الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

أين دفن النبي صلى الله عليه و آله ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خير خلقه و أشرف بريّته محمد و آله الطيبين الطاهرين . . و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين . .
و بعد . . فقد :
قال ابن كثير : " قد علم بالتواتر : أنه عليه الصلاة و السلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها ، شرقي مسجده ، في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ، ثم دفن بعده أبو بكر ، ثم عمر (رض) . ." 1 .
و قضية دفنه ( صلى الله عليه و آله ) في بيت عائشة موجودة في صحيح البخاري و غيره عن عائشة عموماً . . و عن ابن أختها عروة ابن الزبير ، كما يلاحظ في أكثر الروايات . .
أما نحن فنشك في ذلك كثيراً ، و ذلك :
أولاً : لأن بيت عائشة لم يكن في الجهة الشرقية من المسجد لأمرين :
أحدهما : أن خوخة آل عمر الموجودة في الجانب القبلي في المسجد ، و هي اليوم " يتوصل إليها من الطابق الذي بالرواق الثاني من أروقة القبلة ، و هو الرواق الذي يقف الناس فيه للزيارة أمام الوجه الشريف بالقرب من الطابق المذكور . . " 2 .
ـ هذه الخوخة ـ قد وضعت في بيت حفصة الذي كان مربداً ، و أخذته بدلاً عن حجرتها حين توسيع المسجد . .
و قد كان دار حفصة في قبلي المسجد 3 و كان بيت حفصة بنت عمر ملاصقاً لبيت عائشة من جهلة القبلة 4 .
" و المعروف عند الناس أن البيت الذي كان على يمين الخارج من خوخة آل عمر المذكورة هو بيت عائشة" 5 .
و على هذا . . فيكون بيت عائشة في قبلي المسجد لا في شرقيه حيث يوجد القبر الشريف ، أي أنه يكون في مقابله و بينه و بينه فاصل كبير . .
الثاني : مما يدل على أن بيت عائشة كان في جهة القبلة من المسجد من الشرق ، ما رواه ابن زبالة ، و ابن عساكر ، عن محمد بن أبي فديك ، عن محمد بن هلال : أنه رأى حجر أزواج النبي ( صلى الله عليه و آله ) من جريد ، مستورة بمسوح الشعر ، فسألته عن بيت عائشة . فقال : كان بابه من جهة الشام . قلت : مصراعاً كان أو مصراعين ؟ قال : كان باب واحد .
و في عبارة ابن زبالة : مستورة بمسوح الشعر ، مستطيرة في القبلة ، و في المشرق و الشام ليس في غربي المسجد شيء منها الخ . .
و قال ابن عساكر : و باب البيت شامي 6 . فيستفاد من ذلك :
أ : ما قاله المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني :
" قوله في الحديث ( فسألته عن بيت عائشة ) في هذا دلالة على أن الحجرة التي دفن فيها النبي ( صلى الله عليه و آله ) لم تكن بيت عائشة ، إذ فيه دلالة على أن السائل يعلم أن بيتها لم يكن في الموضع الذي دفن فيه النبي ( صلى الله عليه و آله ) . . و لذلك فهو يسأل عن موضع بيتها فيما عدا البيت الذي دفن فيه النبي ( صلى الله عليه و آله ) ليعرفه أين يقع . . " انتهى .
ب : إن من المعلوم أن الجهة الشامية للمسجد هي الجهة الشمالية منه كما صرحت به الرواية آنفاً ـ و يدل على ذلك أيضاً قول ابن النجار : " قال أهل السير : ضرب النبي ( صلى الله عليه و آله ) الحجرات ما بينه و بين القبلة ، و الشرق إلى الشام ، ولم يضربها في غربيه ، و كانت خارجة عنه مديرة به ، و كان أبوابها شارعة في المسجد " 7 .
و أيضاً : " وجه المنبر ، و وجه الإمام إذا قام على المنبر بجهة الشام " 8 . .
و من المعلوم : أن الجالس على المنبر يكون ظهره إلى القبلة ، و وجهه إلى الجهة المقابلة لها . .
و عليه . . و إذا تحقق ذلك . . و إذا كان باب بيت عائشة يقابل الجهة الشمالية : فإن ذلك معناه أن بيتها كان في جهة القبلة من المسجد . . و كان باب حجرتها يفتح على المسجد مباشرة ، حتى إنها تقول : إنها كانت ترجِّل النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و هو معتكف في المسجد ، و هي في بيتها ، و هي حائض 9 .
و قد حاول البعض توجيه ذلك : بأن المراد من الباب الذي لجهة الشام هو الباب الذي شرعته عائشة لما ضربت حائطاً بينها و بين القبور بعد دفن عمر . .
و أجاب السمهودي بقوله : " و فيه بُعد ، لأنه سيأتي ما يؤخذ منه أن الحائط الذي ضربته كان في جهة المشرق" 10 . و إذا كان في جهة المشرق ؛ فلابد و أن يكون الباب فيه مقابلاً للمغرب ، لا لجهة الشام .
ج : و يدل على كون بيت عائشة في جهة القبلة : أن الحجر كانت تبدأ من بيت عائشة ، و تنتهي إلى منزل أسماء بنت حسن كما نص على ذلك من شاهدها 11 .
د : إن رواية ابن عساكر ، و ابن زبالة المتقدمة تنص على أنه لم يكن لبيت عائشة إلا باب واحد ، بمصراع واحد . . و من المعلوم : أنه ( صلى الله عليه و آله ) قد صُلِّي عليه ، على شفير حفرته ، و دفن في حجرة لها بابان . .
فقد روى ابن سعد ، عن أبي عسيم ، قال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، قالوا : كيف نصلّي عليه ؟
قالوا : ادخلوا من ذا الباب ارسالاً ارسالاً ، فصلّوا عليه ، و اخرجوا من الباب الآخر . . 12 .
و يمكن الجواب عن هذا الأخير : بان الجواب لابد أن يطابق السؤال ، فإذا كان السؤال عن مصاريع الباب ، لا عن عدد الأبواب ، فلابد و أن يكون الجواب عن ذلك أيضاً . . و لا يدل ذلك على أنه لم يكن للحجرة باب آخر .
هـ : و سيأتي : أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) كان في مرضه ( أي قبل انتقاله إلى بيت فاطمة ) في حجرة عائشة ؛ فكشف الحجاب ؛ فكاد الناس أن يفتنوا ، و هم في الصلاة لما رأوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) . . الأمر الذي يدل على أن حجرة عائشة قد كانت في طرف القبلة في مقابل المصلِّين . .
و أما ما ذكرته الرواية من صلاة أبي بكر في الناس فقد كان ذلك على رغم النبي ( صلى الله عليه و آله ) . و قد جاء ( صلى الله عليه و آله ) رغم مرضه ، و أخرّه ، و صلى مكانه . و لهذا البحث مجال آخر . .
و ثانياً : قال ابن سعد : " و اشترى ( يعني معاوية ) من عائشة منزلها بمئة و ثمانين ألف درهم ، و يقال بمائتي ألف . و شرط لها سكناها حياتها . و حمل إلى عائشة المال ، فما رامت من مجلسها حتى قسمته .
و يقال : اشتراه ابن الزبير من عائشة ، بعث إليها ـ يقال ـ خمسة أجمال بخت تحمل المال ، فشرط لها سكناها ، حياتها ، فما برحت حتى قسمت ذلك الخ . . " 13 .
و لا ينبغي أن يتوهم : أن المقصود ببيت عائشة هنا هو البيت الذي أخذته من سودة ، التي توفيت من أواخر خلافة عمر ، إذ قد :
أسند ابن زبالة ، عن هشام بن عروة ، قال : إن ابن الزبير ليعتد بمكرمتين ما يعتد أحد بمثلها : إن عائشة أوصته ببيتها و حجرتها ، و إنه اشترى حجرة سودة 14 .
فعائشة قد باعت بيتها و اكلت ثمنه ، فمن أين يقولون إن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قد دفن في حجرتها ؟!
و احتمال أن يكون المقصود هو بيتها المستحدث ، لا يصح ، لأن سياق الكلام ناظر إلى حجر أزواج النبي ( صلى الله عليه و آله ) التي كانت لهن من قبله ( صلى الله عليه و آله ) . كما ان معاوية لا يدفع هذا المال الكثير إلا لينال شرفاً ، أو ليحرم الآخرين شرفاً بزعمه . . إلا ان كان هدفه هو تعظيم شأن عائشة ، و لكن هذا بعيد عن سياسته تجاهها ، فإن العلاقات بينهما لم تكن على ما يرام بسبب موقفه من آل الزبير و غيرهم ممن تحبهم .
و ثالثاً : هم يقولون : إن الموضع قد ضاق حتى لم يعد يسع إلا موقع قبر واحد ، فدفن فيه عمر . .
فقد روى البخاري ، و غيره : أن عمر بن الخطاب لما أرسل إلى عائشة يسألها أن يدفن مع صاحبيه ، قالت : كنت أريده لنفسي ، فلأوثرنه اليوم على نفسي . . 15 .
قال ابن التين : " كلامها في قصة عمر يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد " 16 . و يؤيد ذلك : أنه " لما أرسل عمر إلى عائشة ؛ فاستأذنها أن يدفن مع النبي ( صلى الله عليه و آله ) و أبي بكر فأذنت ، قال عمر : إن البيت ضيق ، فدعا بعصا ؛ فأتي بها فقدر طوله ، ثم قال : احفروا على قدر هذه " 17 .
و أيضاً . . فقد رووا : أنه جاف بيت النبي ( صلى الله عليه و آله ) من شرقيه ، فجاء عمر بن عبد العزيز ، و معه عبد الله بن عبيد الله ، بن عبد الله بن عمر ، فأمر ابن وردان : أن يكشف عن الأساس ، فبينا هو يكشفه إلى أن رفع يده و تنحى واجماً ، فقام عمر بن عبد العزيز فزعاً ، فقال عبد الله بن عبيد الله : لا يروعّنك ، فتانك قدما جدك عمر بن الخطاب ، ضاق البيت عنه ، فحفر له في الأساس الخ . .
و في الصحيح ، قال عروة : ما هي إلا قدم عمر 18 .
و إذ قد عرفنا : أن الحجرة التي دفن فيها النبي ( صلى الله عليه و آله ) قد ضاقت حتى دفن عمر في الأساس . .
فلننظر إلى بيت عائشة الذي كانت تسكن و تتصرف فيه . . فإننا نجده واسعاً و كبيراً . . و بقيت تتصرف فيه في الجهات المختلفة ، فليلاحظ ما يلي :
1ـ مـا تقدم من أن عائشة قد باعت بيتها لمعاوية ، أو لابن الزبير و إذا كانت الحجرة قد ضاقت على عمر حتى دفن في الأساس ، فإن النتيجة تكون هي : أن الموضع الذي دفن فيه النبي ( صلى الله عليه و آله ) لم يكن هو بيت عائشة ، كما تقول هي ، و إنما هو لغيرها . . أي أنه لفاطمة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها كما سيتضح . .
2ـ إن عائشة قد عرضت على عبد الرحمن بن عوف أن يدفن مع النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) . . 19 .
كما و منع بنو أمية من دفن الحسن عند جده ، حينما علموا أن الحسين يريد دفنه هناك 20 .
بل يقال : إنها هي التي تزعّمت عملية المنع عن دفنه هناك . . 21 و إن كنا نرى البعض يدعي أنها قد أذنت في ذلك ، لكن بني أمية قد منعوا منه . . 22 كما أنهم يروون أن عيسى بن مريم سوف يكون رابع من يدفن هناك . . 23 و أيضاً . . فإن نفس عائشة بعد أن تصف القبور الثلاثة تقول : " و بقي موضع قبر" 24 .
بل إن مما يدل على أن موضع إقامتها كان واسعاً ، هو قولها : ما زلت أضع خماري ، و اتفضل في ثيابي حتى دفن عمر ، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني و بين القبور جداراً . . 25 و عن مالك قال : قسمت بيت عائشة قسمين : قسم كان فيه القبر ، و قسم تكون فيه عائشة بينها حائط 26 .
عجيب!! . . و هل بلغ بها التقى أن صارت تتستر من الأموات و هم في قبورهم ؟! . .
فكيف إذن لم تتستر من عشرات الألوف من الرجال الأحياء حينما خرجت لتحارب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب الجمل ، و غيرها ؟! . .
و كيف توصي ابن الزبير بأن لا يدفنها مع النبي ( صلى الله عليه و آله ) لأنها لا تحب ان تزكى 27 .
أو لأنها قد احدثت بعده ؟
فلم لم تعلل ذلك بوجود عمر ؟
أليست جثة عمر لا تزال موجودة في ذلك الموضع ؟! . .
و على كل حال . . فإنه بعد دفن النبي ( صلى الله عليه و آله ) في تلك الحجرة قد أخليت من ساكنيها و أظهرت للناس . و كان أول من بنى على بيت النبي ( صلى الله عليه و آله ) جداراً عمر بن الخطاب .
قال عبيد الله بن أبي يزيد : كان جداره قصيراً ، ثم بناه عبد الله بن الزبير . . 28 .
و عن المطلب قال : كانوا يأخذون من تراب القبر ، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم ، و كانت في الجدار كوّة ، فكانوا يأخذون منها ، فأمرت بالكوّة فسدّت 29 :
أو أنهم سدوا أو ستروا على القبر بعد محاولة الحسين دفن أخيه الحسن هناك 29 ، اتقاء لمثل هذا الأمر حتى لا يتكرر بعد . .
و يبدو أن عائشة قد سكنت قريب القبور ، و الظاهر بل المقطوع به هو أن هذا البيت هو صحن دار فاطمة كما سنرى قد استولت عليه عائشة بمعونة الهيئة الحاكمة . . بعد أن أخلاه أصحابه ـ بعد دفن النبي ( صلى الله عليه و آله ) في حجرتهم ، و أظهر قبره ( صلى الله عليه و آله ) للناس كما قلنا . . وبعد أن منعتهم السلطة من إرث النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم . .
رابعاً : إن الأدلة تدل على أنه ( صلى الله عليه و آله ) قد دفن في بيت ابنته فاطمة الزهراء ( عليه السلام ) ، كما ان عائشة كانت مستقرة في دار بيت فاطمة ( عليه السلام ) هذا ، و ضربت جداراً بينها و بين القبور و بقيت في هذا البيت الطاهر ـ كما قدمنا ـ الذي كان في وسط بيوت أزواج النبي ( صلى الله عليه و آله ) كما ذكره ابن عمر 30 .
و نستند في ذلك إلى ما يلي :
1ـ روى الصدوق في أماليه رواية مطوّلة ، عن ابن عباس ، جاء فيها : " . . فخرج رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و صلّى بالناس ، و خفف الصلاة ، ثم قال : ادعوا لي علي بن أبي طالب ، و أسامة بن زيد ، فجاءا ، فوضع ( صلى الله عليه و آله ) يده على عاتق علي ، و الأخرى على أسامة ، ثم قال : انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها ، فإذا الحسن و الحسين . . " ثم ذكر قضية وفاته هنا 31 .
2ـ قال السمهودي : " أسند ابن زبالة ، و يحيى بن سليمان بن سالم ، عن مسلم بن أبي مريم ، و غيره : كان باب فاطمة بنت رسول الله في المربعة التي في القبر ، قال سليمان : قال لي مسلم : لا تنس حظّك من الصلاة إليها ، فإنها باب فاطمة ( رض ) ، الذي كان علي يدخل عليها منه" 32 .
و عن ابن أبي مريم : " إن عرض بيت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور قال : و كان بابه في المربعة التي في القبر .
و قد أسند أبو غسان ، كما قال ابن شبة ، عن مسلم بن سالم بن مسلم أبي مريم ، قال : عرس علي ( رض ) بفاطمة بنت رسول الله إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور . و كانت داره في المربعة التي في القبر .
و قال مسلم : لا تنس حظّك من الصلاة إليها ، فإنه باب فاطمة ، التي كان علي يدخل إليها منها ، و قد رأيت حسن بن زيد يصلّي إليها " 33 .
فهل كان علي عليه السلام يدخل على زوجته من وسط حجرة عائشة ؟ أم أن عائشة او غيرها من زوجاته ( صلى الله عليه و آله ) كانت من محارمه ( عليه السلام ) ؟! إن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن ذلك الموضع هو بيت فاطمة التي ظلمت في مماتها ، كما ظلمت في حياتها : ﴿ ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ 34 . . و ليس بيت عائشة كما تريد أن تدعي هي و محبوها !! . .
3ـ إن لدينا ما يدل على أن شرقي الحجرة كان في بيت فاطمة ـ و إذن . . فعائشة كانت تسكن في بيت فاطمة حينما ضربت الجدار !! . .
"قال ابن النجار : و بيت فاطمة اليوم حوله مقصورة ، و فيه محراب ، و هو خلف حجرة النبي ( صلى الله عليه و آله ) . قلت ( أي السمهودي ) : الحجرة اليوم دائرة عليه ، و على حجرة عائشة بينه و بينه موضع تحترمه الناس ، و لا يدوسونه بأرجلهم ، يذكر أنه موضع قبر فاطمة( رض ) . و قد اقتضى ما قدمناه : أن بيت فاطمة كان فيما بين مربعة القبر ، و اسطوان التهجد " 35 .
و عن مدفن فاطمة ( عليه السلام ) يرى ابن جماعة أن أظهر الأقوال هو أنها دفنت في بيتها " و هو مكان المحراب الخشب داخل مقصورة الحجرة الشريفة من خلفها ، وقد رأيت خدام الحضرة يجتنبون دوس ما بين المحراب المذكور وبين الموضع المزور من الحجرة الشريفة الشبيه بالمثلث ، و يزعمون أنه قبر فاطمة " 36 .
و من الواضح : أن اسطوان التهجد يقع على طريق باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) مما يلي الزوراء 37 . أي خلف بيت فاطمة 37 .
قال السمهودي عن موضع تهجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) : " قلت : تقدم في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أن الموضع المذكور كان خارج المسجد تجاه باب جبريل قبل تحويله اليوم . و هو موافق لما سيأتي عن المؤرخين في بيان موضع هذه الاسطوانة " 37 .
و إذا كان كذلك فإن بيت علي يقع بين باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) و الحجرة الشريفة ، و باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) هو أول الأبواب الشرقية مما يلي القبلة ، و قد سد الآن ، و يقولون : إنه سمي بذلك لا لأن النبي ( صلى الله عليه و آله ) كان يدخل منه بل لأنه في مقابل حجرة عائشة . . بل نجد ابن النجار يصرح بأن هذا الباب هو نفسه باب علي عليه السلام . . 37 .
و هذا يعني أن ما بين الحجرة التي فيها القبر الشريف ، وباب النبي ( صلى الله عليه و آله ) كان من بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، و حيث دفنت . ( و يدل عليه أنها دفنت عليها السلام داخل مقصورة الحجرة من خلفها . . أي تماماً حيث كانت عائشة مقيمة ، بعد أن ضربت الجدار على القبور التي كانت مكشوفة لكل أحد ، فتصرفت فيه عائشة بمساعدة السلطة بعد أن تركه أهله الذين حرموا منه بسبب حرمانهم من إرث نبيهم ، أو بسبب ضغوط أخرى لم يستطع أن يصرح لنا بها التاريخ . .
4ـ و يدل على ما ذكرناه أيضاً قول السمهودي في مقام بيان موضع باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و باب جبريل . . : " الثاني : باب علي ، الذي كان يقابل بيته الذي خلف بيت النبي " .
و قال أيضاً : " و يحتمل أن بيت علي ( رض ) كان ممتداً في شرقي حجرة عائشة ( رض ) إلى موضع الباب الأول ( يعني باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) فسمي باب علي بذلك ، و يدل له : ما تقدم عن ابن شبة في الكلام على بيت فاطمة ، من أنه كان فيما بين دار عثمان التي في شرقي المسجد ، وبين الباب المواجه لدار أسماء و يكون تسميته الباب الثاني بباب النبي ( صلى الله عليه و آله ) لقربه من بابه الخ . ." 38 .
و إذن . . فبيت فاطمة يكون ممتداً من شمالي الحجرة التي دفن فيها النبي ( صلى الله عليه و آله ) إلى شرقيها ـ و إذا صح كلام ابن شبة هذا ـ فإنه يصل إلى قبليها أيضاً . . و المفروض ان باب فاطمة و علي كان شارعاً في المسجد أيضاً . . فكيف استدار بيت فاطمة على بيت عائشة و طوقه بهذا الشكل العجيب من الشمال إلى الشرق . . و يحتمل إلى القبلة أيضاً ؟! . . عجيب!! و اي عجيب !! . .
و إذن فما معنى أن تسكن عائشة في شرقي الحجرة و تضرب بينها و بين القبور جداراً ؟
أو ليس شرقي الحجرة كان جزءاً لبيت فاطمة ؟!
و كيف يكون باب بيت فاطمة في نفس حجرة عائشة ؟!
و هل هناك مسافات شاسعة بين المسجد ، و بين باب النبي ( صلى الله عليه و آله ) أو باب جبريل تسع عدة بيوت و حجر ؟!
إن كل ذلك يدل على صحة رواية الصدوق المتقدمة و أنه ( صلى الله عليه و آله ) قد توفي ، و دفن في دار فاطمة ، لا في دار عائشة . .
و نعتقد : أنه قد انتقل من دار عائشة إلى دار فاطمة في نفس اليوم الذي توفي فيه ، و هو يوم الاثنين 39 ، و ذلك لأنه في يوم الاثنين ، و حين صلاة الفجر كان لا يزال في بيت عائشة الذي لجهة القبلة ، إذ قد روى البخاري : " أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين و أبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم ، و هم في صفوف الصلاة . . إلى أن قال : و همَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ؛ فرحاً برسول الله ( صلى الله عليه و آله ) . ." 40 .
و بضم رواية الصدوق المتقدمة الدالة على أنه ( صلى الله عليه و آله ) خرج فصلى في الناس و خفف الصلاة ، ثم وضع يده على عاتق علي ( عليه السلام ) و الأخرى على عاتق أسامة ، ثم انطلقا به إلى بيت فاطمة ، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها ، ثم يذكر قضية استئذان ملك الموت ، ثم كانت وفاته بعد مناجاته لعلي ( عليه السلام ) ؛ فراجع . .
فبضم هذه الرواية إلى ما تقدم نفهم أنه قد انتقل إلى بيت فاطمة في نفس اليوم الذي توفي فيه ، بعد أن صلى بالناس . و أما أنه رفع الستر ثم عاد فأرخاه ؛ فلم يروه حتى توفي حسبما ذكرته رواية البخاري الآنفة الذكر ، فلا يصح ؛ لأن رواية ابن جرير تصرح بأنه عزل أبا بكر عن الصلاة في نفس اليوم الذي توفي فيه ، فراجع 41 .
و بعد ذلك كله . . فإنه لا يبقى أي شك أو ريب في أنه ( صلى الله عليه و آله ) قد دفن في بيت فاطمة ، لا في بيت عائشة و لكن فاطمة قد ظلمت بعد مماتها كما ظلمت في حال حياتها . . " و سيعلم الذين ظلموا آل محمد ، عن طريق تزوير الحقيقة و التاريخ ، فضلاً عن مختلف أنواع الظلم الأخرى . . أي منقلب ينقلبون . . " 42 .

  • 1. السيرة النبوية لابن كثير : 4 / 541 .
  • 2. راجع كل ذلك في وفاء الوفاء : 2 / 706 .
  • 3. رحلة ابن بطوطة : 72 .
  • 4. وفاء الوفاء : 2 / 543 .
  • 5. المصدر السابق : 2 / 719 .
  • 6. وفاء الوفاء : 2 / 542 و 459 و 460 .
  • 7. راجع : وفاء الوفاء : 2 / 435 و 459 و 517 ، و ليراجع أيضاً 693 .
  • 8. راجع : وفاء الوفاء : 2 / 435و 459و 517 ، و ليراجع أيضاً 693 .
  • 9. صحيح البخاري : 1 / 229و226 ، طبعة سنة 1309ﻫ ، و طبقات ابن سعد : 8 / 119 ، و فتح الباري : 4 / 236 عن أحمد و النسائي ، و وفاء الوفاء : 2 / 541 و 542 .
  • 10. وفاء الوفاء : 2 / 542 .
  • 11. راجع : طبقات ابن سعد : 1 / 181 قسم 2 و 8 / 119 قسم 2 ؛ و وفاء الوفاء : 2 / 459 .
  • 12. وفاء الوفاء : 2 / 542 .
  • 13. طبقات ابن سعد : 8 / 118 ، و وفاء الوفاء : 2 / 464 عنه و ليراجع حلية الأولياء : 2 / 49 .
  • 14. وفاء الوفاء : 2 / 464 .
  • 15. صحيح البخاري طبعة سنة 1309 ﻫ : 1 / 159 و 2 / 191 ، و وفاء الوفاء : 2 / 557 .
  • 16. فتح الباري : 3 / 205 ، و وفاء الوفاء : 2 / 557 .
  • 17. طبقات ابن سعد : 3 قسم 1 / 264 .
  • 18. وفاء الوفاء : 2 / 545 و 554 عن ابن زبالة ، و يحيى و ليراجع البخاري : 1 / 159 ، و طبقات ابن سعد : 3 قسم1 / 168 .
  • 19. وفاء الوفاء : 2 / 557 و 3 / 899 عن ابن شبة ، و ابن زبالة .
  • 20. أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي : 3 / 60 و 62 و 64 و 65 ، و شرح النهج للمعتزلي : 16 / 13 ، و مقاتل الطالبيين : 74 ، و وفاء الوفاء : 2 / 548 ، و تاريخ ابن عساكر ، ترجمة الحسن ( عليه السلام ) الحديث رقم 337 فما بعده ، و 21 / 38 ، و 64 / 99 . كما ذكره المحمودي .
  • 21. مقاتل الطالبيين : 75 ، و تاريخ اليعقوبي : 2 / 225 ط صادر .
  • 22. مقاتل الطالبيين : 75 ، و وفاء الوفاء : 3 / 908 و 2 / 557 .
  • 23. وفاء الوفاء : 2 / 557 عن يحيى و سنن الترمذي ، و منتظم ابن الجوزي و الطبراني ، و ابن النجار ، و الزين المراغي .
  • 24. وفاء الوفاء : 2 / 557 .
  • 25. طبقات ابن سعد : 3 قسم1 / 264 ، و وفاء الوفاء : 2 / 543 و 544 عنه و عن ابن زبالة . .
  • 26. وفاء الوفاء : 2 / 564 ـ 565 .
  • 27. صحيح البخاري : 4 / 170 طبعة سنة 1309ﻫ . و فتح الباري : 3 / 204 ، و وفاء الوفاء : 2 / 557 .
  • 28. وفاء الوفاء : 2 / 544 ، عن ابن سعد . .
  • 29. a. b. وفاء الوفاء : 2 / 548 عن ابن سعد .
  • 30. راجع : سفينة البحار : 1 / 115 .
  • 31. أمالي الشيخ الصدوق طبعة النجف سنة 1391ﻫ . المجلس الثاني و التسعون / 569 .
  • 32. وفاء الوفاء : 2 /450 .
  • 33. وفاء الوفاء : 2 / 467 و 469 على الترتيب .
  • 34. القران الكريم : سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 227 ، الصفحة : 376 .
  • 35. وفاء الوفاء : 3 / 469 و المناقب لابن شهر أشوب : 3 / 364 و نهج الصباغة : 5 / 19 و رحلة ابن بطوطة : 70 و معاني الأخبار : 254 و البحار : 43 / 185 و الكافي طبعة الإسلامية 1 / 383 و الوسائل : 10 / 288 و في هامشه عن التهذيب للشيخ الطوسي ، و عن من لا يحضره الفقيه للصدوق .
  • 36. وفاء الوفاء : 3 / 906 .
  • 37. a. b. c. d. وفاء الوفاء : 2 / 451 و 450 و 452 و 688 .
  • 38. وفاء الوفاء : 2 / 688 و 689 و ليراجع : 469 ـ 470 .
  • 39. راجع : قاموس الرجال جلد 11 رسالة في تواريخ النبي و الآل للتستري صفحة 36 .
  • 40. راجع : البخاري طبعة سنة 1309ﻫ : 3 / 61 و 1 / 82 و الرواية و إن كانت قد ذكرت إقرار النبي ( صلى الله عليه و آله ) لأبي بكر على الصلاة لكن ذلك غير صحيح . و لهذا البحث مجال آخر .
  • 41. راجع كنز العمال : 7 / 198 عن ابن جرير .
  • 42. 6 جمادى الثانية 1400ﻫ . جعفر مرتضى العاملي