفه

قال مروان بن الحكم بن العاص : رجع الزبير و يرجع طلحة ، ما أبالي رميت ههنا أم ههنا ، فرماه في أكحله فقتله . و هو يجود بنفسه قال طلحة :
ندمت ما ندمت و ضل حلمي *** و لهفي ثم لهف أبـي و أمي
ندمت ندامة الكـسعي لمـا *** طلبت رضى بني جرم بزعمي
جرحه عبد الملك في جبهته و رماه مروان بن الحكم في أكحله .

نهاية الصحابي عمار بن ياسر

قال عمار بن ياسر : إني لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لكنا على الحق و كانوا على الباطل . و تقدم عمار فقاتل ثم رجع إلى موضع فاستسقى ، فأتته امرأة من نساء بني شيبان من مصافهم بعسل فيه لبن فدفعه إليه فقال : الله أكبر الله أكبر اليوم ألقى الأحبة تحت الأسنة ، صدق الصادق و بذلك أخبرني الناطق و هو اليوم الذي و عدنا فيه ـ و كان الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قد أخبره بأن الفئة الباغية ستقتله و سيكون آخر طعامه . . . ـ و قال عمار : أيها الناس هل من رائح إلى الجنة تحت العوالي ، والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله ، و تقدم وهو يقول :
نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله *** و يذهل الخليل عن خليـله
أو يرجع الحق إلى سبيله
فقتله أبو العادية و ابن جون السكسكي و اختلفوا في سلبه فاحتكما إلى الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص .

حجة معاوية

لقد تمرد معاوية على الإمام الشرعي طالبا من الإمام معاقبة قتلة عثمان ، قال له الإمام : إدخل في الطاعة و حاكم القوم إلي أحكم بالعدل . و لكن معاوية أبى أن يدخل في الطاعة و اتخذ من قتل عثمان جسرا يعبر منه إلى الملك . و نجح معاوية و توج ملكا على المسلمين و دانت له الرقاب رغبة و رهبة .

معاوية يعاقب قتلة عثمان

قدم معاوية إلى المدينة فدخل دار عثمان . فقالت عائشة ابنة عثمان : أبتاه و بكت ، فقال معاوية : يا ابنة أخي إن الناس أعطونا طاعة و أعطيناهم أمانا ، و أظهرنا لهم حلما تحته غضب ، و أظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، و مع كل إنسان سيفه ، و هو يرى مكان أنصاره ، و إن نكثنا بهم نكثوا بنا ، و لا تدري أعلينا تكون أم لنا ، و لئن تكوني بنت عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني من عرض المسلمين 5 .

رأي الحسن البصري في معاوية

روى الطبري أن الحسن كان يقول : أربع خصال كن في معاوية و لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة ، و استخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب الطنابير ، و ادعاؤه زيادا ، و قد قال رسول الله : الولد للفراش و للعاهر الحجر ، و قتله حجرا و أصحابه ويل له من حجر و أصحابه ، ويل له من حجر و أصحابه 6 .

تتويج مفاخر معاوية

لم يكتف هذا الصحابي ( العادل ) بما فعل ، إنما لعن الإمام علي و هو ولي الله لتقتدي به الأمة و تلعن الإمام كما لعنه 7 .
و أصدر أوامره لرعيته بأن يسبوا عليا بن أبي طالب عليه السلام 8 .

عمال معاوية يسبون عليا

و ابتغاء لمرضاة معاوية كان عماله يسبون عليا عليه السلام 910 .

  • 1. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 515 .
  • 2. a. b. مروج الذهب للمسعودي : 3 / 65 ـ 66 و ص 425 ـ 426 .
  • 3. مروج الذهب : 2 / 400 ـ 402 .
  • 4. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 512 .
  • 5. البيان و التبيين للجاحظ : 3 / 300 و راجع شيخ المضيرة للشيخ محمود أبو رية : 182 .
  • 6. راجع كتاب الطبري من حوادث سنة 51 و ابن الأثير : 202 ـ 209 و ابن عساكر : 2 / 379 و الشيخ محمود أبو رية : 184 ـ 185 .
  • 7. العقد الفريد لابن عبد ربه : 4 / 366 و شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 356 و : 3 / 258 و 4 / 56 .
  • 8. راجع صحيح مسلم : 2 / 360 و صحيح الترمذي : 5 / 301 ـ 380 و راجع المستدرك للحاكم : 3 / 109 و راجع ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 1 / 206 ـ 271 و 272 و راجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي الشافعي : 48 و راجع نعم درر السمطين للزرندي الحنفي : 107 و راجع كتاب الطالب للكنجي الشافعي : 84 ـ 86 و راجع المناقب للخوارزمي الحنفي : 59 و راجع أسد الغابة لابن الأثير : 1 / 134 و 4 / 25 ـ 26 و راجع الإصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي : 2 / 509 و راجع الغدير للعلامة الأميني : 1 / 257 و 3 / 300 وراجع العقد الفريد : 4 / 29 و راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 82 و 92 و راجع شرح النهج : 1 / 256 و 361 و راجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي : 63 و راجع المراجعات للعاملي و ملحقها للسيد حسين راضي .
  • 9. راجع تاريخ الطبري : 5 / 167 ـ 168 و راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3 / 413 و راجع المستدرك للحاكم : 1 / 385 و 2 / 358 و راجع شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 356 و 361 و راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : 190 و راجع العقد الفريد : 4 / 365 ، و راجع الغدير للأميني : 1 / 264 عن إرشاد الساري في شرح البخاري للقسطلاني الشافعي : 4 / 368 و راجع تحفة الباري في شرح البخاري للأنصاري مطبوع بذيل إرشاد الساري و راجع المراجعات للإمام العاملي و ملحقها لحسين راضي : 218 .
  • 10. كتاب نظرية عدالة الصحابة للمحامي أحمد حسين يعقوب : 64 ـ 69 .