تقيمك هو: 5. مجموع الأصوات: 25
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 994

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

جعلُ حقِّ الطلاق للرجل؟

إنَّ من الثابت فقهياً أنَّ الطلاق بيد الزوج إلا في موارد مخصوصة، هذا وقد اعتبر البعض ذلك واحداً من المؤشِّرات المعبِّرة عن رؤية الإسلام لواقع المرأة، وأنَّه ينظرُ إليها على أنَّها دون الرجل في الإنسانيَّة، وقد ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا هذا الحكم مؤشِّراً على أنَّ الإسلام ينظر للمرأة على أنَّها شيءٌ من الأشياء التي تُملك، فكما أنَّ للرجل أنْ يتخلى عن مملوكِه متى شاء كذلك هو الحال بالنسبة للزوجة، فإنَّه متى ما أراد أن يفكَّ مليكته لها فعل ذلك بما يُعبَّر عنه بالطلاق، وللإجابة عن هذه الإشكالية نرى من المناسب تقديم بعض المقدِّمات:

الطلاق في المنظور الإسلامي

المقدمة الأولى: ينظر الإسلام إلى الطلاق على أساس أنَّه علاجٌ لمشكلةٍ لا سبيل لعلاجها غير إيقاع الطلاق. وعندما لا يتَّفق هذا الغرض يكون الطلاق أمراً مقيتاً مبغوضاً بنظر الشريعة، ولذلك جاءت الرواياتُ الكثيرة مؤكِّدة على كراهية إيقاع الطلاق تشهيَّاً وعلى أساس التذوُّق والنزوة. وحتى لو كرِه الرجلُ زوجته نتيجة بعض الأسباب فإنَّ الشارع المقدس يُشجِّعه على عدم معالجة ذلك بالطلاق بل عليه أنْ يبحث عن وسائلَ أخرى لإزالة أسباب الكراهيَّة، وأنَّ الكراهية لا تعني بالضرورة حسن الانفصال والفرقة بل لعلَّ في الإبقاء على الزوجيَّة رغم الكراهية خيراً كثيراً كما ورد ذلك في الآية الشريفة:﴿ ... فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا 1.

ولا بأس هنا في نقل بعض الروايات المعبِّرة عن رؤية الإسلام في الطلاق:

الرواية الأولى: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "تزوَّجوا وزوِّجوا .. وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ من بيتٍ يعمرُ بالنكاح، وما مِن شيءٍ أبغضُ إلى الله عزَّ وجلَّ من بيتٍ يخربُ في الاسلام بالفرقة يعني الطلاق، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ الله عزَّ وجلَّ إنَّما وكَّد في الطلاق وكرَّر القولَ فيه مِن بُغضه الفرقة"2.

الرواية الثانية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شئ أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق"3.

الرواية الثالثة: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) أن أبا أيوب يريد أن يطلق امرأته فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ طلاق أُمِّ أيوب لَحَوب -أي: إثم-"4.

الرواية الرابعة: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "ما من شيءٍٍ ممَّا أحلَّه اللهُ أبغضُ إليه من الطلاق، وإنَّ الله عزَّ وجلَّ يبغضُ المِطلاق الذوَّاق"4.

الرواية الخامسة: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "تزوَّجوا ولا تُطلِّقوا، فإنَّ الله لا يحبُّ الذوَّاقين والذوَّاقات"5.

مبرِّرات تشريع الطلاق

المقدمة الثانية: أظنُّ أنَّنا لسنا بحاجة إلى شرح مبرِّرات تشريع الطلاق، وذلك لوضوح ضرورة تشريعه، إذ قد يتحوَّل بيت الزوجية نتيجة ظروفٍ وأسبابٍ مختلفة إلى جحيم لا يُطاق، فلو كان الطلاق ممنوعاً بقوة القانون فإنَّ ذلك لن يُنتج السعادة والسكينة والمودَّة، إذ لا يتمُّ ذلك بالقسر بل يقوم على أساس القناعة والرضا أو التعقُّل وإرادة الصبر.

ولا نخطئ عندما نقول إنَّ فرض الإبقاء على الزوجية بقوَّة القانون يزيد المشاكل تعقيداً ويحفِّز في النفس التمرُّد على الحقوق الزوجيَّة، ويولِّد في النفس عقداً تعود بالضرر على بناءِ الأسرة بل وبناءِ المجتمع.

فتشريعُ الطلاق حاجةٌ مشتركة للخروج من علاقةٍ وثيقة حکمتْ عليها الظروفُ بالفشل، فلا ضير في أنْ يتفرَّقا ليبحثَ كلٌّ منهما عن حياةٍ أخرى قد يجدان فيها السكينة والمودَّة ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ 6.

فقد يكتشف الزوجُ في زوجته التي كان ينتظرُ منها الوداعة والأنوثة والرقَّة والحنان والعفَّة والوفاء، قد يكتشف أنَّها ليست كذلك، وأنَّها تنضح خسَّةً ووقاحةً وكبرياء، وأنَّها تُضمِر الكيد والفاحشة، وأنَّها ليست مؤهَّلة لأنْ تكون زوجةً وأُمَّاً وراعيةً لأسرة.

وقد تكتشف الزوجةُ في زوجها الذي كانت تنتظرُ منه القوَّة والحماية والغيرة والوفاء والصدق والأمانة، قد تكتشف أنه ليس كما كانت تنتظرُ منه، حيث لم تجد فيه سوى القسوةَ والعنف والحماقة والسماجة والخيانة والضِعة، وأنَّه غيرُ مؤهَّلٍ لأنْ يكون زوجاً لها وأباً لأولادها وقيوماً على تدبير شؤونها. وعندئذٍ وعندما يتعذَّر الوفاق، هل من المقبول عقلائياً أن تبقي على علاقةٍ لا يزيدها الزمن إلا انفصاماً ولا تُضفي عليها الأيام إلا مزيداً من الشقاق.

من أجل ذلك نجدُ المجتمعات الخاضعة لسلطة الكنيسة الكاثوليكية -والتي تمنع من الطلاق- تتَّجه للعلاقات غير المشروعة خشية التورُّط بعلاقةٍ زوجيَّةٍ فاشلة يكونُ الخروج من جحيمها أمراً متعذِّراً، ونجدُ أيضاً الأزواج والزوجات في هذه المجتمعات يُقيمون علاقاتٍ خارج محيط الرباط الزوجي سعياً وراء التخفيف مِن مرارة ما يجدونه داخل إطار الرباط القسري والذي يعتبرونه خطيئةً لا كفارة لها ولا خلاص من تبعاتها إلا بالموت.

وكما تتفشَّى الرذيلة في هذه المجتمعات نجد العنف بأبشع صوره يًمارس ضد المرأة، وما ذلك إلا للتنفيس عمَّا يعتلج في النفس من شعورٍ جامحٍ بالخطيئة والتي أنتجت رباطاً قسريَّاً مقدساً.

هذا ما تؤكِّده الدراسات والإحصاءات التي أُجريت في المجتمعات الخاضعة لثقافة الكنيسة الكاثوليكية والتي ترى عدم مشروعية الطلاق مثل إيطاليا وإسبانيا. هذا وقد تعالت الأصوات والمناشدات المطالبة بإلغاء قانون المنع من الطلاق، والذي أحدث -كما تُؤكِّد دراساتهم- مشكلةً كبرى للشعب الإيطالي.

حقيقةُ الطلاق

المقدمة الثالثة: حقيقة الطلاق تدلُّ عليه نفس كلمة الطلاق، والتي تعني إخلاء السبيل ورفع القيود والعوائق المانعة من الانطلاق والحركة. فالزواج لمَّا كان وثاقاً وميثاقاً بين طرفين عن محْضِ اختيارٍ منهما فإنَّ الطلاق يكون فكَّاً لذلك الوِثاق وتخلِّياً عن ذلك الميثاق.

ومن غير المعقول أنْ يكون الزواج ميثاقاً كما يصفه القرآن الكريم ثم يكون الطلاق فكا لمملوك عن ملكيَّة صاحبه -وهو الرجل- كما يدعي البعض، وذلك لأنَّ الزواج لمَّا كان ميثاقاً غليظاً فإنَّ معنى ذلك أنَّه تم بين طرفين متكافئين في العقل والاختيار والمصلحة، وعندئذٍ يكون معنى الطلاق هو فكُّ ذلك الميثاق وارتفاع تبعاته وآثاره عن كلٍّ من الطرفين، وأين ذلك من فكِّ الملكية، والتي تنشأ عن غير اختيار للملوك إمَّا لعدم قابليتِه للاختيار أو عدم أهَّليته للاختيار، فالمملوك ليس طرفاً في مقابل المالك وإنَّما هو شيءٌ في حوزة آخر ثم انتقل إلى حوزته أو لم يكن في حوزة أحدٍ فوقع في يده فملكَه واختصَّ به.

هذا وقد عبَّر القرآن الكريم عن الطلاق بالتسريح 7 والمراد من التسريح هو فكُّ القيود ليتسنى للمقيَّد بعد فكِّ قيوده الانطلاق والسير السهل اليسير، وكأن ذلك يستبطن معنىً هو أنَّ الزواج إذا أصبح عبئا ثقيلاً على الرجل أو المرأة فإنَّ علاج ذلك يكون بالطلاق والذي هو التسريح المُفضي لانتفاء العوائق التي كان مِن المنتظَر منها أن تكون سبباً للسكينة والمودَّة.

ومِن هنا أمر الإسلامُ أنْ يكون التسريحُ جميلاً وبالمعروف والإحسان، كما قال تعالى:﴿ ... وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 8 وقال تعالى:﴿ ... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... 9 وقال تعالى:﴿ ... فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... 10 فالواضح من هذه الآيات أنَّ الطلاق لُوحظ فيه بالدرجة الأولى المرأة، إذ أنَّ قيودَ الزواج والتزاماته بالنسبة للمرأة أكثرُ منه للرجل، فللرجل أنْ يتزوَّج بأخرى وإنْ كانت الأولى بعُهدته، وأمَّا المرأة فلا يتسنَّى لها ذلك طبعاً وتشريعاً.

فالطلاق بالنسبة لها -عندما يكون الزواج عبئاً- تسريحٌ وخلاصٌ وتيسير، إذ لعلَّها تجدُ مَن تكون معه أكثر انسجاماً وملائمة، وحتى لو كان الزوجُ هو الزاهد في الزوجة فإنَّ الطلاق يكون صلاحاً لها إذا تعذَّر تطويعه، إذ ما مِن شيءٍ أكثر عبئاً من علاقةٍ يكون أحدُ طرفيها زاهداً في الآخر وعاجزاً عن التعاطي معه بالمعروف.

حقوق المطلَّقة

المقدَّمة الرابعة: ثمة حقوق للمطلَّقة فرضتها الشريعة على الرجل المطلِّق، والوقوف عليها يُساهم في تفنيد الدعوى التي يُروِّجُ لها البعض، وهي أنَّ الإسلام يعتبرُ الزوجة واحداً من المَتاع الذي يملكُه الزوج، بدليل أنَّ له التخلِّي عن زوجته متى شاء. فلأنَّ الوقوف على ما هي حقوق المطلقة يُساهم في تفنيد هذه الدعوى رأينا من المناسب استعراض هذه الحقوق.

الأول: استحقاقُ المطلَّقة للنفقة ما دامت في العدَّة إذا كانت عدَّتُها رجعيَّة، وهذا الحقُّ لم يختلف في ثبوته أحدٌ من الفقهاء رضوان الله عليهم.

الثاني: توفير السكن لها حتى تنتهي عدَّتُها، لو كان طلاقها رجعيَّاً، قال تعالى:﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ... 11.

الثالث: النفقة والسكن يثبتان للمطلَّقة الحامل أيضاً، غايته أنَّ المطلقة الحامل تمتدُّ عدتها بامتداد حملها، وتارة يكون طلاقها رجعياً وأخرى يكون بائناً، وفي كلا الحالتين تجب لها النفقة والسكن إلا أنَّه بالنسبة لذات العدَّة الرجعية يثبت لها حقُّ النفقة والسكن باعتبار أنَّها في حكم الزوجة، وأما الحامل المطلَّقة طلاقا بائناً فيثبت لها حقُّ النفقة والسكن باعتبار حملها.

قال تعالى:﴿ ... وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ... 12 وقال تعالى:﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ... 13.

الرابع: الأمُّ المطلَّقة أحقُّ بإرضاع ولدها من غيرها، كما أنَّها تستحقُّ أُجرة رضاعة الولد على أبيه إلا أنْ تُطالب بأجرة تفوقُ الأجرة المتعارفة، فإنَّ للأب عندئذٍ أن يسترضع لولده غيرها، قال تعالى:﴿ ... فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ 13.

الخامس: استحقاقها لحضانة أولادها إذا كانوا دون السنتين على أنْ تكون نفقتُهم على أبيهم، كما أنَّها تستحقُّ أُجرة الحضانة إنْ لم تكن متبرِّعة، وإذا كانت أعمارهم فوق السنتين فإنْ كنَّ اناثاً فهي أحقُّ بحضانتهنَّ إلى أنْ يبلغن سبع سنين كما هو مذهب المشهور، وأمَّا إذا كانوا ذكوراً فالمشهور هوا أنّ الأب أحقُّ بحضانتهم.

كل ذلك إذا لم تتزوَّج وإلا فإنْ تزوَّجت فإنَّ استحقاقها للحضانة يسقط.

السادس: عدم جواز حرمانها من أولادها حتى بعد انقضاء مدَّة الحضانة وحتى لو تزوَّجت، وثبوتُ هذا الحقِّ إجماعي بين فقهاء المسلمين.

السابع: عدم سقوط ما تستحقُّه من صداق بمجرَّد طلاقها، فيجب على الزوج حتى لو طلَّق زوجته أنْ يدفع إليها تمام المهر لو كان قد دخلَ بها، كما أنَّ عليه دفع بقيته لو كان مؤجَّلاً. ولو لم يكن قد دخل بها وقد اتَّفق معها على مهرٍ معين فيلزمه أنْ يدفع إليها نصفه إن لم يكن قد دفعه وإن كان قد دفع جزءاً من نصف الصداق لزمه دفع ما تبقى من النصف إلا أن تتنازل أو تُخالعه على ما بقي من نصف المهر. وما ذكرناه إجماعي ليس فيه خلافٌ بين الفقهاء.

الثامن: عدم جواز استرجاع شيءٍ ممَّا أعطاه لها بعنوان الصداق سواءً كان ما أعطاه لها قليلاً أو كثيراً، قال تعالى:﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا 14 .

فالآيةُ الشريفة صريحةٌ في التشديد على حرمة استرجاع شيءٍ ممَّا أعطاه مطلَّقته بعنوان الصداق، وأنَّ ذلك ينافي العقد والميثاق الغليظ الذي كان بينهما.

التاسع: عدم جواز الرجوع لمطلَّقته قبل انتهاء عدَّتها لو كان الرجوع لغرض الإيذاء والإضرار، قال تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... 10 .

مفاد هذه الآية الشريفة هو حرمة إمساك المطلَّقة بمعنى الرجوع إليها قبل انتهاء عدتها لو كان الإمساك والرجوع لغرض الإضرار والاعتداء، نعم لو كان الإمساك بمعروف والذي لا يكون لغرض الإيذاء والإساءة فإنَّ ذلك جائز.

العاشر: أنَّ للمطلقة تمام الحقِّ في اختيار من شاءت من بعد انتهاء عدَّتها، وأنه ليس لمطلِّقها أن يمنعها من ذلك، كما أنَّه لو أراد أنْ يتزوَّجها فإنَّ لها قبول ذلك كما أنَّ لها أنْ ترفضه، فليس لأحد إلزامها بالقبول أو الرفض، ولو قبلت فلا يكون ذلك إلا بعقدٍ جديد وصداقٍ جديد.

وكلُّ ذلك مورد وفاق بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم. قال الله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... 15.

فالآيةُ الشريفة إمَّا أن تكون خطاباً لأقرباء المطلَّقة أو هي خطابٌ للأزواج، فعلى الأول يكون مفادها هو حرمة تدخُّل الأقرباء لمنع المطلقة من قبول الزواج من زوجها الأول لو كان ثمة تراضٍ وتوافقٍ بينهما، نعم للأقرباء إسداء النصيحة للمطلَّقة بعدم قبول الزواج من زوجها الأول لو كانوا يرون المصلحة في ذلك. وأما بناء على الفهم الثاني، وهو أنَّ الخطاب للأزواج فإنَّ مفاد الآية عندئذٍ هو حرمة تدخل الزوج المطلِّق لمنع مطلَّقته من الزواج بمَن أرادت.

الحادي عشر: استحقاق المطلَّقة نصيب الزوجة من ميراث الزوج لو مات زوجها -الذي طلَّقها طلاقاً رجعياً- وهي في العدَّة. فلو مات زوجها الذي طلَّقها ولم يكن له أولاد فلها ربع تركتِه، ولو كان له أولاد فإنَّ لها الثمن من التركة كما هو الحال لو لم تكن مطلَّقة. وهذا الحكم إجماعي بين الفقهاء.

الثاني عشر: استحقاق المطلَّقة لنصيب الزوجة من ميراث الزوج لو مات في المرض الذي طلَّقها فيه ولم تمضِ سنة من إيقاع الطلاق بقطع النظر عن كون الطلاق رجعياً أو بائنا، هذا إذا توفَّرت شروطٌ ثلاثة:

الشرط الأول: أنْ تبقى المطلَّقة دون زواج إلى أن يتَّفق موته، قبل انقضاء السنة من حين إيقاع: الطلاق. وهذا الشرط خلافي.

الشرط الثاني: أنْ لا يكون الطلاق خُلعياً أو مبارأة أو بطلبٍ منها.

الشرط الثالث: أنْ يموت الزوج المطلِّق وهو على مرضه الذي أوقع الطلاق فيه بقطع النظر عن كون سبب الموت هو نفس المرض الذي أوقع فيه الطلاق أو بسببٍ آخر، أما لو برئ الزوج المطلق من مرضه ثم مرض بنفس المرض أو بغيره فمات فإنَّه لا حق لها عندئذٍ في الميراث.

فبعد استعراض كلِّ هذه الحقوق هل يبقى لذي عذرٍ عذرٌ في توهُّم أنَّ الإسلام ينظر للزوجة على أساس أنَّها واحدٌ من متاع البيت يتصرف فيه المالك كيفما يشاء -كما يزعم هؤلاء- لا لشيء إلا لمجرَّد أنَّ الشريعة قد أعطت للرجل دون المرأة صلاحيَّة إيقاع الطلاق، فهم قد اتَّخذوا من ذلك وسيلةً لتبرير دعواهم أنَّ الشريعة قد جعلت في يد الرجل زماماً يقتادُ به المرأة إلى حيث شاء!!.

ليس الأمر كذلك، إذ ليس له أنْ يظلم أو يحيف وإلا لحِقه غضبُ الله وعذابه يوم القيامة واستحقَّ بذلك القصاص والإدانة في الدنيا، بل ليس له أن ينظر لزوجته إلا على أساس أنَّها كفؤ له: "المؤمن كفؤ المؤمنة"16 وليس له أنْ ينهرَها ويزجرها وينتقصَ من كرامتها إلا أنْ ترتكب منكراً فيكون ذلك من النهي عن المنكر، كما أنَّ لها هي أيضاً أنَّ تفعل ذلك معه لو ارتكب هو منكراً وإلا كان على مَن انتهر الآخر بغير وجهِ حقٍّ أنْ يجبر ما كسره من قلبِ الآخر "مَن كسر مؤمناً فعليه جبرُه"17.

ثم إنَّ جعل الطلاق بيد الرجل لا يعني أنَّ قياد المرأة أصبح بيده، فليس له عليها من سلطان فيما يتَّصل بأموالها، فلها أنْ تتصرف فيها كيفما تشاء، فلها أنْ تهب كما أن لها أن تبيع وتستثمر وأن تتكسب بالطريقة التي تراها مناسبة، كما أنَّه ليس له سلطان على رؤاها ومعتقداتها بل ولا انتماءاتها إذا لم يكن ذلك منافياً لحقوق الزوجية كما أنَّ العكس كذلك.

وقد بيَّنا في بحث قيمومة الرجل موقع المرأة في المنظور الإسلامي، وأنَّه لا يختلف أصلاً عن موقع الرجل، والاختلاف إنَّما هو في الوظائف والمسؤوليات، وذلك إنَّما نشأ عن الاختلاف في طبيعة الخَلْق والتكوين.

مبرِّرات جعل الطلاق للرجل

وبعد اتِّضاح هذه المقدمات نقول: إنَّ الرجل عندما يكرهُ زوجته، ويزهدُ فيها فإنَّ من الصعب على الزوجة أو على وسطائها أن يُقنعوه بحبِّها والرغبةِ فيها، على أنَّ الرجل وبحكم طبيعته يجدُ نفسه حينئذٍ عاجزاً عن التودُّدِ لزوجته ومجاملتها وكتمِ مشاعر النفور منها.

وحينذاك إمَّا أنْ يجد سبيلاً للانفصال عنها وإمَّا أنه سيجنح لوسائل أخرى انسياقاً مع ما يستحكم في نفسه من نفور تِّجاه زوجته، فإمَّا أنَّه سيتوسل بالعنف والقسوة، وإذا كان ألينَ عريكة فسوف يلجأ للهجران والتفريط في الحقوق الزوجيَّة، وسيجدُ القانون نفسَه عاجزاً عن إعادة الانسجام والوئام بين الزوجين، لأنَّ الانسجام والمودَّة لا تُفرض بقوَّة القانون.

وأمَّا ما يتَّصل بالزوجة فإنَّ أسباب ودوافع الزهد والكراهة عندها أقلُّ بكثير من الدوافع التي تحدو بالرجل للزهد في زوجته، فالمرأةُ غالباً ما ترغب في رجلٍ يعشقها ويُقدِّرها، فإذا وجدت في زوجها ذلك فإنَّها وبحكم طبيعتها تصبر على طبائعه وزلاته، ويكون بوسعِها التودُّد له والانسجام معه، فلو كرهته وزهدت فيه فغالباً ما يكون ذلك ناشئاً عن شعورها بأنَّه لا يُحبها ولا يُقدِّرها، فلو أظهر لها حبَّه وعشقه وتقديره فإنَّه بذلك يمتصُّ ما في قلبها من غيظٍ وحنَق.

فالرجلُ أقدر ما يكون على الصبر على زوجةٍ لا تُحبه إذا كان هو يُحبُّها ويعشقها، وهو أعجز ما يكون عن الصبر على زوجةٍ يكرهها ويزهدُ فيها. والمرأة قادرةٌ على التعاطي مع زوج يُحبها ويُقدرها حتى وإن كانت طبائعه إلى حدٍّ ما غير منسجمةٍ مع طبائعها، إلا أنَّها غيرُ قادرةٍ على الانسجام مع زوجٍ يكرهها ويزهد فيها.

إذن الفرضية التي يكون فيها الانفصال والطلاق غاية الرجل يكون فيها الانفصال والطلاق غاية المرأة أيضاً، لأنَّها لا تقوى على الانسجام مع زوج يحتقرُها ويستوحش منها، كما أنَّ طبيعة الرجل تأبي عليه التودُّد لامرأة لا يجدُ فيها ما تصبو إليه نفسه.

فإذن معالجة الاستيحاش والنفور عند الزوج لا تتمُّ إلا بالطلاق، وهو يصبُّ في نفع الزوجة، إذ ما مِن شيء أقسى على نفس الزوجة من شعورها بكراهة زوجها لها ونفوره منها. وأما علاج الاستيحاش عند الزوجة فيمكن تحصيله بواسطة إظهار الزوج حبِّه وتقديره لزوجته، وعندئذٍ تكون الزوجة قادرةً على التعاطي معه والتودد له وتحمُّل كلِّ خلاته وطبائعه السيئة بنظرها.

فالطلاق وسيلة مُنحت للرجل حتى لا يتوسَّل بوسائل أخرى تُسيء للمرأة، إذ أنَّ القانون غيرُ قادرٍ على حماية المرأة من عنف الرجل وقسوته أو هجرانه وتفريطه بالحقوق، ولو تمكَّن القانون من ردع الزوج عن ذلك فهو غيرُ قادر على منح الانسجام والسكينة، وامتصاص الشعور بالزهد المتمكِّن من قلبِه.

وأما الزوجة فلو كان زهدها ناشئاً عن شعورها بعدم تقديره وحبِّه لها -كما هو الغالب- فإنَّ معالجة ذلك يتمُّ بإظهار الزوج حبِّه وعشقه وتقديره لها، وعندئذٍ تزول أسباب الوحشة والكراهة عندها، هذا لو لم يكن الزوج كارهاً لها وإلا فهي من قبيل الفرض السابق.

ولو اتَّفق أنْ استحكم الاستيحاش في قلبِ الزوجة من زوجها فإنَّها لن تجد الباب مُوصداً أمامها بل لها أنْ تتوسّل بواحدٍ من الوسائل المُفضية للخلاص من علاقة تشعرُ بأنَّها عبء ثقيلٌ عليها، فإمَّا أن تطلب من زوجها إيقاع طلاقها، وهنا يجب على الزوج بعد نصيحتها -بنفسه أو بتوسيط آخري- أن يطلِّقها، ولا يجوز له -شرعاً- إبقاؤها لغرض إيذائها والإضرار بها، كما لا يسوغ له تعليقها، ولو رأى أن ضرراً سيلحقُه لو طلَّقها ابتداءً فله أنْ يخالعها مقابل بذلٍ تبذله، على أن يراعي حالها ولا يُجحِف في طلبه، ولو طلَّقها دون بذلٍ كان أفضل وأوفق بالخُلق الحسن.

ولو كان منشأ طلبها للطلاق هو أنَّ زوجها لا يُنفق عليها فلها أنْ ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي بعد نصيحته، والحاكمُ الشرعي بدوره يُلزمه بالنفقة أو الطلاق، فإنْ أبي كلا الخيارين كان للحاكم الشرعي حبسه لإلزامه بأحد الخيارين، فإنْ أبي -رغم ذلك- فله أنْ يُطلِّقها منه طلاقاً قضائياً.

وهكذا الحال لو هجرها وصيرها كالمعلَّقة فإنَّ لها أنْ ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، وهو بدوره يُلزمه إما بمراعاة حقوقِها الزوجيَّة أو تطليقها، فإنْ أبى واستنفذ معه الحاكم تمام الوسائل الشرعية لإلزامه بأحد الخيارين كان له تطليقها منه. فإذن الأمر ليس كما يرى البعض بأنَّه لا سبيل للخروج من العلاقة الزوجية لو أصبحت عبئاً ثقيلاً على الزوجة بل لها أنْ تخرج منها معزَّزة كريمة.

وإنَّما لم تُعط صلاحيَّة إيقاع الطلاق ابتداءً لمنافاة ذلك مع قيمومة الرجل المبرَّرة عقلائياً، كما أوضحنا ذلك في بحث قيمومة الرجل، كما أنَّه لا حاجة ماسَّة تقتضي إعطاءها لهذه الصلاحية، على أنَّ إعطاءها هذه الصلاحية غير مناسبٍ لمقتضى طبيعة الخَلْق والتكوين للمرأة.

فالمرأة وبحكم طبيعتها المناسبة للدور الذي تضطلع به في البناء الاجتماعي والأسري غالباً ما تكون قراراتها واقعةً تحت تأثير مشاعرها وأحاسيسها، وتظلُّ أسيرة عواطفها رغم إدراكها لما يترتَّب على ذلك من مضاعفات، فقد تُقرِّر الطلاق دون مراجعة بمجرد شعورها بأنَّ زوجها لا يُحبُّها ولا يُقدِّرها، ولو زالت أسباب هذا الشعور فإنَّها ستجد نفسها قادرةً على التعاطي والانسجام مع زوجها، فلو كان الطلاق بيدها لأفضى ذلك إلى شيوع حالات الطلاق غير المبرَّرة، إذ أنَّ قرار الطلاق المبرَّر يحتاج إلى هدوءٍ وترِّوٍ ومزيد من التعقُّل القائم على أساس ملاحظة أوجهِ المصالح المفاسد وملاحقتها والتأنِّي في موازنتها، وهذا ما تأباه المشاعر الجامحة والأحاسيس المرهفة، فهي تحول دون الرؤية الصحيحة المبنية على المبرِّرات العقلائية.

وقد ثبت في محلِّه أنَّ القوَّة الغضبية العاطفية والقوة الشهوية تُساهم وإلى حدٍّ كبير في إضعاف القوَّة العاقلة، فعندما يكون الإنسان غاضباً أو كان شديد الرغبة في الجنس فإنَّه يكون عاجزاً عن التفكير السليم، وهكذا عندما تنتابه مشاعر الحزن أو الفرح أو الكبرياء والأنفة أو الرقَّة والشفقة أو غير ذلك فإنَّه بمستوى ذلك الشعور ينخفضُ مستوى التعقُّل.

وهذا هو سرُّ جعل القيمومة والطلاق بيد الرجل دون المرأة، لأنَّ كلاً من هاتين المسؤوليتين تحتاجان إلى مزيدٍ من التعقل، وهذا ما تفتقده المرأة نظراً لغلبة جانب العاطفة والانفعال عندها على نحو الدوام، وهو ما ينعكس على مستوى التعقُّل عندها، إذ لا يمكن أنْ يحتفظ العقل بتمام فاعليته عندما تبسط القوى الأخرى هيمنتها على النفس، إذ أنَّ قوى النفس متغالبة، فكلَّما رجحت واحدة انخفض تأثير الأخرى، وهذا ما يُؤيده الوجدان والبرهان.

وعندما نقول إنَّ مستوى التعقُّل عند المرأة أضعف منه عند الرجل لا نقصد بذلك الذكاء والذي هو الإدراك والقدرة على استيعاب المعلومات، وإنَّما نقصدُ من ذلك التدبير ومعالجة الأمور على أساس من الحكمة وموازنة أوجهِ المصالح والمفاسد، وهو ما يحتاج إلى هدوء وتأنٍّ وحلمٍ وسعة صدر. والقلب عندما يكون منفعلاً بالخواطر المتشنِّجة الباعثة على الحزن أو الأنفة والكبرياء أو الخجل والحياء أو الحنان والرأفة فإنَّه أبعد ما يكون عن الهدوء والتأنِّي 18.