الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ان تضل احداهما

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لماذا تعتبر شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في الحالات التي تقبل شهادتها؟ علماً أنني اطلعت على الأدلة الفقهية التي قد نتعبد بها كمسلمين لكن سؤالي بخصوص لفظ «الضلال» الذي ورد في الآية الكريمة من سورة البقرة 282، الأمر الذي بحثته بعض الكتب من نظرة اجتماعية أو نفسية قد تكون غير مقنعة وهي تحاول التبرير فقط؟

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..<--break->

فإننا كنا قد عالجنا هذه المسألة في كتاب «خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام»، ونعود هنا لنكرر ما ذكرناه هناك مع بعض التطعيم، وذلك على النحو التالي:
قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول.. إلى أن قال عليه السلام: وأما ناقصات عقولهن، فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد.. 1.
ولقد ظهرت تفسيرات عديدة لهذا الأمر، ولخصوص هذا القول، وهذه الآية المباركة.

التعليل أو التفسير الأول

لقد حاول بعضهم الرد على التعليل المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام فادعى: أن قضية الشهادة لا ترتبط بالعقل، وإنما ترتبط بسلامة الحس فيما يراه الإنسان ويسمعه، وترتبط بالأمانة في النقل، فأي ربط لذلك بنقص العقل.
وهو ردّ غير صحيح..
أولاً: لأن ما ذكره إنما يصح في مورد لا تطغى فيه على العقل المؤثرات التي تمنعه من ضبط الوقائع، وحفظها سليمة عن النقص، أو عن الزيادات والطوارئ، التي ربما تخلط بعض الأمور ببعضها الآخر..
فإن بين سلامة الحواس في ضبط الأمور، وبين أداء الشهادة مرحلة تحتاج إلى مراقبة.. يؤمن معها عدم ضياع شيء، أو عدم اختلاط الأمور ببعضها.
ثانياً: لو كان الأمر مرتبطاً بسلامة الحواس، وبالأمانة في النقل وحسب، لكان اللازم قبول شهادة الصبيان المميزين في سن الخامسة والسادسة وأقل من ذلك، فكيف إذا كان الصبي في سن الثانية عشرة، والثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة؟! إذا تأكدنا من سلامة الحواس لديه، وعدم الكذب في النقل؟!..
بل ربما يمكن قبول شهادة حتى المجانين في بعض الحالات والفروض إذا كانوا سليمي الحواس. فهل يقبل هذا البعض بذلك.
وقد يتطور الأمر لقبول شهادة الببغاء، التي تحكي الأقوال كما هي!! فهل يرضى ذلك هذا البعض ؟!
ثالثاً: إن الشهادة في القرآن الكريم قد علّلت بتعليل واضح، هو قوله تعالى:﴿ ... أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ... 2.
فالقرآن قد قرّر هذا الضلال والخطأ في جانب المرأة دون الرجل، والذي يضل ويحتاج إلى التذكير هو عقل الإنسان، وليس الحواس..
رابعاً: إن الحاجة إلى سلامة الحواس، وعدم الكذب في النقل، مطلوبان في الرجل وفي المرأة على حد سواء، وليس ثمة من دليل على نقص المرأة عن الرجل في ذلك..

التفسير أو التعليل الثاني

لقد علل بعضهم كون شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد بأن العاطفة لدى المرأة قد تجعلها تتعاطف مع إنسان، فتشهد له أو عليه. فاحتيج إلى شهادة امرأء أخرى لكي تصحح لها.
وهذا غير صحيح أيضاً..
فأولاً: إن الآية لم تشر إلى الانحراف العاطفي في النقل، بل أشارت إلى الضلال عن الحقيقة، ثم التذكير بها، لتكون الشهادة سليمة وقويمة..
ثانياً: بالنسبة لقولهم: إن تأثير العاطفة على المرأة قد يجعلها تخرج عن جادّة الصواب، نقول: إن هذا لا يدخل في دائرة الضلال والتذكير، بل يدخل في دائرة الصدق والكذب، والأمانة وعدمها.
فإن العاطفة إذا جعلتها تغيّر وتزوّر في عناصر الشهادة، فإنها سوف تصرّ على أقوالها، ولن ينفع جعل المرأة الأخرى إلى جانبها، حيث يكون ذلك من قبيل وضع الحجر إلى جنب الإنسان..
بل سوف تكون هناك شهادتان متناقضتان، تكذّب إحداهما الأخرى.

التفسير الصحيح

والتفسير الصحيح هو الذي أشير إليه في الكلام المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام، حيث ذكر عليه السلام أن السبب في ذلك هو نقصان عقل المرأة بالنسبة إلى عقل الرجل..
ولا يجدي رفض هذا الأمر، استناداً إلى مجرد الاستبعاد، والادعاء، إذ من قال: إنه لا يوجد اختلاف في حقيقة وجوهر عقل المرأة عن جوهر وحقيقة عقل الرجل.. فإن معرفة هذا الأمر غير متيسرة لنا، فلا بد أن نرجع فيها إلى الله ورسوله، وأهل بيته الطاهرين..
والظاهر من هذا الكلام المنقول عن الإمام علي عليه السلام، هو: أن الله سبحانه قد أعطى كلاً من الرجل والمرأة عقلاً يكفي لصحة توجّه التكليف والخطاب الإلهي إلى صاحبه، وأن ثمة اختلافاً في بعض الخصوصيات فيما بينهما..
وكمثال على ذلك نذكر: أنه إذا كان هناك محرّك لسيارة بعينها، له خصوصيات مميزة، وفائقة.. ويعطي قوة دفع بدرجة عالية جداً..
وهناك محرّك آخر، يمكن الاستفادة منه في نفس تلك السيارة، ولكنه لا يحمل مواصفات وميزات المحرّك الآخر، بل هو يعطي للسيارة قوة اندفاع عادية أو عالية، بدرجة مّا.
ويراد صنع سيارة تسير بسرعة مائة كيلو متر، بحمولة ألف كيلو غرام مثلاً، فالمحرّكان كلاهما كافيان لتحقيق هذا الغرض..
ولا يشعر الإنسان مع أي منهما بأن ثمة نقصاً ظاهراً، أو عجزاً عن تحقيق ذلك الغرض. وإن كان ثمة ميزة في أحدهما لا تظهر الحاجة إليها إلا في صورة إرادة التعدّي عن مستوى الغرض المرسوم، لظروف طارئة، الأمر الذي يستدعي التماس ما يعوّض عن النقص الحاصل في ميزات هذا بالنسبة لذاك.
وليكن عقل المرأة بالنسبة لعقل الرجل بهذه المثابة. حتى إذا احتيج إلى شهادتها في بعض المجالات، فإن انضمام امرأة أخرى هو الذي يجبر النقص ويسد الخلل..
وليحمل الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام حول أن النساء ناقصات العقول على هذا المعنى.
وأما قول البعض، بأن انضمام الناقص إلى الناقص لا يعطي الكمال.
فهو غير صحيح على إطلاقه، وذلك لأن هذين الناقصين قد يكوّنان جزأي علة لأمر ثالث، ينتج عن انضمام أحدهما إلى الآخر.. ويكون الكمال متجسداً في ذلك الأمر الآخر. وهذه هي حال الأجزاء التركيبية التي تتألف منها الآلات المركّبة، والهيئات في مختلف الحقول. كما هو الحال في القطع التي تتألف منها السيارة،. أو الأشكال التي يتألف منها الرسم الكامل لصورة إنسان، أو أي شيء آخر..
وقد يكون المقصود هو أن ينتج هذا الناقص ـ بما هو ناقص ـ كمالاً من سنخه، ومستنداً إليه، فإذا لم يستطع الرجل وحده أو المرأة وحدها إنتاج ولد مثلاً.. فحتى لو انضم إلى الرجل عشرات سواه من أمثاله أو انضم إلى المرأة عشرات من أمثالها، فإنهم وإنهن لن يستطيعوا، ولن يستطعن تحقيق أي شيء في هذا المجال..
والمقصود في موضوع الشهادة هو استكمال الصورة لحقيقة ما جرى ـ فيما يرتبط بموضوع الشهادة، والتحرّز عن الوقوع في الضلال الناشئ عن عدم الالتفات أو النسيان، أو اختلاط بعض الأمور فيما بينها؛ فتتساعد المرأتان على ترسيم الحقيقة بأمانة ودقة..
وليس كلامنا في مورد تعمّد شهادة الزور انسياقاً مع العاطفة، مع هذا الفريق أو ذاك. بل في مورد التدقيق في رسم ملامح الحقيقة، التي قد لا تهتم المرأة بالتدقيق فيها ربما بحسب خصوصية وحالات العقل الذي أودعه الله تعالى فيها، أو بحسب طبيعة اهتماماتها، وتوجهاتها، فيما اعتادته وألفته، أو بحسب ما أهّلها الله له في هذه الحياة، الأمر الذي يحجز العقل عن تأدية المهمات التي تطلب منه على النحو الأكمل والأفضل.
ولا ضير في اعتبار ذلك نقصاناً في العقل، ما دام أن ذلك يدخل في دائرة اهتمامات العقل، ويقع في نطاق صلاحياته.

واقعية هذا التشريع

ويجب أن يكون معلوماً: أن ما ذكرناه لا يعني: أن يكون الإخلال أو الخلل حاصلاً في كل قضية، بل يكفي أن يحصل الخلل ولو في نسبة تستحق أن يهتم الشارع بوضع تشريع يساعد على الاحتراز منها، وذلك لأن الهدف هو حفظ حقوق الناس وأموالهم، والتقليل من احتمالات ضياعها، فيصح وضع هذا التشريع العام، حتى لو اقتصر تأثيره على حفظ عشرين بالمائة من مجموع الشهادات..
بل وحتى لو كانت المرأة، في الثمانين بالمائة الباقية، تضارع الرجل في مختلف مزاياه..
فإن هذا أمر نظامي ينظر فيه إلى الواقع الحياتي، ويراد حفظ شؤونه، وليس في تشريع حكم كهذا أي انتقاص من شأن هذا، أو ذاك.
ومما يدل على ذلك: أن الشارع قد حدد سناً معينة للشهادة أيضاً. فلم يقبلها في أقل من ذلك السن ولو بساعة، مع أن ظاهر الأمور يقضي: بأن الشاهد قبل ساعة أو قبل دقائق، هو نفسه بعد الساعة أو بعد تلك الدقائق..
ويدل على ذلك أيضاً: أن هذا التشريع لا يوجب أن تكون جميع النساء في درجة أدنى من جميع الرجال.. إذ قد روي عنه صلى الله عليه وآله، في حديث: كمل من النساء أربع 3، ثم ذكرهن صلى الله عليه وآله.. فإذا كانت هؤلاء النسوة أفضل من جميع الرجال.. باستثناء الأنبياء والأئمة عليهم السلام، مع فرض أن شهادة امرأتين منهن أيضاً بمثابة شهادة رجل واحد، فإن ذلك يدل على أن موضوع الشهادة لا يضر بكمال المرأة..
وعلى أنه حكم شرعي له خصوصياته، ومبرراته التشريعية.. حسبما ألمحنا إليه آنفاً..

شاهد قرآني

ونحن في ختام كلامنا هذا نورد مفردة قرآنية، تدلل على هذه الحقيقة التي ذكرناها وتؤكدها، وهي: أن الله سبحانه حين تحدّث عن نشوز النساء قال:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ 4.

فنجد في هذه الآية:
ألف: إن الله تعالى قرّر: أن الرجال قوّامون على النساء؛ لسببين:
أحدهما: أنه تعالى قد فضلهم على النساء.
الثاني: أنهم هم المسؤولون عن الإنفاق عليهن.
ب: إنه تعالى قد أجاز للرجل ـ في حالة خوف نشوز النساء ـ ثلاثة أمور:
أولها: موعظتهن.
الثاني: هجرهنّ في المضاجع.
الثالث: ضربهن.
ج: إنه تعالى قد جعل مشروعية ذلك تنتهي عند حدّ عودتهن إلى خطّ الطاعة..
ولكنه سبحانه وتعالى لم يقرّر في صورة خوف المرأة من نشوز زوجها أي شيء من ذلك، ولم يعطها الحق في عمل أي شيء ضدّه، فهو سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ 5..
فنراه لم يشر حتى لأن تقف المرأة من زوجها موقف الواعظ له، فضلاً عن أن تهجره في المضجع، أو أن تضربه.
بل دعاهما إلى الصلح، وحثّهما عليه، وأكّده بالنص عليه ثلاث مرات وأرشدهما إلى أن الصلح خير.
هذا كله عدا عن الروايات الكثيرة التي من جملتها اعتبارها أحد الضعيفين في قوله صلى الله عليه وآله: «أوصيكم بالضعيفين».
ومنها: الحثّ على أن لا يملّك الرجل المرأة من أمرها ما جاوز نفسها..
وكذلك ما روي عن علي عليه السلام من وصفه للخوارج بأن لهم حلوم الأطفال، وعقول ربّات الحجال..
وكذا ما روي من أن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة..
وأنه ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه..
وكل ذلك وسواه لا يمنع من أن تصل بعض النساء إلى مقامات سامية، في مواقع القرب والكرامة الإلهية.. وعلى رأس كل نساء العالمين الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

لا بد من لفت نظر

ونختم ملاحظاتنا هنا بالتحذير من أن يعتبر الإنسان عقله وفكره مهما كان قوياً ونشيطاً ـ حاكماً، ومهيمناً ومعياراً يقاس عليه كلام المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ فيرفض ويقبل على هذا الأساس، بل العكس هو الصحيح.
ونحذّر أيضاً من أن يتخيل أحد أنه يستطيع أن يدرك علل الأحكام.. فضلاً عن أن يتمادى به الخيال ليصل به إلى حد رفض ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من حكم أو حقائق بيّنوها، فيرفض ذلك استناداً إلى استحسانات، أو تعليلات أوحى له بها وهمه، دونما ارتكاز إلى علم قاطع، وبرهان ساطع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 6..

  • 1. نهج البلاغة ج 1 ص 129 نشر دار المعرفة بيروت ـ لبنان.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 282، الصفحة: 48.
  • 3. الصراط المستقيم ج 1 ص 170 وكتاب الأربعين للماحوزي ص 315 وجامع البيان ج 3 ص 358 وتفسير مجمع البيان ج 1 ص 65 وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 377.
  • 4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 34، الصفحة: 84.
  • 5. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 128، الصفحة: 99.
  • 6. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة العاشرة»، المركز الإسلامي للدراسات،الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (607).