الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مراحل الاعداد والاصطفاء

لم تزل مريم ابنت عمران تحضى برعاية الرب ورضوانه طالما نذرت نفسها لطاعته وعبادته وانقطاعها اليه، فيغدقها بالرحمة ويحبوها بالكرامة ومن ثم يصطفيها لحجيته ويطهرها على نساء العالمين.

ولم يكن الاصطفاء إلا بعد مراحل تتدرج فيها مريم ابنت عمران فقبولها من قبل الله قبولاً حسناً وانباتها إنباتاً حسناً ومن ثم فهي تحت قيمومة النبوّة ورعاية الرسالة، أمر موجب لخصائص الاصطفاء والتطهير لتلك المرأة التي سلّمت ارادتها للمرأة الصالحة ـ امرأة عمران أمّها التقية ـ حين نذرت ما في بطنها محرراً لله تعالى، وبالفعل تستجيب تلك الطاهرة لارادة الله فتنقاد مسلّمة لطاعته وعبادته، وهي أول مرحلة تظهر فيها مريم قابليتها على الاصطفاء وقدرتها على تلقي ارادات الله تعالى، وإلا فمن غير اليسير أن تستجيب فتاة في الانقطاع عن الدنيا وملذاتها لتبتلها للوفاء بنذر أمّها حتى كانت تحت ارادتها طيّعة بارّة مطمئنة بقضاء الله تعالى عابدة متبتلة بكل ايمان وشوق وانقياد مما يكشف عن مكنون الايمان الذي أودع في مطاوي تلك النفس الكريمة واستحقاقها بكل جدارة تحمّل المسؤولية الإلهية في الحجية والاصطفاء قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ 1.

فالاعداد لكي تكون مريم محلاً صالحاً للحجية يجري تحت رعاية الله تعالى وبقيمومة زكريا نبي الله الذي أوكل بمهمة الاعداد هذه.

ومن هنا فستكون مراحل الاعداد لفاطمة الزهراء(عليها السلام) تشمل مرحلتين:

الاولى: اعداد النبي (صلى الله عليه وآله) لتلقي هذه الكرامة وقبولها.

والثانية: اعدادها(عليها السلام) تحت رعاية الرسالة وقيمومة النبوّة، وقد قال تعالى في مناقب مريم (وكفّلها زكريا)، وفاطمة(عليها السلام) قد كفّلها سيد الانبياء فضلاً عن سيد الأوصياء، فتلك المنقبة لها بنحو أرفع وأعظم.

اذن فبعدما بلغت مريم مراتب الكمال لقابلية الاصطفاء نادتها الملائكة ببشارة الاصطفاء ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ 2 والآية معطوفة على قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 3 مما يعني انّ اصطفاء مريم كان بمستوى اصطفاء الانبياء من آدم ونوح وآل ابراهيم أي اصطفاءً نبوياً تختلف ماهيته بحسب حيثيات النبوّة والامامة التي لا تكون إلا في سنخ الرجال بخصوصيات ليس هنا محل بحثها.

فاصطفاءها الاول هو قبولها لعبادة الله ومن ثم تطهيرها بعصمة الله وبالتالي اصطفائها لحجيته، فمراحل الاصطفاء تتدرج من نشأتها وتترقّى بتطهيرها وتكتمل بحجيتها 4.