ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين. وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.
عندما نتأمل في التاريخ الإسلامي بعد واقعة كربلاء الأليمة نجد أن العديد من الثورات ضد الحكم الأموي وبعدها ضد الحكم العباسي قد انطلقت بشعار: يا لثارات الحسين عليه السلام. وبغض النظر عن تقييم تلك الثورات، ينتابني سؤال مهم: هل كان الإمام الحسين عليه السلام ثائراً؟
إنّ إحياء ذكرى عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدرس العملي والتطبيق لآيات كتاب الله الآمرة بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع إسلامه العام، فمجرد كون الحاكم مسلماً لا يمنع من القيام ضدّه لتصحيح مسار الأمور عندما ينحرف بها عن جادة الإستقامة والهداية والعدل والحق، ولذلك نرى القرآن يصرّح بأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو الكافر والفاسق والظالم.
حديث الامام الحسين يمتد مع الزمان الى كل عصر وكل مرحلة، ويمتد مع المكان الى كل موقع وكل مصر، لانه حديث الانسان بما له من تحدي وإرادة، وحديث الانسان بما فيه من ضعف وعجز، والانسان بارادته وبايمانه ويقينه يتحدى كل ضعف وعجز في وجوده أو في كيان الآخرين.
أمر الله سبحانه وتعالى في غير موضع من القرآن الكريم بالوحدة والاتحاد والتوحد، ونهى عن التفرق والشقاق والتنازع، كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... ﴾1، فالتمسك بحبل الله المتين -والذي هو دينه وقرآنه وعترة نبيه- يؤدي إلى الوحدة والتوحد؛ وهي مصدر قوة ومنعة وعزة وتوفيق ونجاح، وأما التفرق والتنازع فهي مصدر ضعف وخوار وهوان وفشل.
لا يخفى على الباحث الخبير أنّ الثورة التي قادها الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ الحاكم الجائر "يزيد بن معاوية" مغتصب الخلافة الإسلامية وراثةً عن أبيه كانت ثورة هادفة إلى إصلاح مسيرة الأمة بعد الفساد الذي طرأ عليها، وكانت قمة الإنحراف قد حصلت وتحقّقت من خلال استلام يزيد للخلافة وإدارة شؤون الأمة الإسلامية مع ما هو عليه من مواصفات الكفر والنفاق والزندقة والإنحراف عن الصراط المستقيم.
لقد عزم الإمام الحسين على رفض الصلح بكل مستوياته؛ لأنّ المرحلة التي كان يتحرك فيها، لا تستجيب لأية مصلحة إسلامية في الصلح، خلافاً للمرحلة السابقة التي عاشها مع أخيه الإمام الحسن في حربه مع معاوية، وهذا مما يجعل من مسألة النتائج الخطرة أمراً طبيعياً جداً.
كربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة .. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مدرسة العلم والتقوى، بالإضافة الى أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.
لقد كان القرآن حاضراً مع الحسين في عاشوراء، فهو لم يرفع السيف في وجه الطغاة والجائرين إلا دفاعاً عن رسالة الله وكتابه. لم يكن الإمام الحسين عليه السلام طالباً لسلطة أو جاه، بل إنما نهض ضد الضلال والإنحراف لإعادة الروح إلى الدين وتذكير الأمة بالقرآن.
من أهم مميزات القيادة أن تكون لديها القدرة الكافية على التعامل مع الأتباع المؤمنين بها بالطريقة التي تضمن ولاءهم في كل الحالات، اليسيرة منها والعسيرة على حد سواء، وأن يكون ذلك الولاء نابعاً من الإرادة الإختيارية الحرة للأتباع التي تجعلهم في موقع القادر على العطاء لكل ما يمكن بشوق ورغبة واندفاع.
هذه الرسالة الموجزة أكتبها بالخصوص إلى أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) صفوة المؤمنين في عهده وزمانه الذين رفضوا أن يتركوا إمامهم وحيداً وقالوا بصوت واحد: (لا طيّب العيش بعدك يا أبا عبد الله الحسين (عليه السلام).
شكلت ثورة الإمام الحسين انعطافة كبيرة في تاريخ ومسيرة الأمة، ونهضة في العقول والأفكار، وصدمة في النفوس والقلوب، ولذلك لم يقتصر أثرها على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها، بل امتد تأثيرها إلى كل العصور والأزمان. وقد أحدثت ثورة الإمام الحسين الكثير من الآثار والنتائج على أكثر من صعيد في المجتمع الإسلامي.
استخدم الإمام الحسين عليه السلام في حركته كلّ إمكانات الإعلام والاتّصال والعلاقات العامّة المتاحة في ذلك الزمن، وفق خطّة مدروسة، خطّط لها؛ لأنَّ الحسين عليه السلام كان يريد أن يوصل الموقف والرسالة والقضيّة والمعنى والهدف إلى ضمائر المسلمين وعقولهم في ذلك الزمن، وعلى مدى الأجيال إلى قيام الساعة.
الإمام الحسين عليه السلام معجزة الأجيال، الإمام الحسين عليه السلام معجزة محمّد صلى الله عليه واله، الإمام الحسين عليه السلام معجزة القرآن، الإمام الحسين عليه السلام معجزة الدين، ولك أن تقول إنّ معجزة الدين هي القرآن، ولكن أقول لكم ثقوا أنّه لولا الحسين، لم يكن هناك قرآن، ولا سمعت ذكراً لمحمّد، ولا ذكراً للدين، بل ولا ذكراً لله في الأرض.
يعد الظلم من أخطر الآفات المهددة للمجتمعات البشرية بالانهيار والزوال والدمار، فما ساد الظلم في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية وإلا وساده انتهاك حقوق الإنسان، وانعدام الاستقرار الاجتماعي، وسلب الحريات الفردية والعامة، وضياع الحقوق، وغياب العدل، وانتشار الفساد والمفسدين.
لا شكّ أن من يرجع إلى التاريخ، يجد واضحاً جليّاً، أن آل عليّ هم ميزان المجتمع وقادته وسادته. قد ورث كلّ واحد منهم الفضائل من معدنه، وأخذ المكرمات من مصادرها. وهذا الإرث الجليل قد هيّأهم لنصرة الحقّ والعمل في سبيله. وهم لم يرثوا هذا الحقّ، ليستغلّوه لصالح أنفسهم، وإنّما كان في أيديهم حقّاً مشاعاً للناس، بحيث يكون لكلّ بيت من هذا الحقّ نصيب.