ما هو موقف الاسلام من الهجرة إلى البلدان غير الإسلامية ؟

الهجرة هي الخروج من أرض إلى أخرى لأسباب و أهداف و نوايا مختلفة ، و من حيث التقييم مدحاً أو ذماً فهي تابعة للأسباب و الأهداف و النوايا و الشروط فقد تكون واجبة و قد تكون مباحة و قد تكون محرمة .

الهجرة الممدوحة

المقصود بالهجرة هنا هو التحوُّل الإيجابي من حياة البداوة و الجاهلية و الكفر إلى الحياة الملتزمة بتعاليم الإسلام و في حاضرة الإسلام كما حصل بالنسبة إلى المسلمين الأوائل حيث أسلموا و هاجروا إلى الحبشة و إلى يثرب حيث أقام الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله دولة الإسلام فيها .
و الهجرة بهذا المعنى ثقافة اسلامية و عمل جهادي حيث تؤمن الهجرة حاجات الفرد و تبلغه أهدافه و تحفظ كرامته و تتيح له فرصة العمل بالواجبات و الفرائض ، و هي بالتأكيد ثقافة اسلامية و قد دعى لها القرآن الكريم :
قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ 1 ، فمن يختار الخنوع و الاستضعاف تحت سلطة و جبروت الظالمين و الكفار بحجة الاستضعاف لا يكون معذوراً عند الله عَزَّ و جَلَّ ، بل يجب عليه أن يهاجر إلى بلد تؤمن له الحرية و الكرامة الانسانية .
و من هذا المنطلق حصلت الهجرة إلى كل من الحبشة و الطائف و يثرب .
و من أشكال الهجرة الممدوحة الهجرة إلى البلاد بهدف التعلم و إكتساب الخبرات و التكنولوجيا لصالح بلاد المسلمين و لمصلحة الانسانية بصورة عامة ، فقد رُوِيَ عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله أنه قال : " اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَ لَوْ بِالصِّينِ‏- فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " 2 .
فمن كانت نيته حميدة يريد الخلاص من الظلم و الاضطهاد أو الفقر و الحرمان فيهاجر من بلده إلى بلد يتوفر له فيه الامن و الامان و يستطيع العيش فيها بحرية فيتعلم فيه و يبني حياته و يمارس فرائضه و واجباته بحرية متمسكاً بدينه و عقائده الحقة إلى حين أن يتمكن من الرجوع إلى موطنه أو إلى مكان آخر من بلاد الإسلام ليخدم شعبه و بلاده فهو مجاهد في سبيل الله .

الهجرة المحرمة

حرم الإسلام الهجرة إلى البلاد التي تعود على المسلم أو على مجتمعه بآثار سلبية و التي هي من مصاديق التعرب بعد الهجرة ، كترك الواجبات و الفرائض، أو عدم التمكن من أدائها بصورة طبيعية، و هذا ما صرَّحَ به أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فقد كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فِيمَا كَتَبَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ: "وَ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ التَّعَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِلرُّجُوعِ عَنِ الدِّينِ، وَ تَرْكِ الْمُؤَازَرَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَ الْحُجَجِ عليهم السلام ، وَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ وَ إِبْطَالِ حَقِّ كُلِّ ذِي حَقٍّ، لَا لِعِلَّةِ سُكْنَى الْبَدْوِ، وَ لِذَلِكَ لَوْ عَرَفَ الرَّجُلُ الدِّينَ كَامِلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُسَاكَنَةُ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ تَرْكُ الْعِلْمِ وَ الدُّخُولُ مَعَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَ التَّمَادِي فِي ذَلِكَ" 3 .
و هذه الهجرة من مصاديق التعرب بعد الهجرة في عصرنا الحاضر ـ كما صرح بذلك الفقهاء ـ إختيار المسلم بلاد الكفر لإقامته و سكناه إذا لم يتمكن من أداء فرائضه و واجباته أو الحفاظ على ثقافته الإسلامية في ذلك البلد بسبب التأثيرات أو المضايقات بحيث يؤثر سلباً على إلتزامه الديني، و في مثل هذه الحالة يجب على المسلم التحوّل من ذلك البلد إلى بلدٍ آخر يتمكن فيه من أداء واجباته الدينية و حفظ كرامته، و يستثنى من ذلك المضطر، و من يقوم بدور إيجابي أو نشاط ديني فلا يُعدُّ آثماً بل يؤجر على ذلك .

  • 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 97، الصفحة: 94.
  • 2. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 27 / 27 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي الحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 بمشهد الإمام الرضا و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.
  • 3. من لا يحضره الفقيه : 3 / 565 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .