الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الذين يخشون الناس

نص الشبهة: 

ويذكر هنا: أن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والمقداد، وقدامة بن مظعون، كانوا يؤذون في مكة؛ فكانوا يستأذنون النبي «صلى الله عليه وآله» بقتال المشركين، فلا يأذن لهم، فلما أمروا بالقتال، والسير إلى بدر، شق على بعضهم؛ فنزل قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ ...  (البحار ج19 ص209 ومجمع البيان ج3 ص77 والدر المنثور ج2 ص184 عن: النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في سننه، وعبد بن حميد، وابن المنذر).

الجواب: 

ونحن نقول: إن نفسية المقداد ومواقفه تأبى أن يكون ممن شق عليهم ذلك؛ بدليل موقفه العظيم الآتي بعد صفحات يسيرة إن شاء الله، حينما استشار النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في حرب قريش.
أضف إلى ذلك: أن الآية تدل على أن هؤلاء قد خافوا وجبنوا عن القتال، وكانت خشيتهم وخوفهم من الناس أشد منها بالنسبة إلى الله سبحانه، وأن ذلك كان لأجل حب البقاء، وللتمتع بالدنيا.
ونحن نعلم: أن المقداد لم يكن جباناً قط، ولا كان من محبي البقاء في الدنيا على حساب الدين والإسلام، وتلك هي حياته و سيرته خير شاهد على ما نقول.
كما أن الرواية والآية تدلان على أن فريقاً من أولئك المذكورين أولاً قد شق ذلك عليهم، وليس الكل.
وأما من عدا المقداد ممن ذكرت الرواية أسماءهم، فإن تعلقهم بالدنيا كما يظهر من سيرة حياتهم ومواقفهم المختلفة، يؤيد أن يكونوا ممن شق عليهم ذلك فعلاً.
فأما عبد الرحمن بن عوف؛ فلا يشك في كونه من الذين قالوا ذلك كما يفهم من بعض النصوص 1 ولقد ترك هذا الرجل من المال ما هو معروف ومشهور، وقد جرى بين أبي ذر وعثمان وكعب الأحبار ما جرى بسبب ذلك 2، وقد صرح بأنه أكثر قريش مالاً 3.
وموقفه في يوم الشورى معروف أيضاً، فإنه قد ضرب بكل الأوامر الإلهية والوصايا النبوية في حق علي «عليه السلام» عرض الحائط، فلم يكن ليهتم كثيراً بأوامر الله ورسوله «صلى الله عليه وآله» وذلك رغبة منه في الدنيا وإيثاراً لها.
وأما قدامة فقد حده عمر في الخمر، وتخلف عن بيعة علي «عليه السلام» 4. كل ذلك طلباً للدنيا، وانسياقاً وراء الهوى.
وأما سعد، فقد أبى أن يبايع علياً «عليه السلام»، وقعد عنه في حروبه، وقطع «عليه السلام» عنه العطاء، وصارمه عمار، وأخذ بعض أموال بيت مال الكوفة 5. إلى غير ذلك مما يدل على تعلقه بالدنيا، وعدم اهتمامه بأوامر الله ورسوله.
فهؤلاء هم الذين يمكن أن يكونوا محط نظر الآية والرواية، وإنما أخفى الرواة أسماءهم، وخلطوهم بغيرهم، لأن السياسة كانت ترغب في ذلك، كما هو معلوم 6.

  • 1. يفهم ذلك من إطلاقات روايات الدر المنثور فراجع.
  • 2. راجع: مروج الذهب ج2 ص340 ومسند أحمد ج1 ص63 وراجع: حلية الأولياء ج1 ص160 والغدير ج8 ص351 وراجع: أنساب الأشراف ج5 ص52 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص54 وج8 ص256 وتفسير الميزان ج9 ص251 ـ 258 وتاريخ الأمم والملوك وغير ذلك.
  • 3. راجع: كشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص172 ومجمع الزوائد ج9 ص72.
  • 4. راجع قاموس الرجال ج7 ص385 وعن كونه قد حد في الخمر راجع: الإصابة ج3 ص228 ـ 229 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص361 وأسد الغابة ج4 ص199 وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص23.
  • 5. راجع: قاموس الرجال ج4 ص312 ـ 315.
  • 6. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الخامس.