الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

محاورة مع عالم

قلت لأحد علمائنا : إذا كان معاوية قتل الأبرياء و هتك الأعراض و تحكمون بأنه اجتهد و أخطأ و له أجر واحد .
و إذا كان يزيد قتل أبناء الرسول و أباح المدينة لجيشه و تحكمون بأنه اجتهد و أخطأ و له أجر واحد حتى قال بعضكم : " قتل الحسين بسيف جده " لتبرير فعل يزيد .
فلماذا لا أجتهد أنا في البحث و هو ما يجرني للشك في الصحابة و تعرية البعض منهم و هذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية و ابنه يزيد في العترة الطاهرة ، فإن أصبت فلي أجران و إن أخطأت فلي أجر " واحد " ، على أن انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السب و الشتم و اللعن ، و إنما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضالة .
و هذا واجبي و واجب كل مسلم ، و الله سبحانه يعلم السرائر و ما تخفى الصدور .
أجابني العالم قائلا :
- يا بني لقد أغلق باب الاجتهاد من زمان .
- فقلت و من أغلقه ؟ .
- قال الأئمة الأربعة .
- فقلت متحررا : الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه و لا رسول الله و لا الخلفاء الراشدون الذين " أمرنا بالإقتداء بهم " فليس علي حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا .
- فقال : لا يمكنك الاجتهاد إلا إذا عرفت سبعة عشر علما ، منها علم التفسير و اللغة و النحو و الصرف و البلاغة و الأحاديث و التاريخ و غير ذلك .
- و قاطعته قائلا : أنا لن اجتهد لأبين للناس أحكام القرآن و السنة أو لأكون صاحب مذهب في الإسلام ، كلا ، و لكن لأعرف من على الحق و من على الباطل ، و لمعرفة إن كان الإمام علي على الحق ، أو معاوية مثلا و لا يتطلب ذلك الإحاطة بسبعة عشر علما ، و يكفي أن أدرس حياة كل منهما و ما فعلاه حتى أتبين الحقيقة .
- قال : و ما يهمك أن تعرف ذلك ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 1.
قلت : أتقرأ " و لا تسألون " بفتح التاء أم بضمها ؟ .
- قال : تُسألون بالضم .
قلت : الحمد لله لو كانت بالفتح لامتنع البحث ، و ما دامت بالضم فمعناها أن الله سبحانه سوف لن يحاسبنا عما فعلوا و ذلك كقوله تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ 2 و ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴾ 3 .
و قد حثنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة و لنستخلص منها العبرة ، و قد حكى الله لنا عن فرعون و هامان و نمرود و قارون و عن الأنبياء السابقين و شعوبهم ، لا للتسلية و لكن ليعرفنا الحق من الباطل .
أما قولك " و ما يهمني من هذا البحث " ؟ .
فأجيب عليه بقولي : يهمني :
* أولاً
: لكي أعرف ولي الله فأواليه و أعرف عدو الله فأعاديه و هذا ما طلبه مني القرآن بل أوجبه علي . .
* ثانيا
: يهمني أن أعرف كيف أعبد الله و أتقرب إليه بالفرائض التي افترضها و كما يريدها هو جل و علا لا كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيرهم من المجتهدين لأني وجدت مالكا يقول بكراهة البسملة في الصلاة بينما يقول أبو حنيفة بوجوبها ، و يقول غيره ببطلان الصلاة بدونها و بما أن الصلاة هي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها و إن ردت رد ما سواها ، فلا أريد أن تكون صلاتي باطلة ، كما أن الشيعة يقولون بمسح الرجلين في الوضوء و يقول السنة بغسلهما بينما نقرأ في القرآن ( و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم ) و هي صريحة في المسح ، فكيف تريد يا سيدي أن يقبل المسلم العاقل قول هذا و يرد قول ذاك بدون بحث و دليل .
- قال : بإمكانك أن تأخذ من كل مذهب ما يعجبك لأنها مذاهب إسلامية و كلهم من رسول الله ملتمس .
- قلت : أخاف أن أكون ممن قال الله فيهم : ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ 4 . يا سيدي أنا لا أعتقد بأن المذاهب كلها على حق مادام الواحد منهم يبيح الشيء و يحرمه الآخر ، فلا يمكن أن يكون الشيء حراما و حلالا في آن واحد و الرسول ( صلى الله عليه و آله ) لم يتناقض في أحكامه لأنه " وحي من القرآن " ﴿ ... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا 5{ ، و بما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله و لا من عند رسوله لان الرسول لا يناقض القرآن .
و لما رأى الشيخ العالم كلامي منطقيا و حجتي مقبولة .
- قال : أنصحك لوجه الله تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين فهم أعمدة الإسلام الأربعة إذا هدمت عمودا منها سقط البناء . .
- قلت : استغفر الله يا سيدي فأين رسول الله إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الإسلام ؟ .
أجاب : رسول الله هو ذاك البناء ! هو الإسلام كله .
ابتسمت من هذا التحليل و قلت : استغفر الله مرة أخرى يا سيدي الشيخ فأنت تقول من حيث لا تشعر بأن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يكن ليستقيم إلا بهؤلاء الأربعة بينما يقول الله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ 6 .
فقد أرسل محمدا بالرسالة و لم يشركه فيها أحدا من هؤلاء الأربعة و لا من غيرهم و قد قال الله تعالى في هذا الصدد : ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ 7 .
- قال : هذا ما تعلمناه نحن من مشايخنا و أئمتنا ، و لم نكن نحن في جيلنا نناقش و لا نجادل العلماء مثلكم اليوم الجيل الجديد أصبحتم تشكون في كل شيء و تشككون في الدين ، و هذه من علامات الساعة فقد قال ( صلى الله عليه و آله ) : " لن تقوم الساعة إلا على شرار الخلق " .
- فقلت : يا سيدي لماذا هذا التهويل أعوذ بالله أن أشك في الدين أو أشكك فيه ، فقد آمنت بالله وحده لا شريك له و ملائكته و كتبه و رسله ، و آمنت بأن سيدنا محمدا عبده و رسوله و هو أفضل الأنبياء و المرسلين و خاتمهم و أنا من المسلمين ، فكيف تتهمني بهذا ؟ .
- قال : أتهمك بأكثر من هذا لأنك تشكك في سيدنا أبي بكر و سيدنا عمر و قد قال ( صلى الله عليه و آله ) : " لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر " .
و قال في حق سيدنا عمر : " عرضت عليّ أمتي و هي ترتدي قمصا لم تبلغ الثدي و عرض عليّ عمر و هو يجر قميصه ، قالوا ما أوَّلته يا رسول الله قال : الدين " .
و تأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة و بالخصوص أبي بكر و عمر .
ألم تعلم بأن أهل العراق هم أهل الشقاق ، هم أهل الكفر و النفاق ! ! .
- ماذا أقول لهذا العالم المدعي العلم الذي أخذته العزة بالإثم ، فتحول من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج و الافتراء و بث الإشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به و الذين احمرت أعينهم و انتفخت أوداجهم و لاحظت في وجوههم الشر .
فما كان مني إلا أن أسرعت إلى البيت و أتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك و صحيح البخاري و قلت يا سيدي : إن الذي بعثني على هذا الشك هو رسول الله نفسه و فتحت كتاب الموطأ و فيه روى مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق ، ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا ، و جاهدنا كما جاهدوا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : بلى و لكن لا أدري ما تحدثون بعدي ! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال : " إننا لكائنون بعدك "   .
ثم فتحت صحيح البخاري و فيه دخل عمر بن الخطاب على حفصة و عندها أسماء بنت عميس فقال - حين رآها - من هذه ؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه ، البحرية هذه .
قالت أسماء نعم ، قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم .
فغضبت و قالت كلا والله ، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم و يعظ جاهلكم و كنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة و ذلك في الله و في رسوله و أيم الله لا أطعم طعاما و لا أشرب شرابا حتى أذكر رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و نحن كنا نؤذى و نخاف و سأذكر ذلك للنبي أسأله و الله لا أكذب و لا أزيغ و لا أزيد عليه ، فلما جاء النبي ( صلى الله عليه و آله ) قالت يا نبي الله ، عمر قال كذا و كذا قال فما قلت له قالت كذا و كذا .
قال : ليس بأحق بي منكم و له و لأصحابه هجرة واحدة و لكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى و أصحاب السفينة يأتونني أرسالا يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح و لا أعظم ما في أنفسهم مما قال لهم النبي ( صلى الله عليه و آله )   .
و بعد ما قرأ الشيخ العالم و الحاضرون معه الأحاديث تغيرت وجوههم و بدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ينتظرون رد العالم الذي صُدم فما كان منه إلا أن رفع حاجبيه علامة التعجب و قال : ( و قل رب زدني علما ) .
فقلت : إذا كان رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) هو أول من شك في أبي بكر و لم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده ، و إذا كان رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضلها عليه ، فمن حقي أن أشك و أن لا أفضل أحدا حتى أتبين و أعرف الحقيقة و من المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر و عمر و يبطلانها ، لأنهما أقرب إلى الواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة ، قال الحاضرون ! و كيف ذلك ؟ .
قلت : إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يشهد على أبي بكر و قال له إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي ! فهذا معقول جدا و قد قرر ذلك القرآن الكريم و التاريخ يشهد أنهم بدلوا بعده و لذلك بكى أبو بكر و قد بدل و أغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول - كما سبق - و قد بدل حتى ندم قبل وفاته و تمنى أن لا يكون بشرا .
أما الحديث الذي يقول : " لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر " فهو باطل و غير معقول ، و لا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله و يعبد الأصنام أرجح إيمانا من أمة محمد بأسرها ، و فيها أولياء الله الصالحين و الشهداء و الأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهادا في سبيل الله ، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث ؟ لو كان صحيحا لما كان في آخر حياته يتمنى أن لا يكون بشرا .
و لو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء ، فاطمة بنت الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، تغضب عليه و تدعو الله عليه في كل صلاة تصليها .
و لم يرد العالم بشيء ، و لكن بعض المجالسين قالوا : لقد بعث - و الله - هذا الحديث الشك فينا ، عند ذلك تكلم العالم ليقول لي : أ هذا ما تريده ؟ لقد شككت هؤلاء في دينهم و كفاني أحدهم الرد عليه إذ قال : كلا ، إن الحق معه ، نحن لم نقرأ في حياتنا كتابا كاملا ، و اتبعناكم و اقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش ، و قد تبين لنا الآن أن ما يقوله الحاج صحيح ، فمن واجبنا أن نقرأ و نبحث ! ! و وافقه على رأيه بعض الحاضرين ، و كان ذلك انتصارا للحق و الحقيقة ، و لم يكن انتصارا بالقوة و القهر و لكنه انتصار العقل و الحجة و البرهان ( و قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
ذلك ما دفعني و شجعني على الدخول في البحث و فتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم الله و بالله و على ملّة رسول الله ، راجيا منه سبحانه و تعالى التوفيق و الهداية فهو الذي وعد بهداية كل باحث عن الحق و هو لا يخلف وعده .
قرأت كتاب المراجعات للإمام شرف الدين و راجعته عدة مرات و قد فتح أمامي آفاقا سببت هدايتي و شرحت صدري لحب أهل البيت و مودتهم .
و قرأت كتاب الغدير للشيخ الأميني و أعدته ثلاث مرات لما فيه من حقائق دامغة واضحة جلية و قرأت كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر و كتاب السقيفة للشيخ محمد رضا المظفر و فهمت منهما أسرارا غامضة اتضحت ، كما قرأت كتاب النص و الاجتهاد فازددت يقينا ثم قرأت كتاب أبي هريرة لشرف الدين و شيخ المضيرة للشيخ محمود أبو ريَّة المصري و عرفت أن الصحابة الذين غيروا بعد رسول الله قسمان ، قسم غير الأحكام بما له من السلطة و القوة الحاكمة ، و قسم غير الأحكام بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
ثم قرأت كتاب الإمام الصادق و المذاهب الأربعة لأسد حيدر و عرفت الفرق بين العلم الموهوب و العلم المكسوب عرفت الفرق بين حكمة الله التي يؤتيها من يشاء و بين التطفل على العلم و الاجتهاد بالرأي الذي أبعد الأمة عن روح الإسلام .
و قرأت كتبا أخرى عديدة للسيد جعفر مرتضى العاملي و السيد مرتضى العسكري و السيد الخوئي و السيد الطباطبائي و الشيخ محمد أمين زين الدين و للفيروز آبادي و لابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة و الفتنة الكبرى لطه حسين ، و من كتب التاريخ قرأت تاريخ الطبري و تاريخ ابن الأثير و تاريخ المسعودي و تاريخ اليعقوبي ، و قرأت الكثير حتى اقتنعت بأن الشيعة الإمامية على حق فتشيعت و ركبت على بركة الله سفينة أهل البيت و تمسكت بحبل ولائهم لأني وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة الذين ثبت عندي أنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى و لم ينج منهم إلا القليل و أبدلتهم بأئمة أهل البيت النبوي الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و افترض مودتهم على الناس أجمعين .
فالشيعة ليسوا كما يدعي بعض علمائنا ، هم الفرس و المجوس الذين حطم سيدنا عمر كبرياءهم و مجدهم و عظمتهم في حرب القادسية و لذلك يبغضونه و يكرهونه ! .
و أجبت هؤلاء الجاهلين بأن التشيع لأهل البيت النبوي لا يختص بالفرس بل الشيعة في العراق و في الحجاز و في سوريا و لبنان كل هؤلاء عرب كما يوجد الشيعة في الباكستان و الهند و في أفريقيا و أمريكا و كل هؤلاء ليسوا من العرب و لا من الفرس .
و لو اقتصرنا على شيعة إيران فإن الحجة تكون أبلغ إذ أنني وجدت الفرس يقولون بإمامة الأئمة الإثني عشر و كلهم من العرب من قريش من بني هاشم عترة النبي ، فلو كان الفرس متعصبين و يكرهون العرب كما يدعي البعض لاتخذوا سلمان الفارسي إماما لهم لأنه منهم و هو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة و السنة على حد سواء .
بينما وجدت أهل السنة و الجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فأغلب أئمتهم من الفرس كأبي حنيفة و الإمام النسائي و الترمذي و البخاري و مسلم و ابن ماجة و الرازي و الإمام الغزالي و ابن سينا و الفارابي و غيرهم كثيرون يضيق بهم المقام فإذا كان الشيعة من الفرس يرفضون عمر بن الخطاب لأنه حطم كبرياءهم و عظمتهم فبماذا نفسر رفض الشيعة له من العرب و غير الفرس فهذه دعوى لا تقوم على دليل ، و إنما رفض هؤلاء عمر للدور الذي قام به في إبعاد أمير المؤمنين و سيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و ما سبب ذلك من فتن و محن و قلاقل و انحلال لهذه الأمة و يكفي أن يزاح الحجاب عن أي باحث حر و تكشف له الحقيقة حتى يرفضه بدون عداوة سابقة .
و الحق إن الشيعة سواء كانوا من الفرس أم من العرب أم من غير هؤلاء قد خضعوا للنصوص القرآنية و النصوص النبوية و اتبعوا إمام الهدى و أولاده مصابيح الدجى و لم يرضوا بغيرهم رغم سياسة الترغيب و الترهيب التي قادها الأمويون و من بعدهم العباسيون طيلة سبعة قرون تتبعوا خلالها الشيعة تحت كل حجر و مدر و قتلوهم و شردوهم و منعوهم العطاء و محوا آثارهم و أثاروا حولهم الإشاعات و الدعايات التي تنفر الناس منهم و بقيت هذه الآثار حتى اليوم .
و لكن الشيعة ثبتوا و صمدوا و صبروا و تمسكوا بالحق لا تأخذهم في الله لومة لائم و هم يدفعون حتى اليوم ثمن هذا الصمود ، و إني أتحدى أي عالم من علمائنا أن يجلس مع علمائهم و يجادلهم فلا يخرج إلا مستبصرا بالهدى الذي هم عليه .
نعم وجدت البديل و الحمد لله الذي هداني لهذا و ما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله .
الحمد لله و الشكر له على أن دلني على الفرقة الناجية التي كنت أبحث عنها بلهف و لم يبق عندي أي شك في أن المتمسك بعلي و أهل البيت قد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، و النصوص النبوية على ذلك كثيرة أجمع عليها المسلمون ، و العقل وحده خير دليل لمن ألقى السمع و هو شهيد ، فعلي كان أعلم الصحابة و أشجعهم على الإطلاق و ذلك بإجماع الأمة ، و هذا وحده كاف للدلالة على أحقيته ( عليه السلام ) للخلافة دون غيره ، قال الله تعالى : ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ 8 .
و قد قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
" إن عليا مني و أنا منه و هو و لي كل مؤمن من بعدي "   .
و قال الإمام الزمخشري في أبيات له :
كثر الـشك و الخـلاف و كـلٌ * يدعى أنه الصراط الســوي
فتمسكت بـلا إلـــه إلا الله * و حــبــي لأحمد و علي
فاز كلب بحب أصحاب كهف * كيف أشـقى بحــب آل النبي
نعم وجدت البديل بحمد الله ، و صرت اقتدي - بعد رسول الله - بأمير المؤمنين و سيد الوصيين و قائد الغر المحجلين أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب و بسيدي شباب أهل الجنة و ريحانتي النبي من هذه الأمة الإمام أبي محمد الحسن الزكي و الإمام أبي عبد الله الحسين و ببضعة المصطفى سلالة النبوة و أم الأئمة معدن الرسالة و من يغضب لغضبها رب العزة و الجلالة سيدة النساء فاطمة الزهراء .
و أبدلت الإمام مالك بأستاذ الأئمة و معلم الأمة الإمام جعفر الصادق .
و تمسكت بالأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين أئمة المسلمين و أولياء الله الصالحين .
و أبدلت الصحابة المنقلبين على أعقابهم أمثال معاوية و عمرو بن العاص ، و المغيرة بن شعبة و أبي هريرة و عكرمة و كعب الأحبار و غيرهم بالصحابة الشاكرين الذين لم ينقضوا عهد النبي أمثال عمار بن ياسر و سلمان الفارسي و أبي ذر الغفاري و المقداد بن الأسود و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين و اُبي بن كعب و غيرهم و الحمد لله على هذا الإستبصار .
و أبدلت علماء قومي ، الذين جمدوا عقولنا و اتبع كثير منهم السلاطين و الحكام في كل زمان ، بعلماء الشيعة الأبرار الذين ما أغلقوا يوما باب الاجتهاد و لا وهنوا و لا استكانوا للاُمراء و السلاطين الظالمين .
نعم أبدلت أفكارا متحجرة متعصبة تؤمن بالتناقضات بأفكار نيرة متحررة و متفتحة تؤمن بالدليل و الحجة و البرهان .
و كما يقال في عصرنا الحاضر : " غسلت دماغي " من أوساخ كثّفتها عليه - طوال ثلاثين عاما - أضاليل بني أمية و طهرته بعقيدة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا لما تبقى من حياتي " .
اللهم أحينا على ملتهم و أمتنا على سنتهم و احشرنا معهم فقد قال نبيك ( صلى الله عليه و آله ) " يحشر المرء مع من أحب " .
و بذلك أكون قد رجعت إلى أصلي ، فقد كان أبي و أعمامي يحدثوننا حسب الشجرة التي يعرفونها أنهم من السادة الذين هربوا من العراق تحت الضغط العباسي و لجأوا إلى شمال أفريقيا حيث أقاموا في تونس و بقيت آثارهم حتى اليوم .
و هناك في شمال أفريقيا كثيرون مثلنا يسمون الأشراف لأنهم من السلالة الطاهرة و لكنهم تاهوا في ضلالات الأمويين و العباسين و لم يبق عندهم من الحقيقة شيء إلا ذلك الاحترام و التقدير الذي يكنه لهم الناس ، فالحمد لله على هدايته و الحمد لله على إستبصاري و فتح بصري و بصيرتي على الحقيقة 9.